المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
السيد يسين
السيد يسين

التاريخ الشعبى لمصر فى فترة الحكم الناصرى

الخميس 19/نوفمبر/2015 - 01:23 م

أقتبس عنوان هذا المقال مباشرة من الكتاب الذى نشره أخيرا فى الهيئة المصرية العامةللكتاب باحث علمى مبدع هو الدكتور «خالد أبوالليل» أستاذ مساعد الأدب الشعبىبآداب القاهرةوللكتاب عنوان فرعى دال هو «رؤية جديدة من وجهة نظر المهمشين».

والواقع أن هذا الكتاب الفريد سيحدث ثورة فى الكتابات التاريخية المصرية التى عادةما تركز على القادة والزعماء وتعتمد -أكثر ما تعتمدعلى الوثائق إن وجدت أوعلى السير الذاتية لهم.

غير أن هذا البحث الذى يؤرخ شعبيا لحقبة ثورة 23 يوليو 1952 منذ بداية الثورة حتىوفاة زعيمها «جمال عبد الناصر» يمارس كتابة التاريخ من أسفل From Belowوليس «من أعلى» معتمدا على التاريخ الشفهى.

وحتى نضع هذا الكتاب غير المسبوق فى وضعه النظرى والمنهجى الصحيح سأقتبسفقرة مهمة من مقال لى نشرته فى جريدة «الأهرام» بتاريخ 30 مايو 2002 وكانعنوانه «كتابة التاريخ من القمم إلى السفوح». وبعد مقدمة قصيرة تحدثت فيها عناهتماماتى الأصيلة بعلم التاريخ منذ بداية تكوينى العلمى فى المركز القومى للبحوثالاجتماعية والجنائية فى منتصف الخمسينيات التى صقلتها فى بعثتى العلمية إلىفرنسا (1964-1967) ناقشت فى فقرة أساسية موضوع «كيف يكتب التاريخ»؟

كيف يكتب التاريخ؟

ظلت كتابة التاريخ لآماد طويلة تركز على تاريخ النخب السياسية والاقتصادية والفكرية،أى تاريخ «القمم» بحيث أنها نادرا ما تطرقت إلى تاريخ الناس العاديين الذى يقبعونفى «سفوح المجتمعات» إن صح التعبير.

غير أنه حدثت فى العقود الأخيرة ثورة نظرية ومنهجية فى كتابة التاريخ، بحيث أخذيشتد الاهتمام بتاريخ المواطنين العاديين الذى تجاهلتهم الكتابات التاريخية التقليديةردحا طويلاً من الزمانوهذه الكتابة الجديدة أصبح يطلق عليها منذ منتصفالستينيات «التاريخ من أسفل» «History from below» وقد تكفل الباحث «جيمشارب» فى فصل بنفس العنوان بالتأريخ لصعود هذه الكتابة الجديدة فى كتاب مهمصدر عام 2001، عنوانه «منظورات جديدة فى الكتابة التاريخية» أشرف على تحريرهبيتر بيرك ونشرته دار نشر «بوليتى».

ويؤرخ زجيم شاربس بدقة لصعود هذا التاريخ الجديدويقرر أنه ربما كانت من أولىالإشارات إلى أهمية ممارسته قصيدة كتبها الكاتب المسرحى الألمانى الشهير «برتولدبرخت» ونشرها بعنوان «أسئلة يطرحها عامل يمارس القراءة» والتى ورد فيها أهميةكتابة تواريخ الناس العاديين بدلا من الانغلاق فى التاريخ للأشخاص الذين يقبعون فىالقمةغير أن المعالجة المتكاملة للموضوع جاءت فى مقالة للمؤرخ الإنجليزى «إداوردتوميسون» الذى كتب هو نفسه كتابه المعروف «تاريخ الطبقة العاملة الإنجليزية» وذلكفى مقال له نشر عام 1966 فى الملحق الأدبى لجريدة التايمز بعنوان «التاريخ منأسفل». ومنذ هذا التاريخ دخل هذا المفهوم فى إطار اللغة التى يستخدمها المؤرخون.وفى عام 1985 نشر كتاب بعنوان «التاريخ من أسفلدراسات فى الاحتجاج الشعبىوالإيديولوجية الشعبية» حرره فردريك كرانتز وحفل بفصول شتى فى الموضوعوتوالتبعد ذلك الدراسات والكتب التى حاولت أن تؤصل الموضوع وترسخ المفهوم.

وأصبح هذا المنظور التاريخى له جاذبية خاصة وخصوصا لشباب المؤرخين الذىيطمحون إلى فتح آفاق جديدة لعلم التاريخ، وطرق ميادين بحث مستحدثة، وقبل ذلكحكاية تاريخ الناس البسطاء من النساء والرجال الذين تم تجاهلهم فى الكتاباتالتاريخية التقليديةولا يعنى ذلك أن هذا المنظور الجديد لا يواجه مشكلات متعددةفى التطبيق، فالعكس هو الصحيحولعل أهم هذه المشكلات هو مدى صحة الأدلةالتى يتوصل إليها المؤرخ الجديد فى ضوء المادة التاريخية الأصلية.

غير أنه إذا كان توميسون فى عرضه لتاريخ الطبقة العاملة الإنجليزية لم يجد صعوبةفى العثور على اليوميات والمذكرات والخطابات والمواد الأخرى التى صاغ علىضوئها تاريخ الطبقة، فإن الرجوع إلى الوراء كثيرا تحوطه صعاب متعددة، لأنه منالصعب العثور على مثل هذه المواد قبل القرن الثامن عشر.

غير أن المشكلات الأخرى لها طابع نظرى، لعل أهمها ما هى الفئات التى يمكنالقول إنها تقبع فى «أسفل» البناء الاجتماعى؟ وما الذى يمكن أن نفعله بهذا التاريخحتى لو نجحنا فى كتابته؟

هذا السؤال الذى أثرته فى مقالتى القديمة أتيح لباحث مبدع هو «خالد أبوالليل» أنيجيب عنه فى كتابه الفذ.

فقد يكون فى إهداء الكتاب مفتاح الإجابة عن هذا التساؤل وهو كما ورد فى الكتاب- «إلى الغلابة من أبناء هذا الوطن صانعى الحدث أو من يسارعون للدفاع بصدورهمعنه فى وجه الأعداء وأول من يكتوون بناره بعد الانتصار، وآخر من يفكر فيهم منكانوا سببا فى تتويجه بتاج الرئاسة».

ويكشف المؤلف عن هدفه من بحثه الذى نشره فى أكثر من سبعمائة صفحة «بعدمرور أكثر من 60 عاما على ثورة يوليو 2591 أسئلة شتى تدور فى ذهننا حول قيامالثورة، كنيتها وأهدافها ونتائجها من وجهة نظر المهمشين بما يحملونه من ذكريات حولهذا الحدثيحاول البحث عن إجابة هذه التساؤلات وغيرها من خلال النبش فى ذاكرةهؤلاء المسنين من البسطاء المهمشين، ممن شاركوا فى صناعة الحدث بالطبعليستوسيلتنا فى ذلك التاريخ الرسمى - وأدواته ومنهجياته ونتائجهذلك التاريخ الذى اهتمبالنخبة من القادة والعظماء وتجاهل من عايشوه ممن وقع عليهم الحدث أو صنعوه،وإنما هدفنا هو محاولة إعادة التاريخ لثورة يوليو 1952 من وجهة نظر المهمشينوالضحايا، ممن لم يلتفت لهم التاريخ الرسمى، إنها محاولة لإنطاق البسطاء ممنأخرسهم المؤرخون الرسميون وتحدثوا باسمهم فهمشوهم بهدف تمجيد القادة الأفراد».

وإذا كانت هذه هى المقدمة التى تعبر بوضوح شديد عن فلسفة البحث فلابد لنا أننشير فى إشارة موجزة إلى خطة الباحثينقسم الكتاب إلى جزءين الجزء الأول فيهفصلان نظريان الأول عن «التاريخ الشفاهىالأصول النظرية الغربية والتجلياتالعربية، والثانى عن الدراسات السابقة فى التاريخ الشفاهىأما الجزء الثانى فموضوعهالتاريخ الشفاهى لمصر فى فترة الحكم الناصرى، وفيه فصلان الأول قيام الثورة بينالبدايات ولحظة الصفر، والثانى التحديات الداخليةصراع السلطة (جمال عبدالناصرومحمد نجيب والإخوان المسلمين)، والفصل الثالث عن التحديات الخارجية الكبرى(الجلاءالتأميمالعدوان الثلاثىالسد العالى)، أما الفصل الرابع فعن«عبدالناصر» ومشروع القومية العربية (الوحدة العربية، حرب اليمنوننتقل فىالفصل الخامس إلى زلزال النكسة وتوابعها، ثم فى الفصل السادس حرب الاستنزاف،وأخيرا نهاية الحلم الناصرى فى الفصل السابع والأخير.

ويلفت النظر أنه بالإضافة إلى قائمة بالمصادر والمراجع فإن المؤلف يورد نماذجمختارة من الحوارات تعكس أهمية الأسئلة ودلالات الأجوبة.

لا أبالغ لو قلت إن هذا الكتاب بمنجه المستحدث وتركيزه على تحليل الذاكرة الجمعيةالشعبية لعينات ممثلة من المهمشين جدير بأن يضع ثورة يوليو 1952 فى موضعهاالصحيح بعيدا عن حقد الموتورين وحذلقة المثقفين وسطحية النقاد.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟