الحرب الضَرُوس: الفَتَاوى بين الإسلاميين والدولة المدنية في الانتخابات البرلمانية
الإثنين 26/أكتوبر/2015 - 11:26 ص
د. شريف درويش اللبان
حربُ فَتَاوى طاحنة بين الإسلاميين بعضِهم البعض كانت تهدفُ إلى صرفِ الناخبين عن الإدلاءِ بأصواتهم؛ فهناك الفتاوى التي أصدرَها الإخوانُ ومناصروهم التي تؤثمُ المشاركةَ في الانتخابات، وتحثُ الناسَ على مقاطعتها، وهناك فتاوى الجبهة السلفية التي تستهدفُ عدم التصويت لحزب النور الذراع السياسية للدعوة السلفية، ولم تتوخَ الدولة المدنية بمؤسستها الدينية الرسمية (الأزهر) وعلمائها الوقوعَ في هذا الفخ الذي نصبَه الإسلاميون، حيث صدرت عديدٌ من الفتاوى التي تحضُ على المشاركة في الإداء بالصوت على أنه شهادة، ومن يكتمُها فإنه آثمٌ قلبُه.
ولم يتورع "حزبُ النور" والدعوة السلفية عن الاستعانة بالفتاوى السعودية لكبارِ شيوخِ السلفية بالمملكة لحثِ قواعدهم على المشاركة، كما أصدرَ مشايخُهم بمصر فتاوى مماثلة. كما حاولَ الحزبُ إقناعَ الإسلاميين على اختلافِ توجهاتهم ومشاربهم للتصويت لحزبِ النور على اعتبار أنه الحزب الأقرب إليهم، وأنه حامي الشريعة الإسلامية في ظل الهجمةِ الشرسة على الإسلام من قِبَلِ العلمانيين والليبراليين والنصارى، رغم أن الحزبَ في إطار براجماتيته السياسية البادية قامَ بترشيحِ نفرٍ من هؤلاء على قوائمه لإثباتِ أنه ليس حزبًا دينيًا، عملاً بمبدأ التقية.
ولم يتورع "حزبُ النور" والدعوة السلفية عن الاستعانة بالفتاوى السعودية لكبارِ شيوخِ السلفية بالمملكة لحثِ قواعدهم على المشاركة، كما أصدرَ مشايخُهم بمصر فتاوى مماثلة. كما حاولَ الحزبُ إقناعَ الإسلاميين على اختلافِ توجهاتهم ومشاربهم للتصويت لحزبِ النور على اعتبار أنه الحزب الأقرب إليهم، وأنه حامي الشريعة الإسلامية في ظل الهجمةِ الشرسة على الإسلام من قِبَلِ العلمانيين والليبراليين والنصارى، رغم أن الحزبَ في إطار براجماتيته السياسية البادية قامَ بترشيحِ نفرٍ من هؤلاء على قوائمه لإثباتِ أنه ليس حزبًا دينيًا، عملاً بمبدأ التقية.
سعد فياض: "مقاطعةُ الانتخابات البرلمانية فريضةٌ شرعية والتصويت على انتخابات نظام 3 يوليو وحزب النور "كبيرة من الكبائر"
أولاً: حربٌ ضَرُوسٌ بين "الجبهة السلفية" و"الدعوة السلفية":
أفتى الدكتور سعد فياض القيادي بـ "الجبهة السلفية" بحُرمةِ المشاركة في الانتخابات البرلمانية قائلاً: "مقاطعةُ الانتخابات البرلمانية فريضةٌ شرعية والتصويت على انتخابات نظام 3 يوليو وحزب النور "كبيرة من الكبائر" مستشهدًا بآياتٍ وأحاديث تدعمُ فتواه". وأضافَ أن "مقاطعةَ هذه الانتخابات فريضةٌ شرعية، والمشاركةَ فيها إثمٌ وخطيئة وأن من يفعلُ ذلك شريكٌ في الإثم"، مستشهدًا بقوله: "وتعاونوا على البرِ والتقوى ولا تعاونوا على الإثمِ والعُدْوَان".
وأوضحَ أنه "من المعلوم أن الحكمَ على الشيء فرعٌ عن تصوره، والانتخاباتُ هي لتثبيتِ أركانِ نظامٍ سياسي قامَ على القتلِ والظُلمِ وخدمةِ مصالحَ الصهاينة، وكُلُ من يخرجُ عن هذا الخط يتعرضُ للاعتقالِ والتصفية، فالمشاركةُ في هذه الانتخابات دعمٌ للظلم وتثبيتٌ له". واستشهدَ فياض بحديثٍ آخرَ يقول "من أَعَانَ ظَالِمًا لِيُدْحِضَ بِبَاطِلِهِ حَقّاً فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ اللـه وَذِمَّةُ رَسُولِهِ"، متابعًا "كما أن الأصلَ في الديمقراطية كما كان حزبُ النور يقول أيامَ مبارك إنها كُفْرٌ، وكل من أجازَ ممارستَها من العلماء قَيَدَ ذلك بضوابطٍ شرعية لا تتحقق في عهدِ السيسي".
وتابع: "يكفي أن الإسلاميين حصلوا على أغلبيةٍ في المجلسِ السابق، ولم يحققوا هذه الضوابط وتمَ حَلُه، ويَصْدُقُ على مِثْلِ ذلك قولُهُ تعالى:{ وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا}، مختتمًا "المشاركةُ تكون من قَبيلِ الشهادة والتوكيل ، والشرعُ حذرَ من شَهادةِ الزُور ومن توكيلِ الظالمِ وأعوانِه".
واتهمَ فياض حزبَ "النور" بأنه "يُدَلِسُ على الناس بحُجَجٍ واهية للحصول على أصوات المواطنين في الانتخابات القادمة، وبعضُ البسطاء وضِعَافِ النفس يبدون تجاوبًا مع هذه التُرَهَات". وأشارَ إلى أن "ما يُوافقُ أدلةَ الشَرع وفَهم الواقع أن التصويتَ لهم هو كبيرةٌ على أقل أحواله، وأنه يحملُ وِزْرَ أقوالهم ومواقفهم كاملة، فإن التصويت هو شهادة وموافقة تجعلُ صاحبَها شريكًا لهم في الوِزْرِ والإثم".
من جهته وصفَ الدكتور أكرم كساب عضو الاتحاد العالمي لعلماءِ المسلمين المشاركةَ في الانتخابات البرلمانية بـ"الجريمةِ الكُبرى"؛ لأنها بحسب قولِه مشاركةً ضِمنية لـ"عبد الفتاح السيسي" في سفكِ الدماءِ البريئة في رابعة. وأضافَ كساب "المشاركةُ في الانتخابات مجرد موافقة للبُغاةِ المحاربين الذين خرجوا على أولِ رئيسٍ مُنتخب، وهي بذلك تؤسسُ لدكتاتوريةٍ جديدة".
وقال إن الانتخاباتِ المُرتقبة هي "مجردُ مشاركةٍ صُورية مثلها كمثلِ مشاركةِ حمدين صباحي زعيمِ "التيارِ الشعبي" في الانتخاباتِ الرئاسية السابقة"، متهمًا النظامَ بأنه "يحاربُ مظاهرَ التديُنِ ويعادي المسلمين بكلِ صورِ المعادة ويتقربُ ويتزلفُ إلى النصارى دون حياءٍ أو خجل".
ثانيًا: ثورة الأقباط ضد الانتهازية السياسية لحزب النور
فتحَ سياسيون أقباط النارَ على يونس مخيون رئيس حزب النور بعدما أكدَ أن حزبَه اضطرَ لترشيحِ الأقباطِ على قوائمه التزامًا بالدستور، وأن الأحزابَ اضطرت لترشيحِهم التزامًا بالدستور، ولولاه ما أقدمَ حزبٌ سياسي على ذلك. واعتبرَ جمال أسعد البرلماني السابق تصريحاتِ مخيون أولَ اعترافٍ من الحزب ببراجماتيته وانتهازيته السياسية؛ حيث أقرَ أن ترشيحَ الأقباط على قوائمه مجردَ إلزامٍ دستوري دونَ إيمانٍ حقيقي بذلك، مؤكدًا أن "حزبَ النور" لا يؤمنُ بحقوقِ الأقباطِ السياسية ولا المواطنة، بل يعتبرُ الأقباطَ مواطنين من الدرجة الثانية، ويُحَرِمُ معايدتهم في الأعياد وغيرها من الفتاوى التي تصدرُ عن "الدعوة السلفية" الأب الشرعي لحزبِ النور. وأشارَ أسعد إلى أن تصريحاتِ مخيون تفضَحُ أكاذيبَ الحزب الذي قال إنه ليس حزبًا دينيًا وانتهزَ فرصةَ ترشيحِ الأقباط على قوائمه ليؤكدَ أنه حزبٌ سياسي، مُعتبرًا أن الأقباطَ الذين قَبِلوا الترشحَ على قوائمِ "النور" انتهازيون تنازلوا عن حقِ المواطنة في مقابلِ الترشحِ على قوائمِ البرلمان. وأضافَ أسعد: الأقباطُ المرشحون على قوائمِ "النور" أسقطوا إنسانيتهم ولا يعنيهم التمسكَ بالمسيحية، بعد أن وافقوا على الانضمامِ لحزبٍ يُعَادِي دينهم ويسيءُ لعقيدتِهم جهارًا نهارًا.
أما الكاتبُ الصحفي سليمان شفيق فأكدَ أن تصريحاتِ مخيون تتسقُ مع رؤيةِ "حزبِ النور" السياسية التي لا تحترمُ القانونَ ولا الدولةَ المدنية، ولكنه حزبٌ ينفذُ التَقِيَة، مُعَبِرًا عن أسفِه من وجود الحزب ضمنَ الأحزابِ الشرعية التي لها مرشحون في الانتخابات البرلمانية. وأرجعَ شفيق العيبَ على الدولة التي سمحت لحزب النور بالوجود وقَنْنَت وجودَه، رغم أنه أخطر من الإخوان، معتبرًا الأقباطَ المرشحين على قوائمه مرتزقة حاولوا إيجادَ فرصة لدخولِ البرلمان لأنهم إن قاطعوا ما تمكنَ الحزبُ من الترشُحِ نهائيًا.
وقد هاجمت الحركاتُ القبطية مرشحي الأقباط على قوائمِ "حزبِ النور"، حيث وصفَ د.مينا مجدي عضو المكتب التنفيذي لائتلاف شباب ماسبيرو، ترشحَ الأقباطِ على قوائمِ "حزبِ النور" بالانتهازية السياسية، مؤكدًا أن الحزبَ استغل الأقباط لضمانِ الترشحِ في الانتخابات وفقًا للنسبِ التي يُقِرَها الدستور، رغم أن ذلك يتناقض مع أيديولوجيته، بينما انتهزَ مرشحو "النور" من الأقباط فرصةَ الترشح للانتخابات على قوائم حزبٍ سلفي له قواعدٌ ثابتة قد يُكْتَبُ له النجاح ومن ثم يدخلون البرلمان. وأضافَ أن مرشحي "النور" من الأقباط ليس لديهم شعبية بين جموعِ الأقباط وغالبيتهم ينتمون إلى حركةِ أقباط 38 التي أسَسَها المضارون في مشاكلِ الأحوالِ الشخصية مع الكنيسة، ولا تتمتعُ بقبولٍ شعبي فرأوا دخولَ البرلمان بهذه الطريقة.
أفتى الدكتور سعد فياض القيادي بـ "الجبهة السلفية" بحُرمةِ المشاركة في الانتخابات البرلمانية قائلاً: "مقاطعةُ الانتخابات البرلمانية فريضةٌ شرعية والتصويت على انتخابات نظام 3 يوليو وحزب النور "كبيرة من الكبائر" مستشهدًا بآياتٍ وأحاديث تدعمُ فتواه". وأضافَ أن "مقاطعةَ هذه الانتخابات فريضةٌ شرعية، والمشاركةَ فيها إثمٌ وخطيئة وأن من يفعلُ ذلك شريكٌ في الإثم"، مستشهدًا بقوله: "وتعاونوا على البرِ والتقوى ولا تعاونوا على الإثمِ والعُدْوَان".
وأوضحَ أنه "من المعلوم أن الحكمَ على الشيء فرعٌ عن تصوره، والانتخاباتُ هي لتثبيتِ أركانِ نظامٍ سياسي قامَ على القتلِ والظُلمِ وخدمةِ مصالحَ الصهاينة، وكُلُ من يخرجُ عن هذا الخط يتعرضُ للاعتقالِ والتصفية، فالمشاركةُ في هذه الانتخابات دعمٌ للظلم وتثبيتٌ له". واستشهدَ فياض بحديثٍ آخرَ يقول "من أَعَانَ ظَالِمًا لِيُدْحِضَ بِبَاطِلِهِ حَقّاً فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ اللـه وَذِمَّةُ رَسُولِهِ"، متابعًا "كما أن الأصلَ في الديمقراطية كما كان حزبُ النور يقول أيامَ مبارك إنها كُفْرٌ، وكل من أجازَ ممارستَها من العلماء قَيَدَ ذلك بضوابطٍ شرعية لا تتحقق في عهدِ السيسي".
وتابع: "يكفي أن الإسلاميين حصلوا على أغلبيةٍ في المجلسِ السابق، ولم يحققوا هذه الضوابط وتمَ حَلُه، ويَصْدُقُ على مِثْلِ ذلك قولُهُ تعالى:{ وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا}، مختتمًا "المشاركةُ تكون من قَبيلِ الشهادة والتوكيل ، والشرعُ حذرَ من شَهادةِ الزُور ومن توكيلِ الظالمِ وأعوانِه".
واتهمَ فياض حزبَ "النور" بأنه "يُدَلِسُ على الناس بحُجَجٍ واهية للحصول على أصوات المواطنين في الانتخابات القادمة، وبعضُ البسطاء وضِعَافِ النفس يبدون تجاوبًا مع هذه التُرَهَات". وأشارَ إلى أن "ما يُوافقُ أدلةَ الشَرع وفَهم الواقع أن التصويتَ لهم هو كبيرةٌ على أقل أحواله، وأنه يحملُ وِزْرَ أقوالهم ومواقفهم كاملة، فإن التصويت هو شهادة وموافقة تجعلُ صاحبَها شريكًا لهم في الوِزْرِ والإثم".
من جهته وصفَ الدكتور أكرم كساب عضو الاتحاد العالمي لعلماءِ المسلمين المشاركةَ في الانتخابات البرلمانية بـ"الجريمةِ الكُبرى"؛ لأنها بحسب قولِه مشاركةً ضِمنية لـ"عبد الفتاح السيسي" في سفكِ الدماءِ البريئة في رابعة. وأضافَ كساب "المشاركةُ في الانتخابات مجرد موافقة للبُغاةِ المحاربين الذين خرجوا على أولِ رئيسٍ مُنتخب، وهي بذلك تؤسسُ لدكتاتوريةٍ جديدة".
وقال إن الانتخاباتِ المُرتقبة هي "مجردُ مشاركةٍ صُورية مثلها كمثلِ مشاركةِ حمدين صباحي زعيمِ "التيارِ الشعبي" في الانتخاباتِ الرئاسية السابقة"، متهمًا النظامَ بأنه "يحاربُ مظاهرَ التديُنِ ويعادي المسلمين بكلِ صورِ المعادة ويتقربُ ويتزلفُ إلى النصارى دون حياءٍ أو خجل".
ثانيًا: ثورة الأقباط ضد الانتهازية السياسية لحزب النور
فتحَ سياسيون أقباط النارَ على يونس مخيون رئيس حزب النور بعدما أكدَ أن حزبَه اضطرَ لترشيحِ الأقباطِ على قوائمه التزامًا بالدستور، وأن الأحزابَ اضطرت لترشيحِهم التزامًا بالدستور، ولولاه ما أقدمَ حزبٌ سياسي على ذلك. واعتبرَ جمال أسعد البرلماني السابق تصريحاتِ مخيون أولَ اعترافٍ من الحزب ببراجماتيته وانتهازيته السياسية؛ حيث أقرَ أن ترشيحَ الأقباط على قوائمه مجردَ إلزامٍ دستوري دونَ إيمانٍ حقيقي بذلك، مؤكدًا أن "حزبَ النور" لا يؤمنُ بحقوقِ الأقباطِ السياسية ولا المواطنة، بل يعتبرُ الأقباطَ مواطنين من الدرجة الثانية، ويُحَرِمُ معايدتهم في الأعياد وغيرها من الفتاوى التي تصدرُ عن "الدعوة السلفية" الأب الشرعي لحزبِ النور. وأشارَ أسعد إلى أن تصريحاتِ مخيون تفضَحُ أكاذيبَ الحزب الذي قال إنه ليس حزبًا دينيًا وانتهزَ فرصةَ ترشيحِ الأقباط على قوائمه ليؤكدَ أنه حزبٌ سياسي، مُعتبرًا أن الأقباطَ الذين قَبِلوا الترشحَ على قوائمِ "النور" انتهازيون تنازلوا عن حقِ المواطنة في مقابلِ الترشحِ على قوائمِ البرلمان. وأضافَ أسعد: الأقباطُ المرشحون على قوائمِ "النور" أسقطوا إنسانيتهم ولا يعنيهم التمسكَ بالمسيحية، بعد أن وافقوا على الانضمامِ لحزبٍ يُعَادِي دينهم ويسيءُ لعقيدتِهم جهارًا نهارًا.
أما الكاتبُ الصحفي سليمان شفيق فأكدَ أن تصريحاتِ مخيون تتسقُ مع رؤيةِ "حزبِ النور" السياسية التي لا تحترمُ القانونَ ولا الدولةَ المدنية، ولكنه حزبٌ ينفذُ التَقِيَة، مُعَبِرًا عن أسفِه من وجود الحزب ضمنَ الأحزابِ الشرعية التي لها مرشحون في الانتخابات البرلمانية. وأرجعَ شفيق العيبَ على الدولة التي سمحت لحزب النور بالوجود وقَنْنَت وجودَه، رغم أنه أخطر من الإخوان، معتبرًا الأقباطَ المرشحين على قوائمه مرتزقة حاولوا إيجادَ فرصة لدخولِ البرلمان لأنهم إن قاطعوا ما تمكنَ الحزبُ من الترشُحِ نهائيًا.
وقد هاجمت الحركاتُ القبطية مرشحي الأقباط على قوائمِ "حزبِ النور"، حيث وصفَ د.مينا مجدي عضو المكتب التنفيذي لائتلاف شباب ماسبيرو، ترشحَ الأقباطِ على قوائمِ "حزبِ النور" بالانتهازية السياسية، مؤكدًا أن الحزبَ استغل الأقباط لضمانِ الترشحِ في الانتخابات وفقًا للنسبِ التي يُقِرَها الدستور، رغم أن ذلك يتناقض مع أيديولوجيته، بينما انتهزَ مرشحو "النور" من الأقباط فرصةَ الترشح للانتخابات على قوائم حزبٍ سلفي له قواعدٌ ثابتة قد يُكْتَبُ له النجاح ومن ثم يدخلون البرلمان. وأضافَ أن مرشحي "النور" من الأقباط ليس لديهم شعبية بين جموعِ الأقباط وغالبيتهم ينتمون إلى حركةِ أقباط 38 التي أسَسَها المضارون في مشاكلِ الأحوالِ الشخصية مع الكنيسة، ولا تتمتعُ بقبولٍ شعبي فرأوا دخولَ البرلمان بهذه الطريقة.
اعتبرَ جمال أسعد البرلماني السابق تصريحاتِ مخيون أولَ اعترافٍ من حزب النور ببراجماتيته وانتهازيته السياسية
ثالثًا: حزب النور يشن حملات تشويه ممنهجة ضد أحزاب التيار المدني
شنَ "حزبُ النور" السلفي حَمَلاتِهم ضد باقي الأحزاب خاصةً التيار المدني؛ إذ بدأَ الحزبُ في حملاتٍ إعلامية في بعضِ وسائلِ الإعلام التابعة لهم، وكذلك صفحات أعضائهم على مواقع التواصل الاجتماعي، ونشروا أخيرًا عددًا من الدعوات لمؤيديهم للابتعادِ عن التصويتِ للمدنيين وانتخابِ أنصارِهم ومرشحيهم في الانتخابات من أجلِ تطبيقِ الشريعةِ الإسلامية على الجميع، وذلك وفقًا لبيانٍ نشرَهُ أحدُ أعضاءِ الحزب، من خلالِ صفحتِهِ على "فيس بوك". وهاجمَ البيانُ المنشور على صفحاتِ أعضاءِ الحزب "حزبَ المصريين الأحرار"، زاعمًا أنه يخوضُ الانتخاباتِ البرلمانية حتى يرأسَ المهندس نجيب ساويرس رئيس مجلس أمنائه، الحكومةَ الجديدة التي يُشَكِلَهَا البرلمان بالتعاونِ مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، وقال المنشور:"انتخب من يُحْسِنُ تمثيلَك ويسعى في تحقيقِ آمالك والشريعةُ هدفُهُ الأساسي".
ونشرت الصفحةُ نفسها بيانًا آخرَ تحت عنوان "وضوحٌ وطُمُوح".. انتخب مَن يُحْسِنُ تمثيلك ويسعى في تحقيقِ آمالِك والشريعةُ هي هدفُه الأساسي، أما إذا كنت مقاطع فلا تأمن على نفسِك تَسَلُطَ الفَسَدة". "استفتاء" "السادة أهالي باب الشعرية والموسكي وعابدين وجميع المصريين، هل تؤيدون المهندس نجيب ساويرس رئيسًا لوزراءِ مِصر.. إذا كان جوابُك "نعم" فانتخب مرشحَ المصريين الأحرار.. وإن كان "لا" فاختار أي مرشح تريدُه ولك ما شئت". وهكذا، تم تصوير الانتخابات على أنها حربٌ دينية بين المسلمين والنصارى من وجهة نظر حزب النور.
رابعًا: بيانٌ لخمسةِ كِيَانَاتٍ أزهرية يُفتي بحُرمةِ المشاركة في "برلمانِ الدم"
أصدرَ ائتلافٌ مكونٌ من خمسة كِيَانَاتٍ أزهرية في مِصْر فتوى شرعية تفيدُ بحُرمةِ المشاركةِ في الانتخابات البرلمانية. وأكدت الحركاتُ الخمس التي تضمُ عددًا كبيرًا من مشايخِ وعلماءِ الأزهر في بيانٍ مشترك أن عملية الانتخابات البرلمانية باطلة شرعًا، ويحرم المشاركة فيها بكل الصور، مشددين على دعوة جموع الشعب المِصْري لمقاطعتها جُملةً وتفصيلاً.
وقالَ البيانُ الصادر عن كل من (أبناءِ الأزهر الأحرار- الاتحاد العالمي لعلماءِ الأزهر - نقابة الدعاة المصرية - اتحاد شباب الأئمة والوعاظ بالخارج - علماء ضد مصر بأوربا): إنه لا يخفى على أحد ما وصلَ به حالُ الأمة المصرية وما أصابها منذ انقلابِ الثالثِ من يوليو عام 2013م، من قِبَلِ عبد الفتاح وعصابته من السطو على السلطة في مِصْر، ومحو خمسة انتخاباتٍ شعبية، واختطاف الرئيس الشرعي د.محمد مرسي وحكومته وأعضاء البرلمان المنتخبين، وقتل المئات، واعتقال الآلاف، وانتهاك أعراض العشرات، ومصادرة الأموال، وتعطيل المصالح، وازدياد أعداد الفقراء، وزيادة الغلاء، ومساعدة الأعداء، والغدر بالأشقاء، وكل يوم تتراجع مِصْر في كل المجالات إلى الوراء.
وأوضحَ البيانُ أن المشاركةَ في هذه الانتخابات بأيةِ صورة من صورِ المشاركة تساعدُ الرئيس ومن معه في تثبيتِ أركانِ حكمه، وضياعِ حقوقِ دماءِ الشهداء والإفراجِ عن الأبرياء، ومحاكمة من اغتصبَ النساء، ويشاركُه في الدماءِ التي أُسيلت في رابعة والنهضة وغيرهما. واعتبرَ البيانُ أن المشاركةَ نوعٌ من التعاون على الإثم والعدوان الذي نُهينا عنه شرعًا.
كما أن المشاركةَ تُعَدُ أيضًا من الركونِ إلى الذين ظلموا، وقد حرمه الشارعُ الحكيم، كما قال سبحانه: {وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ} [هود: 113]، فضلاً عن كونِها "من بابِ مساعدةِ الظالمِ على ظلمِه، واستدلَ البيانُ بالحديثِ النبوي الذي يقولُ: عن ابن عباس ـ رضي اللـه عنهما ـ عن النبي صلى اللـه عليه وسلم- قال: «مَنْ أَعَانَ ظَالِماً لِيُدْحِضَ بِبَاطِلِهِ حَقّاً فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ الله وَذِمَّةُ رَسُولِهِ».
كما أَطَلَ جلال الخطيب أحدُ كِبَارِ مشايخِ السلفية المصرية علينا بفتوى جديدة حَرَمَ فيها التصويت في الانتخاباتِ للأحزابِ الدينية, داعيًا المواطنين بعدمِ التصويت للمرشحين الإسلاميين قائلاً :" على المواطنين عدم انتخاب أو التصويت للأحزابِ الدينية لأن ذلكَ حرامٌ شرعًا". وأضافَ إن المشاركةَ في الأحزابِ الدينية تمزيقٌ للأمة حيث إن "النور" و"الوسط" و"مصر القوية" لا يجوزُ الانضمامَ لها، وكلُ من يمشون وراءَ "حزبِ النور" هم كالأغنامِ يسيرون مثلَ القطيع".
وفي الوقتِ ذاتِه الذي حرمَ فيه الخطيب التصويتَ للأحزابِ الدينية، أكدَ رفضَه لدعواتِ تكفيرِ الجيشِ المصري قائلاً :" من يُكَفِرُ الجيشَ فهو كافرٌ، فالتكفيرُ له شروطٌ يجب توافرُها، والجيشُ لم يُعلنْ الحربَ على الدين".
خامسًا: حربُ فَتَاوى بين مؤيدي النظام ومعارضيه
قُبَيْلَ انطلاقِ الانتخاباتِ البرلمانية المصرية، اندلعت في الأوساطِ الدينية المصرية حربُ فتاوى بين العلماءِ المؤيدين للنظام الذين اعتبروا المشاركةَ واجبًا شرعيًا، والعلماءِ المعارضين للنظام الذين اعتبروا المشاركةَ في الانتخابات مشاركةً في جرائمِ النظامِ المصري بحقِ معارضيه.
ورغمَ الاتهامِ المتكرر من قِبل النظامِ المصري والقوى المؤيدة له للأحزاب والحركات الإسلامية باستغلالِ الدين في المنافساتِ السياسية، حرصت المؤسسةُ الدينية الرسمية ممثلة في دار الإفتاء على المشاركة في هذا الجدل عبر فتوى رسمية تعتبرُ الممتنعَ عن أداءِ صوتِه الانتخابي "آثمًا شرعًا"، كما صدرت فتوى مماثلة من الشيخ أحمد عمر هاشم عضو هيئة كبار العلماء ورئيس جامعة الأزهر الأسبق. وفي الطرف الآخر، أصدرَ ائتلافٌ مكونٌ من خمسةِ كِيَانَاتٍ شرعية مناهِضَة للنظام فتوى تُحرمُ المشاركةَ في الانتخابات البرلمانية، معتبرًا المشاركةَ في تلك الانتخابات مساعدةً للسيسي في تثبيتِ أركانِ حكمه، وبالتالي ضياع حقوق دماء الشهداء والمعتقلين.
وقالَ وصفي أبو زيد أستاذُ مقاصدِ الشريعة الإسلامية، إنه "دائمًا ما كان للأنظمة ظهيرٌ من المؤسساتِ الدينية على مرِ التاريخ"، مشيرًا إلى "مشاركةِ أكبرِ رمزٍ رسمي للمسلمين وهو شيخُ الأزهر، وأكبرُ رمزٍ للنَصَارى وهو بابا الكنيسة في مشهد الثالث من يوليو". وطالبَ من يرى تضاربَ الفَتَاوى في العملية الانتخابية بين مُحَرِمٍ ومُوجِب أن "ينظرَ بنفسه إلى الأضرار التي جلبَها النظامَ الحالي في كلِ المجالات، ومظاهرتِه للعدوِ الصهيوني وحصارِه غزة ودعمِه بشار الأسد بمختلف أنواع الأسلحة"، مشددًا على أن أي مساهمةٍ في إطالةِ عمرِ هذا النظام تعتبرُ مساعدةً في ظُلمٍ وقتلٍ وتجريفِ الحياة في مصرَ وغزة وسوريا.
واعتبر عز الدين الكومي أستاذ الفقه المقارن والقيادي بجماعة الإخوان المسلمين- أن استغلال الدين واتهام المعارضين بذلك "هي طبيعة النظم القمعية والدكتاتورية التي تتبنى العلمانية كمنهج لها". وأضاف "رمتني بدائها وانسلّت.. ما كان يعاب على الإخوان بالأمس رغم عدم ممارستهم له أصبح الآن حلالا بل واجب وتاركه آثم". وأردفَ قائلاً "منهجهم يقوم أساسا على نظرية فصل الدين عن الدولة ورفع شعارات براقة مثل الدين للـه والوطن للجميع ولا دين في السياسة ولا سياسة في الدين، مع أن ممارسات هذه النظم أثبتت كذب تلك الشعارات".
في المقابل رأى رئيس حزب الجيل الديمقراطي ناجي الشهابي، أن إصدار أي فتاوى توجب أو تحرم المشاركة في الانتخابات يأتي في إطار "إقحام الدين في السياسة واستخدامه في غير موضعه". وتابع "هذا خداع للبسطاء ولي للحقائق ومحاولة لاستغلال عاطفتهم الدينية بإقناعهم بأن هذا رأي الدين مع أن الانتخابات عمل دنيوي لا علاقة للدين به"، إلا أنه عاد وشدد على أن "المشاركة في الانتخابات واجب وطني ودستوري وحياتي تقتضيه ظروف الحياة".
وعلى الجانب الآخر، هاجمَ الدكتور سعد الهلالى أستاذُ الفقه المقارن بجامعة الأزهر فتاوى إخوانية تحرضُ على مقاطعةِ الانتخاباتِ البرلمانية، وتصفُ المشاركةَ في التصويتِ بأنه "حرام"، قائلاً:" هذا الكلامُ افتراءٌ على اللـه نظرًا لأن صاحبَه يتحدثُ عن الحلالِ والحرام في شرعِ الله وليس عن وجهةِ نظرِه في هذا الأمر". وأضاف سعد الهلالى:"أطالبُ صاحبَ الفتوى بأن يُظْهِرَ لنا الوثيقةَ التي تمنحُهُ حقَ الحديثِ باسمِ اللـه"، مشيرًا إلى أن وجهةَ نظرِ البشرِ غيرَ مُلْزِمَةٍ لأحد.
وأشارَ الهلالي إلى أن الشعبَ هو الذي عَيَنَ محمد مرسي، و له الحقُ في أن يَعْزِلَه وهذا ما حدث، وقالَ:"هم يعتقدون أن الرئيسَ السيسي جاءَ ليأخذَ مكانَ مرسي لكن الذي حدثَ أن هناك رئيسٌ مؤقت تولى أمرَ البلاد، وبعدَها تم فتحُ بابِ الترشيح، وتقدمَ من تقدم والشعبُ اختار، وبالتالى فإن الحديثَ الذي تم استخدامُه في الفتوى حجةٌ عليهم وليس لهم".
شنَ "حزبُ النور" السلفي حَمَلاتِهم ضد باقي الأحزاب خاصةً التيار المدني؛ إذ بدأَ الحزبُ في حملاتٍ إعلامية في بعضِ وسائلِ الإعلام التابعة لهم، وكذلك صفحات أعضائهم على مواقع التواصل الاجتماعي، ونشروا أخيرًا عددًا من الدعوات لمؤيديهم للابتعادِ عن التصويتِ للمدنيين وانتخابِ أنصارِهم ومرشحيهم في الانتخابات من أجلِ تطبيقِ الشريعةِ الإسلامية على الجميع، وذلك وفقًا لبيانٍ نشرَهُ أحدُ أعضاءِ الحزب، من خلالِ صفحتِهِ على "فيس بوك". وهاجمَ البيانُ المنشور على صفحاتِ أعضاءِ الحزب "حزبَ المصريين الأحرار"، زاعمًا أنه يخوضُ الانتخاباتِ البرلمانية حتى يرأسَ المهندس نجيب ساويرس رئيس مجلس أمنائه، الحكومةَ الجديدة التي يُشَكِلَهَا البرلمان بالتعاونِ مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، وقال المنشور:"انتخب من يُحْسِنُ تمثيلَك ويسعى في تحقيقِ آمالك والشريعةُ هدفُهُ الأساسي".
ونشرت الصفحةُ نفسها بيانًا آخرَ تحت عنوان "وضوحٌ وطُمُوح".. انتخب مَن يُحْسِنُ تمثيلك ويسعى في تحقيقِ آمالِك والشريعةُ هي هدفُه الأساسي، أما إذا كنت مقاطع فلا تأمن على نفسِك تَسَلُطَ الفَسَدة". "استفتاء" "السادة أهالي باب الشعرية والموسكي وعابدين وجميع المصريين، هل تؤيدون المهندس نجيب ساويرس رئيسًا لوزراءِ مِصر.. إذا كان جوابُك "نعم" فانتخب مرشحَ المصريين الأحرار.. وإن كان "لا" فاختار أي مرشح تريدُه ولك ما شئت". وهكذا، تم تصوير الانتخابات على أنها حربٌ دينية بين المسلمين والنصارى من وجهة نظر حزب النور.
رابعًا: بيانٌ لخمسةِ كِيَانَاتٍ أزهرية يُفتي بحُرمةِ المشاركة في "برلمانِ الدم"
أصدرَ ائتلافٌ مكونٌ من خمسة كِيَانَاتٍ أزهرية في مِصْر فتوى شرعية تفيدُ بحُرمةِ المشاركةِ في الانتخابات البرلمانية. وأكدت الحركاتُ الخمس التي تضمُ عددًا كبيرًا من مشايخِ وعلماءِ الأزهر في بيانٍ مشترك أن عملية الانتخابات البرلمانية باطلة شرعًا، ويحرم المشاركة فيها بكل الصور، مشددين على دعوة جموع الشعب المِصْري لمقاطعتها جُملةً وتفصيلاً.
وقالَ البيانُ الصادر عن كل من (أبناءِ الأزهر الأحرار- الاتحاد العالمي لعلماءِ الأزهر - نقابة الدعاة المصرية - اتحاد شباب الأئمة والوعاظ بالخارج - علماء ضد مصر بأوربا): إنه لا يخفى على أحد ما وصلَ به حالُ الأمة المصرية وما أصابها منذ انقلابِ الثالثِ من يوليو عام 2013م، من قِبَلِ عبد الفتاح وعصابته من السطو على السلطة في مِصْر، ومحو خمسة انتخاباتٍ شعبية، واختطاف الرئيس الشرعي د.محمد مرسي وحكومته وأعضاء البرلمان المنتخبين، وقتل المئات، واعتقال الآلاف، وانتهاك أعراض العشرات، ومصادرة الأموال، وتعطيل المصالح، وازدياد أعداد الفقراء، وزيادة الغلاء، ومساعدة الأعداء، والغدر بالأشقاء، وكل يوم تتراجع مِصْر في كل المجالات إلى الوراء.
وأوضحَ البيانُ أن المشاركةَ في هذه الانتخابات بأيةِ صورة من صورِ المشاركة تساعدُ الرئيس ومن معه في تثبيتِ أركانِ حكمه، وضياعِ حقوقِ دماءِ الشهداء والإفراجِ عن الأبرياء، ومحاكمة من اغتصبَ النساء، ويشاركُه في الدماءِ التي أُسيلت في رابعة والنهضة وغيرهما. واعتبرَ البيانُ أن المشاركةَ نوعٌ من التعاون على الإثم والعدوان الذي نُهينا عنه شرعًا.
كما أن المشاركةَ تُعَدُ أيضًا من الركونِ إلى الذين ظلموا، وقد حرمه الشارعُ الحكيم، كما قال سبحانه: {وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ} [هود: 113]، فضلاً عن كونِها "من بابِ مساعدةِ الظالمِ على ظلمِه، واستدلَ البيانُ بالحديثِ النبوي الذي يقولُ: عن ابن عباس ـ رضي اللـه عنهما ـ عن النبي صلى اللـه عليه وسلم- قال: «مَنْ أَعَانَ ظَالِماً لِيُدْحِضَ بِبَاطِلِهِ حَقّاً فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ الله وَذِمَّةُ رَسُولِهِ».
كما أَطَلَ جلال الخطيب أحدُ كِبَارِ مشايخِ السلفية المصرية علينا بفتوى جديدة حَرَمَ فيها التصويت في الانتخاباتِ للأحزابِ الدينية, داعيًا المواطنين بعدمِ التصويت للمرشحين الإسلاميين قائلاً :" على المواطنين عدم انتخاب أو التصويت للأحزابِ الدينية لأن ذلكَ حرامٌ شرعًا". وأضافَ إن المشاركةَ في الأحزابِ الدينية تمزيقٌ للأمة حيث إن "النور" و"الوسط" و"مصر القوية" لا يجوزُ الانضمامَ لها، وكلُ من يمشون وراءَ "حزبِ النور" هم كالأغنامِ يسيرون مثلَ القطيع".
وفي الوقتِ ذاتِه الذي حرمَ فيه الخطيب التصويتَ للأحزابِ الدينية، أكدَ رفضَه لدعواتِ تكفيرِ الجيشِ المصري قائلاً :" من يُكَفِرُ الجيشَ فهو كافرٌ، فالتكفيرُ له شروطٌ يجب توافرُها، والجيشُ لم يُعلنْ الحربَ على الدين".
خامسًا: حربُ فَتَاوى بين مؤيدي النظام ومعارضيه
قُبَيْلَ انطلاقِ الانتخاباتِ البرلمانية المصرية، اندلعت في الأوساطِ الدينية المصرية حربُ فتاوى بين العلماءِ المؤيدين للنظام الذين اعتبروا المشاركةَ واجبًا شرعيًا، والعلماءِ المعارضين للنظام الذين اعتبروا المشاركةَ في الانتخابات مشاركةً في جرائمِ النظامِ المصري بحقِ معارضيه.
ورغمَ الاتهامِ المتكرر من قِبل النظامِ المصري والقوى المؤيدة له للأحزاب والحركات الإسلامية باستغلالِ الدين في المنافساتِ السياسية، حرصت المؤسسةُ الدينية الرسمية ممثلة في دار الإفتاء على المشاركة في هذا الجدل عبر فتوى رسمية تعتبرُ الممتنعَ عن أداءِ صوتِه الانتخابي "آثمًا شرعًا"، كما صدرت فتوى مماثلة من الشيخ أحمد عمر هاشم عضو هيئة كبار العلماء ورئيس جامعة الأزهر الأسبق. وفي الطرف الآخر، أصدرَ ائتلافٌ مكونٌ من خمسةِ كِيَانَاتٍ شرعية مناهِضَة للنظام فتوى تُحرمُ المشاركةَ في الانتخابات البرلمانية، معتبرًا المشاركةَ في تلك الانتخابات مساعدةً للسيسي في تثبيتِ أركانِ حكمه، وبالتالي ضياع حقوق دماء الشهداء والمعتقلين.
وقالَ وصفي أبو زيد أستاذُ مقاصدِ الشريعة الإسلامية، إنه "دائمًا ما كان للأنظمة ظهيرٌ من المؤسساتِ الدينية على مرِ التاريخ"، مشيرًا إلى "مشاركةِ أكبرِ رمزٍ رسمي للمسلمين وهو شيخُ الأزهر، وأكبرُ رمزٍ للنَصَارى وهو بابا الكنيسة في مشهد الثالث من يوليو". وطالبَ من يرى تضاربَ الفَتَاوى في العملية الانتخابية بين مُحَرِمٍ ومُوجِب أن "ينظرَ بنفسه إلى الأضرار التي جلبَها النظامَ الحالي في كلِ المجالات، ومظاهرتِه للعدوِ الصهيوني وحصارِه غزة ودعمِه بشار الأسد بمختلف أنواع الأسلحة"، مشددًا على أن أي مساهمةٍ في إطالةِ عمرِ هذا النظام تعتبرُ مساعدةً في ظُلمٍ وقتلٍ وتجريفِ الحياة في مصرَ وغزة وسوريا.
واعتبر عز الدين الكومي أستاذ الفقه المقارن والقيادي بجماعة الإخوان المسلمين- أن استغلال الدين واتهام المعارضين بذلك "هي طبيعة النظم القمعية والدكتاتورية التي تتبنى العلمانية كمنهج لها". وأضاف "رمتني بدائها وانسلّت.. ما كان يعاب على الإخوان بالأمس رغم عدم ممارستهم له أصبح الآن حلالا بل واجب وتاركه آثم". وأردفَ قائلاً "منهجهم يقوم أساسا على نظرية فصل الدين عن الدولة ورفع شعارات براقة مثل الدين للـه والوطن للجميع ولا دين في السياسة ولا سياسة في الدين، مع أن ممارسات هذه النظم أثبتت كذب تلك الشعارات".
في المقابل رأى رئيس حزب الجيل الديمقراطي ناجي الشهابي، أن إصدار أي فتاوى توجب أو تحرم المشاركة في الانتخابات يأتي في إطار "إقحام الدين في السياسة واستخدامه في غير موضعه". وتابع "هذا خداع للبسطاء ولي للحقائق ومحاولة لاستغلال عاطفتهم الدينية بإقناعهم بأن هذا رأي الدين مع أن الانتخابات عمل دنيوي لا علاقة للدين به"، إلا أنه عاد وشدد على أن "المشاركة في الانتخابات واجب وطني ودستوري وحياتي تقتضيه ظروف الحياة".
وعلى الجانب الآخر، هاجمَ الدكتور سعد الهلالى أستاذُ الفقه المقارن بجامعة الأزهر فتاوى إخوانية تحرضُ على مقاطعةِ الانتخاباتِ البرلمانية، وتصفُ المشاركةَ في التصويتِ بأنه "حرام"، قائلاً:" هذا الكلامُ افتراءٌ على اللـه نظرًا لأن صاحبَه يتحدثُ عن الحلالِ والحرام في شرعِ الله وليس عن وجهةِ نظرِه في هذا الأمر". وأضاف سعد الهلالى:"أطالبُ صاحبَ الفتوى بأن يُظْهِرَ لنا الوثيقةَ التي تمنحُهُ حقَ الحديثِ باسمِ اللـه"، مشيرًا إلى أن وجهةَ نظرِ البشرِ غيرَ مُلْزِمَةٍ لأحد.
وأشارَ الهلالي إلى أن الشعبَ هو الذي عَيَنَ محمد مرسي، و له الحقُ في أن يَعْزِلَه وهذا ما حدث، وقالَ:"هم يعتقدون أن الرئيسَ السيسي جاءَ ليأخذَ مكانَ مرسي لكن الذي حدثَ أن هناك رئيسٌ مؤقت تولى أمرَ البلاد، وبعدَها تم فتحُ بابِ الترشيح، وتقدمَ من تقدم والشعبُ اختار، وبالتالى فإن الحديثَ الذي تم استخدامُه في الفتوى حجةٌ عليهم وليس لهم".
،، جلال الخطيب:" على المواطنين عدم انتخاب أو التصويت للأحزابِ الدينية لأن ذلكَ حرامٌ شرعًا"
سادسًا: فَتَاوى السلفيين عن الانتخابات متناقضة ولا علاقةَ لها بالدين
قال د. أحمد كمال أبو المجد المفكر الإسلامي: إن حالةَ التناقضِ التي ظهرَ عليها السلفيون من تحريمٍ للمشاركة في الانتخابات، ثم مشاركتهم فيها تأتى في إطار أنهم خاضوا في أمورٍ دينية لا يعلموها. وأضاف أبو المجد أن السلفيين أصدروا فَتَاوى عديدة بشأنِ تحريمِ المشاركة في الانتخابات، واتسمت فتاواهم بالشِدِةِ والعنف، وهي بعيدةٌ عن صحيحِ الدين الذي يتسمُ بالتسامحِ وفتاواهم – أي السلفية - ليس لها علاقة بالإسلامِ في شيء.
وكان إسلاميون ينتمون في الغالب إلى جماعة الإخوان قد نشروا تسجيلاً صوتيًا لـ"ياسر برهامى" يقولُ فيه: "المشاركةُ في الانتخاباتِ بها تمييعٌ في قضيةِ الولاءِ والبراء، ويجبُ اللجوءُ إلى شرعِ اللـهِ سبحانه وتعالى لا إلى الأغلبية، وبها –أي الانتخابات - الديمقراطية التي تعنى ردَ الأمورِ إلى الشعب لا إلى الشريعةِ الإسلامية لذلك نرى البُعْدَ عنها، فهذا البلاءُ الذي يأتي به بعضُ المنتسبين للتياراتِ الإسلامية من ترشيحِ النساءِ وتأييدِ الأقباط في الانتخابات بلاءٌ فوقَ بلاء". وأفتى ياسر برهامي نائب رئيس مجلس إدارة الدعوة السلفية حول قضية المشاركة في الانتخابات البرلمانية عام 2005 بأن "المشاركة في الانتخابات تضييع عمر ووقت وفلوس وبلا فائدة أو مصلحة وبها من المفاسد اللـه أعلم بها".
وأضاف "برهامي" في التسجيل الصوتي: "المرأة مأمورة بالتستر وعدم الظهور وزوجها له أن يمنعها في أي وقت ولا تقبل إلا بإذنه فترشحها هو ولاية بلا شك حيث ولاء أن يكون من حقها عزل رئيس الدولة واقتراح قوانين ووضع قوانين، والموكل من حقه أن يعزل وكيله في أي وقت، وبمجرد أن ينُتخب في مجلس لشعب يستحيل أن يزيله أهل شعبه وإذا وعد المرشح أهل دائرته أنه سيطبق الشريعة ثم دخل مجلس الشعب ولم يطبق الشريعة لا يستطيع أهل دائرته أن يغيروه فهي عملية باطلة".
وعلقَ الشيخ ياسر برهامي على هذه التسجيلات قائلاً: "الحقيقةُ قولُنَا قديمًا إن قضيةَ المشاركة في الانتخابات قائمة على المصلحة والمفسدة، وهذه التسجيلات كانت موجودة عندما كانت الانتخابات عبارة عن تمثيلية ديكورية معروفة مسبقًا". وأضاف: "لم نكن نحن نُعرض عن الانتخابات إنما الشعب المصري كان يُعرض عنها" مضيفًا: "الوضع تغير بعد ثورة يناير وإلى الآن لا يزال يوجد أمل في التغيير والإصلاح من خلالِ المشاركةِ في الانتخابات"، وعندما أقر الجميع المشاركة في الانتخابات على مذهب المشايخ الكبار كابن باز وابن عثيمين والألباني لم يخرج أحد هذه التسجيلات مع وجودها". وتابع: "الفتوى تتغيرُ بتغيرِ الزمان والمكان والظروف والأحوال وهذا من تغير الفتوى وليس من الثوابت التي لا يمكن أن تتغير"، مشيرًا إلى أن جماعةَ الإخوان هي التي وراءَ نشرِ تسجيلاتِه حول فتواه بشأنِ الانتخابات، وأن الجماعةَ تروجُ لمقاطعةِ الانتخاباتِ البرلمانية.
سابعًا: فَتَاوى "النور" تُغْضِبُ قواعده وتدفعهم لمقاطعة حملاته الانتخابية
يسودُ امتعاضٌ في صفوفِ مناصري "حزبِ النور" في مصر بسبب ترشيحِ أقباطٍ ونساءٍ على القوائمِ الانتخابية للحزبِ السلفي الذي طالما عبّأ قواعدَهُ ضدَ هاتيْن الفئتيْن من المجتمعِ المصري. ويصفُ باحثٌ في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، رافضًا نشرَ اسمِه، موقفَ "حزبِ "النور" من قضيةِ التعاملِ مع المواطنِ المصري المسيحي، والمرأة، بأنه "ليس غريباً عليه، فهذا الحزب منذ تأسيسه قائمٌ على ترويجِ أفكارٍ متخلّفة، تلقى ترحيبًا كبيرًا لدى السلطات المصرية، والتي ترى فيه ورقةً تستخدمُها كفزاعة من تيارِ الإسلامِ السياسي من جهة، ومن جهةٍ أخرى تضغطُ على المواطنِ المصري المسيحي، وكأنها هي الجهةُ الوحيدة التي يمكن أن يطمئنَ لها.
ويضيفُ قائلاً: "كانت الخطيئةُ السياسية الكبرى لجماعةِ الإخوان، أنها شكّلت خلالَ الانتخاباتِ البرلمانية السابقة، ما يشبه التحالف مع "حزبِ النور"، وتغاضت عن أفكارِهِ الفاشية الكارثية، وعلى الرغم من ذلك كان هذا الحزبُ أولَ من تحالفَ مع الأعداءِ السياسيين للجماعة، حتى من قبل 3 يوليو 2013". ويشدد على أنه "من المهم جداً أن يكون هناك فرز واضح للمواقف السياسية للأحزاب والتيارات، خصوصًا ما يتعلقُ بالقضايا الرئيسة، وفي مقدمتِها، مسألة المواطنة."
وقد سادت حالةٌ من الغضب شبابَ "الدعوةِ السلفية" في محافظة الإسكندرية بسببِ ما تَصِفُهُ مصادرُ في "الدعوةِ السلفية" بأنه "تناقضٌ للثوابتِ التي طالما كان يرددُها مشايخُها وفي مقدمتهم الشيخ ياسر برهامي. ويقولُ أحدُ القياديين الشباب في "الدعوةِ السلفية" و"حزبِ النور" "وجدنا أنفسَنا مُطَالَبينَ بالترويجِ لمرشحين نَصَارى وسيداتٍ متبرجات في الانتخاباتِ"، على حد تعبيره، متابعًا "أن هذا يخالف ثوابتَ شرعيةٍ كثيرة تربينا عليها على أيدي مشايخنا في "الدعوةِ السلفية"، لدرجةِ أن الشيخ عبد المنعم الشحات عضو مجلس إدارة الدعوة ، كادَ أن يكفّرَ الإخوانَ عندما رشحوا جيهان الحلفاوي القيادية السابقة في الجماعة في انتخابات 2005 "، وقالَ الشحات وقتها، بحسبِ القيادي الشاب نفسه، "إنه في الأصل هذه المجالسُ مجالسُ شِرْكٍ لأنها تُشَرّعُ بما يُخَالِفُ شرعَ اللـه، فكيف لهم أيضًا أن يُرشِحوا امرأةً في موضعِ وِلاية".
ويشيرُ القيادي في "النور" إلى أن "كثيرًا من شبابِ الدعوةِ السلفية في محافظةِ الإسكندرية، والتي تُعَدُ المِعْقَلُ الأكبر، امتنعوا عن المشاركة في الدعاية الانتخابية، وفضّلوا أن يلزمُوا منازلَهم للابتعاد عن هذه الفتنة". ويوضحُ أن "ما زادَ الطِينَ بِلَة وأشعلَ غضبَ هؤلاء الشباب والقواعد، هو قيامُ بعضِ المشايخِ بالكذبِ علينا بقولِهم إن الأقباطَ المُرشحين على قوائمِ "حزبِ النور"، الذراعِ السياسي للدعوة، هم في الأساس أسلموا ولكنهم يُخفونَ إسلامَهم".
ويقولُ "إننا كنا قد طالبنا مشايخنا في الدعوة، بخوضِ المنافسة في انتخاباتِ المقاعدِ الفردية إذا كانت هناك ضرورة من الأساس لخوضِ الانتخابات حتى نتجنبَ موالاةَ الأقباطِ والنساءِ المتبرجات"، مضيفًا: "خلال الانتخابات البرلمانية في عام 2012 كان هناك اتفاقٌ مع مشايخِ الدعوة أن تكونَ النساءُ في ذيلِ القوائم كي لا تفوزَ أيٌ منهن، كما تمَ الاتفاقُ على عدمِ نشرِ صورٍ لهن، وفي حالِ فازت إحداهُن كان الاتفاقُ على أن تتقدّمَ باستقالتها بعدَ تشكيلِ البرلمان.
ثامنًا: "دليل الإفتاء" في الانتخابات
في ظلِ فوضى الفتاوى المنتشرة ودعواتِ التكفير والتحريم، التي تصادفُ كلَ استحقاقٍ انتخابي على مدار الأعوام الخمسة الماضية، بدءًا من "غزوةِ الصناديق" واستغلالِ المنابر في توجيهِ الناخبين إلى "تحريمِ الديمقراطية"، كان لدارِ الإفتاءِ المصرية دليلها الخاص للانتخابات لمواجهةِ الأفكارِ المتطرفة، لتنزلَ هي الأخرى إلى بورصةِ الفَتَاوى الدينية في الأمورِ السياسية، حيثُ أصدرت عدةَ فتاوى لتوجيهِ الناخبين لصحيحِ الدين، وهو دليلٌ استرشادي يوضحُ أحكامَ الدينِ في "التصويتِ بالانتخابات، والديمقراطية، والرشاوى الانتخابية، والتعددية الحزبية، ومشاركة المرأة في الحياة السياسية".
ومن بينِ هذه الفتاوى، أكدت أمانةُ الفتوى بدارِ الإفتاء أن شراءَ الأصواتِ الانتخابية حرام، وسماسرتُها آثمون، لأنها من قبيلِ الرشوةِ المنْهِيّ عنها شرعًا، مستشهدةً بحديثِ النبي -صلى الله عليه وسلم- عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ: "لَعَنَ رَسُولُ اللـهِ صلى اللـه عليه وآله وسلم الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ وَالرَّائِشَ؛ يَعْنِي الَّذِي يَمْشِي بَيْنَهُمَا".
وأشارت الفتوى إلى أن الأصلَ في الذي يرشحُ نفسه للانتخاباتِ أن يكونَ أمينًا في نفسه صادقًا في وعدِه، ولا يجوزُ له أن يستخدمَ أموالَه في تحقيقِ أغراضِه الانتخابية بالتأثيرِ على إرادةِ الناخبين، ولا يجوزُ أن يأخذَ أحدٌ من الناسِ هذه الأموال، كما لا يجوزُ له أن ينفذَ ما اتفقَ عليه من حرام، لأن ذلك من بابِ السُحْت وأكلِ أموالِ الناسِ بالباطل، بالإضافة إلى الخداع والكذب، وعلى من أخذَ هذا المال أن يردَه للمرشح، حيث إن تنفيذَ المُتَفقِ عليه حرام، وأخذَ المالِ أيضًا حرام، كما أن الوسطاءَ في تلك العمليةِ المُحَرمة -والذين يُطْلَقُ عليهم سماسرةَ الأصوات- آثمون شرعًا، لأنهم يسهلون حدوثَ فعلٍ حرام.
إن اللاعبين الرئيسيين في الانتخاباتِ الحالية يكررون استخدامَ جماعةِ الإخوان للدين في أهدافٍ سياسية، ويلاحظون استمرارَ تلاعبِ المتنافسين بالفتاوى الدينية، خاصةً في فترةِ الانتخابات. والغريبُ أن بعضَ المؤسساتِ الدينية التابعةِ للدولة توظف الدين بالطريقةِ نفسِها رغم أنهم يدعون أن مِصْرَ دولةٌ مدنية، وأصبحَ الدينُ مطيةً لكلِ مَن يريدُ أن يستخدمَه لكي يصلَ إلى أغراضِه.
ولعل تكرار ممارساتِ تيارِ الإسلامِ السياسي في الاستحقاقاتِ الانتخابية السابقة من حيثُ خلطِ الدينِ بالسياسة، سواء من الأحزابِ ذاتِ المرجعيةِ الدينية وعلى رأسِها "حزبِ النور"، وكذلك من قِبَلِ الأحزابِ المدنية والمؤسسة الدينية الرسمية التابعةِ للدولة ممثلةً في الأزهر والأوقاف ودار الإفتاء هو ما أدى إلى عُزوفِ كثيرٍ من الناخبين عن التصويتِ في الانتخابات. وفي الاتجاهِ ذاِته، يرى البعضُ أن تكرارَ ظاهرةِ "فتاوى الانتخابات" بأنها "بيزنس قوي" تتاجرُ به جميعُ القوى السياسية. وللأسفِ الشديد لقد أصبحَ الدينُ لُعْبَةً، من يلعبُ بها يكسب، لذلك يلجأُ إليه الجميعُ في دعاياتهم الانتخابية".
إن استمرارَ هذه الممارسات خلالَ الانتخابات سيؤدي إلى التأثيرِ على اتجاهاتِ تصويتِ جمهورِ الناخبين، واتجاهِ المثقفين والشباب إلى المقاطعة لأن الشعبَ المصري لم يعد يستسيغُ استغلالَ الدينِ في السياسة، ولأنه ثارَ على هذه الخلطةِ المسمومة في 30 يونيو 2013، ولن يُجَربُهَا أو يَطْعَمُها تارةً أخرى.
*وكيل كلية الإعلام ـ جامعة القاهرة
*ورئيس وحدة الدراسات الإعلامية بالمركز
قال د. أحمد كمال أبو المجد المفكر الإسلامي: إن حالةَ التناقضِ التي ظهرَ عليها السلفيون من تحريمٍ للمشاركة في الانتخابات، ثم مشاركتهم فيها تأتى في إطار أنهم خاضوا في أمورٍ دينية لا يعلموها. وأضاف أبو المجد أن السلفيين أصدروا فَتَاوى عديدة بشأنِ تحريمِ المشاركة في الانتخابات، واتسمت فتاواهم بالشِدِةِ والعنف، وهي بعيدةٌ عن صحيحِ الدين الذي يتسمُ بالتسامحِ وفتاواهم – أي السلفية - ليس لها علاقة بالإسلامِ في شيء.
وكان إسلاميون ينتمون في الغالب إلى جماعة الإخوان قد نشروا تسجيلاً صوتيًا لـ"ياسر برهامى" يقولُ فيه: "المشاركةُ في الانتخاباتِ بها تمييعٌ في قضيةِ الولاءِ والبراء، ويجبُ اللجوءُ إلى شرعِ اللـهِ سبحانه وتعالى لا إلى الأغلبية، وبها –أي الانتخابات - الديمقراطية التي تعنى ردَ الأمورِ إلى الشعب لا إلى الشريعةِ الإسلامية لذلك نرى البُعْدَ عنها، فهذا البلاءُ الذي يأتي به بعضُ المنتسبين للتياراتِ الإسلامية من ترشيحِ النساءِ وتأييدِ الأقباط في الانتخابات بلاءٌ فوقَ بلاء". وأفتى ياسر برهامي نائب رئيس مجلس إدارة الدعوة السلفية حول قضية المشاركة في الانتخابات البرلمانية عام 2005 بأن "المشاركة في الانتخابات تضييع عمر ووقت وفلوس وبلا فائدة أو مصلحة وبها من المفاسد اللـه أعلم بها".
وأضاف "برهامي" في التسجيل الصوتي: "المرأة مأمورة بالتستر وعدم الظهور وزوجها له أن يمنعها في أي وقت ولا تقبل إلا بإذنه فترشحها هو ولاية بلا شك حيث ولاء أن يكون من حقها عزل رئيس الدولة واقتراح قوانين ووضع قوانين، والموكل من حقه أن يعزل وكيله في أي وقت، وبمجرد أن ينُتخب في مجلس لشعب يستحيل أن يزيله أهل شعبه وإذا وعد المرشح أهل دائرته أنه سيطبق الشريعة ثم دخل مجلس الشعب ولم يطبق الشريعة لا يستطيع أهل دائرته أن يغيروه فهي عملية باطلة".
وعلقَ الشيخ ياسر برهامي على هذه التسجيلات قائلاً: "الحقيقةُ قولُنَا قديمًا إن قضيةَ المشاركة في الانتخابات قائمة على المصلحة والمفسدة، وهذه التسجيلات كانت موجودة عندما كانت الانتخابات عبارة عن تمثيلية ديكورية معروفة مسبقًا". وأضاف: "لم نكن نحن نُعرض عن الانتخابات إنما الشعب المصري كان يُعرض عنها" مضيفًا: "الوضع تغير بعد ثورة يناير وإلى الآن لا يزال يوجد أمل في التغيير والإصلاح من خلالِ المشاركةِ في الانتخابات"، وعندما أقر الجميع المشاركة في الانتخابات على مذهب المشايخ الكبار كابن باز وابن عثيمين والألباني لم يخرج أحد هذه التسجيلات مع وجودها". وتابع: "الفتوى تتغيرُ بتغيرِ الزمان والمكان والظروف والأحوال وهذا من تغير الفتوى وليس من الثوابت التي لا يمكن أن تتغير"، مشيرًا إلى أن جماعةَ الإخوان هي التي وراءَ نشرِ تسجيلاتِه حول فتواه بشأنِ الانتخابات، وأن الجماعةَ تروجُ لمقاطعةِ الانتخاباتِ البرلمانية.
سابعًا: فَتَاوى "النور" تُغْضِبُ قواعده وتدفعهم لمقاطعة حملاته الانتخابية
يسودُ امتعاضٌ في صفوفِ مناصري "حزبِ النور" في مصر بسبب ترشيحِ أقباطٍ ونساءٍ على القوائمِ الانتخابية للحزبِ السلفي الذي طالما عبّأ قواعدَهُ ضدَ هاتيْن الفئتيْن من المجتمعِ المصري. ويصفُ باحثٌ في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، رافضًا نشرَ اسمِه، موقفَ "حزبِ "النور" من قضيةِ التعاملِ مع المواطنِ المصري المسيحي، والمرأة، بأنه "ليس غريباً عليه، فهذا الحزب منذ تأسيسه قائمٌ على ترويجِ أفكارٍ متخلّفة، تلقى ترحيبًا كبيرًا لدى السلطات المصرية، والتي ترى فيه ورقةً تستخدمُها كفزاعة من تيارِ الإسلامِ السياسي من جهة، ومن جهةٍ أخرى تضغطُ على المواطنِ المصري المسيحي، وكأنها هي الجهةُ الوحيدة التي يمكن أن يطمئنَ لها.
ويضيفُ قائلاً: "كانت الخطيئةُ السياسية الكبرى لجماعةِ الإخوان، أنها شكّلت خلالَ الانتخاباتِ البرلمانية السابقة، ما يشبه التحالف مع "حزبِ النور"، وتغاضت عن أفكارِهِ الفاشية الكارثية، وعلى الرغم من ذلك كان هذا الحزبُ أولَ من تحالفَ مع الأعداءِ السياسيين للجماعة، حتى من قبل 3 يوليو 2013". ويشدد على أنه "من المهم جداً أن يكون هناك فرز واضح للمواقف السياسية للأحزاب والتيارات، خصوصًا ما يتعلقُ بالقضايا الرئيسة، وفي مقدمتِها، مسألة المواطنة."
وقد سادت حالةٌ من الغضب شبابَ "الدعوةِ السلفية" في محافظة الإسكندرية بسببِ ما تَصِفُهُ مصادرُ في "الدعوةِ السلفية" بأنه "تناقضٌ للثوابتِ التي طالما كان يرددُها مشايخُها وفي مقدمتهم الشيخ ياسر برهامي. ويقولُ أحدُ القياديين الشباب في "الدعوةِ السلفية" و"حزبِ النور" "وجدنا أنفسَنا مُطَالَبينَ بالترويجِ لمرشحين نَصَارى وسيداتٍ متبرجات في الانتخاباتِ"، على حد تعبيره، متابعًا "أن هذا يخالف ثوابتَ شرعيةٍ كثيرة تربينا عليها على أيدي مشايخنا في "الدعوةِ السلفية"، لدرجةِ أن الشيخ عبد المنعم الشحات عضو مجلس إدارة الدعوة ، كادَ أن يكفّرَ الإخوانَ عندما رشحوا جيهان الحلفاوي القيادية السابقة في الجماعة في انتخابات 2005 "، وقالَ الشحات وقتها، بحسبِ القيادي الشاب نفسه، "إنه في الأصل هذه المجالسُ مجالسُ شِرْكٍ لأنها تُشَرّعُ بما يُخَالِفُ شرعَ اللـه، فكيف لهم أيضًا أن يُرشِحوا امرأةً في موضعِ وِلاية".
ويشيرُ القيادي في "النور" إلى أن "كثيرًا من شبابِ الدعوةِ السلفية في محافظةِ الإسكندرية، والتي تُعَدُ المِعْقَلُ الأكبر، امتنعوا عن المشاركة في الدعاية الانتخابية، وفضّلوا أن يلزمُوا منازلَهم للابتعاد عن هذه الفتنة". ويوضحُ أن "ما زادَ الطِينَ بِلَة وأشعلَ غضبَ هؤلاء الشباب والقواعد، هو قيامُ بعضِ المشايخِ بالكذبِ علينا بقولِهم إن الأقباطَ المُرشحين على قوائمِ "حزبِ النور"، الذراعِ السياسي للدعوة، هم في الأساس أسلموا ولكنهم يُخفونَ إسلامَهم".
ويقولُ "إننا كنا قد طالبنا مشايخنا في الدعوة، بخوضِ المنافسة في انتخاباتِ المقاعدِ الفردية إذا كانت هناك ضرورة من الأساس لخوضِ الانتخابات حتى نتجنبَ موالاةَ الأقباطِ والنساءِ المتبرجات"، مضيفًا: "خلال الانتخابات البرلمانية في عام 2012 كان هناك اتفاقٌ مع مشايخِ الدعوة أن تكونَ النساءُ في ذيلِ القوائم كي لا تفوزَ أيٌ منهن، كما تمَ الاتفاقُ على عدمِ نشرِ صورٍ لهن، وفي حالِ فازت إحداهُن كان الاتفاقُ على أن تتقدّمَ باستقالتها بعدَ تشكيلِ البرلمان.
ثامنًا: "دليل الإفتاء" في الانتخابات
في ظلِ فوضى الفتاوى المنتشرة ودعواتِ التكفير والتحريم، التي تصادفُ كلَ استحقاقٍ انتخابي على مدار الأعوام الخمسة الماضية، بدءًا من "غزوةِ الصناديق" واستغلالِ المنابر في توجيهِ الناخبين إلى "تحريمِ الديمقراطية"، كان لدارِ الإفتاءِ المصرية دليلها الخاص للانتخابات لمواجهةِ الأفكارِ المتطرفة، لتنزلَ هي الأخرى إلى بورصةِ الفَتَاوى الدينية في الأمورِ السياسية، حيثُ أصدرت عدةَ فتاوى لتوجيهِ الناخبين لصحيحِ الدين، وهو دليلٌ استرشادي يوضحُ أحكامَ الدينِ في "التصويتِ بالانتخابات، والديمقراطية، والرشاوى الانتخابية، والتعددية الحزبية، ومشاركة المرأة في الحياة السياسية".
ومن بينِ هذه الفتاوى، أكدت أمانةُ الفتوى بدارِ الإفتاء أن شراءَ الأصواتِ الانتخابية حرام، وسماسرتُها آثمون، لأنها من قبيلِ الرشوةِ المنْهِيّ عنها شرعًا، مستشهدةً بحديثِ النبي -صلى الله عليه وسلم- عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ: "لَعَنَ رَسُولُ اللـهِ صلى اللـه عليه وآله وسلم الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ وَالرَّائِشَ؛ يَعْنِي الَّذِي يَمْشِي بَيْنَهُمَا".
وأشارت الفتوى إلى أن الأصلَ في الذي يرشحُ نفسه للانتخاباتِ أن يكونَ أمينًا في نفسه صادقًا في وعدِه، ولا يجوزُ له أن يستخدمَ أموالَه في تحقيقِ أغراضِه الانتخابية بالتأثيرِ على إرادةِ الناخبين، ولا يجوزُ أن يأخذَ أحدٌ من الناسِ هذه الأموال، كما لا يجوزُ له أن ينفذَ ما اتفقَ عليه من حرام، لأن ذلك من بابِ السُحْت وأكلِ أموالِ الناسِ بالباطل، بالإضافة إلى الخداع والكذب، وعلى من أخذَ هذا المال أن يردَه للمرشح، حيث إن تنفيذَ المُتَفقِ عليه حرام، وأخذَ المالِ أيضًا حرام، كما أن الوسطاءَ في تلك العمليةِ المُحَرمة -والذين يُطْلَقُ عليهم سماسرةَ الأصوات- آثمون شرعًا، لأنهم يسهلون حدوثَ فعلٍ حرام.
إن اللاعبين الرئيسيين في الانتخاباتِ الحالية يكررون استخدامَ جماعةِ الإخوان للدين في أهدافٍ سياسية، ويلاحظون استمرارَ تلاعبِ المتنافسين بالفتاوى الدينية، خاصةً في فترةِ الانتخابات. والغريبُ أن بعضَ المؤسساتِ الدينية التابعةِ للدولة توظف الدين بالطريقةِ نفسِها رغم أنهم يدعون أن مِصْرَ دولةٌ مدنية، وأصبحَ الدينُ مطيةً لكلِ مَن يريدُ أن يستخدمَه لكي يصلَ إلى أغراضِه.
ولعل تكرار ممارساتِ تيارِ الإسلامِ السياسي في الاستحقاقاتِ الانتخابية السابقة من حيثُ خلطِ الدينِ بالسياسة، سواء من الأحزابِ ذاتِ المرجعيةِ الدينية وعلى رأسِها "حزبِ النور"، وكذلك من قِبَلِ الأحزابِ المدنية والمؤسسة الدينية الرسمية التابعةِ للدولة ممثلةً في الأزهر والأوقاف ودار الإفتاء هو ما أدى إلى عُزوفِ كثيرٍ من الناخبين عن التصويتِ في الانتخابات. وفي الاتجاهِ ذاِته، يرى البعضُ أن تكرارَ ظاهرةِ "فتاوى الانتخابات" بأنها "بيزنس قوي" تتاجرُ به جميعُ القوى السياسية. وللأسفِ الشديد لقد أصبحَ الدينُ لُعْبَةً، من يلعبُ بها يكسب، لذلك يلجأُ إليه الجميعُ في دعاياتهم الانتخابية".
إن استمرارَ هذه الممارسات خلالَ الانتخابات سيؤدي إلى التأثيرِ على اتجاهاتِ تصويتِ جمهورِ الناخبين، واتجاهِ المثقفين والشباب إلى المقاطعة لأن الشعبَ المصري لم يعد يستسيغُ استغلالَ الدينِ في السياسة، ولأنه ثارَ على هذه الخلطةِ المسمومة في 30 يونيو 2013، ولن يُجَربُهَا أو يَطْعَمُها تارةً أخرى.
*وكيل كلية الإعلام ـ جامعة القاهرة
*ورئيس وحدة الدراسات الإعلامية بالمركز