احتدم الصراع حول مستقبل مصر منذ تنحى مبارك عن الحكم، واتخذ هذا الصراع أشكالا متعددة كان أبرزها الدستور الذى لعب الإخوان المسلمون الدور الأساسى فى صياغته وعلى النحو الذى يحقق لهم أهدافهم ورغم حرص الإخوان المسلمين على التمكين لانفسهم فى مؤسسات الدولة وفى المجتمع أثناء رئاسة الدكتور محمد مرسى ولكن الشعب المصرى بقواه الحية لم يمكنه من ذلك ونجح فى إنهاء حكمهم فى 30 يونيو 2013 لتدخل البلاد مرحلة جديدة من الصراع حيث تصاعدت العمليات الإرهابية فى سيناء بالتزامن مع المظاهرات الحاشدة من الإخوان المسلمين وحلفائهم طوال النصف الثانى من عام 2013 وعام 2014 كله وكان الطابع العسكرى واضحا فى هذه المرحلة من الصراع التى نجح الشعب المصرى فى اجتيازها و احتواء محاولات العنف فى الداخل والإرهاب فى سيناء و سوف يتخذ هذا الصراع شكلا جديدا خلال الشهور الأربعة القادمة التى يتم خلالها انتخاب مجلس النواب لتكتمل بذلك منظومة الحكم التى تشمل تعديل الدستور وطرحه للإستفتاء الشعبى فى يناير 2014 وانتخاب رئيس الجمهورية بعد ذلك ببضعة شهور وها هو الإستحقاق الثالث لخريطة الطريق بانتخاب مجلس النواب ، حيث يدور الصراع بين قوى عديدة حول لمن تكون الغلبة فى هذا المجلس ، فهناك القوى الديمقراطية التى تحرص على أن يكون تشكيل مجلس النواب بداية مرحلة جديدة تنطلق فيها البلاد على طريق التحول الديموقراطى يواجههم بقايا نظام مبارك السلطوى ومن المتوقع أن يزداد الصراع بين الفريقين من خلال الترشح فى الانتخابات ويلاحظ من يتابع الحركة السياسية فى مصر والصراع بين بقايا الماضى وطلائع المستقبل ان هناك وجها أخر لهذا الصراع يتمثل فيما يطرحه بعض الشخصيات التى تنتمى لعهد مبارك والتى طرحت للنقاش أن الدستور المعدل يجب أن يشهد تعديلا يعطى لرئيس الجمهورية سلطات أكبر ويزعمون أن مجلس النواب يحظى بسلطات واسعة لن تمكن رئيس الجمهورية من القيام بدوره بل ويشيرون إلى أن رئيس الجمهورية إذا استمر هذا الدستور سيكون رهينة فى يد المجلس وهذا القول مردود عليه ويؤكد كذبه ما جاء فى الدستور من مواد تعطى لرئيس الجمهورية السلطات الكافية لممارسة دوره وأن هذا الدستور يحقق توازنا كاملا بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية حيث ينص الدستور فى مادة 139 على أن رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورئيس السلطة التنفيذية يرعى مصالح الشعب ويحافظ على استقلال الوطن ووحدة أراضيه وسلامته كما تحدد المادة 152 أن رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة وله أن يكلف رئيسا لمجلس الوزراء بتشكيل الحكومة (مادة 146) ويشترك مع رئيس الوزراء فى رسم السياسة العامة للبلاد ويعفى الحكومة من أداء عملها بشرط موافقة أغلبية أعضاء مجلس النواب (مادة 147) وبإستعراض مواد الدستور يتأكد أنه يوازن جيدا بين صلاحيات رئيس الجمهورية ومجلس النواب فيما يتصل باختصاصات كل منهما اتجاه الآخر فللرئيس طبقا للدستور سلطة حل مجلس النواب (مادة 137) بشرط أن يكون ذلك عند الضرورة وبقرار مسبب، وبعد استفتاء الشعب ويعطى الدستور لرئيس الجمهورية فى هذه الحال حق إصدار قرار بوقف جلسات المجلس، واجراء الاستفتاء على الحل خلال 20 يوما ليس اكثر ، فإذا وافق المشاركون فى الاستفتاء بأغلبية الأصوات الصحيحة، أصدر رئيس الجمهورية قرار الحل، ودعا إلى انتخابات جديدة خلال 30 يوما على الأكثر من تاريخ صدور القرار. ويجتمع المجلس الجديد خلال الأيام العشرة التالية للانتخابات .
وإذا كان الدستور قد أعطى رئيس الجمهورية حق حل المجلس ووضع ضوابط لذلك فإنه بالمقابل اعطى مجلس النواب حق اقتراح سحب الثقة من رئيس الجمهورية وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة بناء على طلب مسبب وموقع من أغلبية أعضاء مجلس النواب على الأقل ، وموافقة ثلثى أعضائه (مادة 161) وبمجرد الموافقة على اقتراح سحب الثقة يطرح فى استفتاء عام أمر سحب الثقة من رئيس الجمهورية وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة فى إستفتاء عام بدعوة من رئيس مجلس الوزراء فإذا وافقت الأغلبية على قرار سحب الثقة يعفى رئيس الجمهورية من منصبه وتجرى الإنتخابات الرئاسية المبكرة خلال 60 يوما من تاريخ إعلان نتيجة الإستفتاء ولأن الامر يتعلق بارفع منصب فى الدولة فإن الدستور نص على انه إذا كانت نتيجة الاستفتاء بالرفض، اعتبر مجلس النواب منحلا ويدعو رئيس الجمهورية لإنتخاب مجلس جديد للنواب خلال 30 يوما من تاريخ الحل . وهكذا فإن الدستور قد عالج هذه القضية بما يجعل مجلس النواب يفكر جديا ويتأنى فى طرح الثقة بالرئيس ومن الجدير بالذكر هنا أن هذه الماده تعتبر أحد الدروس المستفادة من التجربة المصرية عندما طالب الشعب بإجراء إنتخابات رئاسية مبكرة فى 30 يونيه 2013 ولكن رئيس الجمهورية محمد مرسى رفض ذلك مستندا إلى إنه جاء بانتخابات نزيهة ومرت البلاد بظروف صعبة وتصاعد التوتر لفترة طويلة فكان من الضرورى معالجة ذلك بنص صريح فى الدستور.
ومن هذا كله يتضح ان رئيس الجمهورية يتمتع باختصاصات واضحة تمكنه من إدارة شئون البلاد على العكس مما يزعمه المنادون بتعديل الدستور والذين يدفعون البلاد إلى طريق السلطوية مرة أخري. نقلا عن الأهرام