أبعاد الدور: مصـــر وإيران والنظام الإقليمى
الثلاثاء 01/سبتمبر/2015 - 10:38 ص
د. محمد السعيد إدريس
من الصعب تصور عزل القرار المصرى المطلوب إزاء إيران عن مجمل تحولات المشهد الإقليمى الجديد، فهذا القرار يجب أن يكون محكوماً بكل ما تفرضه معادلات توازن القوى الإقليمية الجديدة، لكنه يجب أن يكون أيضاً منطلقاً من أبعاد ثلاثة، أولها امتلاك مشروع مصرى بحجم طموحات الأمة العربية يستهدف إعادة إحياء مشروع النهضة، وإعادة العرب إلى قلب أو محور النظام الإقليمي، وثانيها الوعى بخصوصيات المشروعات الإقليمية المتنافسة أو المتصارعة وأنماط علاقاتها المشتركة وموقفها من الدور المصرى والمشروع العربي، وثالثها، التحرك النشيط والرشيد والفعال لطرح مبادرات مصرية مدعومة عربياً لحل المشكلات والأزمات العربية الساخنة لمحاصرة التداعيات السلبية المترتبة على هذه الأزمات وسد ثغرات تغلغل نفوذ وأدوار القوى الإقليمية فى هذه الأزمات.
يجب أن يبقى محكوماً أيضاً بـ«البوصلة العربية» التى تشكل جوهر مشروعه
أولا- محاور القرار
هذا القرار المصرى يجب أن يبقى محكوماً أيضاً بـ«البوصلة العربية» التى تشكل جوهر مشروعه والتى ترتكز على محورين؛ أولهما، أن العروبة هى الوعاء الحضارى للأمة العربية وأن الإسلام هو عمادها، بمعنى إدراك أن الهوية الحضارية العربية- الإسلامية هى مضمون هذا المشروع وان هدف الوحدة العربية يجب أن يكون العامل الحاكم للأداء المصري، وثانيهما أنه دون تحرير فلسطين لن يكون هناك أمل فى توحد عربي، ودون توحد عربى لن يكون هناك وجود لمشروع عربى حقيقي، ودون المشروع العربى سيبقى الدور المصرى هائماً وهشاً وافتراضياً، وقد لخص الراحل العظيم الدكتور جمال حمدان هذه المعانى فى عبقريته الشهيرة «شخصية مصر- دراسة فى عبقرية المكان» بقوله: «إذا كانت القيادة والزعامة مسئولية تمارس وواجباً يحقق، فلعل الاختبار النهائى لزعامة مصر يرفد من أن ترتقى إلى مسئوليتها عن استرداد فلسطين للعرب. وإذا صح أن نقول إنه لا وحدة للعرب بغير زعامة مصر، فربما صح أن نقول إنه لا زعامة لمصر بين العرب بغير استردادها فلسطين للعرب».
هذا القرار المصرى يجب أن يبقى محكوماً أيضاً بـ«البوصلة العربية» التى تشكل جوهر مشروعه والتى ترتكز على محورين؛ أولهما، أن العروبة هى الوعاء الحضارى للأمة العربية وأن الإسلام هو عمادها، بمعنى إدراك أن الهوية الحضارية العربية- الإسلامية هى مضمون هذا المشروع وان هدف الوحدة العربية يجب أن يكون العامل الحاكم للأداء المصري، وثانيهما أنه دون تحرير فلسطين لن يكون هناك أمل فى توحد عربي، ودون توحد عربى لن يكون هناك وجود لمشروع عربى حقيقي، ودون المشروع العربى سيبقى الدور المصرى هائماً وهشاً وافتراضياً، وقد لخص الراحل العظيم الدكتور جمال حمدان هذه المعانى فى عبقريته الشهيرة «شخصية مصر- دراسة فى عبقرية المكان» بقوله: «إذا كانت القيادة والزعامة مسئولية تمارس وواجباً يحقق، فلعل الاختبار النهائى لزعامة مصر يرفد من أن ترتقى إلى مسئوليتها عن استرداد فلسطين للعرب. وإذا صح أن نقول إنه لا وحدة للعرب بغير زعامة مصر، فربما صح أن نقول إنه لا زعامة لمصر بين العرب بغير استردادها فلسطين للعرب».
جمال حمدان: «إذا كانت القيادة والزعامة مسئولية تمارس وواجباً يحقق، فلعل الاختبار النهائى لزعامة مصر يرفد من أن ترتقى إلى مسئوليتها عن استرداد فلسطين للعرب
ثانيا- الدور الإسرائيلى في انحراف البوصلة
هذه الخلاصة أدركها الأمريكيون والإسرائيليون مبكراً لذلك سعوا إلى تحقيق هدفين؛ أولهما، الحيلولة دون توحد العرب والإمعان فى تقسيمهم وتجزئتهم، وتحويل دعوة الوحدة العربية إلى «خرافة» أو على الأقل «يوتوبيا» ليس لها أساس من الواقع. وثانيهما، تصفية القضية الفلسطينية نهائياً وإلغاء موقعها كقضية مركزية للنظام العربى كله، وكان مشروع السلام المصرى الإسرائيلى عقب انتصار أكتوبر 1973، الذى انتهى بتوقيع معاهدة السلام المصرية- الإسرائيلية هو نقطة الانطلاق التى بدأت بإخراج مصر من دائرة الصراع مع إسرائيل والانحراف بدورها من قاعدة مشروع تحرير فلسطين إلى بوابة العرب للسلام مع إسرائيل، وبإنهاء مركزية القضية الفلسطينية فى النظام العربي، أخذ هذا النظام يتداعى ويتساقط لأنه فقد العنصر الأساسى فى تماسكه وأصبح نظاماً يفتقر إلى «القضية الجامعة» فقد تداعت مكانة فلسطين، وتداعى معها حلم الوحدة عند العرب، ولم يعد النظام العربى مهدداً وحده، بل أضحت الدول العربية نفسها مهددة بالانفجار من الداخل والتشظى إلى دويلات وكيانات لها هويات طائفية ومذهبية وعرقية بدلاً من هويتها الوطنية وانتمائها العربي، كما أن تراجع أولوية الصراع العربى مع الكيان الصهيونى حفزت الأمريكيين والإسرائيليين لطرح صيغة مشروع إقليمى جديد للشرق الأوسط يكون فيه الصراع العربى ضد إيران هو الصراع البديل للصراع العربى مع إسرائيل، وتكون إيران فيه هى العدو بدلاً من إسرائيل، ويكون «الصراع الطائفي- المذهبى» السنى الشيعى هو أساس الصراع الإقليمى وليس تحرير فلسطين.
هذه الخلاصة أدركها الأمريكيون والإسرائيليون مبكراً لذلك سعوا إلى تحقيق هدفين؛ أولهما، الحيلولة دون توحد العرب والإمعان فى تقسيمهم وتجزئتهم، وتحويل دعوة الوحدة العربية إلى «خرافة» أو على الأقل «يوتوبيا» ليس لها أساس من الواقع. وثانيهما، تصفية القضية الفلسطينية نهائياً وإلغاء موقعها كقضية مركزية للنظام العربى كله، وكان مشروع السلام المصرى الإسرائيلى عقب انتصار أكتوبر 1973، الذى انتهى بتوقيع معاهدة السلام المصرية- الإسرائيلية هو نقطة الانطلاق التى بدأت بإخراج مصر من دائرة الصراع مع إسرائيل والانحراف بدورها من قاعدة مشروع تحرير فلسطين إلى بوابة العرب للسلام مع إسرائيل، وبإنهاء مركزية القضية الفلسطينية فى النظام العربي، أخذ هذا النظام يتداعى ويتساقط لأنه فقد العنصر الأساسى فى تماسكه وأصبح نظاماً يفتقر إلى «القضية الجامعة» فقد تداعت مكانة فلسطين، وتداعى معها حلم الوحدة عند العرب، ولم يعد النظام العربى مهدداً وحده، بل أضحت الدول العربية نفسها مهددة بالانفجار من الداخل والتشظى إلى دويلات وكيانات لها هويات طائفية ومذهبية وعرقية بدلاً من هويتها الوطنية وانتمائها العربي، كما أن تراجع أولوية الصراع العربى مع الكيان الصهيونى حفزت الأمريكيين والإسرائيليين لطرح صيغة مشروع إقليمى جديد للشرق الأوسط يكون فيه الصراع العربى ضد إيران هو الصراع البديل للصراع العربى مع إسرائيل، وتكون إيران فيه هى العدو بدلاً من إسرائيل، ويكون «الصراع الطائفي- المذهبى» السنى الشيعى هو أساس الصراع الإقليمى وليس تحرير فلسطين.
موشى ارينز وزير الحرب الإسرائيلى الأسبق: «ما يسمى الصراع الإسرائيلي- الفلسطينى الآن كان على مدى السنين صراعاً ثلاثياً، حيث شمل أيضاً العالم العربى والعالم الإسلامي
هذا التحول أدركه، بوعى شديد، «موشى ارينز» وزير الحرب الإسرائيلى الأسبق فى مقال له عنوانه «الجبهة العربية تتفكك» نشرته صحيفة «هآرتس» قال فيه إن «ما يسمى الصراع الإسرائيلي- الفلسطينى الآن كان على مدى السنين صراعاً ثلاثياً، حيث أنه لم يقتصر على الفلسطينيين، بل شمل أيضاً العالم العربى والعالم الإسلامي. العداء لإسرائيل كان عاملاً موحداً للعرب، وبسببه استطاع العرب والمسلمون التغلب على مشكلات وخلافات أخرى بينهم. الآن بدأت الرياح تغير اتجاهها فى العالم العربى الذى يقف عدد من زعمائه فى مواجهة أعداء أكبر من إسرائيل: إيران التى تطمح فى الحصول على سلاح نووى إضافة إلى «تنظيم الدولة الإسلامية» (داعش) وتنظيم «القاعدة» وحركة «حماس»، وتنظيمات إرهابية عربية تسعى للقضاء على النظم الحاكمة فى السعودية والأردن ومصر، وهذه التنظيمات تهدد وجودهم، فى حين أن إسرائيل لم تهدد وجودهم أبداً. إن كبح هذا الخطر بات أكثر أهمية من تأييد الفلسطينيين، وحسب هذه النظرة الجديدة فإن إسرائيل تنظر إلى هؤلاء الزعماء العرب ليس باعتبارهم أعداء، بل كشركاء محتملين».
إسرائيل تسعى إذن إلى الإمعان فى الانحراف بالبوصلة العربية وفرض نفسها كشريك أو حليف محتمل للعرب، وهذا الانحراف سوف يكون بالطبع على حساب الأهداف العليا للعرب: وحدتهم وتحرير فلسطين، أى أن يتنكروا لهويتهم وينقلبوا على أنفسهم بتحالفهم مع عدوهم.
ثالثا- محاولات إيرانية مستمرة
فى ذات الوقت تدرك إيران هى الأخرى أنها فى ظل هذا التحول، بعد أن اعترف العالم بها كقوة نووية محتملة، وكدولة «غير منبوذة»، باتت هى الأقوى إقليمياً، ولذلك فإنها حريصة على طرح مشروع لنظام إقليمى جديد تفرض فيه نفسها كقيادة إقليمية إسلامية بالشرق الأوسط تتجاوز به حالة الاستقطاب الإقليمى التى فرضت نفسها خلال السنوات الماضية بين "هلال شيعي" و"حلف سني" بإقامة ما أطلق عليه الرئيس الإيرانى حسن روحانى «القمر الإسلامي»، يبدأ بتأسيس نظام فرعى إقليمى فى ما تسميه إيران «الخليج الفارسى» يجمعها مع دول مجلس التعاون الخليجى الست والعراق، وفى مرحلة ثانية يتسع ليضم الدول الإسلامية فى الشرق الأوسط، أى تركيا والدول العربية.
إسرائيل تسعى إذن إلى الإمعان فى الانحراف بالبوصلة العربية وفرض نفسها كشريك أو حليف محتمل للعرب، وهذا الانحراف سوف يكون بالطبع على حساب الأهداف العليا للعرب: وحدتهم وتحرير فلسطين، أى أن يتنكروا لهويتهم وينقلبوا على أنفسهم بتحالفهم مع عدوهم.
ثالثا- محاولات إيرانية مستمرة
فى ذات الوقت تدرك إيران هى الأخرى أنها فى ظل هذا التحول، بعد أن اعترف العالم بها كقوة نووية محتملة، وكدولة «غير منبوذة»، باتت هى الأقوى إقليمياً، ولذلك فإنها حريصة على طرح مشروع لنظام إقليمى جديد تفرض فيه نفسها كقيادة إقليمية إسلامية بالشرق الأوسط تتجاوز به حالة الاستقطاب الإقليمى التى فرضت نفسها خلال السنوات الماضية بين "هلال شيعي" و"حلف سني" بإقامة ما أطلق عليه الرئيس الإيرانى حسن روحانى «القمر الإسلامي»، يبدأ بتأسيس نظام فرعى إقليمى فى ما تسميه إيران «الخليج الفارسى» يجمعها مع دول مجلس التعاون الخليجى الست والعراق، وفى مرحلة ثانية يتسع ليضم الدول الإسلامية فى الشرق الأوسط، أى تركيا والدول العربية.
ترفض إيران أى وجود عربى فى إقليم الخليج من خارج الدول الخليجية، كى تبقى هى القوة المسيطرة، وهى من لم يستطع الظهور بهذا الشكل إلا بعد التخلص من العراق كقوة عربية منافسة
هذا المشروع ليس جديداً، فهو مشروع الزعامة الإيرانية لـ «الجمهورية الإسلامية» الذى يرتكز على هوية مذهبية شيعية، وإن كان يفضل ارتداء ثوب «خيار المقاومة» فهو مشروع معاد بطبيعته للعروبة، ويرفض أى تكتل عربي، ويفضل أن يتعامل مع الدول العربية كمجرد دول متفرقة لا تجمعها هوية قومية، كما أن إيران ترفض أى وجود عربى فى إقليم الخليج من خارج الدول الخليجية، كى تبقى هى القوة المسيطرة، وهى من لم يستطع الظهور بهذا الشكل إلا بعد التخلص من العراق كقوة عربية منافسة، وهى من يتدخل فى الشئون الداخلية لدول عربية انطلاقاً من الثغرة الطائفية، ومن يغذى ويؤجج المشاعر والولاءات الطائفية عند الشيعة العرب على حساب ولاءاتهم الوطنية والعربية وهى من يرفض الانسحاب من جزر عربية احتلها الشاه بتواطؤ بريطانى منذ نوفمبر 1971.
تركيا بدورها ليست بعيدة عن تنافس المشروعات فى إقليم الشرق الأوسط ولكنها تعيش الآن مرحلة انتكاسة مشروعها مع الإخوان بدعم الإدارة الأمريكية لتأسيس |«حلف سنى» بقيادتها، وهو الحلف الذى تداعى بإسقاط حكم الإخوان فى مصر، لذلك فإنها تعيش انقساماً داخلياً حول مستقبل حزب «العدالة والتنمية» وانقساماً حول دورها الإقليمى بين إيران وإسرائيل والتنظيمات الإرهابية كطرف جديد فى معادلة الصراع الإقليمي.
خيارات مصر الإقليمية وموقفها من إيران يجب أن تنطلق من الوعى بمضامين هذا الصراع ومن قاعدة الارتكاز القومية بهوية الدور المصرى بأبعاده ومحدداته.
تركيا بدورها ليست بعيدة عن تنافس المشروعات فى إقليم الشرق الأوسط ولكنها تعيش الآن مرحلة انتكاسة مشروعها مع الإخوان بدعم الإدارة الأمريكية لتأسيس |«حلف سنى» بقيادتها، وهو الحلف الذى تداعى بإسقاط حكم الإخوان فى مصر، لذلك فإنها تعيش انقساماً داخلياً حول مستقبل حزب «العدالة والتنمية» وانقساماً حول دورها الإقليمى بين إيران وإسرائيل والتنظيمات الإرهابية كطرف جديد فى معادلة الصراع الإقليمي.
خيارات مصر الإقليمية وموقفها من إيران يجب أن تنطلق من الوعى بمضامين هذا الصراع ومن قاعدة الارتكاز القومية بهوية الدور المصرى بأبعاده ومحدداته.