رمال متحركة: تزايد تهديد التطرف العنيف للاستقرار في دول الخليج
الثلاثاء 28/يوليو/2015 - 11:27 ص
د.إيمان رجب* ويوسف ورداني**
مثّلت موجة التغيير التي حملتها الانتفاضات والثورات الشعبية التي شهدتها المنطقة العربية منذ نهاية 2010 هاجسًا مقلقًا لدول الخليج بدرجات متفاوتة، على نحو دفعها لاتباع العديد من السياسات التي تحصنها إزاء هذه الموجات، ولتتجنب تكرار سيناريو الاحتجاجات الذي شهدته البحرين منذ 11 فبراير 2011، ولكن أصبح من الواضح أن الخطر الحقيقي الذي يتهدد هذه الدول ليس من الجماعات المعارضة التي تطالب بالإصلاح السياسي، والذي أثبتت الأيام قدرة هذه الدول النسبية على احتوائه، وإنما من قبل الجماعات المتطرفة والإرهابية التي وجدت لنفسها موئلًا داخل المجتمعات الخليجية، وطورت من آليات عملها بشكل أصبح يهدد ليس أمن هذه الدول فقط، وإنما شرعية النظم الحاكمة فيها، لا سيما وأن هذه الشرعية استندت منذ قيامها على تحالفات متعددة مع قوى الإسلام السياسي، وفرت الإطار الشرعي لاستمرار هذه النظم خاصة في أوقات الأزمات.
إن الفقر لا يعتبر سببًا للتطرف العنيف في الخليج، وإنما الشعور بالحرمان النسبي
أولا- التحول في نوع الإرهاب في الخليج
لم تعد دول الخليج هدفًا فقط للعمليات الإرهابية منذ إعلان تنظيم داعش قيام دولته في العراق في 10 يونيو 2014، بل أسهمت بشكل ملموس في توفير الحاضنة الإيديولوجية لانتشار أفكار التنظيمات المتطرفة، وتوفير السند الشرعي لعملها، حيث إن عددا مهما من المنضمين لتنظيم داعش في العراق وسوريا من دول الخليج ليسوا من المقاتلين العاديين، وإنما من المنظّرين الفقهيين للتنظيم والذين ينتمون إلى الفكر الديني المتشدد(1). ويقدر المركز الدولي لدراسات التطرف والعنف السياسي ICSR عدد هؤلاء المقاتلين في 26 يناير 2015 بنحو 2600 مقاتل منهم 96% من السعودية(2). ويزيد هذا العدد إلى 5500 مقاتل وفقًا لتقديرات مركز إنيجما في أبو ظبي(3).
وعلى خلاف البلدان العربية الأخرى، وخاصة تونس التي تحتل الصدارة في أعداد المقاتلين في تنظيم داعش، فإن الفقر لا يعتبر سببًا للتطرف العنيف في الخليج، وإنما الشعور بالحرمان النسبي، حيث يكشف تحليل حالة بعض المواطنين من الخليج الذين انضموا لتنظيم داعش عن أنهم يتمتعون بمستوى دخل جيد، وأن معظمهم ينتمي لأسر ثرية أو متوسطة الوضع الاجتماعي، وليسوا عاطلين عن العمل، حيث يمارسون عملًا حكوميًا بمرتب جيد في معظم الحالات، ومن ذلك حالة تركي البنعلي الداعية البحريني الذي يبلغ من العمر 30 عامًا، وكان يعمل إمامًا في أحد مساجد البحرين، وانضم لتنظيم داعش في 2014 ليصبح مسئولًا منذ انضمامه عن تجنيد قيادات دينية من شمال أفريقيا، وكان قد حصل على تعليمه الديني من الإمارات ولبنان(4).
وهذه الحالات تشير إلى أن هناك دوافع أخرى لتطرف الشباب في الخليج بحاجة إلى مزيد من الدراسة، أبرزها الأفكار الدينية المتشددة المنتشرة في الخليج، ورغم أن هذا السبب عادة ما كان هناك تجنب لمناقشته بصورة معلنة في الخليج، إلا أنه يلاحظ مؤخرا وجود اتجاه لطرحه، وهو ما تعبر عنه تصريحات العالم العراقي السني أحمد الكبيسي في 7 أغسطس 2014 (5)، والتي حمّل فيها هذه الأفكار مسئولية انتشار التطرف في الخليج، وكذلك الصحفي الإماراتي علي بن تميم رئيس موقع الإمارات 24 الذي وصف ابن تيمية في أحد مقالاته بـ"الجاهل المنافق"، وأشاد بحظر الأردن دخول مؤلفات ابن تيمية إليها(6). وكذلك يضاف لهذه الأسباب رغبة الشباب في الشهادة، وفي لعب دور قيادي في الحياة العامة يتخطي أنماط المشاركة المحدودة المتاحة حاليًا.
ويمكن القول كذلك، إن العديد من أعمال الإرهاب التي شهدتها دول الخليج أخيرًا، تعبر عن نمط الإرهاب بلا قيادة leaderless terrorism ، والتي أصبحت تستهدف أهداف مدنية بصورة مختلفة نوعيًا عما شهدته الرياض في الفترة التالية على احتلال العراق في 2003، وقد أخذت هذه الأعمال أخيرا ثلاثة أشكال رئيسية، يتمثل الشكل الأول في الخلايا صغيرة العدد، والتي تعمل أحيانًا تحت اسم الدواعش المحلية، التي لا تضم مواطنين فقط وإنما أجانب أيضًا، فعلى سبيل المثال، أعلنت السلطات السعودية في 8 ديسمبر 2014 عن القبض على 135 متهمًا بتهمة انتمائهم للتنظيمات المتطرفة، كونوا خلايا متعددة لتنفيذ عمليات متفرقة في الدولة، منهم 109 سعوديًا و26 أجنبيًا غالبيتهم من سوريا(7). وأعلنت في 29 أبريل 2015 عن اعتقال خليتين مكونتين من 80 شخصًا جميعهم يحملون الجنسية السعودية باستثناء أربعة أحدهم يمني والآخر فلسطيني و2 من حملة البطاقات (من البدون)، كانوا يخططون لاستهداف عدة مقار أمنية. كما أعلنت في 18 يوليو عن القبض على أربعة خلايا تنتمي لتنظيم داعش وتضم 431 سعوديًا بخلاف عدد من الأجانب(8).
وركزت هذه الخلايا منذ نهاية 2014 على استهداف المؤسسات الدينية الشيعية في عملياتها، ففي نوفمبر 2014 تم استهداف حسينية بمنطقة "الدالوه" في الإحساء باغتيال خمسة أشخاص أثناء خروجهم منها(9)، وفي مايو 2015 تم استهداف مسجد الإمام عليّ في مدينة القديح بالقطيف، كما تم تفجير مسجد الإمام الصادق في منطقة "الصوابر" الكويت في يونيو 2015 (10).
وينصرف الشكل الثاني إلى حالة الذئب المنفرد، والمتعلق بأن يعتمد الفرد في اكتساب المعرفة الخاصة بالتخطيط لعملية إرهابية ما من خلال مواقع إليكترونية على شبكة الإنترنت، دون أن ينتمي تنظيميًا لجماعة أو تنظيم محدد، وعادة يكون منفذ هذا النوع من الإرهاب من المواطنين، ومن ذلك اعتقال القوات السعودية في 11 أبريل 2015 مواطن سعودي بتهمة التدرب على تكتيكات داعش، وتخطيطه لاستهداف القوات الأمنية السعودية، وعمله من خلال ستة حسابات على تويتر على تجنيد الشباب السعودي، وكذلك قيام شاب سعودي في 16 يوليو 2015 بقتل خاله الذي كان يقوم بعمله في أحد الكمائن الأمنية في الرياض.
ويتمثل الشكل الثالث، فيما يعرف باسم الأرملة السوداء black widow، حيث تقوم فتاة ترتدي ملابس سوداء بتنفيذ عملية إرهابية ما بصورة منفردة، دون أن تنتمي تنظيميًا لجماعة او تنظيم محدد، وهو نمط شهدته روسيا منذ فترة، وقد شهدت الإمارات واقعة في ديسمبر 2014، تحاكي هذا النمط وعرفت إعلاميًا باسم "شبح الريم"(11)، والتي استهدفت أجانب يعملون في الإمارات.
ومشاركة المرأة في العمليات الإرهابية على تنوعها ليست ظاهرة خليجية جديدة، ففي السعودية توجد حالات مثل هيلة القصير وندى القحطاني ووفاء آل شهري "أم هاجر الأزدي" اللاتي انضممن لتنظيم القاعدة في اليمن، وكذلك انضمام عدد من الكويتيات لكتيبة الخنساء التابعة لتنظيم داعش في محافظة الرقة السورية(12).
لم تعد دول الخليج هدفًا فقط للعمليات الإرهابية منذ إعلان تنظيم داعش قيام دولته في العراق في 10 يونيو 2014، بل أسهمت بشكل ملموس في توفير الحاضنة الإيديولوجية لانتشار أفكار التنظيمات المتطرفة، وتوفير السند الشرعي لعملها، حيث إن عددا مهما من المنضمين لتنظيم داعش في العراق وسوريا من دول الخليج ليسوا من المقاتلين العاديين، وإنما من المنظّرين الفقهيين للتنظيم والذين ينتمون إلى الفكر الديني المتشدد(1). ويقدر المركز الدولي لدراسات التطرف والعنف السياسي ICSR عدد هؤلاء المقاتلين في 26 يناير 2015 بنحو 2600 مقاتل منهم 96% من السعودية(2). ويزيد هذا العدد إلى 5500 مقاتل وفقًا لتقديرات مركز إنيجما في أبو ظبي(3).
وعلى خلاف البلدان العربية الأخرى، وخاصة تونس التي تحتل الصدارة في أعداد المقاتلين في تنظيم داعش، فإن الفقر لا يعتبر سببًا للتطرف العنيف في الخليج، وإنما الشعور بالحرمان النسبي، حيث يكشف تحليل حالة بعض المواطنين من الخليج الذين انضموا لتنظيم داعش عن أنهم يتمتعون بمستوى دخل جيد، وأن معظمهم ينتمي لأسر ثرية أو متوسطة الوضع الاجتماعي، وليسوا عاطلين عن العمل، حيث يمارسون عملًا حكوميًا بمرتب جيد في معظم الحالات، ومن ذلك حالة تركي البنعلي الداعية البحريني الذي يبلغ من العمر 30 عامًا، وكان يعمل إمامًا في أحد مساجد البحرين، وانضم لتنظيم داعش في 2014 ليصبح مسئولًا منذ انضمامه عن تجنيد قيادات دينية من شمال أفريقيا، وكان قد حصل على تعليمه الديني من الإمارات ولبنان(4).
وهذه الحالات تشير إلى أن هناك دوافع أخرى لتطرف الشباب في الخليج بحاجة إلى مزيد من الدراسة، أبرزها الأفكار الدينية المتشددة المنتشرة في الخليج، ورغم أن هذا السبب عادة ما كان هناك تجنب لمناقشته بصورة معلنة في الخليج، إلا أنه يلاحظ مؤخرا وجود اتجاه لطرحه، وهو ما تعبر عنه تصريحات العالم العراقي السني أحمد الكبيسي في 7 أغسطس 2014 (5)، والتي حمّل فيها هذه الأفكار مسئولية انتشار التطرف في الخليج، وكذلك الصحفي الإماراتي علي بن تميم رئيس موقع الإمارات 24 الذي وصف ابن تيمية في أحد مقالاته بـ"الجاهل المنافق"، وأشاد بحظر الأردن دخول مؤلفات ابن تيمية إليها(6). وكذلك يضاف لهذه الأسباب رغبة الشباب في الشهادة، وفي لعب دور قيادي في الحياة العامة يتخطي أنماط المشاركة المحدودة المتاحة حاليًا.
ويمكن القول كذلك، إن العديد من أعمال الإرهاب التي شهدتها دول الخليج أخيرًا، تعبر عن نمط الإرهاب بلا قيادة leaderless terrorism ، والتي أصبحت تستهدف أهداف مدنية بصورة مختلفة نوعيًا عما شهدته الرياض في الفترة التالية على احتلال العراق في 2003، وقد أخذت هذه الأعمال أخيرا ثلاثة أشكال رئيسية، يتمثل الشكل الأول في الخلايا صغيرة العدد، والتي تعمل أحيانًا تحت اسم الدواعش المحلية، التي لا تضم مواطنين فقط وإنما أجانب أيضًا، فعلى سبيل المثال، أعلنت السلطات السعودية في 8 ديسمبر 2014 عن القبض على 135 متهمًا بتهمة انتمائهم للتنظيمات المتطرفة، كونوا خلايا متعددة لتنفيذ عمليات متفرقة في الدولة، منهم 109 سعوديًا و26 أجنبيًا غالبيتهم من سوريا(7). وأعلنت في 29 أبريل 2015 عن اعتقال خليتين مكونتين من 80 شخصًا جميعهم يحملون الجنسية السعودية باستثناء أربعة أحدهم يمني والآخر فلسطيني و2 من حملة البطاقات (من البدون)، كانوا يخططون لاستهداف عدة مقار أمنية. كما أعلنت في 18 يوليو عن القبض على أربعة خلايا تنتمي لتنظيم داعش وتضم 431 سعوديًا بخلاف عدد من الأجانب(8).
وركزت هذه الخلايا منذ نهاية 2014 على استهداف المؤسسات الدينية الشيعية في عملياتها، ففي نوفمبر 2014 تم استهداف حسينية بمنطقة "الدالوه" في الإحساء باغتيال خمسة أشخاص أثناء خروجهم منها(9)، وفي مايو 2015 تم استهداف مسجد الإمام عليّ في مدينة القديح بالقطيف، كما تم تفجير مسجد الإمام الصادق في منطقة "الصوابر" الكويت في يونيو 2015 (10).
وينصرف الشكل الثاني إلى حالة الذئب المنفرد، والمتعلق بأن يعتمد الفرد في اكتساب المعرفة الخاصة بالتخطيط لعملية إرهابية ما من خلال مواقع إليكترونية على شبكة الإنترنت، دون أن ينتمي تنظيميًا لجماعة أو تنظيم محدد، وعادة يكون منفذ هذا النوع من الإرهاب من المواطنين، ومن ذلك اعتقال القوات السعودية في 11 أبريل 2015 مواطن سعودي بتهمة التدرب على تكتيكات داعش، وتخطيطه لاستهداف القوات الأمنية السعودية، وعمله من خلال ستة حسابات على تويتر على تجنيد الشباب السعودي، وكذلك قيام شاب سعودي في 16 يوليو 2015 بقتل خاله الذي كان يقوم بعمله في أحد الكمائن الأمنية في الرياض.
ويتمثل الشكل الثالث، فيما يعرف باسم الأرملة السوداء black widow، حيث تقوم فتاة ترتدي ملابس سوداء بتنفيذ عملية إرهابية ما بصورة منفردة، دون أن تنتمي تنظيميًا لجماعة او تنظيم محدد، وهو نمط شهدته روسيا منذ فترة، وقد شهدت الإمارات واقعة في ديسمبر 2014، تحاكي هذا النمط وعرفت إعلاميًا باسم "شبح الريم"(11)، والتي استهدفت أجانب يعملون في الإمارات.
ومشاركة المرأة في العمليات الإرهابية على تنوعها ليست ظاهرة خليجية جديدة، ففي السعودية توجد حالات مثل هيلة القصير وندى القحطاني ووفاء آل شهري "أم هاجر الأزدي" اللاتي انضممن لتنظيم القاعدة في اليمن، وكذلك انضمام عدد من الكويتيات لكتيبة الخنساء التابعة لتنظيم داعش في محافظة الرقة السورية(12).
مشاركة المرأة في العمليات الإرهابية على تنوعها ليست ظاهرة خليجية جديدة
ثانيا- تهديد مركب
إن انتشار هذه الأنماط من الأعمال الإرهابية، يجعل التهديد الذي تواجهه هذه الدول مختلفًا عن الذي تشهده دول أخرى في الإقليم مثل مصر، التي تعاني من نوع آخر من الإرهاب والتطرف، ويمكن تحديد عدة أبعاد لهذا التهديد. ينصرف البعد الأول، إلى اكتسابه بُعدًا طائفيًا وهو ما يعبر عنه حادث الصوابر في الكويت، وحادثي القطيف والدمام في السعودية، على نحو يحيي صراعًا تقليديًا في هذه الدول، عبر عن نفسه في فترات التطور السياسي المختلفة فيها في صورة صراع سياسي بين النخب السياسية الحاكمة والقوى المعارضة الشيعية، على نحو انعكس في المظاهرات المتقطعة التي تشهدها المنطقة الشرقية وفي أزمة البحرين خلال العام2011 (13)، ورغم اكتساب هذا الصراع السياسي بعدًا طائفيًا، إلا أنه لم يتطور بعد إلى مستوى الإرهاب الطائفي.
ورغم أن هذه الدول منذ اندلاع الثورات العربية وانتشار موجة التطرف والإرهاب كانت تحذر من الإرهاب والتطرف الشيعي، باعتبار أن الإرهاب الذي يضرب المنطقة ليس سني فقط، فإن وقوع هذه الأحداث كشف عن خطورة التطرف السني، والذي يعد قادرًا على تفجير هذه المجتمعات من الداخل، من خلال تفجير مشاكل الانقسام الطائفي فيها، وليس فقط إثارة قضية درجة التزام النظم الحاكمة فيها بتطبيق الشريعة الإسلامية.
وينصرف البعد الثاني، إلى "تسييس" عملية مكافحة هذه الأحداث، على نحو أدى إلى عدم فعالية المكافحة، فرغم إدراك النظم في هذه الدول خطورة انتشار هذا النوع من العمليات واكتسابها شرعية دينية ما من بعض التيارات الإسلامية السلفية، وهو ما دفعها في الكويت على سبيل المثال لدعم عقد صلاة جمعة موحدة تجمع السنة والشيعة في 3 يوليو 2015 والتي حضرها أمير الكويت((14)، ونظمت صلاة مماثلة في نفس الجمعة في البحرين تحسبًا لوقوع تفجير مماثل فيها(15)، إلا أن هذا لا يعدو عن كونه تحرك لحظي، حيث تعتمد هذه النظم في شرعيتها الداخلية على تحالفات معقدة مع القوى السلفية، والتي تتبنى موقف محدد من أبناء الطائفة الشيعية، ومن تنظيم داعش الذي ألهم هذه العمليات. ويسهم تبني خطاب حقيقي معادٍ للإرهاب في ارتباك تلك التحالفات، ومن ثم تعرض استقرار هذه النظم لمخاطر داخلية.
إن انتشار هذه الأنماط من الأعمال الإرهابية، يجعل التهديد الذي تواجهه هذه الدول مختلفًا عن الذي تشهده دول أخرى في الإقليم مثل مصر، التي تعاني من نوع آخر من الإرهاب والتطرف، ويمكن تحديد عدة أبعاد لهذا التهديد. ينصرف البعد الأول، إلى اكتسابه بُعدًا طائفيًا وهو ما يعبر عنه حادث الصوابر في الكويت، وحادثي القطيف والدمام في السعودية، على نحو يحيي صراعًا تقليديًا في هذه الدول، عبر عن نفسه في فترات التطور السياسي المختلفة فيها في صورة صراع سياسي بين النخب السياسية الحاكمة والقوى المعارضة الشيعية، على نحو انعكس في المظاهرات المتقطعة التي تشهدها المنطقة الشرقية وفي أزمة البحرين خلال العام2011 (13)، ورغم اكتساب هذا الصراع السياسي بعدًا طائفيًا، إلا أنه لم يتطور بعد إلى مستوى الإرهاب الطائفي.
ورغم أن هذه الدول منذ اندلاع الثورات العربية وانتشار موجة التطرف والإرهاب كانت تحذر من الإرهاب والتطرف الشيعي، باعتبار أن الإرهاب الذي يضرب المنطقة ليس سني فقط، فإن وقوع هذه الأحداث كشف عن خطورة التطرف السني، والذي يعد قادرًا على تفجير هذه المجتمعات من الداخل، من خلال تفجير مشاكل الانقسام الطائفي فيها، وليس فقط إثارة قضية درجة التزام النظم الحاكمة فيها بتطبيق الشريعة الإسلامية.
وينصرف البعد الثاني، إلى "تسييس" عملية مكافحة هذه الأحداث، على نحو أدى إلى عدم فعالية المكافحة، فرغم إدراك النظم في هذه الدول خطورة انتشار هذا النوع من العمليات واكتسابها شرعية دينية ما من بعض التيارات الإسلامية السلفية، وهو ما دفعها في الكويت على سبيل المثال لدعم عقد صلاة جمعة موحدة تجمع السنة والشيعة في 3 يوليو 2015 والتي حضرها أمير الكويت((14)، ونظمت صلاة مماثلة في نفس الجمعة في البحرين تحسبًا لوقوع تفجير مماثل فيها(15)، إلا أن هذا لا يعدو عن كونه تحرك لحظي، حيث تعتمد هذه النظم في شرعيتها الداخلية على تحالفات معقدة مع القوى السلفية، والتي تتبنى موقف محدد من أبناء الطائفة الشيعية، ومن تنظيم داعش الذي ألهم هذه العمليات. ويسهم تبني خطاب حقيقي معادٍ للإرهاب في ارتباك تلك التحالفات، ومن ثم تعرض استقرار هذه النظم لمخاطر داخلية.
أسهم عجز الحكومات الخليجية عن تقديم مراجعة شاملة للمناهج وللخطاب الديني والإعلامي المحرض على الطائفية في ازدياد نفوذ هذه القوى وتغلغلها بين المواطنين
وتكشف متابعة المناقشات التي دارت حول مشاركة الطيارة الإماراتية مريم
المنصوري في العمليات الجوية التي استهدفت تنظيم داعش في العراق عن ذلك،
فرغم احتفاء الحكومة الإماراتية بمشاركتها في هذه العمليات(16)، فإن ذلك
أثار موجة انتقادات قوية من قبل العديد من الجماعات الإسلامية في الخليج
ضدها، بسبب مشاركتها حسب تصورهم في عملية عسكرية "ضد الإسلام"(17)، ومنذ
ذلك الحين لم تنشر معلومات مماثلة من قبل الحكومة تجنبًا من أن يتم
استخدامها من قبل جماعات محددة لإضعاف شرعية النظام، وهو ما يعد دلالة على
استمرار تحفظ هذه المجتمعات على استخدام العنف في مواجهة التنظيمات
المتطرفة.
ويترتب على ذلك، أن سياسات المكافحة تنفذ على المستوى الرسمي وليس لها بعد مجتمعي، نظرًا لنفوذ قوى الإسلام السياسي محليًا، حيث لاتزال القوى الدينية المختلفة في هذه الدول تتحدث عن الجهاد في سوريا والعراق، وعن نجاح داعش في إقامة "الدولة الإسلامية"، وفي فرضها تطبيق الشريعة، وتجمع التبرعات من أجل نصرة المقاتلين هناك تحت مسميات مختلفة. وقد أسهم عجز الحكومات الخليجية عن تقديم مراجعة شاملة للمناهج وللخطاب الديني والإعلامي المحرض على الطائفية، وعدم تقييمها الجدي لفاعلية إستراتيجيتها الناعمة في مكافحة التطرف في ازدياد نفوذ هذه القوى وتغلغلها بين المواطنين.
ويتعلق البعد الثالث، بأن هذه الأحداث كشفت عن أن النخب الحاكمة في هذه الدول لم تدرك بعد أهمية العمل على تطوير هوية وطنية جامعة تتخطى الاختلافات المذهبية والسياسية، على نحو انعكس في كيفية تعاملها مع هذه العمليات، حيث يلاحظ انتشار مشاعر بين أبناء الطائفة الشيعية، خاصة بعدم قدرة الدولة على حماية أبناء الطائفة بسبب تحالفاتها مع قوى تيار الإسلام السني، خاصة في حالة السعودية التي تعد العلاقة بين مشايخ السنة والشيعة فيها متوترة بطبيعتها، وهو ما دفع أبناء هذه الطائفة في السعودية لتشكيل لجان أشبه باللجان الشعبية التي انتشرت في مصر بعد انهيار جهاز الشرطة في 2011 لحماية المساجد الخاصة بهم وأحيائهم بعد ان تحولت إلى هدف للمتطرفين(18)، كما سعى مجلس الأوقاف الجعفرية في البحرين لإقرار عدد من الإجراءات الأمنية لحماية مساجد وحسينيات الشيعة، والعمل على تنسيق تنفيذها مع وزارة الداخلية البحرينية(19)، وتعالت أيضا بعض الدعوات التي تدعو المواطنين الشيعة إلى محاكاة شيعة السعودية، في تشكيل لجان لحماية مناطقهم، ومن ذلك بيان قوى 14 فبراير الصادر في 29 مايو 2015(20).
إلى جانب ذلك، تكشف متابعة المناقشات التي دارت في مجلس الشوري السعودي حول إقرار قانون حماية الوحدة الوطنية، والذي لم يحظ سوى بقبول 47 عضوًا من إجمالي المجلس البالغ عدد أعضائه نحو 150 عضوًا(21)، عن أن أزمة الهوية الوطنية ستستمر فترة من الزمن، كما أن هذه الأزمة لا تعد الكويت بعيدة عنها رغم أنها حالة متقدمة فيما يتعلق بعلاقتها مع المواطنين الشيعة مقارنة بغيرها، حيث كان للمناقشات التي سبقت حادث الصوابر مؤشرًا على استمرار هذه المشكلة في الكويت، وهو ما دفع وزارة الإعلام الكويتية إلى وقف بث قناة "وصال" عقب تفجير مسجد الإمام الصادق بسبب اتهامها بتأجيج الصراع الطائفي وتزكية عدم التعايش السلمي بين السنة والشيعة.
وينصرف البعد الرابع، إلى أن هذه العمليات كشفت عن غياب سياسات فعالة في دول الخليج للتعامل مع القطاعات المختلفة من الشباب، والذين أصبحوا يلعبون دورًا واضحًا في العمليات التي شهدتها هذه الدول مؤخرا، وهي قضية تم إغفال الإشارة إليها بعد نشوب الثورات والانتفاضات الشعبية التي شهدتها عدة دول منذ نهاية ديسمبر 2010 في ظل شيوع اتجاه أكثر بريقًا بين الأكاديميين المهتمين بالخليج، تمحور حول أن الشباب هو محرك التغيير والإصلاح السياسي في هذه الدول(22).
حيث تشير البيانات الرسمية الصادرة عن الحكومات الخليجية حول منفذي العمليات الإرهابية التي شهدتها في الفترة الأخيرة إلى انتماء عدد مهم منهم إلى جيل الشباب. فعلى سبيل المثال كشف بيان وزارة الداخلية السعودية عن أن ثلاثة من ضمن المعتقلين الـ 21 بتهمة تبني فكر تنظيم داعش والتستر على المطلوبين أمنيًا في الحادث الإرهابي الذي وقع في بلدة القديح بمحافظة القطيف في 22 مايو 2015 يبلغ عمرهم أقل من 18 سنة(23)، وأن المتورط في تفجير مسجد الحسين بحي العنود في مدينة الدمام(24)يبلغ عمره 20 عامًا(25). كما بلغ سن الانتحاري السعودي الذي فجر نفسه بجامع الإمام الصادق بمنطقة الصوابر في الكويت 23 عامًا(26)، وكان سن الشاب الذي قام بقتل خاله في الرياض 19 عاما.
وقد كان هذا التطور سببًا في حرص أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد على التأكيد في إطار حديثه عن مواجهة الكويت للتطرف والإرهاب بعد حادث الصوابر على أهمية الاهتمام بمكافحة انتشار الأفكار المتطرفة بين الشباب، حيث وجه بضرورة "تحصينهم من الأفكار الضالة والسلوك المنحرف والعمل على تمسكهم بديننا الإسلامي الحنيف الداعي إلى الوسطية والاعتدال"(27).
إن استمرار الطابع النخبوي والانتقائي للخطاب الخاص بمكافحة التطرف والإرهاب في دول الخليج، دون تحوله إلى سياسات تحظى بتأييد مجتمعي كاف لمكافحة التطرف الذي يصدره تنظيم داعش وغيره من التنظيمات المتطرفة والإرهابية لهذه الدول، أمر من شأنه إضعاف دور القيادات غير المتطرفة بين أوساط الشباب السني والشيعي، وهو ما سيمثل تهديدًا حقيقيًا لاستقرار النظم الحاكمة هناك.
* خبير في شئون الخليج، ورئيس تحرير دورية "بدائل"، مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية.
** خبير في بحوث ودراسات الشباب والتطرف، باحث دكتوراه في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة.
المراجع
1. Eman Ragab, "Countering Recruitment of the GCC Countries Nationals by Terrorist Organizations in Conflict Zones: Threat, Policies, and Challenges ", paper presented in an advanced research workshop organized by the NATO in Antalya-Turkey , 9-12 May 2015, entitled "Countering Terrorist Recruitment in the Context of Armed Counter Terrorism Operations".
2. Peter R. Neumann, "Foreign fighter total in Syria/Iraq now exceeds 20,000; surpasses Afghanistan conflict in the 1980s", International Centre for the Study of Radicalization and Political Violence, Jan 26, 2015
3. " 5,500 Gulf citizens fighting with ISIS", Gulf Daily News, May 18, 2015.
4. For more on this issue, see: Eman Ragab,Op.Cit.
i. لمزيد من التفاصيل حول موقف الكبيسي انظر، "المزروعي يعقب على تصريحات الكبيسي"، الاتحاد الإماراتية، 31 أغسطس 2014؛ "الكبيسي يعتذر عن وصف محمد ابن عبد الوهاب بالصناعة اليهودية والإمارات تؤكد رفضها الإساءة للعلماء"، السي ان ان العربية، 26 ديسمبر 2014.
ii. أثارت هذه التغريدات موجة من الغضب بين المؤيدين لابن تيمية على تويتر اتهمت دولة الإمارات بالوقوف وراء بن تميم، لا سيما وأن موقع الإمارات 24 ممول من الديوان الأميري في أبوظبي. للمزيد انظر: "غضب خليجي بعد وصف صحفي إماراتي «ابن تيمية» بـ«الجاهل المنافق»"، موقع الخليج الجديد، 15 يونيو 2015: http://www.thenewkhalij.com/ar/node/15554
5. "المتحدث الأمني: الأجهزة الأمنية تتابع مجموعات مشبوهة فرقها الانتماء الفكري ووحدها الإرهاب"، وزارة الداخلية السعودية، 8 ديسمبر 2014.
i. الإطاحة بتنظيم مكون من خلايا عنقودية مرتبط بتنظيم داعش الإرهابي، وزارة الداخلية السعودية، 18 يوليو 2015.
6. " عشرون قتيلا بتفجير مسجد للشيعة بالقطيف في السعودية"، الجزيرة نت، 22 مايو 2015:
7. http://www.aljazeera.net/news/arabic/2015/5/22/%D8%B9%D8%B4%D8%B1%D9%88%D9%86-%D9%82%D8%AA%D9%8A%D9%84%D8%A7-%D8%A8%D8%AA%D9%81%D8%AC%D9%8A%D8%B1-%D9%85%D8%B3%D8%AC%D8%AF-%D9%84%D9%84%D8%B4%D9%8A%D8%B9%D8%A9-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B7%D9%8A%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B9%D9%88%D8%AF%D9%8A%D8%A9
8. "28 قتيلا بانفجار مسجد شيعي في #الكويت وداعش يتبنى"، العربية نت، 26 يونيو 2015:
9. http://www.alarabiya.net/ar/arab-and-world/2015/06/26/-%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%88%D9%8A%D8%AA-%D9%82%D8%AA%D9%84%D9%89-%D9%88%D8%AC%D8%B1%D8%AD%D9%89-%D8%A8%D8%A7%D9%86%D9%81%D8%AC%D8%A7%D8%B1-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D8%B3%D8%AC%D8%AF-%D9%84%D9%84%D8%B4%D9%8A%D8%B9%D8%A9.html
10. "اعترافات شبح الريم بالصوت والصورة"، جريدة الاتحاد الإماراتية، 15 أبريل 2015.
i. فرناز عطية، "لماذا امتد إرهاب النساء إلى المجتمعات الخليجية؟"، المركز الإقليمي للدراسات الإستراتيجية، 12 يناير 2015:
11. http://www.rcssmideast.org/Article/2979#.VZ5Q7PlViko
i. إيمان رجب، "طائفية الاحتجاجات: ملامح الأزمة الداخلية والإقليمية لمظاهرات البحرين"، مجلة السياسة الدولية، عدد 184، أبريل 2011.
b. عادة ما يصلي كل من السنة والشيعة في مساجد منفصلة خاصة بكل منها.
12. "صلاة الجمعة الموحدة جسدت الروح البحرينية الجامعة"، جريدة الأيام البحرينية، 4 يوليو 2015.
13. "بالفيديو:مريم إماراتية شاركت في قضف داعش"، موقع العربية نت، 25 سبتمبر 2015:
14. http://www.alarabiya.net/ar/arab-and-world/syria/2014/09/25/%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%AF%D9%8A%D9%88-%D9%85%D8%B1%D9%8A%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%B5%D9%88%D8%B1%D9%8A-%D8%A5%D9%85%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA%D9%8A%D8%A9-%D8%B4%D8%A7%D8%B1%D9%83%D8%AA-%D8%A8%D9%82%D8%B5%D9%81-%D8%AF%D8%A7%D8%B9%D8%B4-.html
15. " (تويتر) يشتعل غضبا لمشاركة فتاة اماراتية تقود مقاتلة F16 في الحرب الأمريكية على (تنظيم الدولة)"، موقع شئون خليجية، 29 يونيو 2014.
16. http://alkhaleejaffairs.org/main/Content/40;%D8%AA%D9%88%D9%8A%D8%AA%D8%B141;-%D9%8A%D8%B4%D8%AA%D8%B9%D9%84-%D8%BA%D8%B6%D8%A8%D8%A7-%D9%84%D9%85%D8%B4%D8%A7%D8%B1%D9%83%D8%A9-%D9%81%D8%AA%D8%A7%D8%A9-%D8%A7%D9%85%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D9%82%D9%88%D8%AF-%D9%85%D9%82%D8%A7%D8%AA%D9%84%D8%A9-F16-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D8%B1%D9%8A%D9%83%D9%8A%D8%A9-%D8%B9%D9%84%D9%89-40;%D8%AA%D9%86%D8%B8%D9%8A%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A941;
17. "'فاينانشال تايمز': سعوديون شيعة يشكلون لجانا للحماية الذاتية"، راديو سوا، 1 يونيو 2015:
18. http://www.radiosawa.com/content/shia-self-defense-groups/272256.html
19. "الأوقاف الجعفرية : تنسيق عالي المستوى مع وزارة الداخلية لتعزيز سلامة المصلين في مساجد البحرين"، منتدى فجر البحرين، 1 يونيو 2015:
20. https://www.fajrbh.com/vb/threads/99362/
i. انظر نص البيان الصادر عن ائتلاف شباب ثورة 14 فبراير كم هو منشور في: "ائتلاف 14 فبراير يدعو لتشكيل لجان شعبية في #البحرين لحماية المناطق و المساجد من خطر الإرهاب الداعشي"، منتدى فجر البحرين 29 مايو 2015:
21. https://www.fajrbh.com/vb/threads/99362/
22. "السعودية: ردود أفعال النشطاء على رفض مجلس الشورى لمشروع الوحدة الوطنية"، موقع التقرير، 17 يونيو 2015:
http://altagreer.com/%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B9%D9%88%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D8%B1%D8%AF%D9%88%D8%AF-%D8%A3%D9%81%D8%B9%D8%A7%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B4%D8%B7%D8%A7%D8%A1-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%B1%D9%81%D8%B6-%D9%85%D8%AC/
i. حول هذا الاتجاه، انظر على سبيل المثال: مي يماني، هويات متغيرة: تحدي الجيل الجديد في السعودية، ترجمة إبراهيم درويش (بيروت: رياض الريس للكتب والنشر، ط2، 2010)؛ يوسف ورداني، "مسارات قلقة: السياسات الخليجية في التعامل مع الشباب بعد ثورات وانتفاضات الربيع العربي"، مجلة آفاق سياسية، المركز العربي للبحوث والدراسات بالقاهرة، العدد 11، نوفمبر 2014؛ وانظر أيضًا:
23. Christopher M.Davidson, After the Sheikhs. The Coming Collapse of the Gulf Monarchies (London: Hurst &Company,2012).
i. تصريح إلحاقي حول الحادث الإرهابي الذي وقع في بلدة القديح بمحافظة القطيف، موقع وزارة الداخلية السعودية، 24 مايو 2015.
24. " قتلى في تفجير انتحاري بالقرب من مسجد للشيعة بالمنطقة الشرقية بالسعودية "، بي بي سي العربي، 29 مايو 2015:
25. http://www.bbc.com/arabic/middleeast/2015/05/150529_saudi_explosion
i. المتحدث الأمني لوزارة الداخلية: التعرف على هوية منفذ الجريمة الإرهابية بمسجد حي العنود بمدينة الدمام، موقع وزارة الداخلية السعودية، 3 يونيو 2015.
26. "الرياض: لم يسجل علي القباع نشاطًا إرهابيًا سابقًا"، موقع سكاى نيوز عربية، 28 يونيو 2015:
http://www.skynewsarabia.com/web/article/756178/%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%8A%D8%A7%D8%B6-%D8%AA%D8%B3%D8%AC%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A8%D8%A7%D8%B9-%D9%86%D8%B4%D8%A7%D8%B7-%D8%A7%D9%95%D8%B1%D9%87%D8%A7%D8%A8%D9%8A-%D8%B3%D8%A7%D8%A8%D9%82%D8%A7
27. "الأمير: الاحتقان الطائفي البغيض يهدد كيان الأمة ويفتت وحدتها"، جريدة القبس الكويتية، 10 يوليو 2015.
ويترتب على ذلك، أن سياسات المكافحة تنفذ على المستوى الرسمي وليس لها بعد مجتمعي، نظرًا لنفوذ قوى الإسلام السياسي محليًا، حيث لاتزال القوى الدينية المختلفة في هذه الدول تتحدث عن الجهاد في سوريا والعراق، وعن نجاح داعش في إقامة "الدولة الإسلامية"، وفي فرضها تطبيق الشريعة، وتجمع التبرعات من أجل نصرة المقاتلين هناك تحت مسميات مختلفة. وقد أسهم عجز الحكومات الخليجية عن تقديم مراجعة شاملة للمناهج وللخطاب الديني والإعلامي المحرض على الطائفية، وعدم تقييمها الجدي لفاعلية إستراتيجيتها الناعمة في مكافحة التطرف في ازدياد نفوذ هذه القوى وتغلغلها بين المواطنين.
ويتعلق البعد الثالث، بأن هذه الأحداث كشفت عن أن النخب الحاكمة في هذه الدول لم تدرك بعد أهمية العمل على تطوير هوية وطنية جامعة تتخطى الاختلافات المذهبية والسياسية، على نحو انعكس في كيفية تعاملها مع هذه العمليات، حيث يلاحظ انتشار مشاعر بين أبناء الطائفة الشيعية، خاصة بعدم قدرة الدولة على حماية أبناء الطائفة بسبب تحالفاتها مع قوى تيار الإسلام السني، خاصة في حالة السعودية التي تعد العلاقة بين مشايخ السنة والشيعة فيها متوترة بطبيعتها، وهو ما دفع أبناء هذه الطائفة في السعودية لتشكيل لجان أشبه باللجان الشعبية التي انتشرت في مصر بعد انهيار جهاز الشرطة في 2011 لحماية المساجد الخاصة بهم وأحيائهم بعد ان تحولت إلى هدف للمتطرفين(18)، كما سعى مجلس الأوقاف الجعفرية في البحرين لإقرار عدد من الإجراءات الأمنية لحماية مساجد وحسينيات الشيعة، والعمل على تنسيق تنفيذها مع وزارة الداخلية البحرينية(19)، وتعالت أيضا بعض الدعوات التي تدعو المواطنين الشيعة إلى محاكاة شيعة السعودية، في تشكيل لجان لحماية مناطقهم، ومن ذلك بيان قوى 14 فبراير الصادر في 29 مايو 2015(20).
إلى جانب ذلك، تكشف متابعة المناقشات التي دارت في مجلس الشوري السعودي حول إقرار قانون حماية الوحدة الوطنية، والذي لم يحظ سوى بقبول 47 عضوًا من إجمالي المجلس البالغ عدد أعضائه نحو 150 عضوًا(21)، عن أن أزمة الهوية الوطنية ستستمر فترة من الزمن، كما أن هذه الأزمة لا تعد الكويت بعيدة عنها رغم أنها حالة متقدمة فيما يتعلق بعلاقتها مع المواطنين الشيعة مقارنة بغيرها، حيث كان للمناقشات التي سبقت حادث الصوابر مؤشرًا على استمرار هذه المشكلة في الكويت، وهو ما دفع وزارة الإعلام الكويتية إلى وقف بث قناة "وصال" عقب تفجير مسجد الإمام الصادق بسبب اتهامها بتأجيج الصراع الطائفي وتزكية عدم التعايش السلمي بين السنة والشيعة.
وينصرف البعد الرابع، إلى أن هذه العمليات كشفت عن غياب سياسات فعالة في دول الخليج للتعامل مع القطاعات المختلفة من الشباب، والذين أصبحوا يلعبون دورًا واضحًا في العمليات التي شهدتها هذه الدول مؤخرا، وهي قضية تم إغفال الإشارة إليها بعد نشوب الثورات والانتفاضات الشعبية التي شهدتها عدة دول منذ نهاية ديسمبر 2010 في ظل شيوع اتجاه أكثر بريقًا بين الأكاديميين المهتمين بالخليج، تمحور حول أن الشباب هو محرك التغيير والإصلاح السياسي في هذه الدول(22).
حيث تشير البيانات الرسمية الصادرة عن الحكومات الخليجية حول منفذي العمليات الإرهابية التي شهدتها في الفترة الأخيرة إلى انتماء عدد مهم منهم إلى جيل الشباب. فعلى سبيل المثال كشف بيان وزارة الداخلية السعودية عن أن ثلاثة من ضمن المعتقلين الـ 21 بتهمة تبني فكر تنظيم داعش والتستر على المطلوبين أمنيًا في الحادث الإرهابي الذي وقع في بلدة القديح بمحافظة القطيف في 22 مايو 2015 يبلغ عمرهم أقل من 18 سنة(23)، وأن المتورط في تفجير مسجد الحسين بحي العنود في مدينة الدمام(24)يبلغ عمره 20 عامًا(25). كما بلغ سن الانتحاري السعودي الذي فجر نفسه بجامع الإمام الصادق بمنطقة الصوابر في الكويت 23 عامًا(26)، وكان سن الشاب الذي قام بقتل خاله في الرياض 19 عاما.
وقد كان هذا التطور سببًا في حرص أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد على التأكيد في إطار حديثه عن مواجهة الكويت للتطرف والإرهاب بعد حادث الصوابر على أهمية الاهتمام بمكافحة انتشار الأفكار المتطرفة بين الشباب، حيث وجه بضرورة "تحصينهم من الأفكار الضالة والسلوك المنحرف والعمل على تمسكهم بديننا الإسلامي الحنيف الداعي إلى الوسطية والاعتدال"(27).
إن استمرار الطابع النخبوي والانتقائي للخطاب الخاص بمكافحة التطرف والإرهاب في دول الخليج، دون تحوله إلى سياسات تحظى بتأييد مجتمعي كاف لمكافحة التطرف الذي يصدره تنظيم داعش وغيره من التنظيمات المتطرفة والإرهابية لهذه الدول، أمر من شأنه إضعاف دور القيادات غير المتطرفة بين أوساط الشباب السني والشيعي، وهو ما سيمثل تهديدًا حقيقيًا لاستقرار النظم الحاكمة هناك.
* خبير في شئون الخليج، ورئيس تحرير دورية "بدائل"، مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية.
** خبير في بحوث ودراسات الشباب والتطرف، باحث دكتوراه في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة.
المراجع
1. Eman Ragab, "Countering Recruitment of the GCC Countries Nationals by Terrorist Organizations in Conflict Zones: Threat, Policies, and Challenges ", paper presented in an advanced research workshop organized by the NATO in Antalya-Turkey , 9-12 May 2015, entitled "Countering Terrorist Recruitment in the Context of Armed Counter Terrorism Operations".
2. Peter R. Neumann, "Foreign fighter total in Syria/Iraq now exceeds 20,000; surpasses Afghanistan conflict in the 1980s", International Centre for the Study of Radicalization and Political Violence, Jan 26, 2015
3. " 5,500 Gulf citizens fighting with ISIS", Gulf Daily News, May 18, 2015.
4. For more on this issue, see: Eman Ragab,Op.Cit.
i. لمزيد من التفاصيل حول موقف الكبيسي انظر، "المزروعي يعقب على تصريحات الكبيسي"، الاتحاد الإماراتية، 31 أغسطس 2014؛ "الكبيسي يعتذر عن وصف محمد ابن عبد الوهاب بالصناعة اليهودية والإمارات تؤكد رفضها الإساءة للعلماء"، السي ان ان العربية، 26 ديسمبر 2014.
ii. أثارت هذه التغريدات موجة من الغضب بين المؤيدين لابن تيمية على تويتر اتهمت دولة الإمارات بالوقوف وراء بن تميم، لا سيما وأن موقع الإمارات 24 ممول من الديوان الأميري في أبوظبي. للمزيد انظر: "غضب خليجي بعد وصف صحفي إماراتي «ابن تيمية» بـ«الجاهل المنافق»"، موقع الخليج الجديد، 15 يونيو 2015: http://www.thenewkhalij.com/ar/node/15554
5. "المتحدث الأمني: الأجهزة الأمنية تتابع مجموعات مشبوهة فرقها الانتماء الفكري ووحدها الإرهاب"، وزارة الداخلية السعودية، 8 ديسمبر 2014.
i. الإطاحة بتنظيم مكون من خلايا عنقودية مرتبط بتنظيم داعش الإرهابي، وزارة الداخلية السعودية، 18 يوليو 2015.
6. " عشرون قتيلا بتفجير مسجد للشيعة بالقطيف في السعودية"، الجزيرة نت، 22 مايو 2015:
7. http://www.aljazeera.net/news/arabic/2015/5/22/%D8%B9%D8%B4%D8%B1%D9%88%D9%86-%D9%82%D8%AA%D9%8A%D9%84%D8%A7-%D8%A8%D8%AA%D9%81%D8%AC%D9%8A%D8%B1-%D9%85%D8%B3%D8%AC%D8%AF-%D9%84%D9%84%D8%B4%D9%8A%D8%B9%D8%A9-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B7%D9%8A%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B9%D9%88%D8%AF%D9%8A%D8%A9
8. "28 قتيلا بانفجار مسجد شيعي في #الكويت وداعش يتبنى"، العربية نت، 26 يونيو 2015:
9. http://www.alarabiya.net/ar/arab-and-world/2015/06/26/-%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%88%D9%8A%D8%AA-%D9%82%D8%AA%D9%84%D9%89-%D9%88%D8%AC%D8%B1%D8%AD%D9%89-%D8%A8%D8%A7%D9%86%D9%81%D8%AC%D8%A7%D8%B1-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D8%B3%D8%AC%D8%AF-%D9%84%D9%84%D8%B4%D9%8A%D8%B9%D8%A9.html
10. "اعترافات شبح الريم بالصوت والصورة"، جريدة الاتحاد الإماراتية، 15 أبريل 2015.
i. فرناز عطية، "لماذا امتد إرهاب النساء إلى المجتمعات الخليجية؟"، المركز الإقليمي للدراسات الإستراتيجية، 12 يناير 2015:
11. http://www.rcssmideast.org/Article/2979#.VZ5Q7PlViko
i. إيمان رجب، "طائفية الاحتجاجات: ملامح الأزمة الداخلية والإقليمية لمظاهرات البحرين"، مجلة السياسة الدولية، عدد 184، أبريل 2011.
b. عادة ما يصلي كل من السنة والشيعة في مساجد منفصلة خاصة بكل منها.
12. "صلاة الجمعة الموحدة جسدت الروح البحرينية الجامعة"، جريدة الأيام البحرينية، 4 يوليو 2015.
13. "بالفيديو:مريم إماراتية شاركت في قضف داعش"، موقع العربية نت، 25 سبتمبر 2015:
14. http://www.alarabiya.net/ar/arab-and-world/syria/2014/09/25/%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%AF%D9%8A%D9%88-%D9%85%D8%B1%D9%8A%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%B5%D9%88%D8%B1%D9%8A-%D8%A5%D9%85%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA%D9%8A%D8%A9-%D8%B4%D8%A7%D8%B1%D9%83%D8%AA-%D8%A8%D9%82%D8%B5%D9%81-%D8%AF%D8%A7%D8%B9%D8%B4-.html
15. " (تويتر) يشتعل غضبا لمشاركة فتاة اماراتية تقود مقاتلة F16 في الحرب الأمريكية على (تنظيم الدولة)"، موقع شئون خليجية، 29 يونيو 2014.
16. http://alkhaleejaffairs.org/main/Content/40;%D8%AA%D9%88%D9%8A%D8%AA%D8%B141;-%D9%8A%D8%B4%D8%AA%D8%B9%D9%84-%D8%BA%D8%B6%D8%A8%D8%A7-%D9%84%D9%85%D8%B4%D8%A7%D8%B1%D9%83%D8%A9-%D9%81%D8%AA%D8%A7%D8%A9-%D8%A7%D9%85%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D9%82%D9%88%D8%AF-%D9%85%D9%82%D8%A7%D8%AA%D9%84%D8%A9-F16-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D8%B1%D9%8A%D9%83%D9%8A%D8%A9-%D8%B9%D9%84%D9%89-40;%D8%AA%D9%86%D8%B8%D9%8A%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A941;
17. "'فاينانشال تايمز': سعوديون شيعة يشكلون لجانا للحماية الذاتية"، راديو سوا، 1 يونيو 2015:
18. http://www.radiosawa.com/content/shia-self-defense-groups/272256.html
19. "الأوقاف الجعفرية : تنسيق عالي المستوى مع وزارة الداخلية لتعزيز سلامة المصلين في مساجد البحرين"، منتدى فجر البحرين، 1 يونيو 2015:
20. https://www.fajrbh.com/vb/threads/99362/
i. انظر نص البيان الصادر عن ائتلاف شباب ثورة 14 فبراير كم هو منشور في: "ائتلاف 14 فبراير يدعو لتشكيل لجان شعبية في #البحرين لحماية المناطق و المساجد من خطر الإرهاب الداعشي"، منتدى فجر البحرين 29 مايو 2015:
21. https://www.fajrbh.com/vb/threads/99362/
22. "السعودية: ردود أفعال النشطاء على رفض مجلس الشورى لمشروع الوحدة الوطنية"، موقع التقرير، 17 يونيو 2015:
http://altagreer.com/%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B9%D9%88%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D8%B1%D8%AF%D9%88%D8%AF-%D8%A3%D9%81%D8%B9%D8%A7%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B4%D8%B7%D8%A7%D8%A1-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%B1%D9%81%D8%B6-%D9%85%D8%AC/
i. حول هذا الاتجاه، انظر على سبيل المثال: مي يماني، هويات متغيرة: تحدي الجيل الجديد في السعودية، ترجمة إبراهيم درويش (بيروت: رياض الريس للكتب والنشر، ط2، 2010)؛ يوسف ورداني، "مسارات قلقة: السياسات الخليجية في التعامل مع الشباب بعد ثورات وانتفاضات الربيع العربي"، مجلة آفاق سياسية، المركز العربي للبحوث والدراسات بالقاهرة، العدد 11، نوفمبر 2014؛ وانظر أيضًا:
23. Christopher M.Davidson, After the Sheikhs. The Coming Collapse of the Gulf Monarchies (London: Hurst &Company,2012).
i. تصريح إلحاقي حول الحادث الإرهابي الذي وقع في بلدة القديح بمحافظة القطيف، موقع وزارة الداخلية السعودية، 24 مايو 2015.
24. " قتلى في تفجير انتحاري بالقرب من مسجد للشيعة بالمنطقة الشرقية بالسعودية "، بي بي سي العربي، 29 مايو 2015:
25. http://www.bbc.com/arabic/middleeast/2015/05/150529_saudi_explosion
i. المتحدث الأمني لوزارة الداخلية: التعرف على هوية منفذ الجريمة الإرهابية بمسجد حي العنود بمدينة الدمام، موقع وزارة الداخلية السعودية، 3 يونيو 2015.
26. "الرياض: لم يسجل علي القباع نشاطًا إرهابيًا سابقًا"، موقع سكاى نيوز عربية، 28 يونيو 2015:
http://www.skynewsarabia.com/web/article/756178/%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%8A%D8%A7%D8%B6-%D8%AA%D8%B3%D8%AC%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A8%D8%A7%D8%B9-%D9%86%D8%B4%D8%A7%D8%B7-%D8%A7%D9%95%D8%B1%D9%87%D8%A7%D8%A8%D9%8A-%D8%B3%D8%A7%D8%A8%D9%82%D8%A7
27. "الأمير: الاحتقان الطائفي البغيض يهدد كيان الأمة ويفتت وحدتها"، جريدة القبس الكويتية، 10 يوليو 2015.