علاقات استراتيجية: نوري المالكي أبرز تحديات علاقة بغداد بطهران
الأربعاء 24/يونيو/2015 - 11:05 ص
د. محمد السعيد إدريس
قبل أن يعتزم حيدر العبادي، رئيس الحكومة العراقية، القيام بزيارته الثانية والسريعة إلى إيران (17/6/2015) بأيام قليلة كان قد صرح، في مقابلة له مع قناة "العراقية" الرسمية أن بغداد "ليست طرفًا في الصراع السعودي – الإيراني، ولن تدخل في صراعات إقليمية بين البلدين" وزاد على ذلك توضيحًا بالقول: "إذا كان الإخوة السعوديون يعتقدون بأن العراق بوابة لإيران فهم مخطئون".
دون الخوض في خلفيات الحرص على الحيادية بين الرياض وطهران فإن ما صرح به عبادي يكتسب أهمية كبيرة من منظور مدى الحرص على استقلالية القرار الوطني العراقي، ومن ثم عدم تبعية هذا القرار لأي من الرياض أو طهران، وإذا أضفنا واشنطن فإن الأمر سوف يزداد تعقيدًا على عكس ما صرح حيدر العبادي، ودليلنا على ذلك ما نراه من تعقيد شديد في قرار الحكومة العراقية الخاصة بالحرب ضد "داعش" وأولوية تحرير محافظة الأنبار وعاصمتها الرمادي في ظل العجز عن تحرير الموصل الذي مضى على احتلالها أكثر من عام.
دون الخوض في خلفيات الحرص على الحيادية بين الرياض وطهران فإن ما صرح به عبادي يكتسب أهمية كبيرة من منظور مدى الحرص على استقلالية القرار الوطني العراقي، ومن ثم عدم تبعية هذا القرار لأي من الرياض أو طهران، وإذا أضفنا واشنطن فإن الأمر سوف يزداد تعقيدًا على عكس ما صرح حيدر العبادي، ودليلنا على ذلك ما نراه من تعقيد شديد في قرار الحكومة العراقية الخاصة بالحرب ضد "داعش" وأولوية تحرير محافظة الأنبار وعاصمتها الرمادي في ظل العجز عن تحرير الموصل الذي مضى على احتلالها أكثر من عام.
حيدر العبادي: أن بغداد ليست طرفًا في الصراع السعودي – الإيراني.. وإذا كان الإخوة السعوديون يعتقدون بأن العراق بوابة لإيران فهم مخطئون
أولا- تعقيدات تحرير الرمادي
فالأمر الواضح أن القرار السياسي العراقي بخصوص تحرير مدينة الأنبار شديد الارتباط بالقرارين الإيراني والأمريكي، ولعل هذا ما يفسر بعض ارتباكات بغداد في تحرير الرمادي، لأن الواضح أنه لا طهران ولا واشنطن تبديان إرادة نزيهة ورغبة حقيقية في تحرير الرمادي والقضاء على «داعش» في العراق، لأسباب كثيرة، أبرزها أن بقاء «داعش» في العراق يجعل العراق في حاجة دائمة لدعم إيران وأمريكا، كما أن بقاء «داعش» في الأنبار وغيرها يجعل تقسيم العراق الذي هو مشروع جون بايدن نائب الرئيس الأمريكي، في متناول اليد، ويجعل من مخطط تقسيم العراق مذهبيًا وإثنيًا ممكنًا.
فتعقيدات قرار الحكومة العراقية في تحرير الرمادي تضع تصريح حيدر العبادي عن الحيادية موضع التشكك لأسباب ثلاثة: أولها، أن محافظة الأنبار هي كبرى المحافظات العراقية (نحو 138,500 كم2) ويقطنها نحو مليوني نسمة، وهي المحافظة التي تبعد عاصمتها الرمادي عن بغداد أقل من 100 كم، وهي المحافظة التي تلتقي حدوديًا واجتماعيًا واقتصاديًا، ولها روابط قرابة عشائرية مع ثلاث دول عربية ملاصقة للعراق: السعودية وسوريا والأردن. وبقاء سيطرة «داعش» على هذه المحافظة يعني أن الخطر يتهدد هذه الدول مباشرة.
ثاني هذه الاعتبارات أن إيران تبدو أكثر الأطراف ارتياحًا لوجود «داعش» في الأنبار، ما دامت غير قادرة على التسلل إلى الداخل الإيراني عبر الحدود العراقية مع إيران. فقد حدد علي شمخاني الأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني، وزير الدفاع الإيراني الأسبق، ثلاثة خطوط حمر للجمهورية الإسلامية، خلال حديثه مع التلفزيون الرسمي الإيراني هي: «تهديد الحدود الإيرانية، وتهديد بغداد، وتهديد العتبات المقدسة، ما يعني أنه ما بقيت «داعش» بعيدة عن هذه الخطوط الحمر الثلاثة، فإن طهران لا تشعر بالخطر أو بالتهديد، ما يعني أن وجود «داعش» في الأنبار، لا يمثل خطرًا على إيران أو مصالحها في العراق، وأن تحرير الرمادي ليس أولوية إيرانية تستحق المخاطرة.
أما ثالث هذه الاعتبارات، فهو تراخي الاهتمام والجدية الأمريكيين في إلحاق الهزيمة بـ «داعش»، حسب ما كشف السيناتور الجمهوري ماركو روبيو في مقال له بصحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية، انتقد فيه إستراتيجية الرئيس باراك أوباما في المنطقة. حيث وصف روبيو إستراتيجية أوباما في محاربة «داعش» بأنها «فاشلة وأدت إلى نتائج عكسية»، وهذا ما أوضحه إيلي ليك في موقع «بلومبيرج» عندما فضح التردد الأمريكي في منع تقدم «داعش» نحو الرمادي. فالأمريكيون كانوا على حدّ قوله، يتابعون مقاتلي تنظيم «داعش» وسياراته ومعداته الثقيلة، وهي تتجمّع على أطراف مدينة الرمادي، ومع ذلك لم تصدر أية أوامر بشن هجمات جوية على الركب «الداعشي»، قبل بدء المعركة، وتركت مهمة القتال للقوات العراقية التي تخلت هي الأخرى في النهاية عن مواقعها.
المعنى نفسه أكده موقع «ديلي بيست» (4-5-2015) بقوله إن التصريحات الأمريكية عن السعي لتعديل الإستراتيجية الأمريكية المتبعة في مواجهة تمدد تنظيم «داعش»، مجرد تلويح علني لن يترجم على أرض الواقع، في ظل «عدم شهية» الإدارة الأمريكية على إحداث تغيير في مقاربتها للحرب على «داعش». ففي مقابلة مع «ديلي بيست» ذكر أربعة مسؤولين عسكريين كبار من قادة البنتاجون، أن «هناك مقاومة داخل إدارة أوباما، لإحداث تغييرات جدية في الإستراتيجية المتبعة في مواجهة «داعش»، رغم تنامي شكوك البنتاجون فيما يتعلق بالمقاربة الأمريكية للحرب.
فالأمر الواضح أن القرار السياسي العراقي بخصوص تحرير مدينة الأنبار شديد الارتباط بالقرارين الإيراني والأمريكي، ولعل هذا ما يفسر بعض ارتباكات بغداد في تحرير الرمادي، لأن الواضح أنه لا طهران ولا واشنطن تبديان إرادة نزيهة ورغبة حقيقية في تحرير الرمادي والقضاء على «داعش» في العراق، لأسباب كثيرة، أبرزها أن بقاء «داعش» في العراق يجعل العراق في حاجة دائمة لدعم إيران وأمريكا، كما أن بقاء «داعش» في الأنبار وغيرها يجعل تقسيم العراق الذي هو مشروع جون بايدن نائب الرئيس الأمريكي، في متناول اليد، ويجعل من مخطط تقسيم العراق مذهبيًا وإثنيًا ممكنًا.
فتعقيدات قرار الحكومة العراقية في تحرير الرمادي تضع تصريح حيدر العبادي عن الحيادية موضع التشكك لأسباب ثلاثة: أولها، أن محافظة الأنبار هي كبرى المحافظات العراقية (نحو 138,500 كم2) ويقطنها نحو مليوني نسمة، وهي المحافظة التي تبعد عاصمتها الرمادي عن بغداد أقل من 100 كم، وهي المحافظة التي تلتقي حدوديًا واجتماعيًا واقتصاديًا، ولها روابط قرابة عشائرية مع ثلاث دول عربية ملاصقة للعراق: السعودية وسوريا والأردن. وبقاء سيطرة «داعش» على هذه المحافظة يعني أن الخطر يتهدد هذه الدول مباشرة.
ثاني هذه الاعتبارات أن إيران تبدو أكثر الأطراف ارتياحًا لوجود «داعش» في الأنبار، ما دامت غير قادرة على التسلل إلى الداخل الإيراني عبر الحدود العراقية مع إيران. فقد حدد علي شمخاني الأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني، وزير الدفاع الإيراني الأسبق، ثلاثة خطوط حمر للجمهورية الإسلامية، خلال حديثه مع التلفزيون الرسمي الإيراني هي: «تهديد الحدود الإيرانية، وتهديد بغداد، وتهديد العتبات المقدسة، ما يعني أنه ما بقيت «داعش» بعيدة عن هذه الخطوط الحمر الثلاثة، فإن طهران لا تشعر بالخطر أو بالتهديد، ما يعني أن وجود «داعش» في الأنبار، لا يمثل خطرًا على إيران أو مصالحها في العراق، وأن تحرير الرمادي ليس أولوية إيرانية تستحق المخاطرة.
أما ثالث هذه الاعتبارات، فهو تراخي الاهتمام والجدية الأمريكيين في إلحاق الهزيمة بـ «داعش»، حسب ما كشف السيناتور الجمهوري ماركو روبيو في مقال له بصحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية، انتقد فيه إستراتيجية الرئيس باراك أوباما في المنطقة. حيث وصف روبيو إستراتيجية أوباما في محاربة «داعش» بأنها «فاشلة وأدت إلى نتائج عكسية»، وهذا ما أوضحه إيلي ليك في موقع «بلومبيرج» عندما فضح التردد الأمريكي في منع تقدم «داعش» نحو الرمادي. فالأمريكيون كانوا على حدّ قوله، يتابعون مقاتلي تنظيم «داعش» وسياراته ومعداته الثقيلة، وهي تتجمّع على أطراف مدينة الرمادي، ومع ذلك لم تصدر أية أوامر بشن هجمات جوية على الركب «الداعشي»، قبل بدء المعركة، وتركت مهمة القتال للقوات العراقية التي تخلت هي الأخرى في النهاية عن مواقعها.
المعنى نفسه أكده موقع «ديلي بيست» (4-5-2015) بقوله إن التصريحات الأمريكية عن السعي لتعديل الإستراتيجية الأمريكية المتبعة في مواجهة تمدد تنظيم «داعش»، مجرد تلويح علني لن يترجم على أرض الواقع، في ظل «عدم شهية» الإدارة الأمريكية على إحداث تغيير في مقاربتها للحرب على «داعش». ففي مقابلة مع «ديلي بيست» ذكر أربعة مسؤولين عسكريين كبار من قادة البنتاجون، أن «هناك مقاومة داخل إدارة أوباما، لإحداث تغييرات جدية في الإستراتيجية المتبعة في مواجهة «داعش»، رغم تنامي شكوك البنتاجون فيما يتعلق بالمقاربة الأمريكية للحرب.
من الواضح أنه لا طهران ولا واشنطن تبديان إرادة نزيهة ورغبة حقيقية في تحرير الرمادي والقضاء على «داعش» في العراق
ثانيا- أسباب ارتباكات بغداد
وإذا كانت شهية واشنطن منعدمة لتحرير الرمادي فإن إرادة بغداد تبدو مرتبكة في اتخاذ القرار المناسب، فعندما أعلنت القيادة المشتركة للقوات الأمنية العراقية يوم الثلاثاء (26 مايو/آيار الفائت) انطلاق عملية تحرير محافظة الأنبار وفي القلب منها مدينة الرمادي من سيطرة تنظيم «داعش»، كانت التصريحات العراقية والأمريكية متفائلة، أبرزها تصريح رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي ووزير الخارجية الأمريكي جون كيري.
العبادي قال بثقة: إن «تحرير الأنبار بات وشيكًا»، أما كيري فقد استبق هذه العملية بتأكيد أنه «واثق من استرداد الرمادي من تنظيم «داعش» في الأسابيع المقبلة»، لكن أحدًا من كل المتفائلين لم يجب عن السؤال المهم: ولماذا ،إذن، سقطت مدينة الرمادي في يد «داعش»؟ هل عرفتم لماذا سقطت ومن المسئول وكيف يمكن تجنب الأخطاء؟
مثل هذه الأسئلة باتت مهمة وضرورية للبحث، ليس فقط في مستقبل عملية تحرير محافظة الأنبار أكبر محافظات العراق ومحور الارتباط بين مثلث العراق – سوريا – الأردن، أو هي بالتحديد بؤرة ارتكاز مشروع ربط العراق بالشام الذي هو منطلق مشروع تنظيم «داعش»، ولكن أيضًا مستقبل العراق الذي يجري الدفع به عنوة نحو مشروع التقسيم.
المدخل للإجابة عن تلك الأسئلة هو التصريح المهم واللافت لوزير الدفاع الأمريكي اشتون كارتر الذي اخترق به كل جُدر الصمت المريبة لكل ما يحدث ويخطط للعراق من غزوه واحتلاله.
فقد علّق آشتون على سقوط الرمادي ودراما الهروب الكبير الثاني للجيش العراقي، الأقوى عتادًا والأكبر عددًا، أمام ميليشيات «داعش» بقوله إن «القوات العراقية لم تبد إرادة للقتال في الرمادي». وأوضح أن الجنود العراقيين «لم يعانوا نقصًا في العدد، بل كانوا الأكثر عددًا بكثير من القوات المقابلة، إلا أنهم انسحبوا من المنطقة». وأنهى كارتر تعليقه شديد المرارة لكل عراقي وكل عربي بالقول: «نستطيع أن نقدم لهم التدريب والتجهيزات، إلا أننا لا نستطيع أن نقدم لهم إرادة القتال». لم يخطئ الوزير الأمريكي في كلمة واحدة.
هذه هي الحقيقة المرة، أن الجيش العراقي لا يملك إرادة للقتال، لكن الوزير أعفى نفسه وأعفى بلاده من المسئولية. لم يمتلك الجرأة ذاتها التي تحدث بها عن افتقاد الجيش العراقي لإرادة القتال ليقول لنا ما هو السر الكامن وراء ذلك كله.
كيف تحول جيش العراق الذي قاتل الجيش الإيراني ثماني سنوات، وأجبر الخميني على «تجرع السم» والقبول باتفاق وقف إطلاق النار في أغسطس/آب 1988، إلى جيش امتهن الهروب وافتقد إرادة القتال.
لم يقل الوزير الأمريكي لماذا كان القرار الأول لبلاده هو حل الجيش والقوات والأجهزة الأمنية والاستخباراتية وتسريحها جميعًا، ولماذا أصرّت بلاده على فرض «دستور طائفي في العراق»، ولماذا أصرّ جون بايدن نائب الرئيس الأمريكي، ومازال، على أن الحل في أزمة العراق هو التقسيم؟ ولم يقل لماذا كل الرعاية التي يحظى بها الكيان الكردي من واشنطن الذي أضحى دولة كاملة الأركان وفي انتظار القرار الأمريكي فقط، حسب ما ورد على لسان مسعود برزاني عقب عودته من واشنطن منذ نحو ثلاثة أسابيع.
لم يقل الوزير الأمريكي إن هذا الجيش المفتقد لإرادة القتال هو المحصلة النهائية للعبث الأمريكي- الإيراني بالعراق، ولم يقل إن ما يسمى الآن مجازًا بـ «الجيش العراقي» ليس جيش العراق، ولكنه «جيش الطوائف»، ولا يمكن لجيش طائفي أن يقاتل من أجل وطن، لكنه يقاتل من أجل الطائفة ورموزها، وربما يكون ما جاء على لسان الكولونيل ستيف وارين المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية من استنكار الاسم الذي اختارته القيادة المشتركة للقوات الأمنية العراقية: الجيش وقوات الأمن والحشد الشعبي لعملية تحرير الأنبار باعتباره «اسمًا طائفيًا» محاولة مخادعة لتخفيف وطأة مشروع القرار الذي أقرته لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب الأمريكي وتقدم به عضو هذه اللجنة ماك ثورنبيري وينص المشروع على تخصيص 715 مليون دولار من ميزانية الدفاع الأمريكية لعام 2016 للقوات المشاركة في القتال ضد تنظيم «داعش»، على أن يذهب 25% من هذا المبلغ مباشرة إلى قوات البيشمركة (الكردية) والقوات التابعة للعشائر السنية.
المتحدث باسم “البنتاجون” استنكر تسمية عملية تحرير الأنبار باسم له دلالاته الطائفية، وهو «لبيك يا حسين»، ولم ينتبه إلى هذا «المشروع الطائفي» للمساعدة العسكرية الأمريكية للعراق وهو المشروع الذي استنكره المرجع الشيعي الأعلى في العراق السيد علي السيستاني، الذي دعا على لسان ممثله في كربلاء عبد المهدي الكربلائي خلال خطبة الجمعة (1/5/2015) إلى أن «المساعدات الخارجية التي تقدم للعراقيين في حربهم ضد الإرهاب وسعيهم للتخلص من عصابات داعش الإرهابية يجب ألا تمس بحال من الأحوال سيادة العراق ووحدة أرضه وشعبه»، كما أدانه حيدر العبادي رئيس الحكومة، وأكد في اتصال هاتفي مع جون بايدن نائب الرئيس الأمريكي «رفض العراق لمقترحات القوانين والمشاريع التي تضعف وحدة البلاد وتتجاوز السيادة الوطنية وتسيء للحمة الوطنية».
مهم جدًا هذا الرفض العراقي لهذا التوجه الأمريكي المفضوح، والذي يرمي إلى جعل دعوة تقسيم العراق أمرًا واقعًا، لكنه رفض لن يحل الأزمة ولن يحرر الأنبار وفي قلبها مدينة الرمادي، ولن يحول دون وصول قوات «داعش» إلى مشارف بغداد، لسبب مهم هو أنه لم يقدم إجابة لتخاذل الجيش، ولم يقدم معالجة لأزمة العراق، ودور العراقيين في هذه الأزمة، وهذا كله أمر طبيعي. إن أحدًا لم يقل حتى الآن لماذا هرب الجيش أمام «داعش» في الموصل ومحافظة صلاح الدين وترك معداته وأسلحته غنيمة لـ «الداعشيين». هناك لجنة تحقيق خاصة جرى تشكيلها للبحث في دراما سقوط الموصل برئاسة حاكم الزاملي رئيس لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، وكادت تنتهي من إعداد تقريرها، لكن أيًا من نوري المالكي ومسعود برزاني وأسامة النجيفي لم يمثل أمام هذه اللجنة ليدلي بشهادته.
وإذا كانت شهية واشنطن منعدمة لتحرير الرمادي فإن إرادة بغداد تبدو مرتبكة في اتخاذ القرار المناسب، فعندما أعلنت القيادة المشتركة للقوات الأمنية العراقية يوم الثلاثاء (26 مايو/آيار الفائت) انطلاق عملية تحرير محافظة الأنبار وفي القلب منها مدينة الرمادي من سيطرة تنظيم «داعش»، كانت التصريحات العراقية والأمريكية متفائلة، أبرزها تصريح رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي ووزير الخارجية الأمريكي جون كيري.
العبادي قال بثقة: إن «تحرير الأنبار بات وشيكًا»، أما كيري فقد استبق هذه العملية بتأكيد أنه «واثق من استرداد الرمادي من تنظيم «داعش» في الأسابيع المقبلة»، لكن أحدًا من كل المتفائلين لم يجب عن السؤال المهم: ولماذا ،إذن، سقطت مدينة الرمادي في يد «داعش»؟ هل عرفتم لماذا سقطت ومن المسئول وكيف يمكن تجنب الأخطاء؟
مثل هذه الأسئلة باتت مهمة وضرورية للبحث، ليس فقط في مستقبل عملية تحرير محافظة الأنبار أكبر محافظات العراق ومحور الارتباط بين مثلث العراق – سوريا – الأردن، أو هي بالتحديد بؤرة ارتكاز مشروع ربط العراق بالشام الذي هو منطلق مشروع تنظيم «داعش»، ولكن أيضًا مستقبل العراق الذي يجري الدفع به عنوة نحو مشروع التقسيم.
المدخل للإجابة عن تلك الأسئلة هو التصريح المهم واللافت لوزير الدفاع الأمريكي اشتون كارتر الذي اخترق به كل جُدر الصمت المريبة لكل ما يحدث ويخطط للعراق من غزوه واحتلاله.
فقد علّق آشتون على سقوط الرمادي ودراما الهروب الكبير الثاني للجيش العراقي، الأقوى عتادًا والأكبر عددًا، أمام ميليشيات «داعش» بقوله إن «القوات العراقية لم تبد إرادة للقتال في الرمادي». وأوضح أن الجنود العراقيين «لم يعانوا نقصًا في العدد، بل كانوا الأكثر عددًا بكثير من القوات المقابلة، إلا أنهم انسحبوا من المنطقة». وأنهى كارتر تعليقه شديد المرارة لكل عراقي وكل عربي بالقول: «نستطيع أن نقدم لهم التدريب والتجهيزات، إلا أننا لا نستطيع أن نقدم لهم إرادة القتال». لم يخطئ الوزير الأمريكي في كلمة واحدة.
هذه هي الحقيقة المرة، أن الجيش العراقي لا يملك إرادة للقتال، لكن الوزير أعفى نفسه وأعفى بلاده من المسئولية. لم يمتلك الجرأة ذاتها التي تحدث بها عن افتقاد الجيش العراقي لإرادة القتال ليقول لنا ما هو السر الكامن وراء ذلك كله.
كيف تحول جيش العراق الذي قاتل الجيش الإيراني ثماني سنوات، وأجبر الخميني على «تجرع السم» والقبول باتفاق وقف إطلاق النار في أغسطس/آب 1988، إلى جيش امتهن الهروب وافتقد إرادة القتال.
لم يقل الوزير الأمريكي لماذا كان القرار الأول لبلاده هو حل الجيش والقوات والأجهزة الأمنية والاستخباراتية وتسريحها جميعًا، ولماذا أصرّت بلاده على فرض «دستور طائفي في العراق»، ولماذا أصرّ جون بايدن نائب الرئيس الأمريكي، ومازال، على أن الحل في أزمة العراق هو التقسيم؟ ولم يقل لماذا كل الرعاية التي يحظى بها الكيان الكردي من واشنطن الذي أضحى دولة كاملة الأركان وفي انتظار القرار الأمريكي فقط، حسب ما ورد على لسان مسعود برزاني عقب عودته من واشنطن منذ نحو ثلاثة أسابيع.
لم يقل الوزير الأمريكي إن هذا الجيش المفتقد لإرادة القتال هو المحصلة النهائية للعبث الأمريكي- الإيراني بالعراق، ولم يقل إن ما يسمى الآن مجازًا بـ «الجيش العراقي» ليس جيش العراق، ولكنه «جيش الطوائف»، ولا يمكن لجيش طائفي أن يقاتل من أجل وطن، لكنه يقاتل من أجل الطائفة ورموزها، وربما يكون ما جاء على لسان الكولونيل ستيف وارين المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية من استنكار الاسم الذي اختارته القيادة المشتركة للقوات الأمنية العراقية: الجيش وقوات الأمن والحشد الشعبي لعملية تحرير الأنبار باعتباره «اسمًا طائفيًا» محاولة مخادعة لتخفيف وطأة مشروع القرار الذي أقرته لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب الأمريكي وتقدم به عضو هذه اللجنة ماك ثورنبيري وينص المشروع على تخصيص 715 مليون دولار من ميزانية الدفاع الأمريكية لعام 2016 للقوات المشاركة في القتال ضد تنظيم «داعش»، على أن يذهب 25% من هذا المبلغ مباشرة إلى قوات البيشمركة (الكردية) والقوات التابعة للعشائر السنية.
المتحدث باسم “البنتاجون” استنكر تسمية عملية تحرير الأنبار باسم له دلالاته الطائفية، وهو «لبيك يا حسين»، ولم ينتبه إلى هذا «المشروع الطائفي» للمساعدة العسكرية الأمريكية للعراق وهو المشروع الذي استنكره المرجع الشيعي الأعلى في العراق السيد علي السيستاني، الذي دعا على لسان ممثله في كربلاء عبد المهدي الكربلائي خلال خطبة الجمعة (1/5/2015) إلى أن «المساعدات الخارجية التي تقدم للعراقيين في حربهم ضد الإرهاب وسعيهم للتخلص من عصابات داعش الإرهابية يجب ألا تمس بحال من الأحوال سيادة العراق ووحدة أرضه وشعبه»، كما أدانه حيدر العبادي رئيس الحكومة، وأكد في اتصال هاتفي مع جون بايدن نائب الرئيس الأمريكي «رفض العراق لمقترحات القوانين والمشاريع التي تضعف وحدة البلاد وتتجاوز السيادة الوطنية وتسيء للحمة الوطنية».
مهم جدًا هذا الرفض العراقي لهذا التوجه الأمريكي المفضوح، والذي يرمي إلى جعل دعوة تقسيم العراق أمرًا واقعًا، لكنه رفض لن يحل الأزمة ولن يحرر الأنبار وفي قلبها مدينة الرمادي، ولن يحول دون وصول قوات «داعش» إلى مشارف بغداد، لسبب مهم هو أنه لم يقدم إجابة لتخاذل الجيش، ولم يقدم معالجة لأزمة العراق، ودور العراقيين في هذه الأزمة، وهذا كله أمر طبيعي. إن أحدًا لم يقل حتى الآن لماذا هرب الجيش أمام «داعش» في الموصل ومحافظة صلاح الدين وترك معداته وأسلحته غنيمة لـ «الداعشيين». هناك لجنة تحقيق خاصة جرى تشكيلها للبحث في دراما سقوط الموصل برئاسة حاكم الزاملي رئيس لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، وكادت تنتهي من إعداد تقريرها، لكن أيًا من نوري المالكي ومسعود برزاني وأسامة النجيفي لم يمثل أمام هذه اللجنة ليدلي بشهادته.
أن إعطاء حيدر العبادي أهمية كبيرة بطرح موضوع نوري المالكي مع مضيفيه الإيرانيين يؤكد إدراكه لخطورة الدور الذي يقوم به نوري المالكي لعرقلة الحكومة وإرباكها
ثالثا- طهران وقرار ترتيب البيت العراقي
إدراك كل ما سبق يضع علامات استفهام كبيرة أمام تصريح العبادي عن حيادية موقف بغداد من صراعاتها مع طهران والرياض، لأن علاقة بغداد بطهران شديدة التعقيد وتنفي وجود أي معيار لاستقلالية القرار الوطني.
فإذا كان العبادي قد صرح قبيل سفره إلى طهران، وفقًا لبيان مكتبه، بأنه سيبحث "العديد من القضايا المشتركة، والعلاقات الثنائية بين البلدين، والوضع الإقليمي، والحرب على الإرهاب، والجهود الدولية لمواجهة عصابات (داعش) الإرهابية" فإن هذه الملفات الساخنة وخاصة ملفي الوضع الإقليمي والحرب على "داعش" يصعب أن تكون بعيدة عن متناول إيران، فالموقف الإيراني من هذه الملفات موقف حاسم لا يقل عن أهمية موقف واشنطن من الملفات نفسها، ومن ثم فإن نفي العبادي أن "العراق ليس بوابة إيران" بعيد تمامًا عن الصحة، ولعل في تركيز العبادي في مباحثاته مع كبار المسئولين الإيرانيين الذين التقاهم في طهران (على خامنئي وحسن روحاني وهاشمي رفسنجاني ومحمود شهرودي إضافة إلى إسحق جهانجيري النائب الأول للرئيس الإيراني) على موقف إيران من الأدوار التخريبية التي يقوم بها نوري المالكي في العراق ما يؤكد ذلك، أي ما يؤكد تبعية القرار العراقي بدرجة كبيرة للإرادة الإيرانية، وما يؤكد مدى تغلغل الدور الإيراني في عصب القرار الوطني العراقي.
فقبل أن يذهب حيدر العبادي إلى طهران كانت وسائل الإعلام الغربية تكشف عن محاولات يقوم بها نوري المالكي بهدف تقويض سلطة العبادي وحكومته ضمن مسعاه للعودة مجددًا ليحكم العراق، على نحو ما ورد في صحيفة "واشنطن تايمز" الأمريكية نقلا عن مسئولين أمريكيين وعراقيين أكدوا أن المالكي يلعب دورًا من وراء الستار لدفع إدارة الرئيس أوباما لاستبدال حكومة العبادي بحكومة بديلة موسعة يعود من خلالها إلى السلطة.
المؤكد أن إعطاء حيدر العبادي أهمية كبيرة بطرح موضوع نوري المالكي مع مضيفيه الإيرانيين يؤكد إدراك العبادي لخطورة الدور الذي يقوم به نوري المالكي لعرقلة الحكومة العراقية وإرباكها، كما يؤكد إدراك العبادي لحقيقة أن إيران تقف من خلف المالكي، أي أنها داعمة للمالكي ولا تريد لدوره أن يخفت وأنها تستخدمه "فزاعة" لإخافة حيدر العبادي من تداعيات أي تهاون في اتباع تعليمات الإيرانيين، وأن يكون اقترابه من واشنطن أو الرياض في "الحدود المأمونة" التي تُبقِي لطهران الكلمة العليا في إدارة الشئون العراقية.
وهذا هو الاختيار الصعب الذي واجه زيارة حيدر العبادي لطهران الذي أكد أن بغداد مازالت فعلًا بوابة إيران إلى العالم العربي حتى إشعار آخر.
أسئلة مهمة لها علاقة مباشرة بقواعد اللعبة الجديدة.
إدراك كل ما سبق يضع علامات استفهام كبيرة أمام تصريح العبادي عن حيادية موقف بغداد من صراعاتها مع طهران والرياض، لأن علاقة بغداد بطهران شديدة التعقيد وتنفي وجود أي معيار لاستقلالية القرار الوطني.
فإذا كان العبادي قد صرح قبيل سفره إلى طهران، وفقًا لبيان مكتبه، بأنه سيبحث "العديد من القضايا المشتركة، والعلاقات الثنائية بين البلدين، والوضع الإقليمي، والحرب على الإرهاب، والجهود الدولية لمواجهة عصابات (داعش) الإرهابية" فإن هذه الملفات الساخنة وخاصة ملفي الوضع الإقليمي والحرب على "داعش" يصعب أن تكون بعيدة عن متناول إيران، فالموقف الإيراني من هذه الملفات موقف حاسم لا يقل عن أهمية موقف واشنطن من الملفات نفسها، ومن ثم فإن نفي العبادي أن "العراق ليس بوابة إيران" بعيد تمامًا عن الصحة، ولعل في تركيز العبادي في مباحثاته مع كبار المسئولين الإيرانيين الذين التقاهم في طهران (على خامنئي وحسن روحاني وهاشمي رفسنجاني ومحمود شهرودي إضافة إلى إسحق جهانجيري النائب الأول للرئيس الإيراني) على موقف إيران من الأدوار التخريبية التي يقوم بها نوري المالكي في العراق ما يؤكد ذلك، أي ما يؤكد تبعية القرار العراقي بدرجة كبيرة للإرادة الإيرانية، وما يؤكد مدى تغلغل الدور الإيراني في عصب القرار الوطني العراقي.
فقبل أن يذهب حيدر العبادي إلى طهران كانت وسائل الإعلام الغربية تكشف عن محاولات يقوم بها نوري المالكي بهدف تقويض سلطة العبادي وحكومته ضمن مسعاه للعودة مجددًا ليحكم العراق، على نحو ما ورد في صحيفة "واشنطن تايمز" الأمريكية نقلا عن مسئولين أمريكيين وعراقيين أكدوا أن المالكي يلعب دورًا من وراء الستار لدفع إدارة الرئيس أوباما لاستبدال حكومة العبادي بحكومة بديلة موسعة يعود من خلالها إلى السلطة.
المؤكد أن إعطاء حيدر العبادي أهمية كبيرة بطرح موضوع نوري المالكي مع مضيفيه الإيرانيين يؤكد إدراك العبادي لخطورة الدور الذي يقوم به نوري المالكي لعرقلة الحكومة العراقية وإرباكها، كما يؤكد إدراك العبادي لحقيقة أن إيران تقف من خلف المالكي، أي أنها داعمة للمالكي ولا تريد لدوره أن يخفت وأنها تستخدمه "فزاعة" لإخافة حيدر العبادي من تداعيات أي تهاون في اتباع تعليمات الإيرانيين، وأن يكون اقترابه من واشنطن أو الرياض في "الحدود المأمونة" التي تُبقِي لطهران الكلمة العليا في إدارة الشئون العراقية.
وهذا هو الاختيار الصعب الذي واجه زيارة حيدر العبادي لطهران الذي أكد أن بغداد مازالت فعلًا بوابة إيران إلى العالم العربي حتى إشعار آخر.
أسئلة مهمة لها علاقة مباشرة بقواعد اللعبة الجديدة.