< لدينا مثل شعبي في السعودية يقول: «يا من شرى له من حلاله عِلّه»، والمقصود بذلك حالة الندم التي تصيب المرء عندما يقدم على شراء سلعة أو فكرة، ثم تكون سبباً في تعاسته ومرضه.
ما يمارسه مجلس الشورى أخيراً من سلوك حيال المشاريع التطويرية المطلوبة في بلادنا؛ أقل ما يقال عنه إنه تطبيق واقعي على المثل أعلاه.
بالأمس القريب، وبعد جلسة حافلة بالهرج والمرج بما يشبه ما يحدث بمجالس الشعب في بعض الدول المتخلفة والقريبة منا، تم وأد مشروع قانون يفترض أن يعزز أحد أهم مواد النظام الأساسي للحكم، المتعلقة بالوحدة الوطنية ويحدد عقوباتها. أيضاً وقبل أشهر عدة، وبعد عام ونصف العام من الأخذ والرد تم حفظ مسودة مشروع قانون يجرم التحرشات الجنسية في الأماكن العامة وأماكن العمل في المملكة، ويضع العقوبات الرادعة للمتحرشين، وما أحوج بلادنا ومستقبلنا إلى مثل هذا التقنين وغيره.
صفق الأعضاء المعارضون لمناقشة قانون تجريم الطائفية في نهاية الجلسة، على رغم أن جميع الخطابات التي ألقاها خادم الحرمين الشريفين أخيراً تضمنت موضوع الطائفية بوضوح لا يقبل الجدل، وحذرت من الانزلاق وراء شعارات البعض، التي تدعو لها بما تفضي إليه من تمزيق لوحدة الوطن.
ليت المعارضون في المجلس لمثل هذه المشاريع أو المسودات لديهم من الأسباب ما يقنعنا ويقنع القيادة برفضهم، لهانت الأمور. الكارثة بالفعل هي عدم وجود أي مبررات منطقية للرفض يمكن للعاقل استيعابها.
إذاً، فالخطورة هنا ليست في وجود القناعات لدى الغالبية من الأعضاء بهذا الرأي، بل بوجود أو ميلاد نوع من التكتلات التي لا تبشر بالخير. علينا قبل الخوض في تفاصيل هذه الجزئية ولإيضاح الصورة، أن نذكر بأن من يقف ضد التقنين في هذا المجلس سواءً ما أشرت إليها أم غيرها من مشاريع، هم في الغالب الأعم أقلية يغلب عليهم أو عليهن توجه وسلوك «الإسلاميين الحركيين». فمثلاً قانون التحرش تم قتله ثم حفظه في الأدراج؛ بسبب مخاوف هؤلاء الحركيون تحديداً بأن صدور مثل هذا القانون سيسهم في تشريع الاختلاط في العمل، على رغم أن الاختلاط في العمل اليوم هو حقيقة على الأرض لا يمكن تجاهلها، وبيئتنا في العمل بحاجة ماسة إلى مثل هذا التشريع. كأنهم من خلال هذا الرفض يريدون القول بأنهم أصلاً ضد فكرة العمل في أجواء مختلطة من أساسها، وسيسعون إلى فصل النساء عن الرجال مستقبلاً، وأن وجود قانون كهذا سيصعب من عملية الفصل. كما أن هذه المجموعة التي لا تشكل الغالبية العددية في المجلس مع الأسف، تمارس كل أنواع التخويف والتهويل قبل وأثناء المناقشات حول أية قضية لا تروق لهم. يصل الأمر أن يذهب مجموعة متطوعة منهم إلى بعض العلماء من خارج المجلس في بيته قبل العرض والتصويت، ويصورون القضية أمامهم وكأنها الخطر العظيم الذي ينتظر مجتمعنا، ثم يلحّون بالتواصل مع رئيس المجلس للضغط عليه برفض المناقشة.
الجزء الآخر من هذا التكتل أو التنظيم البعيد عن الأروقة هو العمل على جذب أصوات الغالبية الصامتة في المجلس، ممن قد تنطبق عليهم مقولة «أحب الصالحين ولست منهم». هؤلاء وهم في الغالب لا رأي لهم، قد يشعرون بنفوذ وقوة أولئك الحركيون، ويفضلون عدم التصادم معهم ثم يصوتون لمصلحة مواقفهم بلا وعي أو مسؤولية. أين المصلحة العليا للوطن؟ لا أحد يعلم.
هذه المواقف وغيرها، بل وغياب هذا المجلس عن الإسهام بأي قرارات مهمة تفيد الوطن هو ما دفعني لاختيار عنوان المقالة. هذا الأمر، وأقصد الاقتراح بحل المجلس، يعتبر إجراءً طبيعياً يحدث في كل مكان، وهو من صلاحيات ولي الأمر في كل وقت يدرك بأن هذا المجلس أو تلك الهيئة، وهو المعني باختيار أعضائها، لم تعد ذات قيمة مضافة لتقدم البلاد. المصيبة هنا أن مجلس الشورى لم يكتفِ بغياب القيمة المضافة، بل تحول إلى سبب للإعاقة، وهذا غير مقبول بالطبع. إذاً ليُحل هذا المجلس ورئاسته -وأقصد بذلك حله ثم إعادة تشكيله من جديد- مع الإبقاء على العقول الوطنية المستنيرة حالياً، والتي أصبحت تُحاصر في كل مناقشة ويتم تغييب آرائها، ثم يتم ضخ دماء شابة متفتحة للغد ويتملكها القلق؛ بسبب ضياع الفرص وإهدار الوقت.
هناك من قد يحسن الظن ويقول: إن الأعضاء المعيقون للحركة ومن يقف ضد بعض التشريعات يتوجسون آراء العوام من الشعب، ولا يرغبون في مصادمتهم ببعض الأنظمة التي قد لا تناسب تطلعاتهم، لكن الحقيقة أن التقدم أو الحركة إلى الأمام عموماً ليست مرتبطة برأي وعواطف العامة من الناس، بل مرتبطة بما تبتكره وتهندسه قلة طليعية من العقول المستوعبة لضرورة التطور المستمر بلا توقف، وتقنع به، وأحياناً تفرضه على الغالبية بناءً على التوقع المنطقي لحصول الاقتناع الجماهيري لاحقاً بعد تحقق الفوائد مع مرور الوقت. (جاسر الحربش-صحيفة الجزيرة- الأربعاء 17-6-2015).
السؤال الأهم هنا وهو مرتبط بما استجد في إدارة شؤون البلاد أخيراً، هل يستطيع هذا المجلس بأعضائه الحاليين ورئاسته وتردده الواضح في الوصول إلى أي قرارات بناءة أن يسير بنفس سرعة وحيوية مجلسي الأمن والسياسة ومجلس التنمية والاقتصاد، ونحن نعلم اليوم الديناميكية التي تدار بها هذه المجالس؟ الحقيقة أنني أشك في ذلك كثيراً. الحقيقة والواضح لي ولأي متابع أن هذا المجلس تمادى كثيراً مع الأسف في إهمال أدواره الحيوية إلى الحد الذي أصبح معه هذا المشهد وبكل صراحة مثيراً للغثيان.
آن الأوان أن نستثمر العقول السعودية الرائدة ذات الرؤى المقترنة بالعزم والتصميم على العمل، ووضعهم أعضاء في التشكيل الجديد للمجلس بهدف الإسراع في مراجعة وتنقية جميع المسودات المتعلقة بالتشريعات القانونية الغائبة عن فهرسنا. عمل كهذا سيقوي ويشد من قواعد وأركان دولة الغد، خصوصاً عندما يرتبط ذلك بالمتابعة والمراقبة والمحاسبة. بلادنا تزخر بمثل هؤلاء الأفراد، وانتقاؤهم ليس بذلك العمل المضن. ليس قدرنا ولا يجب أن يكون قدرنا أن نركن إلى هذا الحد من الجمود، وأن نصبر على تجرع أطباق هذا الغثاء الذي لا يتقن بعض أعضاء مجلس الشورى في دورته الحالية غير طهوها وتقديمها مرة تلو المرة لتصطدم بجميع آمال وتطلعات الشعب والكيان ومستقبله. نقلا عن الحياة
* كاتب سعودي.