في وقت يتمدد تنظيم «داعش» ويبسط سيطرته على مزيد من الأراضي في سورية والعراق، يتعذر عليه أكثر فأكثر التستر على أسرار عمله. وثمة مؤشرات كثيرة برزت أخيراً تظهر تعاظم قوة التحالف الدولي على التسلل إلى «صندوقه الأسود» أو حافظة أسراره. ويعود الفضل في هذا التسلل إلى زيادة المعلومات الاستخباراتية التي تجمع عن الحركة الجهادية. ففي 16 أيار (مايو) المنصرم، على مقربة من دير الزور السورية، قتل أبو سياف، وهو تونسي تولى الشؤون المالية في «داعش» وإدارة شؤون تهريب النفط، وضلع في تجارة الرهائن. وتهريب النفط والرهائن هما أبرز مصادر عائدات «الدولة الإسلامية».
واستخرجت الاستخبارات من الكومبيوترات والهواتف المحمولة والوثائق التي صادرتها القوات الأميركية الخاصة من منزل أبو سياف على 4 إلى 7 تيرابايت من المعلومات، أي ما يوازي 1200 إلى 2100 ساعة من تسجيلات الفيديو. ولا يستخف بحجم هذه المعلومات ولا بأهميتها. فعلى سبيل المثل، تظهر هذه المعطيات أن أبوبكر البغدادي يجتمع دورياً مع «الأمراء»، أي مسؤولي المناطق التابعين له في مقر قيادة أركانه في الرقة، شرق سورية. ويتولى سائقون نقل الأمراء إلى الاجتماع، ويطلبون منهم ترك هواتفهم الخليوية وغيره من الأدوات الإلكترونية لتجنب احتمال أن ترصدهم الآذان الأميركية الكبيرة.
وتؤدي زوجات الكوادر الجهادية، ومنهن زوجة أبوسياف التي اعتقلتها قوات كومندوس دلتا، دوراً بارزاً في نقل المعلومات داخل «داعش». وجمعت الاستخبارات الأميركية معلومات كثيرة عن القيادي رقم اثنين في التراتبية العسكرية في «الدولة الإسلامية»، فاضل الهيالي، الضابط السابق في استخبارات صدام حسين الذي قتل في غارة أميركية في الموصل (نوفمبر) الماضي. ويعود الفضل إلى المعلومات الاستخباراتية التي جمعت في الغارة على مقر أبوسياف، في اغتيال أبوحميد بعد أسبوعين على الغارة. وأبوحميد هو أمير تولى الشؤون القبائلية وشؤون الشريعة في الحسكة شمال شرقي سورية. ولكن «الدولة الإسلامية» لم تنعه بعد، ولم تؤكد خبر موته.
وفي حزيران (يونيو) الجاري، أعلن البنتاغون تدمير مركز القيادة في «داعش» بسورية اثر التعرف على موقع المقر في صورة نشرها جهادي على «تويتر» وهو يقف أمامه. وهذا الجهادي لم يغرد خارج سرب غيره من الجهاديين على تويتر. فضربات أميركية كثيرة شنت بعد أقل من 24 ساعة على التغريدات، تلاحظ مؤسسة «صوفان غروب» الأميركية للدراسات. ولذا، قلص «داعش» استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وحظر التقاط صور في مواقع مهمة وحساسة. ووزع على أعضائه دليل إرشادات يظهر كيفية محو خرائط وبيانات جغرافية عن الهواتف المحمولة. وفي 3 حزيران (يونيو)، دمرت غارة أميركية أكبر مصنع سيارات مفخخة «داعشية» في أبرز معاقل التنظيم في الحويجة شمال تكريت. ومركبات الموت هذه هي أبرز خطر يهدد القوات العراقية. ومثل هذه العمليات بلغت أهدافها جراء الاستناد إلى معلومات استخباراتية بشرية دقيقة جمعت اثر نشر شبكة مخبرين فعالة، وإلى صور أقمار اصطناعية وتسجيلات هاتفية ترصدها وحدات مكافحة التجسس العراقية في قاعدة عين الأسد في الأنبار.
وتشير صحف بغداد إلى أن الغارة على أبوسياف استندت إلى معلومات سربها مترجم عراقي. ففي الأشهر الأخيرة، أفلحت القوات العراقية في تحديد مواقع عدد من قيادات «داعش». وبعض هذه القيادات استهدفت في مواكبها أو تجمعاتها، على نحو ما حصل حين استهدف أبوعلاء العفري. وإلى اليوم، يلف الغموض مصيره. ويميل السكان الذين أنهكهم القمع الداعشي إلى تسريب معلومات عن التنظيم. وتساهم الاستخبارات الأردنية في اختراق القبائل العراقية. نقلا عن الحياة
* مراسل، عن «لوفيغارو» الفرنسية، 12/6/2015، إعداد منال النحاس