تنظيم داعش الإرهابي: حق مصر القانوني في الحماية والقصاص (2-2)
الأحد 14/يونيو/2015 - 11:55 ص
المستشار عصمت حسين العيادي
ثانياً- تنظيم داعش الإرهابي
أخصص هذا المبحث عن نشأة وتكوين وطبيعة تنظيم داعش في المطلب الأول، ثم نتحدث في المطلب الثاني عن الوضع القانوني للمصريين المقيمين في ليبيا، والحماية القانونية التي يكفلها القانون الداخلي الليبي والقانون الدولي، وفي طبيعة الجريمة التي اقترفها تنظيم داعش بقتله لعدد واحد وعشرين مسيحيًا مصريا، وفي المطلب الثالث نتحدث الاختصاص القضائي بمحاكمة مجرمي داعش.
1- تنظيم داعش الإرهابي
لفظ داعش اختصار لعبارة "الدولة الإسلامية بالعراق وسوريا"، ويبين من هذا المسمى أنه يحاول أن يخلع على نفسه وضع كيان الدولة مرتدية ثوب الخلافة الإسلامية، وهو زعم كاذب ليخدع به البسطاء من الناس لتحفيزهم على مساندته، والانطواء تحت لوائه لمحاربة كيان الدولة القائم، أو على الأقل لإرهابهم ومنعهم من مقاتلته خوفًا من أن يكون موقفهم هذا ضد الدين، على أنه من جانب البحث في نشأة هذه الجماعة فيمكننا القول بأن البداية كانت جماعة التوحيد والجهاد بزعامة أبي مصعب الزرقاوي المرتبط بتنظيم القاعدة في أفغانستان، وكان من قبل عضوا بارزا فيه، والتي أنشأها في عام 2004، ثم في بداية عام 2006 شكل مجلس شورى المجاهدين، وتلي ذلك في نفس العام تشكيل تنظيم دولة العراق الإسلامية برئاسة أبي بكر عمر البغدادي، وبعد مقتله خلفه أبو بكر البغدادي، وبعد اندلاع أزمة الحرب الداخلية السورية تم تكوين جبهة النصرة في آخر عام 2011 بقيادة أبي محمد الجولاني والتي أدرجتها الولايات المتحدة الأمريكية على لائحة المنظمات الإرهابية، وفي أبريل عام 2012 أعلن أبو بكر البغدادي أن جبهة النصرة هي امتداد لدولة العراق الإسلامية، وأعلن إلغاء اسم جبهة النصرة واسم دولة العراق الإسلامية والاندماج تحت اسم واحد هو الدولة الإسلامية في العراق والشام، والتي اختصر اسمها إلى "داعش" وبعد سقوط نظام حكم العقيد معمر القذافي في ليبيا إثر قيام ثورة السابع عشر من فبراير عام 2011 دخلت ليبيا في حرب طويلة بين الثوار وبقايا فلول كتائب القذافي، ثم اشتد الوطيس فتحولت إلى حرب داخلية بعضها يستند في قواته إلى مفهوم القبيلة وبعضها يستند إلى مفهوم المدينة، وتعددت مشارب القوات وأيضا تعددت أغراضها، ولم تستطع الحكومات القائمة أن تكبح جماح هذا السعار، وفي بداية عام 2014 تمدد تنظيم داعش ليدخل إلى ليبيا وبدأنا نسمع عن وجوده في منطقة برقة والمناطق القربية منها على ساحل البحر الأبيض المتوسط بشمال ليبيا، وعاشت في الأرض فسادًا بمحاربة الناس، وقتل كل من يقاوم سطوتها، وهدمت البيوت وأتلفت الأشياء مستخدمة في ذلك الأسلحة العسكرية من بنادق ومدافع وسيارات دفع رباعي تستخدم في الحروب، وقد نهض اللواء المتقاعد خليفة حفتر لمقاومة تنظيم داعش وجمع بعض زملائه من العسكريين السابقين وتحصل على بعض المعدات العسكرية من مصادر شتى، وبدأ في حرب هذا التنظيم، وحظي عمله بقبول وترحيب الحكومة الليبية لما فيه من محاولة لكسر شوكة هذا التنظيم الإرهابى، كما أن دولة مصر في إطار سياستها الدائمة المبنية على مبدأ الاستقرار الداخلي لكل دولة عربية ووحدة وسلامة أراضيها وتوطيد دعائم الاستقلال لكل منها، فقد اعتبرت أعمال اللواء حفتر أعمالا وطنية تسعى إلى تحقيق وحدة الشعب الليبي وسلامة أراضيه، وعلى ذلك يمكن القول بأن الأفعال التي يقترفها تنظيم داعش تشكل في القانون الليبي جرائم المساس بأرض البلاد وتسهيل الحرب ضدها وإتلاف المنشآت العسكرية وتسهيل ارتكابها، كما أنها تشكل أيضا جريمة الشروع بالقوة في تغيير الدستور وشكل الحكم "م . 165 عقوبات ليبي"، كما وأن ذات الأفعال تدخل تحت وصف الإرهاب الذي بينته الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب المعقودة عام 1998، والتي تبنت التعريف المصري للإرهاب، ومن ثم فلا مندوحة من القول بأن تنظيم داعش هو تنظيم إرهابي وفقا لأحكام كل من القانونين المصري والليبي والاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب.
هذا وقد قام تنظيم داعش الإرهابي يوم 15 فبراير عام 2015 بإذاعة تسجيل فيديو يتضمن اقتياد أفراد تنظيمه لواحد وعشرين شابا مسيحيا مصريا على شاطئ البحر الأبيض المتوسط – بليبيا– وذبحهم ذبحا بالسكين حتى الموت وفصل رؤوسهم عن أجسادهم وأُلقِيَ بجثثهم في البحر ومثّل بالرؤوس.
أخصص هذا المبحث عن نشأة وتكوين وطبيعة تنظيم داعش في المطلب الأول، ثم نتحدث في المطلب الثاني عن الوضع القانوني للمصريين المقيمين في ليبيا، والحماية القانونية التي يكفلها القانون الداخلي الليبي والقانون الدولي، وفي طبيعة الجريمة التي اقترفها تنظيم داعش بقتله لعدد واحد وعشرين مسيحيًا مصريا، وفي المطلب الثالث نتحدث الاختصاص القضائي بمحاكمة مجرمي داعش.
1- تنظيم داعش الإرهابي
لفظ داعش اختصار لعبارة "الدولة الإسلامية بالعراق وسوريا"، ويبين من هذا المسمى أنه يحاول أن يخلع على نفسه وضع كيان الدولة مرتدية ثوب الخلافة الإسلامية، وهو زعم كاذب ليخدع به البسطاء من الناس لتحفيزهم على مساندته، والانطواء تحت لوائه لمحاربة كيان الدولة القائم، أو على الأقل لإرهابهم ومنعهم من مقاتلته خوفًا من أن يكون موقفهم هذا ضد الدين، على أنه من جانب البحث في نشأة هذه الجماعة فيمكننا القول بأن البداية كانت جماعة التوحيد والجهاد بزعامة أبي مصعب الزرقاوي المرتبط بتنظيم القاعدة في أفغانستان، وكان من قبل عضوا بارزا فيه، والتي أنشأها في عام 2004، ثم في بداية عام 2006 شكل مجلس شورى المجاهدين، وتلي ذلك في نفس العام تشكيل تنظيم دولة العراق الإسلامية برئاسة أبي بكر عمر البغدادي، وبعد مقتله خلفه أبو بكر البغدادي، وبعد اندلاع أزمة الحرب الداخلية السورية تم تكوين جبهة النصرة في آخر عام 2011 بقيادة أبي محمد الجولاني والتي أدرجتها الولايات المتحدة الأمريكية على لائحة المنظمات الإرهابية، وفي أبريل عام 2012 أعلن أبو بكر البغدادي أن جبهة النصرة هي امتداد لدولة العراق الإسلامية، وأعلن إلغاء اسم جبهة النصرة واسم دولة العراق الإسلامية والاندماج تحت اسم واحد هو الدولة الإسلامية في العراق والشام، والتي اختصر اسمها إلى "داعش" وبعد سقوط نظام حكم العقيد معمر القذافي في ليبيا إثر قيام ثورة السابع عشر من فبراير عام 2011 دخلت ليبيا في حرب طويلة بين الثوار وبقايا فلول كتائب القذافي، ثم اشتد الوطيس فتحولت إلى حرب داخلية بعضها يستند في قواته إلى مفهوم القبيلة وبعضها يستند إلى مفهوم المدينة، وتعددت مشارب القوات وأيضا تعددت أغراضها، ولم تستطع الحكومات القائمة أن تكبح جماح هذا السعار، وفي بداية عام 2014 تمدد تنظيم داعش ليدخل إلى ليبيا وبدأنا نسمع عن وجوده في منطقة برقة والمناطق القربية منها على ساحل البحر الأبيض المتوسط بشمال ليبيا، وعاشت في الأرض فسادًا بمحاربة الناس، وقتل كل من يقاوم سطوتها، وهدمت البيوت وأتلفت الأشياء مستخدمة في ذلك الأسلحة العسكرية من بنادق ومدافع وسيارات دفع رباعي تستخدم في الحروب، وقد نهض اللواء المتقاعد خليفة حفتر لمقاومة تنظيم داعش وجمع بعض زملائه من العسكريين السابقين وتحصل على بعض المعدات العسكرية من مصادر شتى، وبدأ في حرب هذا التنظيم، وحظي عمله بقبول وترحيب الحكومة الليبية لما فيه من محاولة لكسر شوكة هذا التنظيم الإرهابى، كما أن دولة مصر في إطار سياستها الدائمة المبنية على مبدأ الاستقرار الداخلي لكل دولة عربية ووحدة وسلامة أراضيها وتوطيد دعائم الاستقلال لكل منها، فقد اعتبرت أعمال اللواء حفتر أعمالا وطنية تسعى إلى تحقيق وحدة الشعب الليبي وسلامة أراضيه، وعلى ذلك يمكن القول بأن الأفعال التي يقترفها تنظيم داعش تشكل في القانون الليبي جرائم المساس بأرض البلاد وتسهيل الحرب ضدها وإتلاف المنشآت العسكرية وتسهيل ارتكابها، كما أنها تشكل أيضا جريمة الشروع بالقوة في تغيير الدستور وشكل الحكم "م . 165 عقوبات ليبي"، كما وأن ذات الأفعال تدخل تحت وصف الإرهاب الذي بينته الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب المعقودة عام 1998، والتي تبنت التعريف المصري للإرهاب، ومن ثم فلا مندوحة من القول بأن تنظيم داعش هو تنظيم إرهابي وفقا لأحكام كل من القانونين المصري والليبي والاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب.
هذا وقد قام تنظيم داعش الإرهابي يوم 15 فبراير عام 2015 بإذاعة تسجيل فيديو يتضمن اقتياد أفراد تنظيمه لواحد وعشرين شابا مسيحيا مصريا على شاطئ البحر الأبيض المتوسط – بليبيا– وذبحهم ذبحا بالسكين حتى الموت وفصل رؤوسهم عن أجسادهم وأُلقِيَ بجثثهم في البحر ومثّل بالرؤوس.
في 26/9/2001 أصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم (1373) بشأن مكافحة الإرهاب وتجميد أموال المنظمات الإرهابية، مستندا في ذلك للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة إثر الاعتداءات الإرها
2- الحماية القانونية للمصريين المقيمين بدولة ليبيا
لا شك في أن الحديث عن الحماية القانونية للمصريين بدولة ليبيا يجب أن يسبقه مفترض أوّلِي هو بيان الوضع القانوني لهؤلاء المصريين، كما أنه يجب أن يلحق به بيان ماهية الجرائم التي ارتكبت ضدهم وتحديد المسئولية الجنائية عنها.
فمن حيث المبدأ فإن المصريين دخلوا الأراضي الليبية بموجب إذن من الجهات الدبلوماسية الليبية الرسمية ابتغاء وجود فرصة عمل شريف لهم، وبذلك يكون دخولهم للأراضي الليبية مشروعا ويحيطهم القانون الليبي بذات الحماية التي يحيط بها المواطنين الليبيين المقيمين على إقليم دولة ليبيا، وقانون العقوبات الليبي يجّرم فعل القتل العمدي الذي يحدث ضد آحاد الناس ويجعل عقوبته الإعدام، وهو ما يجعلنا نقول إن جريمة الاعتداء على المصريين المسيحيين الواحد والعشرين وذبحهم من قبل تنظيم داعش الإرهابي هي جريمة قتل معاقب عليها بالإعدام، وهي تحوز ذات الوصف بقانون العقوبات المصري ومعاقب عليها أيضا بذات العقوبة، على أننا لا بد أن نشير في هذا الصدد إلى أن دولة ليبيا يوجد بها نزاع مسلح داخلي بين أطراف متعددة من مكونات الشعب، وقد دخل تنظيم داعش ضمن فئات المتحاربين عسكريًا، وهو ما يجعل الجريمة السابقة لا تقف عند حد جريمة القتل العادي ولكن يجب الأخذ في الاعتبار المعاهدات والقوانين الدولية، ونشير إلى أهم هذه المعاهدات الدولية، الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب المعقودة سنة 1998، وهي تجعل الأفعال التي ارتكبها تنظيم داعش أعمالا إرهابية، وهي وفقا لقانوني العقوبات المصري والليبي معاقب عليها بالإعدام، والمعاهدات الثانية هي اتفاقيات جنيف الأربع في شقها الخاص بجرائم الحرب التي تقع في مجال النزاعات المسلحة غير ذات الطابع الدولي "أي في النزاعات الداخلية المسلحة"، فوفقا للمادة 8/ 2 ج من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية تعني جرائم الحرب . . . في حالة وقوع نزاع مسلح غير ذي طابع دولي، الانتهاكات الجسيمة للمادة 3 المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع المؤرخة في 12 أغسطس 1949، وهي أي من الأفعال التالية المرتكبة ضد أشخاص غير مشتركين اشتراكا فعليا في الأعمال الحربية.
1- استعمال العنف ضد الحياة والأشخاص وبخاصة القتل بجميع أنواعه والتشويه والمعاملة القاسية والتعذيب.
3- أخذ الرهائن.
4- إصدار أحكام وتنفيذ إعدامات دون وجود حكم سابق صادر عن محكمة مشكلة تشكيلًا نظاميًا تكفل جميع الضمانات القضائية المعترف عمومًا، بأنه لا غنى عنها، وكذلك فإن المادة السادسة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية عرّفت جريمة الإبادة الجماعية بأنها أي فعل من الافعال التالية يرتكب بقصد إهلاك جماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية بصفتها هذه إهلاكًا كليًا أو جزئيًا.
إن قتل أفراد الجماعة، والفعل الإجرامي الذي يرتكبه الجاني ضد شخص أو أكثر من أعضاء إحدى الجماعات البشرية المذكورة إنما يرتكبه ضد هذا الشخص أو هؤلاء الأشخاص بسبب انتمائهم إلى الجماعة المقصود إبادتها، كما أنه يقع بشكل منظم ولا يلزم أن يقع القتل على جميع أفراد الجماعة المعنية ويكفي أن يقع على بعضهم، وأشارت المادة 7- 1 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية أنه "يشكل أي فعل من الأفعال التالية جريمة ضد الإنسانية متي ارتكبت في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين وعن علم بالهجوم: أ- القتل العمد . ب- الإبادة (23).
وعلى ذلك فإن قتل المصريين المسيحيين الواحد والعشرين على أيدي أفراد تنظيم داعش الإرهابي، وما سبقه من وقائع قتل أخري لهم ثم مقتل اثني عشر مسيحيًا مصريًا بالعريش – 26/2/2015 – على أيدي أفراد تنظيم داعش، وإعلانهم أن كل تلك الوقائع تجري في إطار تصفية الأفراد المنتمين للديانة المسيحية، وفي الظروف القائمة حاليا بأرض ليبيا وأرض سيناء المصرية يشكل في حق تنظيم داعش – أفرادًا وجماعة – جرائم حرب، وجريمة الإبادة الجماعية وجريمة ضد الإنسانية ويكون هذا التنظيم أفرادًا وجماعة مسئولًا عنها مسئولية جنائية بمقتضى القانون الجنائي الدولي.
3- الاختصاص القضائي بمحاكمة مجرمي تنظيم داعش الإرهابي
من حيث الاختصاص القضائي الجنائي بمحاكمة أعضاء تنظيم داعش الإرهابيين ومن اشترك معهم في ارتكاب جريمة قتل المصريين المسيحيين بدولة ليبيا الشقيقة، بأي صورة من صور الاشتراك المعروفة في فقه القانون الجنائي العام وكذلك فقه القانون الجنائي الدولي، فإن هذا الاختصاص ينعقد لجهات عديدة وفقًا لمعيار إقليمية القانون الجنائى، ومعيار عالمية القانون الجنائي، وأخيرًا قاعدة اختصاص القضاء الجنائي الدولي بمحاكمة المجرمين عن جرائم معينة:
لا شك في أن الحديث عن الحماية القانونية للمصريين بدولة ليبيا يجب أن يسبقه مفترض أوّلِي هو بيان الوضع القانوني لهؤلاء المصريين، كما أنه يجب أن يلحق به بيان ماهية الجرائم التي ارتكبت ضدهم وتحديد المسئولية الجنائية عنها.
فمن حيث المبدأ فإن المصريين دخلوا الأراضي الليبية بموجب إذن من الجهات الدبلوماسية الليبية الرسمية ابتغاء وجود فرصة عمل شريف لهم، وبذلك يكون دخولهم للأراضي الليبية مشروعا ويحيطهم القانون الليبي بذات الحماية التي يحيط بها المواطنين الليبيين المقيمين على إقليم دولة ليبيا، وقانون العقوبات الليبي يجّرم فعل القتل العمدي الذي يحدث ضد آحاد الناس ويجعل عقوبته الإعدام، وهو ما يجعلنا نقول إن جريمة الاعتداء على المصريين المسيحيين الواحد والعشرين وذبحهم من قبل تنظيم داعش الإرهابي هي جريمة قتل معاقب عليها بالإعدام، وهي تحوز ذات الوصف بقانون العقوبات المصري ومعاقب عليها أيضا بذات العقوبة، على أننا لا بد أن نشير في هذا الصدد إلى أن دولة ليبيا يوجد بها نزاع مسلح داخلي بين أطراف متعددة من مكونات الشعب، وقد دخل تنظيم داعش ضمن فئات المتحاربين عسكريًا، وهو ما يجعل الجريمة السابقة لا تقف عند حد جريمة القتل العادي ولكن يجب الأخذ في الاعتبار المعاهدات والقوانين الدولية، ونشير إلى أهم هذه المعاهدات الدولية، الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب المعقودة سنة 1998، وهي تجعل الأفعال التي ارتكبها تنظيم داعش أعمالا إرهابية، وهي وفقا لقانوني العقوبات المصري والليبي معاقب عليها بالإعدام، والمعاهدات الثانية هي اتفاقيات جنيف الأربع في شقها الخاص بجرائم الحرب التي تقع في مجال النزاعات المسلحة غير ذات الطابع الدولي "أي في النزاعات الداخلية المسلحة"، فوفقا للمادة 8/ 2 ج من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية تعني جرائم الحرب . . . في حالة وقوع نزاع مسلح غير ذي طابع دولي، الانتهاكات الجسيمة للمادة 3 المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع المؤرخة في 12 أغسطس 1949، وهي أي من الأفعال التالية المرتكبة ضد أشخاص غير مشتركين اشتراكا فعليا في الأعمال الحربية.
1- استعمال العنف ضد الحياة والأشخاص وبخاصة القتل بجميع أنواعه والتشويه والمعاملة القاسية والتعذيب.
3- أخذ الرهائن.
4- إصدار أحكام وتنفيذ إعدامات دون وجود حكم سابق صادر عن محكمة مشكلة تشكيلًا نظاميًا تكفل جميع الضمانات القضائية المعترف عمومًا، بأنه لا غنى عنها، وكذلك فإن المادة السادسة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية عرّفت جريمة الإبادة الجماعية بأنها أي فعل من الافعال التالية يرتكب بقصد إهلاك جماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية بصفتها هذه إهلاكًا كليًا أو جزئيًا.
إن قتل أفراد الجماعة، والفعل الإجرامي الذي يرتكبه الجاني ضد شخص أو أكثر من أعضاء إحدى الجماعات البشرية المذكورة إنما يرتكبه ضد هذا الشخص أو هؤلاء الأشخاص بسبب انتمائهم إلى الجماعة المقصود إبادتها، كما أنه يقع بشكل منظم ولا يلزم أن يقع القتل على جميع أفراد الجماعة المعنية ويكفي أن يقع على بعضهم، وأشارت المادة 7- 1 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية أنه "يشكل أي فعل من الأفعال التالية جريمة ضد الإنسانية متي ارتكبت في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين وعن علم بالهجوم: أ- القتل العمد . ب- الإبادة (23).
وعلى ذلك فإن قتل المصريين المسيحيين الواحد والعشرين على أيدي أفراد تنظيم داعش الإرهابي، وما سبقه من وقائع قتل أخري لهم ثم مقتل اثني عشر مسيحيًا مصريًا بالعريش – 26/2/2015 – على أيدي أفراد تنظيم داعش، وإعلانهم أن كل تلك الوقائع تجري في إطار تصفية الأفراد المنتمين للديانة المسيحية، وفي الظروف القائمة حاليا بأرض ليبيا وأرض سيناء المصرية يشكل في حق تنظيم داعش – أفرادًا وجماعة – جرائم حرب، وجريمة الإبادة الجماعية وجريمة ضد الإنسانية ويكون هذا التنظيم أفرادًا وجماعة مسئولًا عنها مسئولية جنائية بمقتضى القانون الجنائي الدولي.
3- الاختصاص القضائي بمحاكمة مجرمي تنظيم داعش الإرهابي
من حيث الاختصاص القضائي الجنائي بمحاكمة أعضاء تنظيم داعش الإرهابيين ومن اشترك معهم في ارتكاب جريمة قتل المصريين المسيحيين بدولة ليبيا الشقيقة، بأي صورة من صور الاشتراك المعروفة في فقه القانون الجنائي العام وكذلك فقه القانون الجنائي الدولي، فإن هذا الاختصاص ينعقد لجهات عديدة وفقًا لمعيار إقليمية القانون الجنائى، ومعيار عالمية القانون الجنائي، وأخيرًا قاعدة اختصاص القضاء الجنائي الدولي بمحاكمة المجرمين عن جرائم معينة:
نادت مصر منذ تسعينيات القرن الماضي إلى عقد مؤتمر دولي لوضع تعريف موحد بين جميع دول العالم لجريمة الإرهاب
أولًا : قاعدة إقليمية القانون الجنائي
أ- القضاء الجنائي الليبي
يختص القضاء الجنائي الليبي بمحاكمة مجرمي تنظيم داعش ومن شارك معهم في ارتكاب جريمة قتل المصريين المسيحيين بمدينة برقة الليبية بمقتضى قاعدة إقليمية القانون الجنائي التي أخذ بها المشرع الليبي بنصه في المادة الرابعة من قانون العقوبات الليبي على أنه: "تسري أحكام هذا القانون على كل ليبي أو أجنبي يرتكب في الأراضي الليبية جريمة من الجرائم المنصوص عليه فيه . . . . " ومن ثم فإنه باعتبار أن الجريمة سالفة الذكر قد وقعت على الأراضي الليبية، يكون الاختصاص بمحاكمة مجرمي جماعة داعش عند القبض عليهم ثابتا للقضاء الجنائي الليبي دون أدنى ثمة شك في ذلك.
ب- القضاء الجنائي المصري
اعتنق المشرع المصري: قاعدة إقليمية قانون العقوبات المصري كقاعدة أساسية إذ نص في المادة الأولى من قانون العقوبات على أنه "تسري أحكام هذا القانون على كل من يرتكب في القطر المصري جريمة من الجرائم المنصوص عليها فيه"، إلا أن المشرع المصري وضع في المادة الثانية من هذا القانون استثناءً من قاعدة إقليمية القانون بأن نص على أنه تسري أحكام هذا القانون أيضًا على الأشخاص الآتي ذكرهم:
أ. كل من ارتكب في خارج القطر فعلا يجعله فاعلا ًأو شريكا في جريمة وقعت كلها أو بعضها في القطر المصري.
ب. كل من ارتكب في خارج القطر جريمة من الجرائم الآتية:
• جناية مخلة بأمن الحكومة مما نص عليه في البابين الأول والثاني من الكتاب الثاني من هذا القانون".
وظاهر صياغة نصي المادتين سالفتي الذكر أنهما لم يشترطا جنسية معينة لمرتكب الجريمة التي تقع داخل القطر المصري أو خارجه وتخضع لأحكامه ومؤدى ذلك أن مرتكب الجريمة يخضع لمحاكمة القضاء المصري سواء كان الجاني مصريًا أم أجنبيًا.
وليس هناك من شك في اختصاص القضاء المصري بمحاكمة مجرمي داعش على الرغم من اعتناق المشرع العقابي المصري أساسًا لقاعدة إقليمية القانون ومؤداها انطباق قواعده داخل حدود القطر المصري، وعلى الرغم من وقوع الجريمة خارج إقليم جمهورية مصر العربية، ذلك أنه يجب أن نأخذ في الاعتبار أنه بتاريخ 26/2/2015 قتل اثنى عشر مسيحيًا مصريًا بمدينة العريش المصرية بسيناء، وأعلن تنظيم داعش عن مسئوليته عن قتلهم في أطار إعلان رغبته بإخلاء شبه جزيرة سيناء من المسيحيين، وكان قد سبق ذلك ارتكابه أحداث قتل فردية للمسيحيين بسيناء، وكل ذلك يجري في إطار إعلان رغبته في إخلاء المنطقة العربية من المسيحيين – ولا ينبغي أن يغيب عن أذهاننا حوادث قتل المئات من المسيحيين العراقيين، وتهجير الآلاف الكثيرة منهم خارج العراق وحدث نفس الوضع بدولة سوريا – كل ذلك يجعل الجريمة التي وقعت على أرض الدولة الليبية، وكذلك التي وقعت على الأرض المصرية تشكل مشروعًا إجراميًا واحدًا وقعت أجزاء منه على الأراضي الليبية وأخرى على الأراضي المصرية، وعلى ذلك تخضع الجريمة لأحكام نصوص قانون العقوبات المصري وفقا لنص المادة 2 / أولا منه، ومن ناحية أخرى، فإنه لما كانت جريمة قتل المسيحيين المصريين من الجرائم الإرهابية الماسة بأمن دولة مصر من الداخل، لأنها تخل بالنظام العام وتعرض سلامة المجتمع وأمنه للخطر، لما يمكن أن ينتج عنها من فتنة طائفية دينية، تهدد سلامة الوحدة الوطنية المصرية، مما يجعلها تخضع لنص المادة 86 عقوبات مصرى، وبالتالي تدخل ضمن الاختصاص المحلي الإقليمي للقضاء الجنائي المصري عملا ً بنص المادة الثانية/ ثانيًا / أ من قانون العقوبات المصري.
أ- القضاء الجنائي الليبي
يختص القضاء الجنائي الليبي بمحاكمة مجرمي تنظيم داعش ومن شارك معهم في ارتكاب جريمة قتل المصريين المسيحيين بمدينة برقة الليبية بمقتضى قاعدة إقليمية القانون الجنائي التي أخذ بها المشرع الليبي بنصه في المادة الرابعة من قانون العقوبات الليبي على أنه: "تسري أحكام هذا القانون على كل ليبي أو أجنبي يرتكب في الأراضي الليبية جريمة من الجرائم المنصوص عليه فيه . . . . " ومن ثم فإنه باعتبار أن الجريمة سالفة الذكر قد وقعت على الأراضي الليبية، يكون الاختصاص بمحاكمة مجرمي جماعة داعش عند القبض عليهم ثابتا للقضاء الجنائي الليبي دون أدنى ثمة شك في ذلك.
ب- القضاء الجنائي المصري
اعتنق المشرع المصري: قاعدة إقليمية قانون العقوبات المصري كقاعدة أساسية إذ نص في المادة الأولى من قانون العقوبات على أنه "تسري أحكام هذا القانون على كل من يرتكب في القطر المصري جريمة من الجرائم المنصوص عليها فيه"، إلا أن المشرع المصري وضع في المادة الثانية من هذا القانون استثناءً من قاعدة إقليمية القانون بأن نص على أنه تسري أحكام هذا القانون أيضًا على الأشخاص الآتي ذكرهم:
أ. كل من ارتكب في خارج القطر فعلا يجعله فاعلا ًأو شريكا في جريمة وقعت كلها أو بعضها في القطر المصري.
ب. كل من ارتكب في خارج القطر جريمة من الجرائم الآتية:
• جناية مخلة بأمن الحكومة مما نص عليه في البابين الأول والثاني من الكتاب الثاني من هذا القانون".
وظاهر صياغة نصي المادتين سالفتي الذكر أنهما لم يشترطا جنسية معينة لمرتكب الجريمة التي تقع داخل القطر المصري أو خارجه وتخضع لأحكامه ومؤدى ذلك أن مرتكب الجريمة يخضع لمحاكمة القضاء المصري سواء كان الجاني مصريًا أم أجنبيًا.
وليس هناك من شك في اختصاص القضاء المصري بمحاكمة مجرمي داعش على الرغم من اعتناق المشرع العقابي المصري أساسًا لقاعدة إقليمية القانون ومؤداها انطباق قواعده داخل حدود القطر المصري، وعلى الرغم من وقوع الجريمة خارج إقليم جمهورية مصر العربية، ذلك أنه يجب أن نأخذ في الاعتبار أنه بتاريخ 26/2/2015 قتل اثنى عشر مسيحيًا مصريًا بمدينة العريش المصرية بسيناء، وأعلن تنظيم داعش عن مسئوليته عن قتلهم في أطار إعلان رغبته بإخلاء شبه جزيرة سيناء من المسيحيين، وكان قد سبق ذلك ارتكابه أحداث قتل فردية للمسيحيين بسيناء، وكل ذلك يجري في إطار إعلان رغبته في إخلاء المنطقة العربية من المسيحيين – ولا ينبغي أن يغيب عن أذهاننا حوادث قتل المئات من المسيحيين العراقيين، وتهجير الآلاف الكثيرة منهم خارج العراق وحدث نفس الوضع بدولة سوريا – كل ذلك يجعل الجريمة التي وقعت على أرض الدولة الليبية، وكذلك التي وقعت على الأرض المصرية تشكل مشروعًا إجراميًا واحدًا وقعت أجزاء منه على الأراضي الليبية وأخرى على الأراضي المصرية، وعلى ذلك تخضع الجريمة لأحكام نصوص قانون العقوبات المصري وفقا لنص المادة 2 / أولا منه، ومن ناحية أخرى، فإنه لما كانت جريمة قتل المسيحيين المصريين من الجرائم الإرهابية الماسة بأمن دولة مصر من الداخل، لأنها تخل بالنظام العام وتعرض سلامة المجتمع وأمنه للخطر، لما يمكن أن ينتج عنها من فتنة طائفية دينية، تهدد سلامة الوحدة الوطنية المصرية، مما يجعلها تخضع لنص المادة 86 عقوبات مصرى، وبالتالي تدخل ضمن الاختصاص المحلي الإقليمي للقضاء الجنائي المصري عملا ً بنص المادة الثانية/ ثانيًا / أ من قانون العقوبات المصري.
إن أبرز الجرائم التي يمكن أن نطلق عليها وصف جريمة إرهاب في الشريعة الإسلامية هي جريمة البغي، وهي جريمة ترتكب لتحقيق أغراض سياسية أو تدفع إليها بواعث سياسية وتستهدف نظام الجماعة وكي
ثانيًا : قاعدة عالمية القانون الجنائي
تأخذ بعض الدول بمبدأ الاختصاص الجنائي العالمي، فقد قرر المشرع البلجيكي في المادة السابعة من القانون الجنائي الصادر عام 1993 أنه للقاضي الجنائي البلجيكي أن يحاكم مرتكب إحدى جرائم الحرب أيا كانت جنسيته، وأيا كانت جنسية المجني عليه أو المجني عليهم وأيا كان مكان ارتكاب الجريمة، وسواء كان شخص الجاني مدنيا أم عسكريا، ويطبق مبدأ الاختصاص العالمي على هذه الجرائم حتى لو لم تكن بلجيكا طرفا في النزاع الذي ارتكبت خلاله الجريمة، ثم وسع القانون البلجيكي الصادر عام 1999 نطاق هذا الاختصاص ليشمل أيضا الجرائم ضد الإنسانية وجريمة الإبادة الجماعية(24)، ولقد بينا من قبل أن جريمة قتل المصريين المسيحيين بليبيا تعتبر من جرائم الحرب وكذلك من الجرائم ضد الإنسانية، وأيضا تشكل جريمة إبادة جماعية، الأمر الذي يحدو بنا إلى القول بأن مرتكبي الجريمة النكراء السابقة يمكن إخضاعهم للمحاكمة الجنائية أمام قضاء إحدى الدول التي تأخذ بمبدأ الاختصاص الجنائي العالمي ومنها دولة بلجيكا على سبيل المثال.
ثالثًا: اختصاص المحكمة الجنائية الدولية
وفقا للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، فإنها تختص بالنظر في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجريمة الإبادة الجماعية إذا وقعت الجريمة على إقليم دولة طرف في النظام الأساسي أو من أحد رعاياها، على النحو المشار اليه بالمادة 12 من النظام الاساسي للمحكمة، وكذلك إذا قبلت الدولة ليست طرفا في النظام الأساسي اختصاص المحكمة الجنائية الدولية بالفصل في الجريمة، وكذلك في حالة الإحالة للمحكمة من مجلس الأمن الدولي مستندًا إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وفي هذه الحالة تمارس المحكمة اختصاصها دون حاجة إلى قبول مسبق من الدولة التي ارتكبت الجريمة على إقليمها أو الدولة التي ينتمي المتهم إلى جنسيتها، سواء كانت هذه الدولة طرفا في النظام الأساسي للمحكمة من عدمه، ومؤدى ما تقدم أنه على الرغم من أن دولة ليبيا ليست طرفا ً في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، إلا أنه يمكن عند القبض على مرتكبي جريمة قتل المصريين المسيحيين بدولة ليبيا محاكمتهم أمام المحكمة الجنائية الدولية سواء في ظل وجود أحالة من دولة ليبيا للمتهمين للمحكمة الجنائية الدولية، أو قبول دولة ليبيا لذلك، أو إحالة الدعوى للمحكمة الجنائية الدولية من قبل مجلس الأمن استنادًا لسلطاته المقررة بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة إذا ما عرضت جمهورية مصر العربية هذا المطلب أمام مجلس الأمن ووافق أعضاء المجلس على ذلك.
ثالثاً- استخدام القوة لردع تنظيم داعش الإرهابي
سبق أن قدمنا بأنه في يوم 15 فبراير عام 2015م أقدم تنظيم داعش على ارتكاب جريمة شنعاء بأن قتل واحدا وعشرين مصريًا مسيحيًا ذبحًا وألقى بجثتهم في مياه البحر الأبيض المتوسط ومثّل برؤوسهم، وفجّر اليوم التالي 16 فبراير عام 2015م قامت القوات الجوية المصرية بالتعاون مع القوات المسلحة الليبية بمهاجمة مراكز السلاح والذخيرة والقيادة والسيطرة لقوات داعش وألحقت بها تدميرًا كبيرًا.
ومنذ ذلك التاريخ ما فتأت أجهزة إعلام الدول والتنظيمات المعادية لمصر تهاجمها، متزرعة في ذلك بقول ساقط إن القوات المصرية انتهكت سيادة الدولة الليبية، ولدفع ذلك نبدأ ببيان القواعد العامة في القانون الدولى، ثم نناقش المسألة في ضوء الاتفاق الحاصل على ذلك بين دولتي مصر وليبيا، ونلي ذلك بالحديث عن حق مصر في ردع تنظيم داعش في ضوء حق الدفاع الشرعي الدولي.
1- القواعد العامة لسيادة الدولة في القانون الدولي العام
تباشر الدولة اختصاصها الإقليمي - أي سيادتها على الإقليم الخاضع لسلطانها في ظل ثلاثة مبادئ رئيسية أولها مبدأ الاستقلال ومفاده عدم خضوع الدولة لأي سلطة أجنبية في إدارة شئون الدولة، وهذا الاستقلال يشكل اختصاصًا مانعًا أي شاملًا لمباشرة الدولة سائر سلطانها على أرضها والتي من بينها توقيع الجزاء على المجرمين من قاطني الدولة عن الجرائم التي ارتكبوها على أرضها، وأن هذا الاختصاص عامٌّ، أي ينظم سائر مجالات الحياة بالدولة سواء كانت قانونية أو اجتماعية أو ثقافية، وثاني هذه المبادئ هو مبدأ المساواة بين الدول في الحقوق والالتزامات، وثالث هذه المبادئ هو مبدأ عدم التدخل ويقصد به أن كل دولة تباشر اختصاصاتها داخل إقليمها فقط وأن تمتنع عن كل عمل يعد تدخلًا في الشئون الداخلية لدولة أخرى أي يكون متعلقًا بالاختصاص الاقليمي لغيرها من الدول، على أن مبدأ عدم التدخل لم يكن محل اتفاق مطلق بين فقهاء القانون الدولي، فميز بعضهم بين التدخل المشروع والتدخل غير المشروع، وأجاز النوع الأول باعتبار أن الدولة تباشره لإستعادة حق ثابت لها(27)، ومؤدي ما تقدم أن اختصاص الدولة على إقليمها هو في حقيقته اختصاص جامع مانع، في ضوء أحكام القانون الدولي التقليدي القديم، ولكنه لا ينبغي لنا أن نتصور أن الأمر ما زال على إطلاقه في فقه القانون الدولي الحديث، ولكن دخلت عليه تطورات تجعله لا يستطيع أن يقف حائلًا بين الدول الأخرى ومتطلباتها المشروعة في حماية أمنها القومي وصيانة استقلالها وتحقيق سيادتها على إقليم دولتها وهو ما سنراه في المطلب الثاني.
2- استخدام القوة لردع تنظيم داعش الإرهابي "في ضوء الاتفاق مع دولة ليبيا"
قلنا سابقًا إن مبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية للدولة من قبل غيرها من الدول هو المبدأ السائد في فقه القانون الدولي العام التقليدي، وأن هناك بعض الفقهاء يجيزون التدخل إذا استند إلى أسباب مشروعة، والسؤال الذي يطرح نفسه: ما السبب المشروع في هذا الصدد، ونرى أن هذا السبب يكون متوافرا كلما حدث تهديد خطير جدي وحقيقي وقائم لسلامة امن واستقرار وسيادة إحدى الدول، بما يؤثر على الأمن والاستقرار الإقليمي أو العالمي وقعد مجلس الأمن الدولي عن استعمال سلطاته المقررة بالفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
ولا شك في أن اعتداء تنظيم داعش الإرهابي على المصريين المسيحيين سواء في ليبيا أو في مصر، فضلا عن وجود نحو مليون مصري يعملون بدولة ليبيا مهددين في أنفسهم وأرواحهم وأموالهم، فذلك بشكل تهديدا لأمن واستقرار دولة مصر ويزعزع الأمن بالمنطقة العربية كلها، دون أن يتخذ مجلس الأمن قرارا في هذا الصدد يدرأ به العدوان على أبناء مصر، فإن ذلك سوّغ للقوات المصرية أن تتخذ تدابير وقائية أو احترازية لحماية أصحاب الجنسية المصرية، وهو التزام أصيل على الدولة صاحبة الجنسية ويتيح لها أن تمتد ذراعها القوية "قواتها المسلحة" خارج نطاق الإقليم المصرى، وهو أمر مفهوم في القانون الدولي الحديث، على أننا سعيًا منا لتحقيق الاستقرار الدولي وترك القواعد الخلافية نرى أن الاتفاق الشفهي الذي تم بين كل من رأس الدولة المصرية عبد الفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية، ورأس النظام السياسي الليبي عبد اللـه الثني، رئيس مجلس الوزراء الليبى، بناء على طلب الأخير بأن تمد القوات المصرية يد العون لمساعدة القوات الليبية في تدمير مخازن الأسلحة والذخائر والآليات العسكرية ووسائل الإمداد والتموين ومركز القيادة والسيطرة والوسائل اللوجستية لقوات تنظيم داعش الارهابي، والذي أعلن عنه رئيس الوزراء الليبي عدة مرات إنما هو اتفاق قانوني صحيح ومشروع وصادر ممن يمثل كلا من الشعبين المصري والليبي، في ضوء أحكام كل من الدستورين المصري والليبي، وكذلك في ضوء اتفاقية الدفاع العربي المشترك والتي وقعت عليها مصر، كما انضمت إليها ليبيا بعد استقلالها، وعلى ذلك فإن القصف الجوي المصري لمراكز قوات تنظيم داعش أيا كان مكانها بداخل دولة ليبيا إنما هو إجراء صحيح تحميه قواعد المشروعية المحلية والعربية والدولية في هذا النطاق الذي نتحدث عنه.
3- استخدام القوة لردع تنظيم داعش الإرهابي في ضوء مبدأ الدفاع الشرعي
لا مجال هنا للحديث عن مفهوم فكرة الدفاع الشرعي في القانون الجنائي الداخلي، ولكن في مجال القانون الدولي يمكن إسنادها إلى نص المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة – بغض النظر عن سائر الأسانيد الأخرى السابقة عليها، وتنص المادة 51 سالفة الذكر على أنه "ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص من الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على احد أعضاء الأمم المتحدة، وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدوليين، والتدابير التي اتخذها الأعضاء استعمالا لحق الدفاع عن النفس، تبلغ إلى المجلس فورا، ولا تؤثر تلك التدابير بأي حال فيما للمجلس بمقتضى سلطته ومسئولياته المستمدة من أحكام هذا الميثاق – من الحق في أن يتخذ في أي وقت ما يرى ضرورة لاتخاذه من الأعمال لحفظ السلم والأمن الدوليين، أو إعادته إلى نصابه.
وعلى ذلك فإن مقتضي قيام حق الدفاع الشرعي الدولي أن يقع اعتداء من قوة مسلحة على أحد أعضاء الأمم المتحدة، ولم يشر النص إلى ما إذا كانت هذه القوة المسلحة هي جزء من جيش الدولة أو جماعة إرهابية تنطلق من داخل حدود الدولة، ومن ثم فليس هناك ما يحول دون اعتبار أن الاعتداء الذي باشرته قوات تنظيم داعش – مرارا وتكرارا – ضد المصريين المسيحيين المقيمين بدولة ليبيا وكذلك داخل حدود سيناء المصرية، وما تكرر منهم من تهديدات لباقي المصريين بليبيا وللمصريين المسيحيين المقيمين بمدينة العريش المصرية لتهجيرهم من سيناء إنما هو اعتداء من قوة مسلحة موجودة بدولة ليبيا، ووقع على دولة مصر العربية، ومن ثم يبيح لدولة مصر أن تتخذ ما تراه من طرق الدفاع الشرعي عنها، والملائمة وفق آليات القوة الكافية لحفظ أمن مصر واستقرارها وصيانة سيادتها واستقلالها.
وليس فيما تقدم من بيان تفسير متعسف لنص المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، بالنظر إلى أنه تم التوسع دوليا في تفسير هذه المادة حينما وافق مجلس الأمن على التقرير الأول الذي قدمته لجنة الطاقة الذرية عام 1955 نتيجة للتطور الدولي وظروف الحرب الذرية، فشمل الإجراءات الوقائية التي تقوم بها الدولة، وقد يكون منها استخدام القوة حتى ولو لم يقع بالفعل عدوان عليها.
على إنه إذا كان ما تقدم إنما هو في مجال الأساس النظري لاستعمال حق الدفاع الشرعي، فإننا في المجال العملي نأخذ من السوابق الكثيرة في هذا الصدد بعض أحدثها ومنها:
أولًا: في عام 1981 قامت الطائرات الإسرائيلية بقصف المفاعل النووي العراقي وتدميره، والذي كان قد تم الانتهاء من إنشائه يوم 1 / 8 / 1980، وقال مناحم بيجن رئيس الوزراء الإسرائيلي في ذلك الوقت إن هذا العمل تم للدفاع عن شعب إسرائيل، وقال الكسندر هيج وزير خارجية أمريكا في هذا الوقت أيضا في اجتماع مع الرئيس الأمريكي بتاريخ 9 / 6 / 1981 يجب أن نركع شكرا للـه، لأن إسرائيل قامت بتدمير المفاعل النووي العراقى، وذلك على الرغم من أن هذا المفاعل النووي المصنع بمعرفة فرنسا كان مخصصا للأغراض السلمية، لكن الإسرائيليين زعموا أنه كان معدا لإنتاج القنابل النووية.
ثانيًا: في عام 1982 قامت أمريكا بغزو لبنان وذلك بهدف سحق المقاومة الفلسطينية واللبنانية المتصاعدة، وتم نشر قوات المارينز الأمريكية بمطار بيروت ودارت معارك طاحنة قتل وجرح فيها مئات الأمريكيين، وفي ذات حقبة الثمانينيات حصل التدخل العسكري الأمريكي بالعاصمة الإيرانية طهران وقت احتجاز الدبلوماسيين الأمريكيين كرهائن بالسفارة الأمريكية هناك، وتكرر التدخل العسكري الأمريكي في ذات الحقبة ولكن بالقرن الأفريقي بدولة الصومال لحصول اعتداء من الميلشيات الصومالية المتناحرة على بعض الأمريكيين بمقديشيو العاصمة الصومالية.
ثالثًا: في 21 فبراير عام 1982 قامت أمريكا بغزو جزيرة جرينادا وهي إحدى دول البحر الكاريبي المستقلة، إثر وقوع انقلاب عسكري ضد رئيس الوزراء الحاكم ادي لمقتله وبعض مساعديه، وبرر الرئيس الأمريكي آنذاك هذا الغزو باستغاثة منظمة دول شرق الكاريبى، ودولتا جامايكا، وباربا دوس التي كانت تشعر بالقلق على أمن المنطقة بعد الانقلاب، كما أنه رغب في ضمان سلامة آلاف الأمريكيين الذين يعيشون في جرينادا بمن فيهم نحو ستمائة طالب ومعلم في كلية الطب بجامعة سان جورج.
رابعًا: في عام 1990 قامت القوات المسلحة الأمريكية بغزو دولة بنما للقبض على الرئيس البنمي والذي كانت أمريكا تتهمه بالاتجار في المخدرات وتهريبها للولايات المتحدة الأمريكية، وتعريض الأمن القومي الأمريكي للخطر، ونفذت القوات الأمريكية مهمتها وقبضت على رئيس دولة بنما واخضعته للمحاكمة الجنائية أمام القضاء الأمريكي، وقضى بحبسه ودخل السجن الأمريكي لتنفيذ العقوبة المحكوم بها ضده.
تأخذ بعض الدول بمبدأ الاختصاص الجنائي العالمي، فقد قرر المشرع البلجيكي في المادة السابعة من القانون الجنائي الصادر عام 1993 أنه للقاضي الجنائي البلجيكي أن يحاكم مرتكب إحدى جرائم الحرب أيا كانت جنسيته، وأيا كانت جنسية المجني عليه أو المجني عليهم وأيا كان مكان ارتكاب الجريمة، وسواء كان شخص الجاني مدنيا أم عسكريا، ويطبق مبدأ الاختصاص العالمي على هذه الجرائم حتى لو لم تكن بلجيكا طرفا في النزاع الذي ارتكبت خلاله الجريمة، ثم وسع القانون البلجيكي الصادر عام 1999 نطاق هذا الاختصاص ليشمل أيضا الجرائم ضد الإنسانية وجريمة الإبادة الجماعية(24)، ولقد بينا من قبل أن جريمة قتل المصريين المسيحيين بليبيا تعتبر من جرائم الحرب وكذلك من الجرائم ضد الإنسانية، وأيضا تشكل جريمة إبادة جماعية، الأمر الذي يحدو بنا إلى القول بأن مرتكبي الجريمة النكراء السابقة يمكن إخضاعهم للمحاكمة الجنائية أمام قضاء إحدى الدول التي تأخذ بمبدأ الاختصاص الجنائي العالمي ومنها دولة بلجيكا على سبيل المثال.
ثالثًا: اختصاص المحكمة الجنائية الدولية
وفقا للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، فإنها تختص بالنظر في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجريمة الإبادة الجماعية إذا وقعت الجريمة على إقليم دولة طرف في النظام الأساسي أو من أحد رعاياها، على النحو المشار اليه بالمادة 12 من النظام الاساسي للمحكمة، وكذلك إذا قبلت الدولة ليست طرفا في النظام الأساسي اختصاص المحكمة الجنائية الدولية بالفصل في الجريمة، وكذلك في حالة الإحالة للمحكمة من مجلس الأمن الدولي مستندًا إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وفي هذه الحالة تمارس المحكمة اختصاصها دون حاجة إلى قبول مسبق من الدولة التي ارتكبت الجريمة على إقليمها أو الدولة التي ينتمي المتهم إلى جنسيتها، سواء كانت هذه الدولة طرفا في النظام الأساسي للمحكمة من عدمه، ومؤدى ما تقدم أنه على الرغم من أن دولة ليبيا ليست طرفا ً في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، إلا أنه يمكن عند القبض على مرتكبي جريمة قتل المصريين المسيحيين بدولة ليبيا محاكمتهم أمام المحكمة الجنائية الدولية سواء في ظل وجود أحالة من دولة ليبيا للمتهمين للمحكمة الجنائية الدولية، أو قبول دولة ليبيا لذلك، أو إحالة الدعوى للمحكمة الجنائية الدولية من قبل مجلس الأمن استنادًا لسلطاته المقررة بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة إذا ما عرضت جمهورية مصر العربية هذا المطلب أمام مجلس الأمن ووافق أعضاء المجلس على ذلك.
ثالثاً- استخدام القوة لردع تنظيم داعش الإرهابي
سبق أن قدمنا بأنه في يوم 15 فبراير عام 2015م أقدم تنظيم داعش على ارتكاب جريمة شنعاء بأن قتل واحدا وعشرين مصريًا مسيحيًا ذبحًا وألقى بجثتهم في مياه البحر الأبيض المتوسط ومثّل برؤوسهم، وفجّر اليوم التالي 16 فبراير عام 2015م قامت القوات الجوية المصرية بالتعاون مع القوات المسلحة الليبية بمهاجمة مراكز السلاح والذخيرة والقيادة والسيطرة لقوات داعش وألحقت بها تدميرًا كبيرًا.
ومنذ ذلك التاريخ ما فتأت أجهزة إعلام الدول والتنظيمات المعادية لمصر تهاجمها، متزرعة في ذلك بقول ساقط إن القوات المصرية انتهكت سيادة الدولة الليبية، ولدفع ذلك نبدأ ببيان القواعد العامة في القانون الدولى، ثم نناقش المسألة في ضوء الاتفاق الحاصل على ذلك بين دولتي مصر وليبيا، ونلي ذلك بالحديث عن حق مصر في ردع تنظيم داعش في ضوء حق الدفاع الشرعي الدولي.
1- القواعد العامة لسيادة الدولة في القانون الدولي العام
تباشر الدولة اختصاصها الإقليمي - أي سيادتها على الإقليم الخاضع لسلطانها في ظل ثلاثة مبادئ رئيسية أولها مبدأ الاستقلال ومفاده عدم خضوع الدولة لأي سلطة أجنبية في إدارة شئون الدولة، وهذا الاستقلال يشكل اختصاصًا مانعًا أي شاملًا لمباشرة الدولة سائر سلطانها على أرضها والتي من بينها توقيع الجزاء على المجرمين من قاطني الدولة عن الجرائم التي ارتكبوها على أرضها، وأن هذا الاختصاص عامٌّ، أي ينظم سائر مجالات الحياة بالدولة سواء كانت قانونية أو اجتماعية أو ثقافية، وثاني هذه المبادئ هو مبدأ المساواة بين الدول في الحقوق والالتزامات، وثالث هذه المبادئ هو مبدأ عدم التدخل ويقصد به أن كل دولة تباشر اختصاصاتها داخل إقليمها فقط وأن تمتنع عن كل عمل يعد تدخلًا في الشئون الداخلية لدولة أخرى أي يكون متعلقًا بالاختصاص الاقليمي لغيرها من الدول، على أن مبدأ عدم التدخل لم يكن محل اتفاق مطلق بين فقهاء القانون الدولي، فميز بعضهم بين التدخل المشروع والتدخل غير المشروع، وأجاز النوع الأول باعتبار أن الدولة تباشره لإستعادة حق ثابت لها(27)، ومؤدي ما تقدم أن اختصاص الدولة على إقليمها هو في حقيقته اختصاص جامع مانع، في ضوء أحكام القانون الدولي التقليدي القديم، ولكنه لا ينبغي لنا أن نتصور أن الأمر ما زال على إطلاقه في فقه القانون الدولي الحديث، ولكن دخلت عليه تطورات تجعله لا يستطيع أن يقف حائلًا بين الدول الأخرى ومتطلباتها المشروعة في حماية أمنها القومي وصيانة استقلالها وتحقيق سيادتها على إقليم دولتها وهو ما سنراه في المطلب الثاني.
2- استخدام القوة لردع تنظيم داعش الإرهابي "في ضوء الاتفاق مع دولة ليبيا"
قلنا سابقًا إن مبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية للدولة من قبل غيرها من الدول هو المبدأ السائد في فقه القانون الدولي العام التقليدي، وأن هناك بعض الفقهاء يجيزون التدخل إذا استند إلى أسباب مشروعة، والسؤال الذي يطرح نفسه: ما السبب المشروع في هذا الصدد، ونرى أن هذا السبب يكون متوافرا كلما حدث تهديد خطير جدي وحقيقي وقائم لسلامة امن واستقرار وسيادة إحدى الدول، بما يؤثر على الأمن والاستقرار الإقليمي أو العالمي وقعد مجلس الأمن الدولي عن استعمال سلطاته المقررة بالفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
ولا شك في أن اعتداء تنظيم داعش الإرهابي على المصريين المسيحيين سواء في ليبيا أو في مصر، فضلا عن وجود نحو مليون مصري يعملون بدولة ليبيا مهددين في أنفسهم وأرواحهم وأموالهم، فذلك بشكل تهديدا لأمن واستقرار دولة مصر ويزعزع الأمن بالمنطقة العربية كلها، دون أن يتخذ مجلس الأمن قرارا في هذا الصدد يدرأ به العدوان على أبناء مصر، فإن ذلك سوّغ للقوات المصرية أن تتخذ تدابير وقائية أو احترازية لحماية أصحاب الجنسية المصرية، وهو التزام أصيل على الدولة صاحبة الجنسية ويتيح لها أن تمتد ذراعها القوية "قواتها المسلحة" خارج نطاق الإقليم المصرى، وهو أمر مفهوم في القانون الدولي الحديث، على أننا سعيًا منا لتحقيق الاستقرار الدولي وترك القواعد الخلافية نرى أن الاتفاق الشفهي الذي تم بين كل من رأس الدولة المصرية عبد الفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية، ورأس النظام السياسي الليبي عبد اللـه الثني، رئيس مجلس الوزراء الليبى، بناء على طلب الأخير بأن تمد القوات المصرية يد العون لمساعدة القوات الليبية في تدمير مخازن الأسلحة والذخائر والآليات العسكرية ووسائل الإمداد والتموين ومركز القيادة والسيطرة والوسائل اللوجستية لقوات تنظيم داعش الارهابي، والذي أعلن عنه رئيس الوزراء الليبي عدة مرات إنما هو اتفاق قانوني صحيح ومشروع وصادر ممن يمثل كلا من الشعبين المصري والليبي، في ضوء أحكام كل من الدستورين المصري والليبي، وكذلك في ضوء اتفاقية الدفاع العربي المشترك والتي وقعت عليها مصر، كما انضمت إليها ليبيا بعد استقلالها، وعلى ذلك فإن القصف الجوي المصري لمراكز قوات تنظيم داعش أيا كان مكانها بداخل دولة ليبيا إنما هو إجراء صحيح تحميه قواعد المشروعية المحلية والعربية والدولية في هذا النطاق الذي نتحدث عنه.
3- استخدام القوة لردع تنظيم داعش الإرهابي في ضوء مبدأ الدفاع الشرعي
لا مجال هنا للحديث عن مفهوم فكرة الدفاع الشرعي في القانون الجنائي الداخلي، ولكن في مجال القانون الدولي يمكن إسنادها إلى نص المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة – بغض النظر عن سائر الأسانيد الأخرى السابقة عليها، وتنص المادة 51 سالفة الذكر على أنه "ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص من الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على احد أعضاء الأمم المتحدة، وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدوليين، والتدابير التي اتخذها الأعضاء استعمالا لحق الدفاع عن النفس، تبلغ إلى المجلس فورا، ولا تؤثر تلك التدابير بأي حال فيما للمجلس بمقتضى سلطته ومسئولياته المستمدة من أحكام هذا الميثاق – من الحق في أن يتخذ في أي وقت ما يرى ضرورة لاتخاذه من الأعمال لحفظ السلم والأمن الدوليين، أو إعادته إلى نصابه.
وعلى ذلك فإن مقتضي قيام حق الدفاع الشرعي الدولي أن يقع اعتداء من قوة مسلحة على أحد أعضاء الأمم المتحدة، ولم يشر النص إلى ما إذا كانت هذه القوة المسلحة هي جزء من جيش الدولة أو جماعة إرهابية تنطلق من داخل حدود الدولة، ومن ثم فليس هناك ما يحول دون اعتبار أن الاعتداء الذي باشرته قوات تنظيم داعش – مرارا وتكرارا – ضد المصريين المسيحيين المقيمين بدولة ليبيا وكذلك داخل حدود سيناء المصرية، وما تكرر منهم من تهديدات لباقي المصريين بليبيا وللمصريين المسيحيين المقيمين بمدينة العريش المصرية لتهجيرهم من سيناء إنما هو اعتداء من قوة مسلحة موجودة بدولة ليبيا، ووقع على دولة مصر العربية، ومن ثم يبيح لدولة مصر أن تتخذ ما تراه من طرق الدفاع الشرعي عنها، والملائمة وفق آليات القوة الكافية لحفظ أمن مصر واستقرارها وصيانة سيادتها واستقلالها.
وليس فيما تقدم من بيان تفسير متعسف لنص المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، بالنظر إلى أنه تم التوسع دوليا في تفسير هذه المادة حينما وافق مجلس الأمن على التقرير الأول الذي قدمته لجنة الطاقة الذرية عام 1955 نتيجة للتطور الدولي وظروف الحرب الذرية، فشمل الإجراءات الوقائية التي تقوم بها الدولة، وقد يكون منها استخدام القوة حتى ولو لم يقع بالفعل عدوان عليها.
على إنه إذا كان ما تقدم إنما هو في مجال الأساس النظري لاستعمال حق الدفاع الشرعي، فإننا في المجال العملي نأخذ من السوابق الكثيرة في هذا الصدد بعض أحدثها ومنها:
أولًا: في عام 1981 قامت الطائرات الإسرائيلية بقصف المفاعل النووي العراقي وتدميره، والذي كان قد تم الانتهاء من إنشائه يوم 1 / 8 / 1980، وقال مناحم بيجن رئيس الوزراء الإسرائيلي في ذلك الوقت إن هذا العمل تم للدفاع عن شعب إسرائيل، وقال الكسندر هيج وزير خارجية أمريكا في هذا الوقت أيضا في اجتماع مع الرئيس الأمريكي بتاريخ 9 / 6 / 1981 يجب أن نركع شكرا للـه، لأن إسرائيل قامت بتدمير المفاعل النووي العراقى، وذلك على الرغم من أن هذا المفاعل النووي المصنع بمعرفة فرنسا كان مخصصا للأغراض السلمية، لكن الإسرائيليين زعموا أنه كان معدا لإنتاج القنابل النووية.
ثانيًا: في عام 1982 قامت أمريكا بغزو لبنان وذلك بهدف سحق المقاومة الفلسطينية واللبنانية المتصاعدة، وتم نشر قوات المارينز الأمريكية بمطار بيروت ودارت معارك طاحنة قتل وجرح فيها مئات الأمريكيين، وفي ذات حقبة الثمانينيات حصل التدخل العسكري الأمريكي بالعاصمة الإيرانية طهران وقت احتجاز الدبلوماسيين الأمريكيين كرهائن بالسفارة الأمريكية هناك، وتكرر التدخل العسكري الأمريكي في ذات الحقبة ولكن بالقرن الأفريقي بدولة الصومال لحصول اعتداء من الميلشيات الصومالية المتناحرة على بعض الأمريكيين بمقديشيو العاصمة الصومالية.
ثالثًا: في 21 فبراير عام 1982 قامت أمريكا بغزو جزيرة جرينادا وهي إحدى دول البحر الكاريبي المستقلة، إثر وقوع انقلاب عسكري ضد رئيس الوزراء الحاكم ادي لمقتله وبعض مساعديه، وبرر الرئيس الأمريكي آنذاك هذا الغزو باستغاثة منظمة دول شرق الكاريبى، ودولتا جامايكا، وباربا دوس التي كانت تشعر بالقلق على أمن المنطقة بعد الانقلاب، كما أنه رغب في ضمان سلامة آلاف الأمريكيين الذين يعيشون في جرينادا بمن فيهم نحو ستمائة طالب ومعلم في كلية الطب بجامعة سان جورج.
رابعًا: في عام 1990 قامت القوات المسلحة الأمريكية بغزو دولة بنما للقبض على الرئيس البنمي والذي كانت أمريكا تتهمه بالاتجار في المخدرات وتهريبها للولايات المتحدة الأمريكية، وتعريض الأمن القومي الأمريكي للخطر، ونفذت القوات الأمريكية مهمتها وقبضت على رئيس دولة بنما واخضعته للمحاكمة الجنائية أمام القضاء الأمريكي، وقضى بحبسه ودخل السجن الأمريكي لتنفيذ العقوبة المحكوم بها ضده.
في عام 1990 قامت القوات المسلحة الأمريكية بغزو دولة بنما للقبض على الرئيس البنمي، والذي كانت أمريكا تتهمه بالإتجار في المخدرات، وأخضعته للمحاكمة الجنائية أمام القضاء وقضى بحبسه ودخ
خامسًا: في عام 1993 قامت القوات الأمريكية بمحاولة غزو دولة الصومال للقبض على محمد فارح عيد زعيم أكبر ميلشيات الفصائل الصومالية المتنازعة متهمة إياه بقتل بعض الأمريكيين.
سادسًا: في فبراير عام 2003 فوض الكونجرس الأمريكي رئيس الدولة في اللجوء إلى القوة العسكرية ضد دولة العراق، وفي شهر مارس من نفس العام وجّه الرئيس الأمريكي بوش إنذارا للرئيس العراقي صدام حسين وولديه عدي وقصي بمغادرة العراق خلال 48 ساعة وقبل نهاية المهلة بدات المقاتلات العسكرية الأمريكية بدعم المقاتلات الحربية البريطانية في مهاجمة دولة العراق، وخاضت حربا انتهت باحتلال الحلفاء لإقليم دولة العراق، وكانت الذريعة في ذلك هو امتلاك العراق لأسلحة نووية وكيميائية، على الرغم من أن العراق كانت قد خضعت للتفتيش الدولي من خلال منظمة الوكالة الدولية للطاقة الذرية ولم يثبت حيازتها لأي أسلحة نووية أو كيميائية ما عدا كمية بسيطة جدا سلمها الجيش العراقي للمفتشين الدوليين وتم إعدامها، وكانت الولايات المتحدة الأمريكية قبل غزوها العراق قد طلبت تفويضا بذلك من مجلس الأمن الدولى، الذي أصدر بتاريخ 12 يوليو عام 2002 القرار رقم 1441، رافضا فيه تفويض الولايات المتحدة بالقيام بالغزو المسلح للعراق ودعا إلى اتباع طريق المفاوضات السلمية لنزع أسلحة الدمار الشامل، مستندا في ذلك إلى تقرير هيئة المفتشين الدوليين بعدم عثورهم على أسلحة دمار شامل مخبأة بالعراق.
وجدير بالإشارة أن مجلس الأمن الدولي اجتمع إثر كل من هذه الوقائع السابقة لمناقشتها واتخذ بعد ذلك قرارات سياسية لم يقم في اي منها بمعاقبة الدول التي ارتكبت هذه الأفعال، مما رسخ لدى الجميع فهما مشتركا بأن مجلس الأمن لا يمانع في اعتبار الإجراءات العسكرية السابقة دفاع شرعي عن النفس متي توافرت أخطار حقيقية جدية أو مجرد تصورات ذهنية تدعمها بعض المظاهر الخارجية من أفعال وأقوال.
خلاصة وفائدة ما تقدم فإننا لا نري أي غضاضة في قيام القوات المسلحة المصرية بسائر أنواعها باتخاذ الإجراءات العسكرية الأمنية اللازمة لهدم أركان قوة تنظيم داعش الإرهابي والقبض على أعضائه أفرادًا وقادة داخل حدود الدولة الليبية العربية الشقيقة وإخضاعهم للمحاكمة الجنائية أمام القضاء المصري أو القصاص بالقوة من هذه القوات سواء كان ذلك وفقا لعمليات حربية مشتركة بالتنسيق مع الجانب الليبي، أو حتى من قبل القوات المصرية منفردة وبغير طلب من القيادة السياسية الليبية، باعتبار أن ذلك حق أصيل لمصر وفقا لنص المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة التي تتيح لمصر حق الدفاع الشرعي في الظروف التي يتحدث عنها هذا البحث.
كما أن ذلك يتاح أيضًا لمصر وفقًا للسوابق الدولية المتتالية والمستقرة على فكرة جواز القيام بحرب وقائية عند تعرض أمن الدولة وكيانها للخطر حتى ولو لم يقع بالفعل عدوان عليها – وقد بينا اساس ذلك سلفا، والأمر الأكثر من ذلك أن دول العالم باتت تتحدث بكثرة في العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين عن فكرة الحرب الاستباقيه فأجازوها، والتي هي من وجهة نظري تتجاوز فكرة الحرب الوقائية مبتعدة عنها، إذ يقل فيها مدلول الخطر عن مدلوله في فكرة الحرب الوقائية، وتأكيدًا لما صدرنا به هذا المطلب فحق مصر في حماية حدودها وأمنها وامن أبنائها سواء داخل مصر أو خارجها إنما هو حق ثابت بمقتضي قواعد حق الدفاع الشرعي والحرب الوقائية والحرب الاستباقية.
الخـــاتـمـة
وفي ختام هذا البحث، نعيد التأكيد على أن تنظيم داعش لا يعدو أن يكون تنظيمًا إرهابيًا، وأن قيامه بقتل المصريين المسيحيين سواء بليبيا أو مصر تعد جريمة إرهابية وفقا لأحكام القانونيين المصري والليبي واتفاقية مكافحة الإرهاب العربية وغيرها من الاتفاقيات الدولية، وأن هذه الجريمة تخضع لأحكام قانوني العقوبات المصري والليبي فضلا عن القانون الجنائي الدولي واتفاقيات جنيف الأربع عام 1949 بشأن النزاعات الداخلية المسلحة، كما أنه لا جدال في انعقاد الاختصاص بمحاكمة هؤلاء المجرمين لكل من القضاء المصري والليبي والمحكمة الجنائية الدولية على البيان المتقدم، ولا مندوحة في حق جمهورية مصر العربية في القصاص من هؤلاء الإرهابيين وردعهم في ضوء التعاون العسكري بين دولتي مصر وليبيا، ولمصر وحدها وبغير اتفاق مع أحد أو حتى تفويض دولي الحق في ردع هؤلاء الإرهابيين والقصاص منهم في ظل أحكام الدفاع الشرعي وفق نص المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، وحق مصر في الضربات الوقائية والتي تصل لحد شن حرب استباقية لكسر شوكة هؤلاء المجرمين وردعهم.
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى، فإنه في ضوء العرض السابق لعناصر البحث والنتائج التي خلصنا إليها في صلبه فإنني أقترح على المشرّع المصري الاقتراحات التالية:
أولًا: أن يضاف إلى قاعدة إقليمية القانون الجنائي المصري التي أخذ بها التشريع العقابي كقاعدة أساسية، قاعدة عالمية الاختصاص الجنائي المصري فيما يتعلق بجرائم الحرب والعدوان والجرائم ضد الإنسانية، وهو ما سيجعل للقضاء المصري اختصاصا أصيلا في محاكمة مرتكبي هذه الجرائم أيا كانت جنسياتهم أو مكان ارتكابهم للجريمة، وكذلك متابعة حركة أموالهم والتمويلات الأخرى لهم في أي مكان كانت بالعالم، ويسهل للأجهزة الأمنية المصرية التعاون مع البوليس الجنائي الدولي في متابعة هؤلاء المجرمين والقبض عليهم.
ثانيًا: تعديل قانون مكافحة الكيانات الإرهابية المصري بجعل قرار إدراج الأشخاص أو الكيانات تحت مفهوم الإرهاب وبالقوائم الخاصة بذلك، يصدر من مجلس الأمن القومي المصري، ويكون الطعن على هذا القرار أمام جهة القضاء المختص بالمحاكمة عن الجرائم الإرهابية دون غيره من جهات القضاء، وبطعن على الحكم الصادر من هذا القضاء أمام محكمة النقض المختصة بنظر الطعون في الأحكام الصادرة في قضايا الإرهاب، لأن القضاء ليس جهة إصدار قرارات في حقيقتها إدارية ولكنه يختص بالطعن عليها، كما أن ذلك يكون تسهيلا على الجهات الأمنية وتسريعا لاتخاذ الإجراءات اللازمة لمكافحة الإرهاب.
ثالثًا: تعديل ميثاق جامعة الدول العربية لتصدر القرارات بأغلبية الأعضاء وليس بالإجماع – كما هي الحال الآن – وليكن ذلك على الأقل فيما يتعلق بمسائل الإرهاب – أو إسناد ذلك الاختصاص إلى مجلس المندوبين الدائمين بجامعة الدول العربية وأيضا يكون القرار بأغلبية أعضاء جامعة الدول العربية.
المراجع
23- ا . د شريف سيد كامل، مرجع سابق، صــ63 وما بعدها، أ . د م محمود شريف بسيوني مؤلفه السابق صــ153 وما بعدها .
24- أ . د شريف سيد كامل، مرجع سابق، صـــ147 .
25- أ . د محمود شريف بسيوني، مرجع سابق، صـــ165 وما بعدها .
26- أ . د رؤوف عبيد، مبادئ القسم العام من التشريع العقابي، طبعة 1979، صــ124 وما بعدها. د . محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات القسم العام، الطبعة الرابعة، دار النهضة العربية، عام 1977، صــ128 وما بعدها .
27- أ . د عبد العزيز محمد سرحان، مبادئ القانون الدولي العام، دار النهضة العربية، طبعة عام 1975، صــ352 وما بعدها .
سادسًا: في فبراير عام 2003 فوض الكونجرس الأمريكي رئيس الدولة في اللجوء إلى القوة العسكرية ضد دولة العراق، وفي شهر مارس من نفس العام وجّه الرئيس الأمريكي بوش إنذارا للرئيس العراقي صدام حسين وولديه عدي وقصي بمغادرة العراق خلال 48 ساعة وقبل نهاية المهلة بدات المقاتلات العسكرية الأمريكية بدعم المقاتلات الحربية البريطانية في مهاجمة دولة العراق، وخاضت حربا انتهت باحتلال الحلفاء لإقليم دولة العراق، وكانت الذريعة في ذلك هو امتلاك العراق لأسلحة نووية وكيميائية، على الرغم من أن العراق كانت قد خضعت للتفتيش الدولي من خلال منظمة الوكالة الدولية للطاقة الذرية ولم يثبت حيازتها لأي أسلحة نووية أو كيميائية ما عدا كمية بسيطة جدا سلمها الجيش العراقي للمفتشين الدوليين وتم إعدامها، وكانت الولايات المتحدة الأمريكية قبل غزوها العراق قد طلبت تفويضا بذلك من مجلس الأمن الدولى، الذي أصدر بتاريخ 12 يوليو عام 2002 القرار رقم 1441، رافضا فيه تفويض الولايات المتحدة بالقيام بالغزو المسلح للعراق ودعا إلى اتباع طريق المفاوضات السلمية لنزع أسلحة الدمار الشامل، مستندا في ذلك إلى تقرير هيئة المفتشين الدوليين بعدم عثورهم على أسلحة دمار شامل مخبأة بالعراق.
وجدير بالإشارة أن مجلس الأمن الدولي اجتمع إثر كل من هذه الوقائع السابقة لمناقشتها واتخذ بعد ذلك قرارات سياسية لم يقم في اي منها بمعاقبة الدول التي ارتكبت هذه الأفعال، مما رسخ لدى الجميع فهما مشتركا بأن مجلس الأمن لا يمانع في اعتبار الإجراءات العسكرية السابقة دفاع شرعي عن النفس متي توافرت أخطار حقيقية جدية أو مجرد تصورات ذهنية تدعمها بعض المظاهر الخارجية من أفعال وأقوال.
خلاصة وفائدة ما تقدم فإننا لا نري أي غضاضة في قيام القوات المسلحة المصرية بسائر أنواعها باتخاذ الإجراءات العسكرية الأمنية اللازمة لهدم أركان قوة تنظيم داعش الإرهابي والقبض على أعضائه أفرادًا وقادة داخل حدود الدولة الليبية العربية الشقيقة وإخضاعهم للمحاكمة الجنائية أمام القضاء المصري أو القصاص بالقوة من هذه القوات سواء كان ذلك وفقا لعمليات حربية مشتركة بالتنسيق مع الجانب الليبي، أو حتى من قبل القوات المصرية منفردة وبغير طلب من القيادة السياسية الليبية، باعتبار أن ذلك حق أصيل لمصر وفقا لنص المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة التي تتيح لمصر حق الدفاع الشرعي في الظروف التي يتحدث عنها هذا البحث.
كما أن ذلك يتاح أيضًا لمصر وفقًا للسوابق الدولية المتتالية والمستقرة على فكرة جواز القيام بحرب وقائية عند تعرض أمن الدولة وكيانها للخطر حتى ولو لم يقع بالفعل عدوان عليها – وقد بينا اساس ذلك سلفا، والأمر الأكثر من ذلك أن دول العالم باتت تتحدث بكثرة في العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين عن فكرة الحرب الاستباقيه فأجازوها، والتي هي من وجهة نظري تتجاوز فكرة الحرب الوقائية مبتعدة عنها، إذ يقل فيها مدلول الخطر عن مدلوله في فكرة الحرب الوقائية، وتأكيدًا لما صدرنا به هذا المطلب فحق مصر في حماية حدودها وأمنها وامن أبنائها سواء داخل مصر أو خارجها إنما هو حق ثابت بمقتضي قواعد حق الدفاع الشرعي والحرب الوقائية والحرب الاستباقية.
الخـــاتـمـة
وفي ختام هذا البحث، نعيد التأكيد على أن تنظيم داعش لا يعدو أن يكون تنظيمًا إرهابيًا، وأن قيامه بقتل المصريين المسيحيين سواء بليبيا أو مصر تعد جريمة إرهابية وفقا لأحكام القانونيين المصري والليبي واتفاقية مكافحة الإرهاب العربية وغيرها من الاتفاقيات الدولية، وأن هذه الجريمة تخضع لأحكام قانوني العقوبات المصري والليبي فضلا عن القانون الجنائي الدولي واتفاقيات جنيف الأربع عام 1949 بشأن النزاعات الداخلية المسلحة، كما أنه لا جدال في انعقاد الاختصاص بمحاكمة هؤلاء المجرمين لكل من القضاء المصري والليبي والمحكمة الجنائية الدولية على البيان المتقدم، ولا مندوحة في حق جمهورية مصر العربية في القصاص من هؤلاء الإرهابيين وردعهم في ضوء التعاون العسكري بين دولتي مصر وليبيا، ولمصر وحدها وبغير اتفاق مع أحد أو حتى تفويض دولي الحق في ردع هؤلاء الإرهابيين والقصاص منهم في ظل أحكام الدفاع الشرعي وفق نص المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، وحق مصر في الضربات الوقائية والتي تصل لحد شن حرب استباقية لكسر شوكة هؤلاء المجرمين وردعهم.
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى، فإنه في ضوء العرض السابق لعناصر البحث والنتائج التي خلصنا إليها في صلبه فإنني أقترح على المشرّع المصري الاقتراحات التالية:
أولًا: أن يضاف إلى قاعدة إقليمية القانون الجنائي المصري التي أخذ بها التشريع العقابي كقاعدة أساسية، قاعدة عالمية الاختصاص الجنائي المصري فيما يتعلق بجرائم الحرب والعدوان والجرائم ضد الإنسانية، وهو ما سيجعل للقضاء المصري اختصاصا أصيلا في محاكمة مرتكبي هذه الجرائم أيا كانت جنسياتهم أو مكان ارتكابهم للجريمة، وكذلك متابعة حركة أموالهم والتمويلات الأخرى لهم في أي مكان كانت بالعالم، ويسهل للأجهزة الأمنية المصرية التعاون مع البوليس الجنائي الدولي في متابعة هؤلاء المجرمين والقبض عليهم.
ثانيًا: تعديل قانون مكافحة الكيانات الإرهابية المصري بجعل قرار إدراج الأشخاص أو الكيانات تحت مفهوم الإرهاب وبالقوائم الخاصة بذلك، يصدر من مجلس الأمن القومي المصري، ويكون الطعن على هذا القرار أمام جهة القضاء المختص بالمحاكمة عن الجرائم الإرهابية دون غيره من جهات القضاء، وبطعن على الحكم الصادر من هذا القضاء أمام محكمة النقض المختصة بنظر الطعون في الأحكام الصادرة في قضايا الإرهاب، لأن القضاء ليس جهة إصدار قرارات في حقيقتها إدارية ولكنه يختص بالطعن عليها، كما أن ذلك يكون تسهيلا على الجهات الأمنية وتسريعا لاتخاذ الإجراءات اللازمة لمكافحة الإرهاب.
ثالثًا: تعديل ميثاق جامعة الدول العربية لتصدر القرارات بأغلبية الأعضاء وليس بالإجماع – كما هي الحال الآن – وليكن ذلك على الأقل فيما يتعلق بمسائل الإرهاب – أو إسناد ذلك الاختصاص إلى مجلس المندوبين الدائمين بجامعة الدول العربية وأيضا يكون القرار بأغلبية أعضاء جامعة الدول العربية.
المراجع
23- ا . د شريف سيد كامل، مرجع سابق، صــ63 وما بعدها، أ . د م محمود شريف بسيوني مؤلفه السابق صــ153 وما بعدها .
24- أ . د شريف سيد كامل، مرجع سابق، صـــ147 .
25- أ . د محمود شريف بسيوني، مرجع سابق، صـــ165 وما بعدها .
26- أ . د رؤوف عبيد، مبادئ القسم العام من التشريع العقابي، طبعة 1979، صــ124 وما بعدها. د . محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات القسم العام، الطبعة الرابعة، دار النهضة العربية، عام 1977، صــ128 وما بعدها .
27- أ . د عبد العزيز محمد سرحان، مبادئ القانون الدولي العام، دار النهضة العربية، طبعة عام 1975، صــ352 وما بعدها .