المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

تنظيم داعش الإرهابي: حق مصر القانوني في الحماية والقصاص (1-2)

الثلاثاء 09/يونيو/2015 - 01:35 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
المستشار عصمت حسين العيادي
المقدمة
ليس من شك في أن أسمى الحقوق الخاصة للأفراد حفظ النفس والعقل والدين، وأن أسمى حقوقهم العامة هي الحق في حرية العقيدة والمساواة بين الناس بدون تمييز بسبب الجنس أو اللون أو الدين، ومن بين الحقوق العامة أيضًا، والتي قد يختلط فيها الحق بالواجب – الحفاظ على سلامة بنيان الدولة باعتبارها الحفيظة على الأمن، الذي هو الدعامة الأساسية والركن الركين لجميع الحقوق سواء كانت فردية أم جماعية، بل هو الفكرة الأساسية التي قامت من أجلها الدولة ومن قبلها الجماعة السياسية الأولى البسيطة ثم المدينة الأولى، لكن الإرهاب الأسود الذي يضرب الآن في كيان المجتمعات المختلفة، يكاد يهدم أركان الدول في كثير من بقاع العالم، ولننظر إلى الصومال والعراق وسوريا واليمن، وكيف فعلت بهم الجماعات الإرهابية.
ونظرًا لأهمية هذا الموضوع فإننا نتناوله من خلال ثلاثة مباحث نتحدث في أولها عن الوصف التشريعي لجريمة الإرهاب، ونخصص المبحث الثاني للحديث عن تنظيم داعش الإرهابي ومسئوليته عن قتل المصريين المسيحيين بدولة ليبيا الشقيقة، ونخصص المبحث الثالث وهو الأخير للحديث عن مدى قانونية استخدام مصر للقوة المسلحة لردع تنظيم داعش الإرهابي.
إن التشريع المصري لا يعرف الجريمة الإرهابية كجريمة مستقلة ومختلفة عن الجريمة العادية، وبالتالي فإنه لا يضع لها قواعد موضوعية أو إجرائية مغايرة لتلك التي تحكم الجريمة العادية
أولاً- الوصف التشريعي لجريمة الإرهاب
جرائم الإرهاب أفعال جنائية آثمة تناولها قانون العقوبات المصري بالوصف والتحليل لعناصرها وأركانها القانونية، كما بين سماتها العامة وأنواعها، وتناولتها أيضًا القوانين والمعاهدات الدولية، كما أن الشريعة الإسلامية عرفت هذه الجريمة. ونبدأ الحديث عن جريمة الإرهاب في قانون العقوبات المصري في المطلب الأول، ثم نتحدث في المطلب الثاني عن هذه الجريمة في القانون الليبي، ونتحدث في المطلب الثالث عن جريمة الإرهاب في القانون الدولي، ونخصص المطلب الرابع للحديث عن هذه الجريمة في الفقه الجنائي الإسلامي.

1- جريمة الإرهاب في قانون العقوبات المصري
الفهم الشائع لدى الناس أن الإرهاب هو قيام شخص أو مجموعة من الأشخاص باستعمال القوة المسلحة بأي صورة من الصور ضد الأشخاص الآخرين أو ممتلكاتهم أو ضد المؤسسات والممتلكات والأشياء العامة، وهو فهم صحيح، وإن كان لا يحيط بسائر صور جريمة الإرهاب، ولقد ورد في كتاب المعجم الوجيز(1) (رَهِبهُ) – رَهَبًا ، ورَهْـبَةً، ورهُبًا : خافَهُ َ( ًا رْهَبَ) فلانًا : خَوْفـَهُ وفَزًعَهُ، (الإرهابيون وصف يطلق على الذين يسلكون سبل العنف والإرهاب لتحقيق أهدافهم السياسية).
ولقد نص قانون العقوبات المصري في المادة 86 منه الواردة بالباب الثاني من الكتاب الثاني منه تحت عنوان الجنايات والجنح المضرة بالحكومة من جهة الداخل – القسم الأول على أنه "يقصد بالإرهاب في تطبيق أحكام هذا القانون كل استخدام للقوة أو العنف أو التهديد أو الترويع، يلجأ إليه الجاني تنفيذًا لمشروع إجرامي فردي أو جماعي، بهدف الإخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر، إذا كان من شأن ذلك إيذاء الأشخاص أو إلقاء الرعب بينهم أو تعريض حياتهم أو حرياتهم أو أمنهم للخطر، أو إلحاق الضرر بالبيئة، أو بالاتصالات أو المواصلات أو بالأموال – أو بالمباني أو بالأملاك العامة أو الخاصة أو احتلالها أو الاستيلاء عليها، أو منع أو عرقلة ممارسة السلطات العامة أو دور العبادة أو معاهد العلم لأعمالها أو تعطيل تطبيق الدستور أو القوانين أو اللوائح".
ولقد وردت هذه المادة ضمن حزمة من التعديلات لنصوص قانون العقوبات الصادر بالقانون رقم 58 لسنة 1937 فضلًا عن قانون الإجراءات الجنائية وقانون سرية الحسابات بالبنوك وقانون الأسلحة والذخائر وحمل هذا التعديل رقم 97 لسنة 1992، وصدر من رئاسة الجمهورية بتاريخ 18 يوليو سنة 1992 ميلادية ونشر بالجريدة الرسمية العدد رقم 29 مكرر بذات التاريخ سالف الذكر. وما زالت المادة 86 عقوبات سالفة الذكر باقية بذات النص السابق ولم يُدخِل المشرّع عليها أية تعديلات حتى الآن، وقد ورد بمجموعة الأعمال التحضيرية(2) لهذا التعديل التشريعي بتقرير لجنة الشئون التشريعية بمجلس الشعب برئاسة الدكتورة فوزية عبد الستار أنه "رأت اللجنة تعديل تعريف الإرهاب في شقه الوارد بصدر المادة بحيث يصبح على النحو الآتى: "يقصد بالإرهاب في تطبيق أحكام هذا القانون كل استخدام للقوة أو العنف أو التهديد يلجأ اليه الجاني تنفيذًا لمشروع اجرامي فردي أو جماعي يهدف إلى الاخلال بالنظام أو تعريض سلامة المجتمع أو أمنه للخطر إذا كان من شأن ذلك . . . . "، وذلك انطلاقًا من أن الإرهاب فيه معني الفعل المصحوب بالقوة أو العنف أو التهديد "أي الاستخدام" أما تعريف الارهاب بأنه "وسيلة" فهو تعريف غير مقبول لأن الوسيلة لا تنتج بذاتها ودون تدخل فعل الجاني أي أثر"، والمفهوم من ذلك أن النص الواردة من الحكومة كان يعرف الإرهاب بأنه وسيلة فعدلت اللجنة ذلك وجعلت جوهر التعريف هو فعل استخدام القوة أو العنف أو التهديد.
وجدير بالنظر أنه بسبب أهمية مشروع القانون سالف الذكر المتضمن تعديلا ً لقانون العقوبات بشأن جرائم الإرهاب فقد ارتأى السيد رئيس الجمهورية في ذلك الوقت، عرض مشروع القانون على مجلس الشورى قبل عرضه على مجلس الشعب، مع أن الدستور لم يكن يوجب عليه ذلك، ولكنه استعمل في ذلك حقه الدستوري في عرض ما يراه من قوانين مهمة على مجلس الشورى.
وذكر السيد المستشار فاروق سيف النصر، وزير العدل ممثلا للحكومة أمام مجلس الشورى بجلسته المعقودة بتاريخ 12/7/1992 أن اللجنة التي أعدت هذا المشروع لجنة رفيعة المستوى من جميع التخصصات في هذا المضمار، وقد استرجعت قوانين مكافحة الإرهاب في كل من إيطاليا، وإسبانيا وفرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة "انجلترا"، وأيرلندا الشمالية، وأضاف بأنه "على الرغم من أن كلا من قانون العقوبات المصري وقانون الإجراءات الجنائية يعتبران من التشريعات الصادرة حديثا نسبيا، باعتبار أن الأول صدر بالقانون رقم 58 لسنة 1937، والثاني صدر بالقانون رقم 150 لسنة 1950 . . . ورغم أن كلا ً منهما قد تناوله المشرع بالإضافة إلى مواده أو التعديل فيها وفقًا للمتغيرات السياسية والمسائل الاجتماعية والاقتصادية فإنه يمكن القول – بأنه لا أثر ظاهر وملموس للجريمة الإرهابية في قواعد أي من القانونين، وأن التشريع المصري لا يعرف الجريمة الإرهابية كجريمة مستقلة ومختلفة عن الجريمة العادية، وبالتإلى فإنه لا يضع لها قواعد موضوعية أو إجرائية مغايرة لتلك التي تحكم الجريمة العادية "، ومؤدي ذلك أنه لنا أن نقول إن كلا  من قانوني العقوبات والإجراءات الجنائية لم يعرفا فكرة الجريمة الإرهابية استقلالا عن غيرها من الجرائم العادية الا اعتبارًا من تاريخ صدور القانون رقم 97 لسنة 1992 ولا شك أنه قد تأخر كثيرًا في وضع الإطار التشريعي لهذه الجرائم، بينما عرّفها القانون الدولي اعتبارًا من عام 1937 بموجب اتفاقية جنيف حول الإرهاب الصادرة من عصبة الأمم المتحدة سنة 1937على إثر اغتيال الملك الكسندر الثالث ملك يوغسلافيا ووزير خارجية فرنسا في مرسيليا سنة 1934، والتي تولت تعريف الإرهاب (3)، كما وأن النص المقترح الذي كان معروضا على مجلس الشورى يختلف في صياغته عن النص الذي انتهى إليه مجلس الشعب، والذي رأت لجنته التشريعية إعادة صياغته لتحقيق الانضباط اللفظي والفني له، وذلك على نحو ما ورد بصدر هذا البحث.
عرف القانون الدولي الإرهاب اعتبارًا من عام 1937 بموجب اتفاقية جنيف حول الإرهاب الصادرة من عصبة الأمم المتحدة سنة 1937 على إثر اغتيال الملك الكسندر الثالث ملك يوغسلافيا
فجريمة الإرهاب وفقًا  للبيان السابق يمكن القول بأنها تتكون من ركن مادي وركن معنوي وركن خاص، فضلا عن مصلحة خاصة أراد الشارع حمايتها، فالركن المادي المكون لجريمة الارهاب هو فعل القوة أو العنف أو التهديد أو الترويع لتنفيذ مشروع إجرامي فردي أو جماعى، ونرى أنه لا ينبغي أن نقف في فهمنا للركن المادي لهذه الجريمة عند أفعال القوة بمعناها اللفظي الحرفي، أي ليس فقط مجرد استعمال الأسلحة النارية والقنابل وما شابه ذلك، ولكن يسوغ أن يشمل أيضًا من يصدر مجرد بيان مكتوب أو مقروء بأن الجاني سيدمر مبنى لإحدى المؤسسات العامة المهمة، ويحدد ميقاتا لذلك فينتشر الرعب والفزع بين الناس وربما ترتب على ذلك انهيار في الوضع الاقتصادي للدولة، أو حتى من يشيع كذبًا أنه لوث غرفة عمليات أحد المستشفيات الكبري بفيروس فتاك يمكن أن يسبب العدوى للمرضى بذات الطريقة التي أشاعها الجانى، وما شابه ذلك من الأقوال الهدامة التي تعرض الأمن العام للخطر.
والركن المعنوي هو علم الجاني بارتكابه الجريمة بأوصافها القانونية وإطارها التشريعي ومباشرته الفعل الجنائي الآثم عن إدراك وباختياره، أما الركن الخاص فيها فهو إرادة الاخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر وفقا للاوصاف المختلفة المذكورة بعجز المادة 86 عقوبات سالفة الذكر، والتي هي أنه من شأنها إيذاء الاشخاص أو القاء الرعب بينهم أو تعريض حياتهم أو حرياتهم أو أمنهم للخطر أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بالاتصالات أو المواصلات . . . إلخ. ويرى كثير من فقهاء القانون الجنائي أن القصد الخاص مجرد عنصر من عناصر الركن المعنوي ولا يرقى ليكون ركنا خاصا متميزا عن الركن المعنوى(4)، أما المصلحة المحمية في هذه الجريمة التي قصد الشارع حمايتها فليس أبلغ مما قاله النائب المرحوم الدكتور محمود نجيب حسني العضو بمجلس الشورى لدى عرض مشروع القانون على المجلس، أن القانون قصد إلى مكافحة الإرهاب الذي يهدد وطننا في أمنه واستقراره وفي مؤسساته وفي قيمة السمحة وتقاليده العريقة.
ويرى الدكتور أحمد فتحي سرور، أنه يشترط توافر أربعة عناصر متغيرة يجب أن يضعها المشرع تحكم تعريف الإرهاب أولها العنف الذي يصيب الحياة وأمن الاشخاص أو الأموال أو تعريضها للخطر على وجه يشيع الرعب، وثانيها القصد من ارتكاب العنف وهو اشاعة الرعب بين الناس والإخلال بالنظام العام أيا كانت دوافعه سياسية كانت أم أيديولوجية أو اقتصادية، وثالثا تحديد المجني عليهم ومدى اشتراط أن يكونوا من المدنيين فقط . ورابعها مدى اشتراط سقوط عدد كبير من الضحايا، ومدى اشتراط التنظيم في مرتكبي الإرهاب(5).
ويرى الدكتور أشرف توفيق أستاذ القانون الجنائي بجامعة بنها، أن المشرع استخدم تعبير الإرهاب قبل صدور القانون رقم 97 لسنة 1992، وذلك بنصه على عدة جرائم يستخدم الإرهاب كوسيلة لارتكابها، غير أن هذا القانون الأخير انطوى لأول مرة على تعريف للإرهاب، كما أن قانون الطوارئ رقم 162 لسنة 1958 يتضمن نصوصًا يمكن أن تطبق على ما يدخل في مدلول الجرائم الارهابية، وأن الإرهاب يحتوي على عنصرين الأول مادي، وهو استخدام القوة أو العنف أو التهديد لتنفيذ مشروع إجرامي فردي أو جماعي، والعنصر الثاني معنوي ومفاده انصراف قصد الجاني إلى الإخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة وأمن الدولة للخطر(6).
هذا وقد تناول المشرع المصري في المواد 86 مكرر وحتى المادة 89 الواردة بالباب الثاني من الكتاب الثاني من قانون العقوبات المصري بيان الجرائم المضرة بالحكومة من جهة الداخل، محددا الإطار التشريعي لها والعقوبات المفردة لها، أما في المادة 88 مكرر أ فقد فرض سياجًا من الحماية الخاصة على القائمين على تنفيذ أحكام هذا القسم بإفراده عقوبة مشددة على الاعتداء عليهم متي كان ذلك بسبب هذا التنفيذ، وأيضًا حماية أصولهم وفروعهم حال اختطافهم أو احتجازهم لذات العلة السابقة بتشديد العقاب في هذه الحالة بالنظر إلى صلتهم بالقائمين على تنفيذ أحكام هذا القسم، متقدما في ذلك خطوات للأمام عن الحماية الجنائية العامة المقررة للأفراد العاديين ومأموري الضبط في الظروف الأخرى، وفي نفس الوقت فتح في المادة 88 مكرر هـ باب الإعفاء من العقوبات المقررة لهذه الجرائم عند مبادرة الجناة بالإبلاغ عن الجريمة قبل البدء في تنفيذها وقبل التحقيق وأجاز للمحكمة الإعفاء من العقوبة إذا حصل البلاغ بعد تمام الجريمة وقبل البدء في التحقيق، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى تراجع الجناة عن ارتكاب الجريمة، أو القبض على شركائهم قبل تنفيذ مخططهم الإجرامي.
على أن المشرع المصري لم يضع تعريفًا للكيان الإرهابي إلا بموجب القانون رقم 8 لسنة 2015 الصادر من السيد رئيس الجمهورية يوم 24 فبراير 2015 والمسمى قانون الكيانات الإرهابية بأن نص في مادته الأولى على أنه: يعتبر كيانا إرهابيا كل جمعية أو منظمة أو جماعة أو عصابة تمارس أو يكون الغرض منها الدعوة بأية وسيلة إلى الإخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع أو مصالحه أو أمنه للخطر أو إيذاء الأفراد أو إلقاء الرعب بينهم أو تعريض حياتهم أو حرياتهم أو حقوقهم أو أمنهم للخطر أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو الحاق الضرر بالبيئة أو بالموارد الطبيعية أو بالآثار أو بالاتصالات أو المواصلات البرية أو الجوية أو البحرية أو بالأموال أو بالمباني أو بالاملاك العامة أو الخاصة أو احتلالها أو الاستيلاء عليها أو المرافق العامة أو منع أو عرقلة السلطات العامة أو الجهات أو الهيئات القضائية أو مصالح الحكومة أو الوحدات المحلية أو دور العبادة أو المستشفيات أو مؤسسات ومعاهد العلم أو البعثات الدبلوماسية والقنصلية أو المنظمات والهيئات الاقليمية والدولية في مصر من القيام بعملها أو ممارستها لكل أو بعض أوجه نشاطها أو مقاومتها، أو تعطيل المواصلات العامة والخاصة أو منع أو عرقلة سيرها أو تعريضها للخطر بأي وسيلة كانت، أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي أو تعطيل تطبيق أي من أحكام الدستور أو القوانين أو اللوائح متى استخدمت القوة أو العنف أو التهديدات أو الترويع بهدف تحقيق أو تنفيذ أغراضها )، ولا شك أن المشرع في ذلك لم يخرج عن إطار التجريم الذي أخذ به بنص المادة 86 عقوبات، وحافظ على ذات المصالح التي رأي حمايتها وإن توسع في تفصيل بيانه لهذه المصالح، لكن ذلك جاء في النهاية في إطار المادة 86 عقوبات، على أن المهم في القانون الجديد أنه حدد الأوضاع القانونية القضائية الواجبة الاتباع لإسباغ وصف كيان إرهابي على أي تجمع مخالف للقانون، وإدراجها بقائمة الكيانات الإرهابية ومدة الإدراج والآثار القانونية المترتبة على هذا الإدراج، وأوجب نشر ذلك بالجريدة الرسمية، كما بين الأحوال التي يوصف فيها الجاني بوصف الإرهابي، والآثار التي تترتب على ذلك والإدراج على قوائم المنع من السفر وترقب الوصول وغير ذلك من الآثار، ونشر قرار الإدراج بالجريدة الرسمية.
هذا وقد تولى المشرع في المادة 86 مكرر أ وحتى المادة 89 من مواد القسم الأول من الباب الثاني - والكتاب الثاني – الجنايات والجنح المضرة بالحكومة من جهة الداخل تحديد جرائم الإرهاب تفصيلا ًوعقوباتها، على أننا نلاحظ أن الصياغة التشريعية للنصوص السابقة جاءت في بعضها واصفة الفعل الجنائي المؤثم مباشرة بالإرهاب - أو حتى واصفا الجماعة بالإرهابية – بينما في بعض النصوص كانت ألفاظ النص استعمال القوة والعنف بدون استخدام لفظ الإرهاب مع جعله ظرفًا مشددًا للعقوبة، لكن في جميع الأحوال فإن المصلحة المحمية هي الدستور ومؤسسات الدولة ونظامها السياسي وأمن المجتمع بكل صوره وقيمه الدينية والاجتماعية، على أن مواد القسم الثاني من ذات الباب الثاني، وكذلك مواد الباب الثاني مكرر والتي أغلبها موجود من قبل صدور القانون رقم 97 لسنة 1992 – الذي حدد مفهوم الإرهاب – فإن هذه المواد قد جرمت أعمال قوة وعنف وتكوين عصابات إجرامية وإدارتها للاعتداء على ممتلكات الدولة ومرافقها ومؤسساتها العامة وإحداث الرعب بين الناس وإشاعة الفوضي وحيازة المفرقعات واستخدامها فيما سبق بيانه من أغراض، كل ذلك أفعال جنائية لا مندوح من اخضاعها لوصف الجريمة الإرهابية.

2- جريمة الإرهاب في القانون الليبي
يمكن القول بأن قانون العقوبات الليبي لم يقدم لنا تعريفًا لجريمة الإرهاب أو الإرهابي وإن كان أثّم أفعال عنف تشكل صورا مختلفة من صنوف الإرهاب ففي المادة 165 منه عاقب بالإعدام كل ليبي رفع السلاح على ليبيا أو التحق على أي وجه، بعمل في القوات المسلحة لدولة تحارب ليبيا، كما عاقب على جرائم المساس بأرض البلاد وتسهيل الحرب ضدها، وتخريب وإتلاف المنشآت وتسهيل ارتكابها، وتحريض العسكريين على عدم إطاعة القوانين والخروج على النظام والواجبات العسكرية والاشتراك في ذلك، وفي المادة 196 عاقب بالإعدام كل من شرع بالقوة وبغيرها من الوسائل التي لا يسمح باستعمالها النظام الدستوري في تغيير الدستور أو شكل الحكم، وفي المادة 206 عاقب بالإعدام على الدعوة لإنشاء التنظيمات والتشكيلات غير المشروعة، وفي المادة 211 منه عاقب بذات العقوبة السابقة الأشخاص الذين يتفقون على إنشاء الجمعيات والعصابات بغرض ارتكاب الجرائم السابقة، ومن ثم فإنه فليس هناك ما يحول بيننا وبين القول بأن المشرع الليبي وإن لم يعرف الإرهاب أو الإرهابي في قانون العقوبات، إلا أنه أثّم أفعالا كثيرة جوهرها الإرهاب وضع لها عقوبات رادعة تصل لحد الإعدام.
بقي لنا أن نقول: إن الدستور الليبي الصادر في يناير 2014 في أعقاب ثورة السابع عشر من فبراير 2011 وسقوط نظام العقيد معمر القذافي، قد نص في المادة 188 منه على أن " هذا الدستور وكل قوانين البلد التي تصدر تبعًا  له، وجميع المعاهدات المعقودة أو التي عقدت تحت سلطة الدولة الليبية تكون القانون الأعلى للبلد، ويكون القضاة في جميع أنحاء الدولة الليبية ملزمين به . . . . "، ومؤدى ذلك أن الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب المعقودة سنة 1998 والتي كان من بين أطرافها ليبيا، تكون من بين عناصر التشريع الليبى، وإذا كانت هذه الاتفاقية – حسبما سيرد لاحقا قد تبنت المفهوم المصري لتعريف الإرهاب، ومن ثم يكون هو ذات المفهوم الذي يتبناه التشريع الوضعي الليبي، وخلاصة ذلك أن مفهوم الإرهاب هو مفهوم موحد ومشترك بين التشريعين المصري والليبي، وكما أن النصوص العقابية – بغض النظر عن اختلاف الصياغة – فهي من حيث إطارها العام تظهر فيها بوضوح رغبة الحفاظ على كيان الدولة ومؤسساتها وقواتها المسلحة وتعاليم وقيم المجتمع الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والدينية ومثله العليا في إطار الوحدة المجتمعية بسائر صورها ومكوناتها، وأن الجرائم التي توجه ضد هذه المصالح الحيوية تعد جرائم إرهابية طالما اتخذت من العنف وسيلة وسبيلا لذلك حتى إن وقف الأمر عند حد الشروع في ارتكاب الجريمة.
جريمة الإرهاب تتكون من ركن مادي وركن معنوي وركن خاص، فضلا ًعن مصلحة خاصة أراد الشارع حمايتها، فالركن المادي المكون لجريمة الإرهاب هو فعل القوة أو العنف أو التهديد أو الترويع لتنفيذ
3- جريمة الإرهاب في القانون الدولي
لا مراء في أن جريمة الإرهاب سواء كانت محلية أو دولية تشكل اعتداءً فاحشًا على حق الإنسان في الأمن، والذي هو حق طبيعي موجود مع الإنسان منذ أن قامت أول جماعة أسرية على وجه الأرض مستقيمة على السلطة الأبوية، وتفرعت عنها الجماعة السياسية التي تمخضت عنها الدولة بشكلها الحالي، وخلال ذلك تنوعت الجرائم وتعددت أساليبها ووسائلها وأصبحت نتائجها مدمرة من حيث الآثار ومرعبة من حيث المضرورين منها، حتى وصلنا إلى وجود جرائم إرهابية تروع دولا كاملة، لكن ذلك لا يعني أن العالم المتمدين قعد عن مكافحة هذه الجرائم التي تنتهك حق الإنسان في الأمن أيًا  كانت صورها أو مسمياتها، وذلك بجهود حيثية ابتداء على المستوى الفردي للدولة ثم على مستوى الاتفاقيات الثنائية للدول أو متعددة الأطراف، سواء كانت هذه الاتفاقيات لحماية أشخاص بصفاتهم كالدبلوماسيين مثلا أو تقليلا ومحاصرة للأحوال غير الطبيعية التي يوجدون بها مثل حالة الحروب بين الدول أو حتى في حالة النزاعات المسلحة الداخلية سواء كانت بين الدولة وجماعات مسلحة خارجة عليها أو بين جماعات متحاربة في شكل ميليشيات عسكرية، وسواء كان ذلك للعسكريين المتحاربين أو للمدنيين المقيمين بمناطق الحرب، أو حتى بالنسبة للمباني والآثار والمنشآت الخدمية الهامة وحماية كل ضرورات بقاء حياة العنصر البشري، وكان من محصلة نتائج هذه الجهود العظيمة أن ظهرت قوانين مثل القانون الدولي العام والقانون الجنائي الدولي وقانون حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني لتقنين القواعد القانونية اللازمة لذلك، كما أنه نشأت منظمات دولية عامة ومنظمات دولية متخصصة، ووكالات دولية، ومنظمات دولية إقليمية، كل ذلك أسهم في تشكيل سياج من الحماية القانونية للعالم بأسره سواء كانت الحماية القانونية لقواعد قانونية مكتوبة أو قواعد عرفية استقرت في ضمير المجتمع الدولي بعد تكرار سوابقها، حتى إن العالم بأسره يراها قواعد قانونية ملزمة، ولا يستطيع أحد الفكاك من نطاق الحماية التي تكفلها للمجالات التي تنظمها.
سواء تعلق ذلك باليابسة وما عليها من بشر وحجر، أو بالأنهار والبحار والمحيطات وما يمخر عبابها من سفن أو يلتحف بأعماقها من غواصات، وأيضا بالفضاء الخارجي وما يحويه من طائرات وسفن فضاء واقمار صناعية وغير ذلك. على أن الحقيقة التي ينبغي أن نراها أن قواعد القانون في بدايات نشأتها كانت حربها قائمة مع العنف بصوره المختلفة في نطاق الموضوع محل التعاهد، ولم يظهر التحدي الدولي العام للإرهاب إلا مع سبعينيات القرن العشرين، عندما هاجمت إحدى جماعات الكفاح المسلح ضد الاحتلال فريق كرة القدم للدولة المحتلة بدورة ميونيخ للألعاب الأوليمبية لمحاولة اختطافهم، وتمخضت نهايات الحادث عن كثير من القتلى والمصابين، وحاصل ذلك أنه يمكن القول بأن البداية الحقيقية للحماية ضد الإرهاب كانت باستخدام عبارات مثل سلوك الجيوش في الميدان من أجل تقليل معاناة الضحايا، ثم عبارة جرائم الحرب، وتلت ذلك الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية التي هي وفقًا  للمادة السادسة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية أي فعل من الأفعال التالية يرتكب بقصد إهلاك جماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية بصفتها هذه إهلاكا كليا أو جزئيا ومن بين الأفعال المؤثمة قتل أفراد الجماعة.
ولما كنا لسنا في مقام تعقب وحصر جميع الوثائق الدولية التي تحارب العنف ضد البشر، فإننا نشير إلى طائفة منها تمثل البدايات اعتبارا من القرن التاسع عشر، وتمثل أيضا أهم هذه الجهود البشرية في هذا الصدد، ولعل أولها هو ما أصدره الرئيس الأمريكي ابراهام لينكولن عام 1863 بخصوص سلوك جيوش الولايات المتحدة في الميدان أثناء الحرب الداخلية الأمريكية بين الشمال والجنوب، والتي تسمى تقنين "ليبر"، وتلت ذلك عام 1864 اتفاقية جنيف بخصوص مساعدة الجرحى، ثم قانون لاهاي الذي يبين حقوق واجبات المتحاربين في تسيير العمليات العسكرية، ويقيد حرية اختيارهم لوسائل إلحاق الأذى بالعدو المعروف باتفاقيات لاهاي لعامي 1899، 1907 والتى(7) كانتا تقنينا للأعراف الدولية المتعلقة بالحرب، والتي نشأت من خلال العرف الدولي وفي عام 1937 صدرت اتفاقية جنيف حول الإرهاب عن عصبة الأمم المتحدة في أعقاب اغتيال الملك الكسندر الثالث ملك يوغسلافيا، وبارثو وزير خارجية فرنسا في مرسيليا عام 1934 والتي لم تدخل حيز التنفيذ بسبب عدم استيفاء النصاب المطلوب للتصديق(8)، وقد سبق الاتفاقية الأخيرة إبرام الحلفاء معاهدة سفير مع تركيا بتاريخ 10/8/1920 التي استعيض عنها بمعاهدة لوزان التي أقرت بإنشاء محكمة جنائية دولية من قبل الحلفاء لمحاكمة مرتكبي المذابح ضد اليونانيين والأرمن خلال الحرب العالمية الأولى عن جريمة الإبادة الجماعية التي ارتكبت في المناطق الخاضعة للدولة العثمانية، وهذا النص يعد سابقة حول مسئولية الأفراد عن الجرائم ضد الإنسانية(9).
إن المشرع الليبي وإن لم يعرف الإرهاب أو الإرهابي في قانون العقوبات، إلا أنه أثّم أفعالا كثيرة جوهرها الإرهاب وضع لها عقوبات رادعة تصل لحد الإعدام
وإذ شارفت الحرب العالمية الثانية على الانتهاء، أصدر الحلفاء إعلان موسكو في 30/10/1943 وثيقة إعلان لندن بتاريخ 8/8/1945 بشأن إنشاء محكمة نورمبرغ ثم محكمة طوكيو لمحاكمة مجرمي الحرب من الألمان واليابانيين عما ارتكبوه من جرائم خلال الحرب ومن بينها الجرائم ضد الإنسانية والتي منها القتل العمد والإبادة(10).
وبعد ذلك صدرت اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 التي تحدد جرائم الحرب التي تقع في مجال النزاعات المسلحة الدولية، وكذلك التي تقع في النزاعات المسلحة غير ذات الطابع الدولي (الداخلية المسلحة) ومن هذه الأخيرة جرائم أخذ الرهائن، وجريمة اصدار أحكام وتنفيذ اعدامات دون وجود حكم سابق صادر من محكمة مشكلة تشكيلا ً نظاميا تكفل جميع الضمانات القضائية المعترف عموما بأنه لا غنى عنها. وكذلك أفعال القتل، إذا ارتكبت أي من الأعمال السابقة ضد أشخاص غير مشتركين اشتراكا فعليا في الأعمال الحربية. بما في ذلك أفراد القوات المسلحة الذين ألقوا أسلحتهم " م 8 -2 (ج) /1، 3، 4 " من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية(11). وفي عام 1951 ثم عام 1954 قدمت لجنة القانون الدولي مشروع قانون للجمعية العامة للأمم المتحدة عن الجرائم ضد السلم وأمن الإنسانية والتي تشتمل جرائم بموجب القانون الدولي ومنها جرائم الإبادة الجماعية.
ولقد سار المجتمع الدولي خطوات واسعة للأمام بصدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 808 لسنة 1993 بإنشاء محكمة دولية لمحاكمة مجرمي الحرب من قادة يوغسلافيا السابقة عن جرائمهم، ومنها جريمة الابادة الجماعية ضد البوسنة والهرسك، وكذلك القرار رقم 955 لسنة 1994 بإنشاء محكمة دولية لمحاكمة مجرمي الحرب في إقليم رواندا وذلك استنادا إلى سلطة المجلس بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
ثم إنه في عام 1998 تم توقيع اتفاق إنشاء المحكمة الجنائية الدولية بمقر منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة في روما، واتخذت مقرا لها مدينة لاهاي بهولندا وهي تختص بالنظر في أخطر وأشد الجرائم جسامة التي يرتكبها الأشخاص الطبيعيون البالغون، والتي هي جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجرائم العدوان(12) .
على أنه تجدر الإشارة إلى أن الجمعية العامة للأمم المتحدة اعتمدت بتاريخ 17/12/1979 اتفاقية لمنع وقمع الرهائن، وفي عام 1991 صدرت الاتفاقية الدولية لقمع الاعتداءات الإرهابية التي تستخدم المتفجرات البلاستيكية، وفي عام 1997 وقعت اتفاقية لقمع الإرهاب بواسطة إلقاء القنابل، ثم في عام 1999 صدرت الاتفاقية الدولية بشأن تمويل الإرهاب (13).
وفي 26/9/2001 أصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم (1373) بشأن مكافحة الإرهاب وتجميد أموال المنظمات الإرهابية، مستندا في ذلك للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة إثر الاعتداءات الإرهابية التي تعرضت لها الولايات المتحدة الأمريكية في الحادي عشر من سبتمبر عام2001(14).
ونلاحظ أن كل الأعمال الدولية السابقة لم تتضمن تعريفا قانونيا لجرائم الإرهاب، إلا أن الجدير بالذكر أن الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب الموقع عليها سنة 1998 قد تبنت تعريف الإرهاب الذي اعتنقه المشرع المصري، وكذلك فإن مجلس اتحاد أوربا أصدر قرارا في 13/6/2003 وضع فيه إطارا عاما لمكافحة الإرهاب تضمنت مادته الأولى تعريفا تفصيليا لجرائم الإرهاب وحدد الأعمال الإرهابية التي ينطبق عليها وصف الجرائم الإرهابية، وهذه الأعمال تؤدي بسبب طبيعتها أو مضمونها إلى إلحاق الضرر بالدولة وبالمنظمة الدولية متي كانت قد ارتكبت بقصد إحداث الرعب الجسيم بالسكان أو إكراه حكومة أو منظمة دولية للقيام بعمل أو امتناع عن عمل أو إحداث انقلاب أو تدمير النظام الأساسي السياسي أو الدستوري أو الاقتصادي أو الاجتماعي للدولة أو لمنظمة دولية (15).
وخلاصة ما تقدم، أن المطروح الآن عالميًا تعريفًا لجريمة الإرهاب هو؛ ذلك التعريف الذي وضعه المشرع المصري في قانون العقوبات عام 1992، ثم تبنته بعد ذلك الاتفاقية العرببة لمكافحة الإرهاب المعقودة عام 1998 فيكون التعريف المصري للإرهاب قد خرج من إطار المحلية المصرية إلى أطار الإقليمية العربية مشكلا مفهوما عربيا مشتركا لجريمة الإرهاب، والتعريف الثاني هو ما ورد بقرار مجلس اتحاد أوربا الصادر عام 2003 وعرف فيه جريمة الإرهاب والأعمال الإرهابية، وهو ما يشكل بذلك مفهوما إقليميا أوربيا مشتركا لجريمة الإرهاب، ولا شك أن هذين المفهومين يدخلان ضمن قواعد القانون الجنائي الدولي باعتبار أن المنظمتين السابقتين من أشخاص القانون الدولي ويمكن أن تكونا أساسا مشتركا من الفهم بين دول العالم للوصف القانوني لجريمة الإرهاب المحلية أو الدولية.
على أنه أخيرًا  تجدر الإشارة إلى أن جمهورية مصر العربية نادت منذ تسعينيات القرن الماضي إلى عقد مؤتمر دولي لوضع تعريف موحد بين جميع دول العالم لجريمة الإرهاب، وقد وقفت كل من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل عقبة في هذا السبيل، لسببين أولهما: رغبتهما في اعتبار أعمال إسرائيل الإرهابية ضد سكان فلسطين المحتلة من قبل دولة إسرائيل أعمالا مشروعة، وثانيا: محاولتهما اعتبار حركات التحرير الوطني الفلسطينية حركات إرهابية، وأن أعمال المقاومة المسلحة أعمال إرهابية وذلك خروجا على قواعد القانون الدولي المستقرة من قبل ذلك.

4- جريمة الإرهاب في الشريعة الإسلامية
اهتمت الشريعة الإسلامية بالإنسان من حيث كونه فردًا أو من حيث كونه عضوًا بالجماعة السياسية التي يعيش في كنفها، فأقرت له مجموعة من الحقوق في كل من الحالتين لا يمكن أن تستقيم الحياة بدون توافرها (16)، فمن الحقوق التي تندرج ضمن المجموعة الأولى الحق في الحياة والتي اعتبر الإسلام أن الاعتداء عليها يرتقي إلى مرتبة الاعتداء على الناس كافة وذلك في قول الله تعالى " .. من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض، فكأنما قتل الناس جميعًا ،ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا " (سورة المائدة الآية 32)، والحق في حرية التعبير من ذلك قوله تعالى "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر" (سورة آل عمران الآية 104 )، والحق في الحرية الدينية من ذلك قوله تعإلى "لا إكراه في الدين" (سورة البقرة الآية 256)، وكذلك "ادع إلى سبيل ربك بالحكم والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن" ( سورة النحل الآية 125 ).
لم يظهر التحدي الدولي العام للإرهاب إلا مع سبعينيات القرن العشرين عندما هاجمت إحدى جماعات الكفاح المسلح ضد الاحتلال فريق كرة القدم للدولة المحتلة بدورة ميونيخ
أما في مجال حقوق الفرد من منظور علاقته بالجماعة السياسية (الدولة)، فمن أول هذه الحقوق الحق في المساواة وكذلك الحق في العدل. فقال تعالى "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، إن الله عليم خبير" ( سورة الحجرات الآية 13)، وقوله تعالى "يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط، ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى، واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون" (سورة المائدة الآية 8)، والحق في المشاركة في إدارة الشئون العامة والتي منها اختيار الحكم "البيعة"، والحق في الشورى مثل قوله تعالى "وشاروهم في الأمر"، "وأمرهم شورى بينهم"، ولا جدال في أن سائر الحريات السابقة وغيرها من الحريات الخاصة والعامة يمكن أن تكون هدفا لجريمة الإرهاب طالما أن الغرض منها الإخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر بأي صورة من الصور الواردة بذيل المادة 86 من قانون العقوبات المصري سالفة الذكر، على أن أبرز الجرائم التي يمكن أن نطلق عليها وصف جريمة إرهاب في الشريعة الإسلامية هي جريمة البغي، وهي جريمة ترتكب لتحقيق أغراض سياسية أو تدفع إليها بواعث سياسية وتستهدف نظام الجماعة وكيانها بما يؤدي للإضرار بمصلحة هذه الجماعة وأمنها(17).
والأصل في بيان جريمة البغي هو قول الله تعالى " وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخري فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله، فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا، إن الله يحب المقسطين" (سورة الحجرات الآية 9)، وقول رسول الله صلي الله عليه وسلم : "سيخرج قوم في آخر الزمان أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من قول خير البرية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق من السهم من الرمية، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة" رواه البخارى(18).
تعريف البغي: اشتهر البغي عرفًا بأنه طلب ما لا يحل من الجور والظلم وأختلف الفقهاء في تعريف البغي اصطلاحا، فالمالكيون يعرفون البغي بانه الأمتناع عن طاعة من ثبتت إمامته في غير معصية بمغالبته ولو تأويلا، ويعرفون البغاة بانهم فرقة من المسلمين خالفت الإمام الأعظم ونائبه لمنع حق وجب عليها أو لخلفه. ويعرف الأحناف البغي بأنه الخروج عن طاعة إمام الحق بغير حق، والباغي بأنه الخارج عن طاعة إمام الحق بغير حق.
أما الشافعيون فالبغي عندهم هو خروج جماعة ذات شوكة ورئيس قطاع عن طاعة الإمام بتأويل فاسد، ويعرفون البغاة بأنهم المسلمون مخالفو الأمام بخروج عليه وترك الانقياد له أو منع حق توجبه عليهم بشرط شوكة لهم وتأويل ومطاع فيهم، أو هم الخارجون عن الطاعة بتأويل فاسد لا يقطع بفساده إن كان لهم شوكة بكثرة أو قوة وفيهم مطاع، ومن ثم يمكن القول بأن البغي هو الخروج على الإمام مغالبة بغير حق(19).
وعلى ذلك يمكن القول بأنه لجريمة البغي ثلاثة أركان أولها الخروج على الإمام أي مخالفة الإمام والعمل على خلعه أو الامتناع عن طاعته فيما وجب على الخراجين من حقوق في غير معصية للـه تعالى، ويشترط لتوافر هذا الركن أن يكون الخروج بتأويل أي بسند من أحكام الشريعة الإسلامية حتى وإن كان ضعيفا، فإن خرجوا على الحاكم طالبين عزله دون سند شرعي فهم مفسدون في الأرض، ولكن فِعلهم لا يوصف بالبغي وهم ليسوا بغاة(20)، كما أن لهؤلاء البغاة منعة وشوكة أي كثرة وقوة وأشترط الشافعيون لوجود المنعة والشوكة أن يكون في الخارجين مطاع ولو لم يكن إماما عليهم يسمعون له ويطيعون، والركن الثاني في جريمة البغي هو أن يكون الخروج مغالبة أي مصحوبا باستعمال القوة، أما قبل استعمال هذه القوة فلا يعتبر الخروج بغيا ولا يعتبرون بغاة ولكن يكون للحاكم منعهم من التحيز وتعزيرهم على التجمع بقصد استعمال القوة وإثارة الفتنة، على أن الإمام أبو حنيفة يعتبرهم بغاة وأن حالة البغي قائمة وقت تجمعهم بقصد القتال والامتناع عن الإمام، لأنه لو انتظر قتالهم ربما لم يمكنه دفع ضررهم(21).
والركن الثالث في جريمة البغي باعتبارها من الجرائم العمدية، هو ضرورة توافر القصد الجنائي لدي الجاني، ويتحقق ذلك بأن يتعمد الجاني الخروج على الإمام بالقوة قاصدا خلعه أو عدم طاعته أو الامتناع عن تنفيذ ما يجب على الخارج شرعا(22).  يمكن القول بإيجاز بأن الشريعة الإسلامية تبيح دم البغاة، إذ إنها أباحت قتالهم وهو عمل يمكن أن يترتب عليه قتلهم ولكن ذلك ليس عقوبة بل إجراء ردعي للقضاء على الفتنة ينتهي بانتهاء حالة المغالبة وانقماع الفتنة، ويصبح الباغي معصوم الدم، على أن ذلك لا يحول بين الحاكم وبين توقيع عقوبات تعزيريه على هؤلاء لضمان وحفظ أمن الجماعة في المستقبل وهذه العقوبات لا تصل إلى القتل عند الشافعية والحنابلة لكن الإمام أبو حنيفة يجيز بلوغها القتل إذا اقتضت الضرورة ذلك.


المراجع
1- المعجم الوجيز، طبعة وزارة التربية والتعليم، عام 2003 ، صــ 279 .
2- مجموعة الأعمال التحضيرية لقانون العقوبات المصرى، طبعة عام 1993، صـــ572 وما بعدها .
3- ا . د أحمد فتحي سرور، حكم القانون في مواجهة الإرهاب، منشور بمجلة المحكمة الدستورية، السنة الخامسة، العدد الثاني عشر، أكتوبر 2007 ، صــ6 وما بعدها .
4- أ . د أشرف توفيق شمس الدين، جامعة بنها، .........ق صــ40 وما بعدها .
5- أ . د أحمد فتحي سرور، المرجع السابق .
6- أ.د أشرف توفيق شمس الدين، المرجع السابق .
7- ا . د أحمد أبو الوفا، النظرية العامة للقانون الدولي الإنشائى، دار النهضة بالقاهرة، عام 2009، صـــ 7 .
8- ا . د أحمد فتحي سرور، المرجع السابق، أ . د محمد علي مخادمة، المسئولية الجنائية الدولية للأفراد، بحث منشور بمجلة القانون والاقتصاد كلية الحقوق، جامعة القاهرة، العدد الرابع والسبعون، عام 2004، صـــ12 .
9- ا . د  محمد علي مخادمة، المرجع السابق .
10- ا . د شريف سيد كامل، اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، دار النهضة بالقاهرة، عام 2008 صــ 16.
11- المرجع السابق، ص 108 .
12- ا . د محمود شريف بسيوني، المحكمة الجنائية الدولية، طبعة نادي القضاة، عام 2001.
13- أ . د أحمد فتحي سرور، المرجع السابق .
14- أ . د محمد علي مخادمة،  مرجع سابق، صـــ 517 .
15- أ . د أحمد فتحي سرور، مرجع سابق .
16- ا . د أحمد الرشيدي، حقوق الإنسان  نحو مدخل ثقافي، القاهرة، طبعة هيئة قصور الثقافة المصرية، صـــ 57 .
17- أ عبد القادر عودة، التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي، طبعة مكتبة رجال القضاء، سنة 1984، صــ100 .
18- المستشار محمد بهجت عتيبة، محاضرات في الفقه الجنائي الإسلامي، مطبعة المدني عام 1982، صـــ373 .
19- أ . عبد القادر عودة، مرجع سابق، جــ2 القسم الخاص، صــ673 .
20- أ . عبد القادر عودة، مرجع سابق، جــــ1، صــ101 وما بعدها .
21- ا . عبد القادر عودة، مرجع سابق، جــ2، صــ680 .
22- المستشار محمد بهجت عتيبة، مرجع سابق، صــ382 .

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟