الصعود والأفول: حركات الإسلام السياسي والسلطة في العالم العربي (2-2)
السبت 30/مايو/2015 - 10:56 ص
د.أحمد موسى بدوي
صدر عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، أحد الكتب المهمة الصادرة في عام 2014، التي تقدم تحليلا لظاهرة الإسلام السياسي وحركاته، ولقيمة هذا الكتاب، فقد أعيد طبعه في نفس العام، ونظرًا لأهمية الموضوع، والناشر والمؤلفين، قمنا في مقال سابق، بإحاطة القارئ علما بفصلين من هذا الكتاب، وفي هذا المقال، نعرض لبقية فصول الكتاب الستة.
أن التغيير السياسي النوعي، يمر بثلاث مراحل: التخلص من السلطة الاستبدادية، التحول الديمقراطي، تثبيت الديمقراطية، ودون بلوغ المرحلة النهائية، فالمرجح ظهور نظام تسلطي جديد
(3) المجال السياسي العام والأحزاب الإسلامية في العالم العربي
يقدم الدكتور عبدالحق عزوزوي، في هذا الفصل (ص173-202) دراسة مقارنة في ضوء ظاهرتي: تديين السياسة وتسييس الدين، راصدا ومحللا التطورات السياسية والأحوال الإسلامية في كل من المغرب، الجزائر، تونس، ليبيا، مصر، الأردن. ويقسم الباحث الفصل على ثلاث أقسام رئيسية: الأول، توصيف الظاهرة موضع الدراسة من خلال استعراض المجال السياسي العام، وواقع الأحزاب السياسية في الدول العربية المذكورة، والثاني، مخاطر وتداعيات الزج بالدين في السياسة والسياسة في الدين، والثالث، مستقبل الأحزاب الإسلامية في ممارسة السلطة في العالم العربي.(ص175).
يمهد عزوزي في للقسم الأول، بفرضية أن الأحزاب السياسية في البلدان المذكورة، لم تستثمر مرحلة التعددية السياسية، بسبب أزمة كامنة في عدم ادراك هذه الأحزاب لطبيعة فكرة الديمقراطية بمعناها الشامل. كما أن حدوث ثورة شعبية في بلدان(تونس، مصر، ليبيا)، وعدم حدوثها في بلدان (الجزائر، المغرب، الأردن) لا يعني أن الديمقراطية في كلتا المجموعتين قد ثبّتت أركانها.
يذهب الباحث، بعد استعراض أفكار عدد من المتخصصين في مسألة الانتقال الديموقراطي في العالم، إلى أن العالم شهد أربع محاولات للانتقال الديمقراطي وهي: التحول عن طريق ثورة، أو من خلال فرض الديمقراطية من الخارج (حالة العراق)، أو بتأثير من الدول المجاورة، أو عن طريق الميثاق التعاقدي، ويطلق على النوع الأخير "عقلنة التغيير".
ويلفت الانتباه إلى أن التغيير السياسي النوعي، يمر بثلاث مراحل: التخلص من السلطة الاستبدادية، التحول الديمقراطي، تثبيت الديمقراطية، ودون بلوغ المرحلة النهائية، فالمرجح ظهور نظام تسلطي جديد. وبالنظر في تجربة بلدان الربيع العربي (تونس، مصر، ليبيا)، يرى عزوزي، أن التجربة قامت دون الاستناد على المرتكزات الديمقراطية، ومالت القوى الاسلامية في هذه البلدان إلى اعتبار الدولة "غنيمة". وعلى مستوى المجموعة الثانية ( الاردن، الجزائر، المغرب) فيرى أن الأردن والمغرب - بتأثير من الربيع العربي- تمكنتا من إجراء تعديلات دستورية مهمة، تجعله يميل إلى تصنيف التجربتين ضمن التحول التفاوضي، خاصة المغرب. وبخصوص الجزائر اكتفى الباحث بتناول المحطات الأساسية في التجربة السياسية الجزائرية، وصولا لإصدار دستور1996، دون أن يوضح ما إذا كانت التجربة السياسية تأثرت بما حدث في بلدان الربيع العربي من عدمه.
وفي القسم الثاني، انتقل الباحث إلى مخاطر وتداعيات الخلط بين الدين والسياسية، ذاكرا مكامن قوة الأحزاب السياسية الإسلامية وقدرتها على تعبئة الناس، انطلاقا من عاملين: الأول، استغلال منظمات المجتمع المدني، وهو الحقل الذي هجرته الأحزاب السياسية الليبرالية واليسارية، والثاني استغلال العاطفة الدينية، أو استثمار رأس المال الديني، وهي الأرضية التي لا تستطيع بقية الأحزاب اللعب عليها، ولا تملك أدواتها. بل هي متهمة ومشكوك فيها إن اقتربت من هذه الأرض.
في القسم الثالث: ينتقل الباحث إلى تناول مستقبل الأحزاب السياسية الإسلامية، ويذهب الى أن هناك احتمالين على المدى المتوسط والبعيد، الأول، هو أن تنجح الأحزاب السياسية الإسلامية، في البلدان التي لها دساتير متقدمة، في التحول إلى أحزاب محافظة، تاركة الدين للجميع، ومن المتصور أن تظل تلك الأحزاب لمدة طويلة في الحكم. الاحتمال الثاني، أن تفشل الأحزاب السياسية في تحقيق وعودها قبل حيازة السلطة، ما يدفع الجماهير إلى التخلي عنها. ويرى أن التجربة المغربية، يمكن الاستناد عليها للتدليل على قدرة الأحزاب السياسية الإسلامية على التعايش والاستمرار.
الحقيقة أن الباحث تنقل بسلاسة بين أجزاء الفصل الثلاثة، ونجح في كشف أبعاد الأزمة السياسية التي تمر بها البلدان موضوع البحث، غير أنه لم يوفّق في أمرين: الأول أنه وضع الحالة الجزائرية ضمن مشروعه البحثي، ولم يوفِ المبحث حقه من الدراسة والتحليل. الثاني، أنه اكتفى في عرض سيناريوهات المستقبل، على ثنائية النجاح والفشل، مُركِّزا على النموذج المغربي، دون أن يجيب عن السؤال الأهم، هل تحولت المغرب إلى ملكية دستورية أم لا ؟ ولأن الإجابة بالنفي، فهذا يعني أن المغرب لم تبلغ مرحلة تثبيت الديمقراطية كما يذهب الباحث.
يقدم الدكتور عبدالحق عزوزوي، في هذا الفصل (ص173-202) دراسة مقارنة في ضوء ظاهرتي: تديين السياسة وتسييس الدين، راصدا ومحللا التطورات السياسية والأحوال الإسلامية في كل من المغرب، الجزائر، تونس، ليبيا، مصر، الأردن. ويقسم الباحث الفصل على ثلاث أقسام رئيسية: الأول، توصيف الظاهرة موضع الدراسة من خلال استعراض المجال السياسي العام، وواقع الأحزاب السياسية في الدول العربية المذكورة، والثاني، مخاطر وتداعيات الزج بالدين في السياسة والسياسة في الدين، والثالث، مستقبل الأحزاب الإسلامية في ممارسة السلطة في العالم العربي.(ص175).
يمهد عزوزي في للقسم الأول، بفرضية أن الأحزاب السياسية في البلدان المذكورة، لم تستثمر مرحلة التعددية السياسية، بسبب أزمة كامنة في عدم ادراك هذه الأحزاب لطبيعة فكرة الديمقراطية بمعناها الشامل. كما أن حدوث ثورة شعبية في بلدان(تونس، مصر، ليبيا)، وعدم حدوثها في بلدان (الجزائر، المغرب، الأردن) لا يعني أن الديمقراطية في كلتا المجموعتين قد ثبّتت أركانها.
يذهب الباحث، بعد استعراض أفكار عدد من المتخصصين في مسألة الانتقال الديموقراطي في العالم، إلى أن العالم شهد أربع محاولات للانتقال الديمقراطي وهي: التحول عن طريق ثورة، أو من خلال فرض الديمقراطية من الخارج (حالة العراق)، أو بتأثير من الدول المجاورة، أو عن طريق الميثاق التعاقدي، ويطلق على النوع الأخير "عقلنة التغيير".
ويلفت الانتباه إلى أن التغيير السياسي النوعي، يمر بثلاث مراحل: التخلص من السلطة الاستبدادية، التحول الديمقراطي، تثبيت الديمقراطية، ودون بلوغ المرحلة النهائية، فالمرجح ظهور نظام تسلطي جديد. وبالنظر في تجربة بلدان الربيع العربي (تونس، مصر، ليبيا)، يرى عزوزي، أن التجربة قامت دون الاستناد على المرتكزات الديمقراطية، ومالت القوى الاسلامية في هذه البلدان إلى اعتبار الدولة "غنيمة". وعلى مستوى المجموعة الثانية ( الاردن، الجزائر، المغرب) فيرى أن الأردن والمغرب - بتأثير من الربيع العربي- تمكنتا من إجراء تعديلات دستورية مهمة، تجعله يميل إلى تصنيف التجربتين ضمن التحول التفاوضي، خاصة المغرب. وبخصوص الجزائر اكتفى الباحث بتناول المحطات الأساسية في التجربة السياسية الجزائرية، وصولا لإصدار دستور1996، دون أن يوضح ما إذا كانت التجربة السياسية تأثرت بما حدث في بلدان الربيع العربي من عدمه.
وفي القسم الثاني، انتقل الباحث إلى مخاطر وتداعيات الخلط بين الدين والسياسية، ذاكرا مكامن قوة الأحزاب السياسية الإسلامية وقدرتها على تعبئة الناس، انطلاقا من عاملين: الأول، استغلال منظمات المجتمع المدني، وهو الحقل الذي هجرته الأحزاب السياسية الليبرالية واليسارية، والثاني استغلال العاطفة الدينية، أو استثمار رأس المال الديني، وهي الأرضية التي لا تستطيع بقية الأحزاب اللعب عليها، ولا تملك أدواتها. بل هي متهمة ومشكوك فيها إن اقتربت من هذه الأرض.
في القسم الثالث: ينتقل الباحث إلى تناول مستقبل الأحزاب السياسية الإسلامية، ويذهب الى أن هناك احتمالين على المدى المتوسط والبعيد، الأول، هو أن تنجح الأحزاب السياسية الإسلامية، في البلدان التي لها دساتير متقدمة، في التحول إلى أحزاب محافظة، تاركة الدين للجميع، ومن المتصور أن تظل تلك الأحزاب لمدة طويلة في الحكم. الاحتمال الثاني، أن تفشل الأحزاب السياسية في تحقيق وعودها قبل حيازة السلطة، ما يدفع الجماهير إلى التخلي عنها. ويرى أن التجربة المغربية، يمكن الاستناد عليها للتدليل على قدرة الأحزاب السياسية الإسلامية على التعايش والاستمرار.
الحقيقة أن الباحث تنقل بسلاسة بين أجزاء الفصل الثلاثة، ونجح في كشف أبعاد الأزمة السياسية التي تمر بها البلدان موضوع البحث، غير أنه لم يوفّق في أمرين: الأول أنه وضع الحالة الجزائرية ضمن مشروعه البحثي، ولم يوفِ المبحث حقه من الدراسة والتحليل. الثاني، أنه اكتفى في عرض سيناريوهات المستقبل، على ثنائية النجاح والفشل، مُركِّزا على النموذج المغربي، دون أن يجيب عن السؤال الأهم، هل تحولت المغرب إلى ملكية دستورية أم لا ؟ ولأن الإجابة بالنفي، فهذا يعني أن المغرب لم تبلغ مرحلة تثبيت الديمقراطية كما يذهب الباحث.
ظلت القبيلة فاعلة في الكثير من مناطق العالم العربي، خاصة تلك المناطق التي لم تشهد نظم حكم مركزية
(4) التوجه الإسلامي والقبلية والتغيير السياسي في العالم العربي
يحاول د. جيونغمين سيو، الأستاذ بجامعة هانكوك- كوريا الجنوبية، في هذا الفصل (ص203-232) الكشف عن أثر التوجه الإسلامي والقبلية كأيديولوجيتين تقليديتين في التأثير على الأنظمة والهياكل السياسية والاقتصادية في بعض الدول العربية (ص204).
يقسم سيو الفصل إلى ثلاثة أقسام، عني القسم الاول بالجذور التاريخية للتوجه الإسلامي والقبلي، وفي القسم الثاني، تناول عمليات التغيير السياسي التي شهدها العالم العربي اعتبارًا من 2011، وفي القسم الأخير، يتناول الباحث ظاهرة عودة القبيلة لممارسة دورها في الفضاء السياسي العربي.
يذهب الباحث في القسم الأول، إلى أن الهوية العربية تمحورت حول الإسلام والتقاليد القبلية، وقد كرست الخلافة العثمانية هذه الهوية داخل المنطقة العربية، بالدور المنوط لزعماء القبائل في الادارة المحلية والحياة الاقتصادية، وبالدور الديني- وخاصة لأتباع المذهب السني- والجماعات الصوفية، في الحفاظ على النظام الاجتماعي. ثم يرصد الباحث رد الفعل العربي والإسلامي على دعوات التحديث الغربية، ويرى أنها أدت إلى صحوة أيديولوجية، قادها عدد من المفكرين الإسلاميين منذ نهاية القرن التاسع عشر. ثم ينتقل إلى تحولات الحركات الإسلامية في القرن العشرين، وما أفرزته من تيارات مختلفة: معتدلة ومتشددة، ومتطرفة.
أما الجانب القبلي في الهوية العربية، فإن القبيلة ظلت فاعلة في الكثير من مناطق العالم العربي، خاصة تلك المناطق التي لم تشهد نظم حكم مركزية، ويرصد أربع صور من هذه الفاعلية: الأولى، مقاومة بعض القبائل سلطة الحكم المركزي. الثانية، سيطرة القبيلة القوية في بعض البلدان العربية على مؤسسات الدولة. الثالثة، قيام بعض القبائل بتأسيس علاقة شراكة سياسية، يتم بموجبها تقسيم الثورة والسلطة. ويذهب الباحث إلى أن الدولة العربية من جانبها اتبعت إستراتيجيات ثلاث، أدت إلى تكريس الفاعلية القبلية، الأولى، تكوين علاقات مصاهرة مصطنعة، لبناء ولاء يقوم على علاقات القرابة. الثانية، تقديم الرعاية المخصوصة أو المحسوبية لبعض الرموز القبلية. الثالثة، إبراز المكانة المعنوية لزعماء القبائل. ونتيجة لهذه الاستراتيجيات، ظلت القبيلة طرفًا سياسيًا رئيسيًا في العلاقة بين الدولة والمجتمع في الكثير من المناطق العربية.(ص212). وينتهي هذا القسم، بعرض نتائج بحث ميداني، لقياس درجة تأثير التوجه الإسلامي والقبيلة في بلدان الدول العربية.
وفي القسم الثاني، يستعرض الباحث، عمليات تحول الجماعات الإسلامية إلى كيانات سياسية شرعية، وكيف تمكنت من الصعود لسدة الحكم في مصر وتونس والمغرب، وأسباب عدم تمكنها الكامل من السلطة سواء في اليمن أو ليبيا. لافتا الانتباه إلى العلاقة الملتبسة التي تربط بين المتطرفين والمعتدلين، وعلاقة كليهما بالقوى المدنية، ويرى أن حدة الاستقطاب بين الإسلاميين والمدنيين، يمثل خطر يهدد المكاسب السياسية للحركات السياسية الإسلامية في حقبة ما بعد الربيع العربي (ص225).
وفي القسم الأخير من الفصل، يرصد الباحث عمليات التغيير السياسي في اليمن وليبيا وسوريا، وكيف أدت إلى عودة القبيلة لممارسة الدور الحاسم في الصراع السياسي. ويذهب الباحث، بناء على نتائج بحث ميداني آخر، إلى أن ظاهرة التوجه الإسلامي، وكذلك الظاهرة القبلية لن يؤثرا في الحياة السياسية على المديين المتوسط والبعيد. (ص229).
ميزة هذا الفصل أنه اعتمد نتائج بحثين ميدانيين، ولكنه وقع في مشكلتين أحدهما منهجية والأخرى إبستمولوجية، فهو أولا من الناحية المنهجية، تناول بالتحليل الظاهرتين بشكل منفصل، وعزلهما عن بعض عند الكشف عن أثرهما، رغم تضافرهما وتشابكهما، خاصة في الحالتين اليمنية والليبية. ثانيا: أن الباحث استسلم لنتائج بحث ميداني محدود النطاق، لكي يهدم الأساس الإبستمولوجي للبحث، فكيف يعالج مسألة الهوية، بأبعادها الدينية والقبلية، وجذورها التاريخية، وتفردها على المسرح السياسي في بلدان الربيع العربي، وبلدان أخرى، ثم يقرر ببساطة بناء على نتائج ميدانية محدودة، أن الظاهرتين قصيرتا الأمد، وأن الحركات الديمقراطية في العالم العربي سيكون لها الدور الرئيسي في إحداث التغيير الإيجابي.
(5) الحركات السياسية الاسلامية في الجمهورية التونسية
يقدم محمد الحداد في الفصل الخامس من الكتاب(ص233-296) بحثا عميقا في رصد وتحليل مجريات الأحداث في تونس منذ اندلاع الثورة في 17 ديسمبر2010، وحتى مغادرة الرئيس بن علي البلاد في 14 يناير2011، فضلا عن تحليل وتقييم خطاب حركة النهضة ومواقفها في ضوء تلك الأحداث. ويستهدف البحث الكشف عن حدود الاستمرارية والتغيير في خطاب الحركة وممارساتها في مرحلة ما بعد بن علي. طبق الباحث منهجية تحليل الخطاب، معتمدًا على كتاب "البلاغة الجديدة: مصنف في الاستدلال" لشاييم برلمان ولوسي أورلبرخت، كمرجعية ملائمة، لتحليل خطاب حركة النهضة. وقد اختار مادة التحليل من مصادر لا يمكن الطعن في مصداقيتها، لأنها من نتاج الفاعلين أنفسهم (خاصة راشد الغنوشي، وعبد الفتاح مورو).
يحاول د. جيونغمين سيو، الأستاذ بجامعة هانكوك- كوريا الجنوبية، في هذا الفصل (ص203-232) الكشف عن أثر التوجه الإسلامي والقبلية كأيديولوجيتين تقليديتين في التأثير على الأنظمة والهياكل السياسية والاقتصادية في بعض الدول العربية (ص204).
يقسم سيو الفصل إلى ثلاثة أقسام، عني القسم الاول بالجذور التاريخية للتوجه الإسلامي والقبلي، وفي القسم الثاني، تناول عمليات التغيير السياسي التي شهدها العالم العربي اعتبارًا من 2011، وفي القسم الأخير، يتناول الباحث ظاهرة عودة القبيلة لممارسة دورها في الفضاء السياسي العربي.
يذهب الباحث في القسم الأول، إلى أن الهوية العربية تمحورت حول الإسلام والتقاليد القبلية، وقد كرست الخلافة العثمانية هذه الهوية داخل المنطقة العربية، بالدور المنوط لزعماء القبائل في الادارة المحلية والحياة الاقتصادية، وبالدور الديني- وخاصة لأتباع المذهب السني- والجماعات الصوفية، في الحفاظ على النظام الاجتماعي. ثم يرصد الباحث رد الفعل العربي والإسلامي على دعوات التحديث الغربية، ويرى أنها أدت إلى صحوة أيديولوجية، قادها عدد من المفكرين الإسلاميين منذ نهاية القرن التاسع عشر. ثم ينتقل إلى تحولات الحركات الإسلامية في القرن العشرين، وما أفرزته من تيارات مختلفة: معتدلة ومتشددة، ومتطرفة.
أما الجانب القبلي في الهوية العربية، فإن القبيلة ظلت فاعلة في الكثير من مناطق العالم العربي، خاصة تلك المناطق التي لم تشهد نظم حكم مركزية، ويرصد أربع صور من هذه الفاعلية: الأولى، مقاومة بعض القبائل سلطة الحكم المركزي. الثانية، سيطرة القبيلة القوية في بعض البلدان العربية على مؤسسات الدولة. الثالثة، قيام بعض القبائل بتأسيس علاقة شراكة سياسية، يتم بموجبها تقسيم الثورة والسلطة. ويذهب الباحث إلى أن الدولة العربية من جانبها اتبعت إستراتيجيات ثلاث، أدت إلى تكريس الفاعلية القبلية، الأولى، تكوين علاقات مصاهرة مصطنعة، لبناء ولاء يقوم على علاقات القرابة. الثانية، تقديم الرعاية المخصوصة أو المحسوبية لبعض الرموز القبلية. الثالثة، إبراز المكانة المعنوية لزعماء القبائل. ونتيجة لهذه الاستراتيجيات، ظلت القبيلة طرفًا سياسيًا رئيسيًا في العلاقة بين الدولة والمجتمع في الكثير من المناطق العربية.(ص212). وينتهي هذا القسم، بعرض نتائج بحث ميداني، لقياس درجة تأثير التوجه الإسلامي والقبيلة في بلدان الدول العربية.
وفي القسم الثاني، يستعرض الباحث، عمليات تحول الجماعات الإسلامية إلى كيانات سياسية شرعية، وكيف تمكنت من الصعود لسدة الحكم في مصر وتونس والمغرب، وأسباب عدم تمكنها الكامل من السلطة سواء في اليمن أو ليبيا. لافتا الانتباه إلى العلاقة الملتبسة التي تربط بين المتطرفين والمعتدلين، وعلاقة كليهما بالقوى المدنية، ويرى أن حدة الاستقطاب بين الإسلاميين والمدنيين، يمثل خطر يهدد المكاسب السياسية للحركات السياسية الإسلامية في حقبة ما بعد الربيع العربي (ص225).
وفي القسم الأخير من الفصل، يرصد الباحث عمليات التغيير السياسي في اليمن وليبيا وسوريا، وكيف أدت إلى عودة القبيلة لممارسة الدور الحاسم في الصراع السياسي. ويذهب الباحث، بناء على نتائج بحث ميداني آخر، إلى أن ظاهرة التوجه الإسلامي، وكذلك الظاهرة القبلية لن يؤثرا في الحياة السياسية على المديين المتوسط والبعيد. (ص229).
ميزة هذا الفصل أنه اعتمد نتائج بحثين ميدانيين، ولكنه وقع في مشكلتين أحدهما منهجية والأخرى إبستمولوجية، فهو أولا من الناحية المنهجية، تناول بالتحليل الظاهرتين بشكل منفصل، وعزلهما عن بعض عند الكشف عن أثرهما، رغم تضافرهما وتشابكهما، خاصة في الحالتين اليمنية والليبية. ثانيا: أن الباحث استسلم لنتائج بحث ميداني محدود النطاق، لكي يهدم الأساس الإبستمولوجي للبحث، فكيف يعالج مسألة الهوية، بأبعادها الدينية والقبلية، وجذورها التاريخية، وتفردها على المسرح السياسي في بلدان الربيع العربي، وبلدان أخرى، ثم يقرر ببساطة بناء على نتائج ميدانية محدودة، أن الظاهرتين قصيرتا الأمد، وأن الحركات الديمقراطية في العالم العربي سيكون لها الدور الرئيسي في إحداث التغيير الإيجابي.
(5) الحركات السياسية الاسلامية في الجمهورية التونسية
يقدم محمد الحداد في الفصل الخامس من الكتاب(ص233-296) بحثا عميقا في رصد وتحليل مجريات الأحداث في تونس منذ اندلاع الثورة في 17 ديسمبر2010، وحتى مغادرة الرئيس بن علي البلاد في 14 يناير2011، فضلا عن تحليل وتقييم خطاب حركة النهضة ومواقفها في ضوء تلك الأحداث. ويستهدف البحث الكشف عن حدود الاستمرارية والتغيير في خطاب الحركة وممارساتها في مرحلة ما بعد بن علي. طبق الباحث منهجية تحليل الخطاب، معتمدًا على كتاب "البلاغة الجديدة: مصنف في الاستدلال" لشاييم برلمان ولوسي أورلبرخت، كمرجعية ملائمة، لتحليل خطاب حركة النهضة. وقد اختار مادة التحليل من مصادر لا يمكن الطعن في مصداقيتها، لأنها من نتاج الفاعلين أنفسهم (خاصة راشد الغنوشي، وعبد الفتاح مورو).
تحليل خطاب النهضة المتعلق بالسلطة ومدنية الدولة، يدلل على وجود صراع بين تيارين داخل الحركة، أحدهما أصولي سلفي، والآخر معتدل منفتح على العلمانية
يرصد الباحث تماهي حزب النهضة مع المؤسسة الدينية الرسمية، ففي الوقت الذي أفتى مفتي الجمهورية، بعدم جواز صلاة الجنازة على المنتحر البوعزيزي، رفض الغنوشي في تصريحاته الأولى وصف البوعزيزي بالشهيد. ويرى الباحث أنه ليس من المصادفة أن مسار أسلمة الثورة التونسية، قد توازى مع التقليص من القيمة الرمزية لحادثة اليوعزيزي. واستمر التشكيك في الحادثة، إلى أن أصبحت ذكراه باهتة، وضاعت حقيقة الأحداث، على معنى السعي إلى إعادة تأويل منطلقات الثورة بعيدا عن البوعزيزي الذي يمثل رمزًا شعبيًا، لا يحتوي على أي بعد ديني(ص240).
وبتحليل خطاب الغنوشي صبيحة عودته من المنفي، يلفت الحداد الانتباه إلى أن التصريحات المبكرة لزعيم النهضة، كانت إقرارًا واضحًا بأن الثورة التونسية هي ثورة اجتماعية سياسيًا أساسًا، معتبرًا أن بداية انطلاقها تعود أحداث "الحوض المنجمي" وهي الحركة الاحتجاجية التي نفذها عمّال المناجم عام 2008. غير أن الغنوشي في مرحلة لاحقة سعى إلى إيجاد رابط بين حركته وانتفاضة الحوض المنجمي. على الرغم من أن الوقائع تشير إلى أن قيادة هذه الانتفاضة كانت ممثلة في شخصيات يسارية معروفة بمواقفها المناهضة لتيارات الإسلام السياسي. (ص242).
ثم ينتقل الحداد لتحليل خطاب النهضة المصاحب لتأسيس حزب النهضة وعقب التأسيس، وقد وجد الباحث أن الحزب قدم أوراق التأسيس إلى السلطات، وفقا لشروط القانون 32 لعام 1988. وعقب الحصول على الترخيص، خطب عبد الفتاح مورو في 24 مارس2011، بمسجد الهداية بالعاصمة، محرضا الحاضرين على ألا ينتخبوا أشخاصًا لهم عداوة مع الدين، ونفي فكرة الفصل بين الدين والدولة، وكذلك فعل الغنوشي في الشهر التالي مباشرة. ويذهب الحداد إلى أن الحزب أصبح يشعر مع نهاية مارس2011 أنه في وضع يسمح له بالإفصاح عن موقفه الحقيقي، المعارض لمبادئ الدولة الديمقراطية المدينة، وأن السلطة الانتقالية لم تعد قادرة على أن تسحب من الترخيص.
وينقل الحداد قارئه بكل سلاسة من حدث إلى حدث، بداية من اعتصام القصبة1، القصبة2، سقوط حكومة الغنوشي، تشكيل حكومة السبسي، تجربة الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي، واصدار قانون الانتخابات.
ويلفت الحداد الانتباه إلى أن النهضة، بمجرد اقرار قانون الانتخابات، تبنت خطابًا دعائيًا يلوح بأن الانتخابات سيتم تزويرها، وراحت تجيش المشاعر ضد عملية التزييف المنتظرة، وهي حيلة من حيل النهضة من أجل جذب أصوات الناخبين من خارج النهضة، ونجحت الحيلة، ولم تزوّر الانتخابات بطبيعة الحال، وفازت النهضة فوزًا كاسحًا ساحقًا. كما يلفت الانتباه إلى أن البرنامج الانتخابي، قام على وعود براقة تجتذب الطبقات المطحونة، منها الوعد بتحقيق 8% نمو اقتصادي، تشغيل 600 ألف عاطل، زيادة دخل الفرد إلى عشرة آلاف دينار سنوي. (ص265).
وبتحليل خطاب النهضة المتعلق بالسلطة ومدنية الدولة، أثبتت الحداد التناقض المستمر في تصريحات الغنوشي الداعمة لمدنية الدولة، والبيانات الرسمية للحركة المتحفظة، ما يدل على وجود صراع بين تيارين داخل الحركة، أحدهما أصولي سلفي، والآخر معتدل منفتح على العلمانية. كما رصد الباحث في تحليله، التناقض في الخطاب النهضوي الموجه للداخل المحلي، والخطاب الموجه للخارج والرأي العام العالمي.(ص273).
وأبدع الباحث في تحليل الخطاب النهضوي بعد تولي السلطة، ووصف ارتباكه واضطرابه، خاصة في تعاطيه مع ظاهرة المد السلفي، ويفرد مساحة وافية لتحليل خطاب الغنوشي في أحد الفيديوهات المسربة، والتي تضمنت كلاما شديد الخطورة، كما يرى الباحث، بخصوص فكرة التمكين من مفاصل الدولة، والعلاقة مع الجماعات السلفية، وأفكاره حول علاقة الدين بالدولة، وتطبيق الشريعة، وقد أثبت الباحث تناقض كل ذلك مع تصريحاته المعلنة. ثم ينتقل بعد ذلك إلى تحليل موقف النهضة من معركة الدستور.
ويخلص الحداد في بحثة المتميز، إلى أنه من الصعب الاحتكام إلى ضوابط محددة لتبين الثابت والمتغير في خطاب الحركة، خلال الفترة الزمنية التي شملتها الدراسة، فالخطاب يتأرجح بين الشيء ونفيضه، ما يؤدي إلى غياب المعنى واستحالة الإمساك بالدلالة الخطابية.
(6) من السجن إلى السلطة والعكس - تجربة حكم الإخوان في مصر
يقدم الدكتور بهجت قرني الأستاذ بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، في هذا الفصل (ص297-350) بحثًا في تجربة حكم جماعة الإخوان المسلمين في مصر، مقسمًا الفصل إلى أربعة أقسام، عني الأول بعرض الضوابط المنهجية التي يتبعها الباحث لاستخدام مصطلحات: ثورة25 يناير، الربيع العربي، الجيش، القوى الليبرالية واليسارية، والقوى الإسلامية. ويركز القسم الثاني على تحليل خريطة الجهات والقوى الفاعلة في ثورة 25يناير، ويجيب القسم الثالث على سؤال: لماذا تحول الربيع العربي إلى ربيع إسلامي؟ ويناقش القسم الأخير التحديات التي واجهت الإسلاميين في الحكم. (ص298).
في القسم الثاني، يقدم قرني خريطة القوى الفاعلة في ثورة 25 يناير، معتبرًا الجيش هو الجزء المنشق عن النظام القديم، ليصبح هو النظام الجديد. ثم ينتقل إلى القوى الليبرالية واليسارية، حيث يرى أنه بخلاف العمال والشباب، اندلعت الثورة، وعلى الأرض أحزاب سياسية ضعيفة، وحركات احتجاج جماهيري مثل حركة "كفاية"، والجمعية الوطنية للتغيير، وحركة 6 أبريل، وجماعة كلنا خالد سعيد، وجميعها يرفض توريث الحكم، ويطالب بتغيير دستوري، وإلغاء قانون الطوارئ، والبدء في عملية إصلاح سياسي شامل. ويذكر قرني أن إحدى تلك الحركات، وهي 6 أبريل، تلقت تدريبات خارج مصر على تنظيم المظاهرات، وإدارة الحشود، ومقاومة العنف الشرطي... إلخ. واستطاعت هذه الحركة إلى جانب حركة كلنا خالد سعيد في تحريك الشباب عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وقد أسهم النظام السابق في انجاح هذه الحركات، حين قدم في الانتخابات البرلمانية لعام 2010 أسوأ ممارسة من تزوير خشن وناعم خفي وصريح. وانطلقت الثورة، بمطالب محددة ليس من بينها إسقاط النظام، ثم تطورت الأمور بعد ذلك إلى أن تخلى مبارك عن الحكم في 11 فبراير. ثم تناول الباحث القوى الإسلامية، مركزًا على جماعة الاخوان المسلمين، ومشيراً في عجالة إلى القوى السلفية، دون أن يميز بينها.
وينتقل الباحث في القسم الثالث، إلى توضيح أسباب فوز الإسلاميين بالسلطة، على الرغم من أنهم انخرطوا في الثورة بعد بدايتها، ولم يكونوا من مفجّريها، ويرى الباحث أن صعود الإسلاميين ارتبط بعاملين، الأول أنهم يملكون شبكة اجتماعية ممتدة في المدن والقرى المصرية، وأنهم يمتلكون المقومات التنظيمية الكافية لإدارة الفاعليات السياسية، وهي المقومات المكتسبة عبر سنوات طويلة من العمل السري والعلني. ثم يستعرض الباحث تجربة الإخوان في الحكم، التي اتسمت كما يرى الباحث بالتخبط والارتجال في اتخاذ القرارات، مدللاً على ذلك بأزمة دستور 2012، والاعلان الدستوري، وفرض حالة الطوارئ، والصراع مع مؤسسة القضاء.
وفي القسم الأخير من الفصل، يستعرض الباحث جملة من التحديات، يأتي على رأسها، ارتفاع سقف طموحات المواطن، في تحقق مطالب العدالة والكرامة والحرية، في ظل واقع دولة منهارة، وفي حال عدم تحققها، كما حدث، يتحول المواطن الى السلوك المتطرف تجاه السلطة الجديدة. ويتمثل التحدي الثاني في ضعف المهارات السياسية لكل القوى السياسية بما فيها جماعة الإخوان، ما أدى على تحول الساحة السياسية لساحة حرب. التحدي الثالث، أزمة الهيكل التنظيم لجماعة الإخوان، وعدم مرونته، بالإضافة إلى عدم استقلالية الرئيس في اتخاذ قراراته. على أية حال، الفصل يقدم صورة واضحة لما حدث في ثورة 25 يناير، ويؤخذ على الباحث، أن بعض الأفكار، تكررت في سياقات مختلفة، ما أفقد القارئ الشعور بالتسلسل الزمني للأفكار وتطورها، وتماسكها المنطقي.
خاتمة
قدمنا في هذا المقال والذي سبقه، عرضا تفصيليا لأبحاث الكتاب الستة، مصحوبا بملاحظات نقدية قدر الإمكان، والكتاب في مجملة مهم في مجاله، للقارئ العادي، والمثقف بصفة عامة، والمختصين في دراسة حركات الإسلام السياسي بصفة خاصة. وقد اتسمت فصوله بجدة الأفكار والمنهجية المنضبطة، وجاء الفصل الخامس ممتعا، بينما كان الفصل الرابع أقل من مستوى بقية الفصول، ربما لأن الباحث الكوري، بحث في ظاهرة القبلية، وهو ظاهرة تحتاج إلى معرفة تاريخية عميقة لم تتوفر للباحث.
وبتحليل خطاب الغنوشي صبيحة عودته من المنفي، يلفت الحداد الانتباه إلى أن التصريحات المبكرة لزعيم النهضة، كانت إقرارًا واضحًا بأن الثورة التونسية هي ثورة اجتماعية سياسيًا أساسًا، معتبرًا أن بداية انطلاقها تعود أحداث "الحوض المنجمي" وهي الحركة الاحتجاجية التي نفذها عمّال المناجم عام 2008. غير أن الغنوشي في مرحلة لاحقة سعى إلى إيجاد رابط بين حركته وانتفاضة الحوض المنجمي. على الرغم من أن الوقائع تشير إلى أن قيادة هذه الانتفاضة كانت ممثلة في شخصيات يسارية معروفة بمواقفها المناهضة لتيارات الإسلام السياسي. (ص242).
ثم ينتقل الحداد لتحليل خطاب النهضة المصاحب لتأسيس حزب النهضة وعقب التأسيس، وقد وجد الباحث أن الحزب قدم أوراق التأسيس إلى السلطات، وفقا لشروط القانون 32 لعام 1988. وعقب الحصول على الترخيص، خطب عبد الفتاح مورو في 24 مارس2011، بمسجد الهداية بالعاصمة، محرضا الحاضرين على ألا ينتخبوا أشخاصًا لهم عداوة مع الدين، ونفي فكرة الفصل بين الدين والدولة، وكذلك فعل الغنوشي في الشهر التالي مباشرة. ويذهب الحداد إلى أن الحزب أصبح يشعر مع نهاية مارس2011 أنه في وضع يسمح له بالإفصاح عن موقفه الحقيقي، المعارض لمبادئ الدولة الديمقراطية المدينة، وأن السلطة الانتقالية لم تعد قادرة على أن تسحب من الترخيص.
وينقل الحداد قارئه بكل سلاسة من حدث إلى حدث، بداية من اعتصام القصبة1، القصبة2، سقوط حكومة الغنوشي، تشكيل حكومة السبسي، تجربة الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي، واصدار قانون الانتخابات.
ويلفت الحداد الانتباه إلى أن النهضة، بمجرد اقرار قانون الانتخابات، تبنت خطابًا دعائيًا يلوح بأن الانتخابات سيتم تزويرها، وراحت تجيش المشاعر ضد عملية التزييف المنتظرة، وهي حيلة من حيل النهضة من أجل جذب أصوات الناخبين من خارج النهضة، ونجحت الحيلة، ولم تزوّر الانتخابات بطبيعة الحال، وفازت النهضة فوزًا كاسحًا ساحقًا. كما يلفت الانتباه إلى أن البرنامج الانتخابي، قام على وعود براقة تجتذب الطبقات المطحونة، منها الوعد بتحقيق 8% نمو اقتصادي، تشغيل 600 ألف عاطل، زيادة دخل الفرد إلى عشرة آلاف دينار سنوي. (ص265).
وبتحليل خطاب النهضة المتعلق بالسلطة ومدنية الدولة، أثبتت الحداد التناقض المستمر في تصريحات الغنوشي الداعمة لمدنية الدولة، والبيانات الرسمية للحركة المتحفظة، ما يدل على وجود صراع بين تيارين داخل الحركة، أحدهما أصولي سلفي، والآخر معتدل منفتح على العلمانية. كما رصد الباحث في تحليله، التناقض في الخطاب النهضوي الموجه للداخل المحلي، والخطاب الموجه للخارج والرأي العام العالمي.(ص273).
وأبدع الباحث في تحليل الخطاب النهضوي بعد تولي السلطة، ووصف ارتباكه واضطرابه، خاصة في تعاطيه مع ظاهرة المد السلفي، ويفرد مساحة وافية لتحليل خطاب الغنوشي في أحد الفيديوهات المسربة، والتي تضمنت كلاما شديد الخطورة، كما يرى الباحث، بخصوص فكرة التمكين من مفاصل الدولة، والعلاقة مع الجماعات السلفية، وأفكاره حول علاقة الدين بالدولة، وتطبيق الشريعة، وقد أثبت الباحث تناقض كل ذلك مع تصريحاته المعلنة. ثم ينتقل بعد ذلك إلى تحليل موقف النهضة من معركة الدستور.
ويخلص الحداد في بحثة المتميز، إلى أنه من الصعب الاحتكام إلى ضوابط محددة لتبين الثابت والمتغير في خطاب الحركة، خلال الفترة الزمنية التي شملتها الدراسة، فالخطاب يتأرجح بين الشيء ونفيضه، ما يؤدي إلى غياب المعنى واستحالة الإمساك بالدلالة الخطابية.
(6) من السجن إلى السلطة والعكس - تجربة حكم الإخوان في مصر
يقدم الدكتور بهجت قرني الأستاذ بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، في هذا الفصل (ص297-350) بحثًا في تجربة حكم جماعة الإخوان المسلمين في مصر، مقسمًا الفصل إلى أربعة أقسام، عني الأول بعرض الضوابط المنهجية التي يتبعها الباحث لاستخدام مصطلحات: ثورة25 يناير، الربيع العربي، الجيش، القوى الليبرالية واليسارية، والقوى الإسلامية. ويركز القسم الثاني على تحليل خريطة الجهات والقوى الفاعلة في ثورة 25يناير، ويجيب القسم الثالث على سؤال: لماذا تحول الربيع العربي إلى ربيع إسلامي؟ ويناقش القسم الأخير التحديات التي واجهت الإسلاميين في الحكم. (ص298).
في القسم الثاني، يقدم قرني خريطة القوى الفاعلة في ثورة 25 يناير، معتبرًا الجيش هو الجزء المنشق عن النظام القديم، ليصبح هو النظام الجديد. ثم ينتقل إلى القوى الليبرالية واليسارية، حيث يرى أنه بخلاف العمال والشباب، اندلعت الثورة، وعلى الأرض أحزاب سياسية ضعيفة، وحركات احتجاج جماهيري مثل حركة "كفاية"، والجمعية الوطنية للتغيير، وحركة 6 أبريل، وجماعة كلنا خالد سعيد، وجميعها يرفض توريث الحكم، ويطالب بتغيير دستوري، وإلغاء قانون الطوارئ، والبدء في عملية إصلاح سياسي شامل. ويذكر قرني أن إحدى تلك الحركات، وهي 6 أبريل، تلقت تدريبات خارج مصر على تنظيم المظاهرات، وإدارة الحشود، ومقاومة العنف الشرطي... إلخ. واستطاعت هذه الحركة إلى جانب حركة كلنا خالد سعيد في تحريك الشباب عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وقد أسهم النظام السابق في انجاح هذه الحركات، حين قدم في الانتخابات البرلمانية لعام 2010 أسوأ ممارسة من تزوير خشن وناعم خفي وصريح. وانطلقت الثورة، بمطالب محددة ليس من بينها إسقاط النظام، ثم تطورت الأمور بعد ذلك إلى أن تخلى مبارك عن الحكم في 11 فبراير. ثم تناول الباحث القوى الإسلامية، مركزًا على جماعة الاخوان المسلمين، ومشيراً في عجالة إلى القوى السلفية، دون أن يميز بينها.
وينتقل الباحث في القسم الثالث، إلى توضيح أسباب فوز الإسلاميين بالسلطة، على الرغم من أنهم انخرطوا في الثورة بعد بدايتها، ولم يكونوا من مفجّريها، ويرى الباحث أن صعود الإسلاميين ارتبط بعاملين، الأول أنهم يملكون شبكة اجتماعية ممتدة في المدن والقرى المصرية، وأنهم يمتلكون المقومات التنظيمية الكافية لإدارة الفاعليات السياسية، وهي المقومات المكتسبة عبر سنوات طويلة من العمل السري والعلني. ثم يستعرض الباحث تجربة الإخوان في الحكم، التي اتسمت كما يرى الباحث بالتخبط والارتجال في اتخاذ القرارات، مدللاً على ذلك بأزمة دستور 2012، والاعلان الدستوري، وفرض حالة الطوارئ، والصراع مع مؤسسة القضاء.
وفي القسم الأخير من الفصل، يستعرض الباحث جملة من التحديات، يأتي على رأسها، ارتفاع سقف طموحات المواطن، في تحقق مطالب العدالة والكرامة والحرية، في ظل واقع دولة منهارة، وفي حال عدم تحققها، كما حدث، يتحول المواطن الى السلوك المتطرف تجاه السلطة الجديدة. ويتمثل التحدي الثاني في ضعف المهارات السياسية لكل القوى السياسية بما فيها جماعة الإخوان، ما أدى على تحول الساحة السياسية لساحة حرب. التحدي الثالث، أزمة الهيكل التنظيم لجماعة الإخوان، وعدم مرونته، بالإضافة إلى عدم استقلالية الرئيس في اتخاذ قراراته. على أية حال، الفصل يقدم صورة واضحة لما حدث في ثورة 25 يناير، ويؤخذ على الباحث، أن بعض الأفكار، تكررت في سياقات مختلفة، ما أفقد القارئ الشعور بالتسلسل الزمني للأفكار وتطورها، وتماسكها المنطقي.
خاتمة
قدمنا في هذا المقال والذي سبقه، عرضا تفصيليا لأبحاث الكتاب الستة، مصحوبا بملاحظات نقدية قدر الإمكان، والكتاب في مجملة مهم في مجاله، للقارئ العادي، والمثقف بصفة عامة، والمختصين في دراسة حركات الإسلام السياسي بصفة خاصة. وقد اتسمت فصوله بجدة الأفكار والمنهجية المنضبطة، وجاء الفصل الخامس ممتعا، بينما كان الفصل الرابع أقل من مستوى بقية الفصول، ربما لأن الباحث الكوري، بحث في ظاهرة القبلية، وهو ظاهرة تحتاج إلى معرفة تاريخية عميقة لم تتوفر للباحث.