السلفية الجهادية في تونس
الأحد 24/مايو/2015 - 11:15 ص
د. محمود أحمد عبد اللـه
كتاب مهم في بابه، صادر عن المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية، ويتناول واحدة من الظواهر المهمة في الشأن التونسي، وهي دراسة حالة السلفية الجهادية. والواقع أن السلفية الجهادية ليست حركة مائزة في الشمال الإفريقي ، لكنها بالأحرى ظاهرة كوكبية، لأنها مع التحولات التاريخية أصبحت متجاوزة للحدود القومية، وغدت مصدرًا للقلق للحكومات الحديثة على السواء. وفي الداخل التونسي، كانت بمثابة النواة التي كسرت ظهر البعير. حيث كانت مصدر قلق للممثل الأكبر للتيار الإسلاموي في تونس، أي حركة النهضة. ورغم تسلف الحركة، كما هي الحال في مصر، فإن خطاب راشد الغنوشي كثيرا ما كان يتذرع بعدم قدرة التيار السلفي على الدخول والاندماج في السياسة، كما هي الحال برأيه في مصر، هو مصدر العنف والتفزيع، والعقبة الكئود أمام الثورة، إلى جوار القوى المحافظة المدنية. ومع ذلك فإن هذا لا يحول دون القول بأن جماعة الإخوان، كما هي الحال في مصر، كانت تصور ذاتها كبديل معتدل للتيار السلفي، بناء لثنائية الإسلام المعتدل في مقابل الإسلام المتطرف، مثلما كرس نظام بن علي ونظام مبارك لثنائية المدنية في مقابل الإخوانية، أو الاستقرار (ممثلا في الحزب الحاكم) أم الفوضى (ممثلا في التيار الإسلاموي العنيف).
وينقسم الكتاب إلى ثمانية فصول، جامعًا في مقاربته البحثية للموضوع بين المقاربة السوسيولوجية والمقاربة السيكولوجية والسياسية والأنثربولوجية. يقع الكتاب في ثلاثمائة وست وأربعين صفحة، شارك فيه ثمانية من الباحثين المتميزين، الذين حاولوا الاستفادة قدر إمكانهم من المنجز البحثي الحديث بما يتجاوز التصورات التقليدية في تناول الظاهرة الدينية بعامة، وإن تفاوتت قيمة وجودة وكفاءة كل فصل، بحسب تطور وتقدم المنهجية والرؤية الفكرية المعتمدة في التحليل والتفسير. والكتاب في مجمله هو حصيلة جهود وحدة البحث حول السلفية في المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية. وكانت الوحدة قد قامت ببناء قاعدة معلومات حول التيار السلفي الجهادي وتجميع أدبياته، لاستكشاف إطاره الفكري ونسقه الأيديولوجي قبل المرور إلى مرحلة البحث الميداني للتعرف على الظاهرة في سياقاتها المحلية المخصوصة، وتجلية مختلف مظاهرها الدينية والاجتماعية والثقافية والسياسية والنفسية.
يتناول الفصل الأول "الثابت والمتحول في مسيرة التيار السلفي الجهادي" حيث يستفيد الباحث طارق الكحلاوي من جهود المنهج التاريخي في دراسة التحولات التاريخية التي مر بها التيار السلفي في تونس، في محاولة للتعرف على التجربة الجهادية في سياقها الإقليمي، وعلاقة التيار الجهادي بالممارسات الإرهابية، منتهيا بعدد من التوصيات الأساسية، أولها يدور حول أهمية المواجهة الأمنية وبناء الجهاز الأمني، وذلك في إطار الحفاظ على بنية الدولة الديموقراطية كضامن للتماسك المجتمعي. وثانيها توصية ثقافية، تقتضي الاستفادة من التجربتين المغربية والجزائرية في "المراجعات"، التجربة التي ينبغي برأي الباحث أن تنبع من داخل التيار السلفي ذاته، ثم أخيرا، يهتم الباحث بالتأكيد على ضرورة التنمية باعتبارها رمانة الميزان والآلية القادرة على تصفية منابع تشكيل الظاهرة الجهادية. هذا على الرغم من إيمان الباحث بعدم وجود علاقة آلية تربط الظاهرة السلفية بتخلف أو تقدم الحالة التنموية. وهو محق في ذلك إلى أبعد الحدود.
وينقسم الكتاب إلى ثمانية فصول، جامعًا في مقاربته البحثية للموضوع بين المقاربة السوسيولوجية والمقاربة السيكولوجية والسياسية والأنثربولوجية. يقع الكتاب في ثلاثمائة وست وأربعين صفحة، شارك فيه ثمانية من الباحثين المتميزين، الذين حاولوا الاستفادة قدر إمكانهم من المنجز البحثي الحديث بما يتجاوز التصورات التقليدية في تناول الظاهرة الدينية بعامة، وإن تفاوتت قيمة وجودة وكفاءة كل فصل، بحسب تطور وتقدم المنهجية والرؤية الفكرية المعتمدة في التحليل والتفسير. والكتاب في مجمله هو حصيلة جهود وحدة البحث حول السلفية في المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية. وكانت الوحدة قد قامت ببناء قاعدة معلومات حول التيار السلفي الجهادي وتجميع أدبياته، لاستكشاف إطاره الفكري ونسقه الأيديولوجي قبل المرور إلى مرحلة البحث الميداني للتعرف على الظاهرة في سياقاتها المحلية المخصوصة، وتجلية مختلف مظاهرها الدينية والاجتماعية والثقافية والسياسية والنفسية.
يتناول الفصل الأول "الثابت والمتحول في مسيرة التيار السلفي الجهادي" حيث يستفيد الباحث طارق الكحلاوي من جهود المنهج التاريخي في دراسة التحولات التاريخية التي مر بها التيار السلفي في تونس، في محاولة للتعرف على التجربة الجهادية في سياقها الإقليمي، وعلاقة التيار الجهادي بالممارسات الإرهابية، منتهيا بعدد من التوصيات الأساسية، أولها يدور حول أهمية المواجهة الأمنية وبناء الجهاز الأمني، وذلك في إطار الحفاظ على بنية الدولة الديموقراطية كضامن للتماسك المجتمعي. وثانيها توصية ثقافية، تقتضي الاستفادة من التجربتين المغربية والجزائرية في "المراجعات"، التجربة التي ينبغي برأي الباحث أن تنبع من داخل التيار السلفي ذاته، ثم أخيرا، يهتم الباحث بالتأكيد على ضرورة التنمية باعتبارها رمانة الميزان والآلية القادرة على تصفية منابع تشكيل الظاهرة الجهادية. هذا على الرغم من إيمان الباحث بعدم وجود علاقة آلية تربط الظاهرة السلفية بتخلف أو تقدم الحالة التنموية. وهو محق في ذلك إلى أبعد الحدود.
يهتم الباحث بالتأكيد على ضرورة التنمية باعتبارها رمانة الميزان والآلية القادرة على تصفية منابع تشكيل الظاهرة الجهادية
فيما يهتم الفصل الثاني بإلقاء الضوء على وضعية تيار الجهاد التونسي بعد الثورة. وينقسم الفصل لثلاثة أقسام، يهتم أولها بالعلاقة بين التيار السلفي وثورة تونس، حيث يركز هذا القسم على تأثر السلفية بمستجدات الثورة وما طرحته من تغيرات فرضت وجودها على الواقع السياسي والاجتماعي. ثم يستعرض المؤلف سامي براهم موقف التيار السلفي من الثورة، ووزن الحركة السلفية ومستقبلها. بينما يهتم القسم الثاني بتجربة انتظام التيار السلفي مهتما بعرض برنامج أنصار الشريعة وأهدافهم، ووسائل تحقيق الأهداف. وأخيرا يهتم القسم الثالث بوضعية تونس في إستراتيجية الجهاد العالمي. حيث يستعرض هذا القسم إستراتيجية الجهاد العالمي التي تبدأ بالولادة من الفوضى العارمة (فترة التوحش)، وتفكيك الدولة، وقيام دولة الخلافة. وبطبيعة الحال فإن هذا الفصل مفيد للمعنيين بوضعية التيار السلفي في حلبة الصراع والمنافسة والتأثير والنفوذ. فقد أثر التيار السلفي على وضعية التيار الإسلامي ككل، وربما مهد ضمنا للاحتجاج ضد حركة النهضة، ومحاولة التخلص من هيمنتها على الوضع السياسي.
أما الفصل الثالث فقد جاء أكثر عناية بالعلاقات والديناميات السياسية بين الفاعلين على الساحة السياسية، وصلتهم بالظاهرة السلفية الجهادية. فيركز الفصل على علاقات مختلف القوى السياسية التونسية بالتيار الجهادي. ووفق هذا الإطار ينقسم الفصل إلى ثلاثة أقسام. يستعرض أولها العلاقة بين الترويكا (والنهضة) وأنصار الشريعة، ويهتم ثانيها بالعلاقة بين المعارضة السياسية (الجبهة الشعبية ونداء تونس) وأنصار الشريعة. بينما يركز القسم الثالث والأخير على العلاقة بين المجتمع المدني (منظمة حرية وإنصاف، والرابطة التونسية لحقوق الإنسان، والاتحاد العام للشغل) وأنصار الشريعة. وينتهي الفصل بعدد من التوصيات، تتوجه إلى رئاسة الجمهورية وأنصار الشريعة وحركة النهضة، والمعارضة السياسية، والفاعلين المدنيين.
وإذا كانت المقاربات السابقة قد تفاوتت بين المقاربة التاريخية والسياسية، يسعى الفصل الرابع لترسيخ أقدام المقاربة السيكولوجية، حيث يسعى محمد الحاج سالم إلى دراسة الظاهرة في ضوء جهود علم النفس. ويبدأ الفصل بتقديم تعريف للتيار، ثم يستعرض بنيته، أو تركيبته الداخلية (المكتب الدعوي، والمكتب السياسي، والإعلامي، واللجنة الشرعية، والمكتب الاجتماعي). ويحدد المؤلف التركيبة الفكرية للتنظيم، والمباديء التي تميزه، والوسائل التي يعتمد عليها في تشكيل شخصية الداعية والمريد، وآليات الإقناع التي تتبع لجذب الأعضاء، وإبراز الاعتماد على مبدأ التشريط، الذي ينقسم إلى تشريط نفسي بفرض مبدأ الطاعة وتغيير سلوك الملبس والمشرب، وتشريط جسمي، يشمل تعليم الرياضة، والتدرب على السلاح، والحرمان من الطعام، والعزل الحسي، والاعتماد على الطب الشعبي في التطبيب، والعزل المجالي والزمني.
أما الفصل الثالث فقد جاء أكثر عناية بالعلاقات والديناميات السياسية بين الفاعلين على الساحة السياسية، وصلتهم بالظاهرة السلفية الجهادية. فيركز الفصل على علاقات مختلف القوى السياسية التونسية بالتيار الجهادي. ووفق هذا الإطار ينقسم الفصل إلى ثلاثة أقسام. يستعرض أولها العلاقة بين الترويكا (والنهضة) وأنصار الشريعة، ويهتم ثانيها بالعلاقة بين المعارضة السياسية (الجبهة الشعبية ونداء تونس) وأنصار الشريعة. بينما يركز القسم الثالث والأخير على العلاقة بين المجتمع المدني (منظمة حرية وإنصاف، والرابطة التونسية لحقوق الإنسان، والاتحاد العام للشغل) وأنصار الشريعة. وينتهي الفصل بعدد من التوصيات، تتوجه إلى رئاسة الجمهورية وأنصار الشريعة وحركة النهضة، والمعارضة السياسية، والفاعلين المدنيين.
وإذا كانت المقاربات السابقة قد تفاوتت بين المقاربة التاريخية والسياسية، يسعى الفصل الرابع لترسيخ أقدام المقاربة السيكولوجية، حيث يسعى محمد الحاج سالم إلى دراسة الظاهرة في ضوء جهود علم النفس. ويبدأ الفصل بتقديم تعريف للتيار، ثم يستعرض بنيته، أو تركيبته الداخلية (المكتب الدعوي، والمكتب السياسي، والإعلامي، واللجنة الشرعية، والمكتب الاجتماعي). ويحدد المؤلف التركيبة الفكرية للتنظيم، والمباديء التي تميزه، والوسائل التي يعتمد عليها في تشكيل شخصية الداعية والمريد، وآليات الإقناع التي تتبع لجذب الأعضاء، وإبراز الاعتماد على مبدأ التشريط، الذي ينقسم إلى تشريط نفسي بفرض مبدأ الطاعة وتغيير سلوك الملبس والمشرب، وتشريط جسمي، يشمل تعليم الرياضة، والتدرب على السلاح، والحرمان من الطعام، والعزل الحسي، والاعتماد على الطب الشعبي في التطبيب، والعزل المجالي والزمني.
هناك ارتباطا بين عامل العمر والعصابية، فكلما تقدم الجهادي في العمر أضحى أكثر عرضة للعصابية
ويأتي الفصل الخامس ليقدم جانبا هاما وهو الدرس الإمبيريقي للظاهرة، بتقديم دراسة ميدانية للظاهرة في حي شعبي تونسي (منطقة سيدي حسين). وينقسم الفصل لثلاثة أقسام، يهتم أولها باستعراض مشهد السلفية في الحي بالتعريف بالفضاء الديني، والفضاء الاقتصادي والتجاري، والفضاء العام. ثم يهتم القسم الثاني بعوامل تطور الظاهرة السلفية، وبالتحديد بتدخل أجهزة الدولة. أما القسم الثالث فيهتم بعوامل أخرى ساهمت في تشكيل الظاهرة، كالمقاومة المجتمعية، والانقسامات الداخلية، وانعكاسات الأحداث الإقليمية، والطبيعة النفسية لأعضاء التنظيم.
فيما يركز الفصل السادس على تحليل الظاهرة وعلاقتها بواحدة من الفئات الحيوية في المجتمع التونسي، وهي فئة الشباب، حيث يستخدم جهاد الحاج سالم المنهج الإثنوجرافي لدراسة أوضاع الشباب الجهادي في دوار هيشر. والفصل يستغرق خمسين صفحة، ويبدأ بمقدمة، ثم توضيح للمنهجية المستخدمة في الدراسة التي اعتمدت على الملاحظة المركزة، وإجراء مقابلات متعمقة مع المبحوثين، والاعتماد على مؤشرات كمية يمكن من خلالها وصف أوضاع دوار هيشر. ثم ينتهي الفصل بالجزء الأخير الذي يتناول التحولات التي طالت شباب المجاهدين، بادئا بالتركيز على الوضعية الاقتصادية والاجتماعي للشباب الجهادي، بالنظر في مسألة اندماج هؤلاء الشباب في المجتمع على المستويات المختلفة، وفي الحياة اليومية. ثم يهتم الفصل بما يسميه بالتجسيد الأسلوبي، ويعني به ترجمة الأيديولوجيا الجهادية إلى سلوكيات وتصرفات ينتهجها الشاب في حياته اليومية، في مأكله ومشربه، وفي اللغة وأنماط التفاعل الاجتماعي، وفي تبني التفسير الجهادي للعالم والأحداث التي يعيشونها في حياتهم. ثم يلقي الفصل على الشبكات التي ينتقل من خلالها الفكر الجهادي من فكر نظري إلى ممارسة عملية، بداية من الشبكات الثقافية كالمسجد، والخيمات، والملتقيات الدعوية، وانتهاء بالجولات الدعوية، والدروس، ثم الشبكات الاقتصادية (المهن، وأنشطة التضامن الاقتصادي)، والشبكات الاجتماعية (ولائم الزواج، والسهرات، وطلب النصرة). وقد حاول الفصل إبراز التحول من التهميش إلى التمكين عبر هذه الشبكات المشار إليها.
ويواصل الفصل السابع المقاربة السيكولوجية للظاهرة، فيهتم العربي النفاتي بـ"عامل العصابية في الشخصية السلفية في علاقته ببعض المتغيرات". حيث تناول الباحث تأثر شخصية الجهادي بعوامل الحالة الاجتماعية والعمر والمستوى الدراسي، والجنس، والوسط، واستهلاك المواد المخدرة، والسجن. وقد توصلت الدراسة لعدد من النتائج، أولاها أن ساكني المناطق الحضرية من السلفيين أكثر عرضة للعصابية من ساكني المناطق الريفية. ثانيتها أن هناك ارتباطا بين عامل العمر والعصابية، فكلما تقدم الجهادي في العمر أضحى أكثر عرضة للعصابية. وثالثتها، أن للعمل دور هام في تقليل إمكانية إصابة السلفي بالعصابية. ورابعتها أن الإناث أكثر استقرارا نفسيا من الذكور. وخامستها أنه كلما ارتفع المستوى الدراسي كلما زادت إمكانية العصابية. وسادستها أنه كلما ارتفعت درجة استهلاك المواد المخدرة كلما زاد معدلات الإصابة بالعصابية. وسابعتها أن منتسبي الشعبة العلمية من السلفيين أكثر عرضة للإصابة بالعصابية. إلى جوار غيرها من النتائج المهمة التي تم التوصل إليها.
ويعود بنا الفصل الثامن والأخير إلى المقاربة الإمبيريقية للموضوع، حيث يبحث ماهر الزغلامي "السلفي الجهادي في تونس". وفيه يقسم الباحث تحليله للظاهرة إلى مستويين مستوى استكشافي، يبحث الظاهرة في لحظتها الماضية والحاضرة، سعيا إلى رسم السيرة الحياتية لظاهرة السلفية الجهادية عبر تطورها خلال الأحداث التاريخية التي مرت بها، وتشكلها النهائي. أما المستوى الثاني فهو المستوى الاستشرافي، باستشراف مستقبل الحركة الجهادية في تونس. وفي هذا المستوى التحليلي يميز الباحث بين سيناريو يصفه بالراديكالي المتشائم، وآخر يسميه السيناريو الإصلاحي. ويقصد بالسيناريو الأول نزوع الجهاديين نحو العنف في حده الأعلى والاندراج في حركة الجهاد العالمي واللجوء إلى أعمال العنف والتفجير الفردية ذات المخاطر الكبيرة. أما السيناريو الأخير فهو سيناريو الدمج في الحياة السياسية. وتمر المراجعات بثلاثة مستويات: الأول مفاهيمي يرتبط بمراجعة المفاهيم الجهادية الأساسية للتيار السلفي كالجهاد والغلو والحسبة وغيرها. والمستوى الثاني وهو الانتقال من العمل خارج الشرعية إلى المشاركة في النسق السياسي والتأصيل لمفاهيم محورية كالتعددية والمرجعية والسيادة. أما المستوى الثالث فيشمل مراجعة العلاقة بين الدين والسياسة. ثم يستعرض الباحث لسيرة أحد المجاهدين الذين أجروا مراجعات، وهو الشيخ منير التونسي، معرفا بسيرته، ومنطلقات مراجعاته، التي اختصت بأربعة محاور: محور العقيدة، والتاريخ الإسلامي، والسياسة المدنية، وإدارة التوحش.
فيما يركز الفصل السادس على تحليل الظاهرة وعلاقتها بواحدة من الفئات الحيوية في المجتمع التونسي، وهي فئة الشباب، حيث يستخدم جهاد الحاج سالم المنهج الإثنوجرافي لدراسة أوضاع الشباب الجهادي في دوار هيشر. والفصل يستغرق خمسين صفحة، ويبدأ بمقدمة، ثم توضيح للمنهجية المستخدمة في الدراسة التي اعتمدت على الملاحظة المركزة، وإجراء مقابلات متعمقة مع المبحوثين، والاعتماد على مؤشرات كمية يمكن من خلالها وصف أوضاع دوار هيشر. ثم ينتهي الفصل بالجزء الأخير الذي يتناول التحولات التي طالت شباب المجاهدين، بادئا بالتركيز على الوضعية الاقتصادية والاجتماعي للشباب الجهادي، بالنظر في مسألة اندماج هؤلاء الشباب في المجتمع على المستويات المختلفة، وفي الحياة اليومية. ثم يهتم الفصل بما يسميه بالتجسيد الأسلوبي، ويعني به ترجمة الأيديولوجيا الجهادية إلى سلوكيات وتصرفات ينتهجها الشاب في حياته اليومية، في مأكله ومشربه، وفي اللغة وأنماط التفاعل الاجتماعي، وفي تبني التفسير الجهادي للعالم والأحداث التي يعيشونها في حياتهم. ثم يلقي الفصل على الشبكات التي ينتقل من خلالها الفكر الجهادي من فكر نظري إلى ممارسة عملية، بداية من الشبكات الثقافية كالمسجد، والخيمات، والملتقيات الدعوية، وانتهاء بالجولات الدعوية، والدروس، ثم الشبكات الاقتصادية (المهن، وأنشطة التضامن الاقتصادي)، والشبكات الاجتماعية (ولائم الزواج، والسهرات، وطلب النصرة). وقد حاول الفصل إبراز التحول من التهميش إلى التمكين عبر هذه الشبكات المشار إليها.
ويواصل الفصل السابع المقاربة السيكولوجية للظاهرة، فيهتم العربي النفاتي بـ"عامل العصابية في الشخصية السلفية في علاقته ببعض المتغيرات". حيث تناول الباحث تأثر شخصية الجهادي بعوامل الحالة الاجتماعية والعمر والمستوى الدراسي، والجنس، والوسط، واستهلاك المواد المخدرة، والسجن. وقد توصلت الدراسة لعدد من النتائج، أولاها أن ساكني المناطق الحضرية من السلفيين أكثر عرضة للعصابية من ساكني المناطق الريفية. ثانيتها أن هناك ارتباطا بين عامل العمر والعصابية، فكلما تقدم الجهادي في العمر أضحى أكثر عرضة للعصابية. وثالثتها، أن للعمل دور هام في تقليل إمكانية إصابة السلفي بالعصابية. ورابعتها أن الإناث أكثر استقرارا نفسيا من الذكور. وخامستها أنه كلما ارتفع المستوى الدراسي كلما زادت إمكانية العصابية. وسادستها أنه كلما ارتفعت درجة استهلاك المواد المخدرة كلما زاد معدلات الإصابة بالعصابية. وسابعتها أن منتسبي الشعبة العلمية من السلفيين أكثر عرضة للإصابة بالعصابية. إلى جوار غيرها من النتائج المهمة التي تم التوصل إليها.
ويعود بنا الفصل الثامن والأخير إلى المقاربة الإمبيريقية للموضوع، حيث يبحث ماهر الزغلامي "السلفي الجهادي في تونس". وفيه يقسم الباحث تحليله للظاهرة إلى مستويين مستوى استكشافي، يبحث الظاهرة في لحظتها الماضية والحاضرة، سعيا إلى رسم السيرة الحياتية لظاهرة السلفية الجهادية عبر تطورها خلال الأحداث التاريخية التي مرت بها، وتشكلها النهائي. أما المستوى الثاني فهو المستوى الاستشرافي، باستشراف مستقبل الحركة الجهادية في تونس. وفي هذا المستوى التحليلي يميز الباحث بين سيناريو يصفه بالراديكالي المتشائم، وآخر يسميه السيناريو الإصلاحي. ويقصد بالسيناريو الأول نزوع الجهاديين نحو العنف في حده الأعلى والاندراج في حركة الجهاد العالمي واللجوء إلى أعمال العنف والتفجير الفردية ذات المخاطر الكبيرة. أما السيناريو الأخير فهو سيناريو الدمج في الحياة السياسية. وتمر المراجعات بثلاثة مستويات: الأول مفاهيمي يرتبط بمراجعة المفاهيم الجهادية الأساسية للتيار السلفي كالجهاد والغلو والحسبة وغيرها. والمستوى الثاني وهو الانتقال من العمل خارج الشرعية إلى المشاركة في النسق السياسي والتأصيل لمفاهيم محورية كالتعددية والمرجعية والسيادة. أما المستوى الثالث فيشمل مراجعة العلاقة بين الدين والسياسة. ثم يستعرض الباحث لسيرة أحد المجاهدين الذين أجروا مراجعات، وهو الشيخ منير التونسي، معرفا بسيرته، ومنطلقات مراجعاته، التي اختصت بأربعة محاور: محور العقيدة، والتاريخ الإسلامي، والسياسة المدنية، وإدارة التوحش.