أنطلق فى رؤيتى لمستقبل مصر من أننا نمر بمرحلة انتقالية من النظام السلطوى القائم على حكم الفرد وعلى غياب المؤسسات الديمقراطية الى نظام ديمقراطى يوفر الاطار السياسى والاقتصادى والاجتماعى الذى يحقق للمصريين أحلامهم فى العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية هذه المرحلة الانتقالية بدأت بثورة 25 يناير ولن تنتهى الا بعد نجاح عملية التحول الديمقراطى بما تشمله من مؤسسات وقيم وسياسات، كما أنطلق فى هذه الرؤية لمستقبل مصر من أن عملية التحول الشامل سياسياً واقتصاديا واجتماعياً سوف تواجه الكثير من المشاكل التى يضعها فى طريقها قوى الثورة المضادة كما حدث بالفعل فى السنوات الأربع الماضية. ولكن الشعب المصرى قادر على تصحيح المسار والتغلب على هذه العقبات ومهما طال الزمن فإنه سوف يحقق المستقبل الذى طالما غنى به وضحى من أجله. ولعل موقفى هذا هو الذى حدا بى الى التعليق على الحديث الشهرى للرئيس السيسى لأنه رغم تفاعله مع الرأى العام وتركيزه على القضايا موضع الاهتمام الشعبى وتقديمه كشف حساب للمواطنين عما تم انجازه خلال الفترة الماضية الا أننى أكدت فى نفس الوقت أن هذا الخطاب لم يطرح رؤية شاملة للمستقبل ولم يتحدث عن عملية التحول الديمقراطى التى ستوفر الاطار المناسب لانجاز المهام المطروحة بنجاح، وأن مصر فى أشد الحاجة حاليا الى تبنى الرئيس رؤية شاملة لأبعاد هذا التحول الديمقراطى الذى يتوافر له الكثير من عوامل النجاح وهناك فرصة حقيقية للتوافق بين معظم القوى السياسية على عملية التحول الديمقراطى بأبعادها المختلفة يكفى فى هذا الصدد أن أشير الى مقال الدكتور عماد جاد فى «المصرى اليوم» يوم الاثنين 11 مايو تحت عنوان الرؤية الشاملة فى مراحل التحول وهى نموذج للتفاعل النزيه مع احتياجات الشعب المصرى بصرف النظر عن الانتماء الفكرى والسياسى، فالدكتور عماد جاد هو نائب رئيس حزب المصريين الأحرار الذى ينطلق من اقتصاد السوق واحترام آلياته ولكنه فى هذا الوقت لا يهمل احتياجات الشعب المصرى وكيفية تحقيق التحول المطلوب من خلال رؤية شاملة سياسية واقتصادية واجتماعية ، ويقدم الدكتور عماد فى هذا المقال نموذجاً رائعاً للنزاهة السياسية والنفاذ بعمق الى مشاكل المجتمع المصرى وطرح الحلول الحقيقية لها من خلال نظرة شاملة لتجارب البلدان الأخرى، حيث يضرب المثل بتجربة البرازيل التى قادها لولا دا سيلفا الاشتراكى ويتفق مع منهجهه فى قيادة الدولة بنجاح من خلال آليات وأدوات أقرب الى الاشتراكية ولا يمنعه هذا من أن يوصى بالاستفادة فى مصر من تجربة البرازيل هذه، حيث تتشابه ظروفنا اليوم مع ظروف البرازيل قبل تولى لولا دا سيلفا السلطة ويقول (انطلق دا سيلفا من رؤية شاملة لبلاده استندت الى الديمقراطية الاجتماعية التى هدفت الى تحقيق تنمية شاملة عبر معالجة قضية الفقر ووضع خطة شاملة لعلاج ظاهرة مدن الصفيح والعشوائيات. وعالج ظاهرة أطفال الشوارع، ووضع خطة شاملة للقضاء على الأمية ودمج أبناء الفقراء فى العملية التعليمية. أصلح نظام التعليم واستفاد كثيراً من التجربة الكوبية. طوع المؤسسة الدينية وجعلها عاملاً مساعداً له فى تحقيق التنمية الشاملة. أحدث ثورة فى المجال الثقافى. تمكن هذا العامل النقابى من تحسين أوضاع الفقراء فى بلاده عبر الضرائب التصاعدية التى وفرت له نحو 60 مليار دولار خصصها للفئات الأكثر فقراً مقابل التزام هذه الأسر بانتظام الأبناء فى الدراسة) ويحدد الدكتور عماد جاد عوامل النجاح فى تنفيذ الرؤية الشاملة للتحول بامتلاك رئيس الدولة ارادة سياسية لتحقيق هذا التحول من خلال البدء بتشكيل فريق من الخبراء بدراسة التجارب الناجحة وصياغة رؤية شاملة للاستفادة من هذه التجارب يؤمن بها رئيس الدولة ويحميها من أى عرقلة من مؤسسات الدولة لها والتركيز على بناء دولة مدنية حديثة تقوم على أساس اعتماد كل القيم الانسانية من حرية، ديمقراطية، مساواة، وفى القلب من كل ذلك الإيمان بمبدأ فصل الدين عن السياسة، فلا تنمية شاملة بدون وقوف الدولة على مسافة واحدة من الأديان كافة.
ومع كل التقدير لما أبداه الدكتور عماد جاد فى هذا المقال من موضوعية ونزاهة سياسية فاننا نأمل أن تصل هذه الرسالة الى الرئيس عبدالفتاح السيسى وأن يستفيد من العقول الكبيرة التى شكل مجالسه المتخصصة منها وأن يتم بالفعل صياغة رؤية شاملة للتحول السياسى والاقتصادى والاجتماعى تكون العدالة الاجتماعية فى القلب منها وأن تدفع التحول الديمقراطى الى الأمام بدعم التعددية الحزبية والسياسية التى أكد دستور البلاد فى المادة الخامسة أن النظام السياسى فى مصر يقوم على التعددية الحزبية وتداول السلطة بين القوى السياسية وأن يهتم بالتعجيل باجراء الانتخابات البرلمانية مهما كانت المشاكل التى تحيط بها لضمان استكمال مؤسسات الدولة، حيث يقوم مجلس النواب باعتباره السلطة التشريعية بتشكيل حكومة دائمة تضع برنامجاً شاملاً للتحول المطلوب وتحصل على ثقة مجلس النواب وتلتزم أمامه بتنفيذ هذا البرنامج وتخضع لرقابة السلطة التشريعية. فهل يستجيب الرئيس السيسى ويبدأ هذه العملية بطرح رؤية شاملة اقتصادية واجتماعية وسياسية كاطار عام للعمل الوطنى فى الفترة المقبلة؟
نقلاً عن الأهرام