البحث عن عالم متعدد الأقطاب: إستراتيجية الصعود الصيني وفرص بكين الكبرى في أمريكا اللاتينية
الأحد 26/أبريل/2015 - 11:40 ص
محمود صافي محمود
منذ مطلع القرن الحادي والعشرين، وعندما بدأت الصين تأخذ طريقها جديًا نحو تبوؤ مكانة عالمية متميزة، تزايدت الشكوك وتعاظمت الريبة حول نتائج وتوابع تلك المكانة، فمن أهم المشكلات التي أصبحت تثيرها قضية الصعود الصيني هي مسألة احتمال اتجاه الصين إلى تهديد الاستقرار العالمي أو الإقليمي، إذ هي أصبحت من الدول الساعية إلى الهيمنة العالمية والإقليمية، وقد صار هذا الاحتمال هاجسًا قويًا يقضّ مضاجع الساسة في العالم الغربي، كما يؤرق جيران المارد الصيني أيضًا، لذا لم يكن غريبًا أن يندفع قسم كبير من الباحثين والمحللين في هذه الأجزاء من العالم لتقصي ومراقبة السلوكيات الصينية الخارجية في محاولة لاستنتاج توجهاتها في هذا الشأن.
لقد شهدت الصين منذ ما يقرب من ربع قرن تجربة تنموية رائدة اجتذبت أنظار العديد من المحللين في محاولة لاستجلاء أسباب وملامح هذا النجاح، خاصة وأن الصين باتت تعد بين مصاف الدول الكبري في عالمنا المعاصر، نظرًا لما تتمتع به من قدرة عسكرية هائلة جعلتها تشغل المكانة الثالثة من حيث القدرة النووية، إضافة لشغلها لنفس المكانة من حيث مستوى حجم الناتج القومي ناهيك عن القوة الديمغرافية الهائلة التي تتمتع بها الصين نظرًا لعدد سكانها الذي بلغ أخيرًا مليارًا وثلاثمائة مليون نسمة.
لقد شهدت الصين منذ ما يقرب من ربع قرن تجربة تنموية رائدة اجتذبت أنظار العديد من المحللين في محاولة لاستجلاء أسباب وملامح هذا النجاح، خاصة وأن الصين باتت تعد بين مصاف الدول الكبري في عالمنا المعاصر، نظرًا لما تتمتع به من قدرة عسكرية هائلة جعلتها تشغل المكانة الثالثة من حيث القدرة النووية، إضافة لشغلها لنفس المكانة من حيث مستوى حجم الناتج القومي ناهيك عن القوة الديمغرافية الهائلة التي تتمتع بها الصين نظرًا لعدد سكانها الذي بلغ أخيرًا مليارًا وثلاثمائة مليون نسمة.
رفعت الصين شعار "فليخدم كل ما هو عالمي كل ما هو صينى"
وفي إطار هذا السياق برزت ظاهرة الصعود الصيني كأحد أهم التوجهات العالمية في القرن الحادي والعشرين، بل وارتأى فيها البعض، وخاصة في حال استمراريتها أقوى هذه التوجهات على الإطلاق خلال القرن الحالي، حيث رفعت الصين شعار "فليخدم كل ما هو عالمي كل ما هو صيني" وهو ما يشير إلى إمكانية تحول القرن الحادي والعشرين الذي أطلق عليه البعض "القرن الآسيوي" نظرًا للدور المتنامي للقارة الآسيوية إلى "القرن الصينى" وذلك في إطار الخطوات العملاقة والمتسارعة التي تقطعها الصين على مسار التنمية، بل توقع البعض أن تشغل الصين التي تتمتع بأسرع معدلات للنمو الاقتصادي، وتنامي ميزانيتها العسكرية المكانة الحالية للولايات المتحدة الأمريكية التي تعد أكبر اقتصاد عالمي منذ أكثر من قرن من الزمان، بحيث يمكن أن تتحول الصين خلال النصف الأول من القرن الحادي والعشرين إلى أكبر قوة اقتصادية على مستوى العالم، وسعي الصين إلى زيادة استثماراتها وتدعيم علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع العديد من المناطق الواعدة وذات الأهمية الجيواستراتيجية على المستوى العالمي، والتي أصبحت موضع اهتمام خاص من القيادة الصينية والرئيس الصيني شي جين بينغ خاصة تللك المناطق التي تتميز بتوفر مصادر الطاقة والمواد الخام مثل أمريكا اللاتينية وأفريقيا، وذلك بهدف تأمين احتياجات الصين الاقتصادية المتسارعة من الطاقة ومواكبة النمو المطرد للاقتصاد الصيني.
ومن هذا المنطلق تستهدف هذه الورقة تحليل ورصد أهم أبعاد ومظاهر السياسة الخارجية الصينية في منطقة أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي، واستجلاء أهم الأهداف الصينية في هذه المنطقة، إضافة إلى تحليل أهم نتائج منتدي التعاون الأول بين الصين ودول أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي " سيلاك" والذي عقد أول اجتماعاته على مستوي الرؤساء يوم 8 و9 يناير 2015 بقاعة الشعب الكبري ببكين، إضافة إلى محاولة تناول أبرز تداعيات هذا المنتدي على الوجود والنفوذ الأمريكي في منطقة أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي التي تعد بمثابة الفناء الخلفي والظهير الإستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية، وعلى درجة عالية من الأهمية الإستراتيجية بالنسبة لواشنطن.
أولًا : البعد الاقتصادي للسياسة الخارجية الصينية في القرن الحادي والعشرين
يري الكاتب الصيني لين ليمين في دراسته بعنوان" أفكار حول الإستراتيجية الخارجية الصينية في القرن الحادي والعشرين" المنشورة في مجلة العلاقات الدولية المعاصرة عدد أبريل عام 2011، أن هناك توافقًا بين الخبراء الصينيين على أن إستراتيجية الصين الخارجية في القرن الحادي والعشرين تهدف إلى تحقيق ثلاثة أهداف كبرى وهي: تعزيز التنمية الاقتصادية، وضمان أمن الدولة، وتحمل مسئوليات دولية حقيقية، وأن المهمة أو التحدي الأكبر هي التوفيق بين هذه الأهداف الثلاثة، وضمان تحقيقها بأعلى قدر ممكن من التوازن والسلاسة والمخاطر الأقل، وبما يحقق الاستجابة المناسبة للبيئة الدولية المتغيرة بحدة.
ومن هذا المنطلق تستهدف هذه الورقة تحليل ورصد أهم أبعاد ومظاهر السياسة الخارجية الصينية في منطقة أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي، واستجلاء أهم الأهداف الصينية في هذه المنطقة، إضافة إلى تحليل أهم نتائج منتدي التعاون الأول بين الصين ودول أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي " سيلاك" والذي عقد أول اجتماعاته على مستوي الرؤساء يوم 8 و9 يناير 2015 بقاعة الشعب الكبري ببكين، إضافة إلى محاولة تناول أبرز تداعيات هذا المنتدي على الوجود والنفوذ الأمريكي في منطقة أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي التي تعد بمثابة الفناء الخلفي والظهير الإستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية، وعلى درجة عالية من الأهمية الإستراتيجية بالنسبة لواشنطن.
أولًا : البعد الاقتصادي للسياسة الخارجية الصينية في القرن الحادي والعشرين
يري الكاتب الصيني لين ليمين في دراسته بعنوان" أفكار حول الإستراتيجية الخارجية الصينية في القرن الحادي والعشرين" المنشورة في مجلة العلاقات الدولية المعاصرة عدد أبريل عام 2011، أن هناك توافقًا بين الخبراء الصينيين على أن إستراتيجية الصين الخارجية في القرن الحادي والعشرين تهدف إلى تحقيق ثلاثة أهداف كبرى وهي: تعزيز التنمية الاقتصادية، وضمان أمن الدولة، وتحمل مسئوليات دولية حقيقية، وأن المهمة أو التحدي الأكبر هي التوفيق بين هذه الأهداف الثلاثة، وضمان تحقيقها بأعلى قدر ممكن من التوازن والسلاسة والمخاطر الأقل، وبما يحقق الاستجابة المناسبة للبيئة الدولية المتغيرة بحدة.
إن إستراتيجية الصين الخارجية في القرن الحادي والعشرين تهدف إلى تحقيق ثلاثة أهداف كبرى وهي: تعزيز التنمية الاقتصادية، وضمان أمن الدولة، وتحمل مسئوليات دولية حقيقية
والواضح أن التنمية الاقتصادية تمثل العمود الفقري للسياسة الخارجية الصينية من جانب، وأيضًا لحل بعض المشكلات الداخلية من جانب آخر على المدى المتوسط واحتواء الضغوط الخارجية المتعلقة بتغيير النظام السياسي الصيني من جانب ثالث، ودور التنمية الاقتصادية وعلاقتها بالسياسة الخارجية الصينية هو دور مزدوج، فهي تمثل هدفًا ووسيلة في الآن ذاته، فبينما تعد هدفًا إستراتيجيًا كبيرًا لتحقيق النمو الاقتصادى، فهي تمثل وسيلة لتحقيق أهداف السياسة الخارجية الأخرى، والفكرة الرئيسية هنا أن التقدم الاقتصادي يعكس مدى التقدم في القوة الشاملة لأية أمة بجوانبها العلمية والتكنولوجيا والعسكرية، وهو أمر جوهري بالنسبة لبيئة دولية يعد التنافس بين الأمم سمة أصيلة فيها.
فالصين تواجه واقع الأمر عددًا من المشكلات والضغوط الشديدة، وهي مشكلات لا يمكن أن تحل عبر حلول قسرية. وبعض هذه الضغوط والمشكلات تنبع من التنمية الناقصة ذاتها، ومن ثم سوف تختفي وفقًا لمسارها العادى، أما المشكلات الأخرى، فإن حلها سيكون مرتبطًا بتحقيق الرخاء الوطني على المستوى القومي ككل، وتوجد العديد من المخاوف لدى الصينيين من احتمال تعثر معدل النمو بعد سنوات من الاعتماد على الاستثمار والصادرات لتحقيق النمو، ولذلك تحاول بكين حاليًا تنفيذ العديد من الإصلاحات الهيكلية من أجل تحويل الاقتصاد القائم بشكل كبير على الاستهلاك ليكون قائمًا على الإنتاج والابتكار، وأيضا تواجه بكين تحديات التدهور البيئي والتي ستكون مكلفة إضافة إلى التحديات الديمغرافية التي هي فريدة من نوعها، حيث إن حجم قوتها العاملة قد وصل لذروته مع احتمال كبير بتقلص عدد السكان بعد عام 2030، وتعاني الصين أيضا قدر من الهشاشة المالية الحالية الذي يمكن أن تؤدي إلى انكماش سريع في سياسة الإقراض الجديدة واحتمال تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمإلى للصين مما يؤدي إلى انكماش معدل الائتمان، ولذلك كان اتجاه بكين لفتح قنوات ومجالات جديدة للاستثمار في العديد من المناطق مثل أمريكا اللاتينية وأفريقيا.
ويقدم الباحث الصيني نموذجًا لهذه النوعية من القضايا المرتبطة بتحقيق الرخاء الوطني القومي وهي نموذج قضية تايوان، والتي تزدهر فيها النزعات الانفصالية، ونظرًا لأن الصين حسب الكاتب الصينى، دولة نووية وليست ضعيفة، فإن القوى الكبرى الأخرى تقف عند حدود معينة في التعاطف مع نزعات تايوان الاستقلالية، ويأتي التفاعل الاقتصادي بين الصين وكل من الولايات المتحدة واليابان ليدعم من إحجام هذه القوى عن دعم استقلال تايوان.
الأمر ذاته بالنسبة لقضية حقوق الإنسان، والتي تشكل مدخلًا لضغوط خارجية تزايدت حدتها في فترات مختلفة منذ عقد التسعينيات من القرن الماضى، وهو ما يمكن إفشاله حسب الخبير الصيني لين ليمين " إذا استمر انبعاث وتطور الاقتصاد الصيني، والذي سيترجم نفسه في ارتفاع مستويات المعيشة والمستوى الثقافي، وبذلك تقل الآفات الاجتماعية والتخلف، وتسفر عن دعم شعبي أكبر للحكومة وللنظام الاشتراكي، وبناء على ذلك سيصبح أكثر صعوبة على الغرب التذرع بأي جلبة حول حقوق الإنسان".
فالصين تواجه واقع الأمر عددًا من المشكلات والضغوط الشديدة، وهي مشكلات لا يمكن أن تحل عبر حلول قسرية. وبعض هذه الضغوط والمشكلات تنبع من التنمية الناقصة ذاتها، ومن ثم سوف تختفي وفقًا لمسارها العادى، أما المشكلات الأخرى، فإن حلها سيكون مرتبطًا بتحقيق الرخاء الوطني على المستوى القومي ككل، وتوجد العديد من المخاوف لدى الصينيين من احتمال تعثر معدل النمو بعد سنوات من الاعتماد على الاستثمار والصادرات لتحقيق النمو، ولذلك تحاول بكين حاليًا تنفيذ العديد من الإصلاحات الهيكلية من أجل تحويل الاقتصاد القائم بشكل كبير على الاستهلاك ليكون قائمًا على الإنتاج والابتكار، وأيضا تواجه بكين تحديات التدهور البيئي والتي ستكون مكلفة إضافة إلى التحديات الديمغرافية التي هي فريدة من نوعها، حيث إن حجم قوتها العاملة قد وصل لذروته مع احتمال كبير بتقلص عدد السكان بعد عام 2030، وتعاني الصين أيضا قدر من الهشاشة المالية الحالية الذي يمكن أن تؤدي إلى انكماش سريع في سياسة الإقراض الجديدة واحتمال تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمإلى للصين مما يؤدي إلى انكماش معدل الائتمان، ولذلك كان اتجاه بكين لفتح قنوات ومجالات جديدة للاستثمار في العديد من المناطق مثل أمريكا اللاتينية وأفريقيا.
ويقدم الباحث الصيني نموذجًا لهذه النوعية من القضايا المرتبطة بتحقيق الرخاء الوطني القومي وهي نموذج قضية تايوان، والتي تزدهر فيها النزعات الانفصالية، ونظرًا لأن الصين حسب الكاتب الصينى، دولة نووية وليست ضعيفة، فإن القوى الكبرى الأخرى تقف عند حدود معينة في التعاطف مع نزعات تايوان الاستقلالية، ويأتي التفاعل الاقتصادي بين الصين وكل من الولايات المتحدة واليابان ليدعم من إحجام هذه القوى عن دعم استقلال تايوان.
الأمر ذاته بالنسبة لقضية حقوق الإنسان، والتي تشكل مدخلًا لضغوط خارجية تزايدت حدتها في فترات مختلفة منذ عقد التسعينيات من القرن الماضى، وهو ما يمكن إفشاله حسب الخبير الصيني لين ليمين " إذا استمر انبعاث وتطور الاقتصاد الصيني، والذي سيترجم نفسه في ارتفاع مستويات المعيشة والمستوى الثقافي، وبذلك تقل الآفات الاجتماعية والتخلف، وتسفر عن دعم شعبي أكبر للحكومة وللنظام الاشتراكي، وبناء على ذلك سيصبح أكثر صعوبة على الغرب التذرع بأي جلبة حول حقوق الإنسان".
إن منطقة أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي هي المحطة التالية في التوسع العالمي للأجندة الصينية لما لديها من موارد وإمكانية التطور الهائل لاقتصاداتها الناشئة
ثانيًا - أهداف الصين في أمريكا اللاتينية: "التعاون بين الجنوب والجنوب: شراكة إستراتيجية للتنمية المشتركة"
بالنظر إلى مستجدات السياسة العالمية فإنه يتبدّى أن نفوذ الصين المتزايد على الشؤون الدولية قد أصبح أكثر وضوحًا مما كانت عليه في أمريكا اللاتينية، وهي منطقة تعتبر بمثابة " الفناء الخلفي" والظهير الإستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية، حيث إن منطقة أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي هي المحطة التالية في التوسع العالمي للأجندة الصينية مع تزايد التوجهات الصينية تجاه أمريكا اللاتينية لما لديها من موارد طبيعية وفيرة وقاعدة جيدة للنمو الاقتصادي وإمكانية التطور الهائل لاقتصاداتها الناشئة.
إن الصين التي خرجت من العديد من الأزمات المالية العالمية التي تعرضت لها وكان آخرها في عام 2007- 2008 ومن بعدها تطور النمو الاقتصادي للصين، وزادت الصادرات وارتفع معدل الاستثمار في الصين إلى نحو 50% من الناتج المحلي الإجمالي، حيث أصبحت الصين بمثابة زعيم دولي أكثر مصداقية واحترامًا، وهذا هو بالضبط صورة الصين في أمريكا اللاتينية، حيث لا تعتبر الصين كبديل عن الهيمنة الأمريكية في هذه المنطقة، ولكن ينظر إليها أيضا بأنها شريك جيد وذات مصداقية، حيث تتمتع الصين بصورة ايجابية بين بلدان أمريكا اللاتينية.
وبالتإلى فإن أهداف الصين في أمريكا اللاتينية هذه الآونة تختلف بشكل كبير عن عام 1960، حيث كانت الثورة الماوية لماوتسي تونج بمثابة السلعة الرئيسية المصدرة لأمريكا اللاتينية، فالسياسة الصينية تجاه أمريكا اللاتينية هي واقعية إلى حد كبير بدلًا من التمسك بالدوافع والمعتقدات الإيديولوجية، حيث إن الصين تقدم نموذجًا تنمويًا جديدًا أكثر جاذبية لبلدان أمريكا اللاتينية، وهناك عدة مؤشرات لهذا النموذج الجديد وهي تزايد الاتفاقيات الثنائية الموقعة بين الصين ودول أمريكا اللاتينية من قطاعات التعليم إلى السياحة والطيران إضافة إلى استغلال الموارد الطبيعية. حيث قفز حجم التجارة بين الصين وأمريكا اللاتينية من 10 مليارات دولار عام 2000 إلى 102 مليار دولار عام 2007، مع تعهد بكين بزيادة استثماراتها المباشرة في الفترة القادمة إلى 500 مليار دولار، ولذلك تعتبر بكين بديلًا حقيقيًا للنفوذ السياسي والاقتصادي للولايات المتحدة في هذه المنطقة اعتمادا على النموذج الصيني الدبلوماسي المرتكز على سياسة القوة الناعمة والعالم متعدد الأقطاب ومبدأ عدم التدخل.
إن التعاون بين الجنوب والجنوب كإستراتيجية للشراكة والتنمية المشتركة بين الصين وأمريكا اللاتينية هو الطرح الأساسي الذي يستخدمه القادة الصينيون لتأطير العلاقة بين الجانبين والذين أصبحوا زوارًا متكررين إلى منطقة أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي، وخاصة الرئيس الصيني السابق هوجينتاو الذي قام بزيارة المنطقة ثلاثة مرات في أقل من خمس سنوات خلال فترة حكمه، حيث إن استغلال بكين للأسس الاجتماعية للقوة الناعمة الصينية ونقل التكنولوجيا والتنمية المتكاملة كانت بمثابة المفتاح لهذا الارتباط والعلاقة المتنامية بين الجانبين، فالقوة الناعمة التي تمارسها بكين تعتمد بشكل كبير على المجتمعات الصينية التي بدأت تزدهر في منطقة أمريكا اللاتينية منذ أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، فوصول أول المهاجرين الصينيين إلى أمريكا اللاتينية وإلى كوبا تحديدًا في عام 1847 ومنذ ذلك الحين بدأت تتشكل المجتمعات الصينية ( China Towns ) في هذه المنطقة، والتي أصبحت راسخة في معظم بلدان أمريكا اللاتينية وكانت بمثابة مفتاح القوة الناعمة التي تمارسها الصين في هذه المنطقة، وهذه هي الحال في المكسيك وبيرو وكوستاريكا وبنما والتي تضم أكبر عدد من المهاجرين الصينيين، حيث إن زعماء وقادة الحي الصيني في هذه الدول يلعبون دورًا مركزيًا في إجراء الاتصالات وبناء الشراكات التجارية مع المستثمرين الصينيين لإقامة مراكز صناعية وتكنولوجية كما هي الحال في مدينة مكسيكالي بشمال المكسيك.
وبناءً على ما سبق يمكن القول؛ إن الأهداف الرئيسية للصين في أمريكا اللاتينية ليست اقتصادية فقط، وإنما تأمل بكين أيضًا في كسب التأييد والدعم السياسي لهذه المنطقة، ولكن الأولوية الأكثر وضوحًا هي تعزيز العلاقات الاقتصادية بين الصين وأمريكا اللاتينية حيث ارتفعت حجم التجارة بين الجانبين في السنوات الـ 15 الماضية لترتفع القيمة الإجمالية لحجم التجارة من 12 مليار دولار في عام 2000 إلى 261 مليار دولار عام 2013، وما زال هناك مجال للنمو بحجم التجارة الثنائية بين الجانبين كدول فرادي حيث إنها منخفضة نسبيًا، حيث صعدت الصين لتكون ثاني أكبر شريك تجاري لأمريكا اللاتينية بعد الولايات المتحدة الأمريكية.
• مصالح إستراتيجية لبكين: التنين الصيني والطموحات الاقتصادية في أمريكا اللاتينية:
بالإضافة إلى الفوائد الاقتصادية للتجارة الثنائية بين الجانبين، فبكين لديها مصالح إستراتيجية في أمريكا اللاتينية كمصدر للطاقة والواردات الزراعية والموارد الطبيعية الأخرى، فالصين تسعى إلى تنويع وارداتها من الطاقة بأكبر قدر ممكن، خاصة مع تردي وتدهور الأوضاع نسبيًا في منطقة الشرق الأوسط بعد ثورات الربيع العربي وحالة عدم الاستقرار الإقليمي، فبكين كانت منذ فترة طويلة على علاقة جيدة مع دولة مهمة مصدرة للنفط وهي فنزويلا، وسعت على نحو متزايد للاستثمار في صناعة النفط في البرازيل.
بالنظر إلى مستجدات السياسة العالمية فإنه يتبدّى أن نفوذ الصين المتزايد على الشؤون الدولية قد أصبح أكثر وضوحًا مما كانت عليه في أمريكا اللاتينية، وهي منطقة تعتبر بمثابة " الفناء الخلفي" والظهير الإستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية، حيث إن منطقة أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي هي المحطة التالية في التوسع العالمي للأجندة الصينية مع تزايد التوجهات الصينية تجاه أمريكا اللاتينية لما لديها من موارد طبيعية وفيرة وقاعدة جيدة للنمو الاقتصادي وإمكانية التطور الهائل لاقتصاداتها الناشئة.
إن الصين التي خرجت من العديد من الأزمات المالية العالمية التي تعرضت لها وكان آخرها في عام 2007- 2008 ومن بعدها تطور النمو الاقتصادي للصين، وزادت الصادرات وارتفع معدل الاستثمار في الصين إلى نحو 50% من الناتج المحلي الإجمالي، حيث أصبحت الصين بمثابة زعيم دولي أكثر مصداقية واحترامًا، وهذا هو بالضبط صورة الصين في أمريكا اللاتينية، حيث لا تعتبر الصين كبديل عن الهيمنة الأمريكية في هذه المنطقة، ولكن ينظر إليها أيضا بأنها شريك جيد وذات مصداقية، حيث تتمتع الصين بصورة ايجابية بين بلدان أمريكا اللاتينية.
وبالتإلى فإن أهداف الصين في أمريكا اللاتينية هذه الآونة تختلف بشكل كبير عن عام 1960، حيث كانت الثورة الماوية لماوتسي تونج بمثابة السلعة الرئيسية المصدرة لأمريكا اللاتينية، فالسياسة الصينية تجاه أمريكا اللاتينية هي واقعية إلى حد كبير بدلًا من التمسك بالدوافع والمعتقدات الإيديولوجية، حيث إن الصين تقدم نموذجًا تنمويًا جديدًا أكثر جاذبية لبلدان أمريكا اللاتينية، وهناك عدة مؤشرات لهذا النموذج الجديد وهي تزايد الاتفاقيات الثنائية الموقعة بين الصين ودول أمريكا اللاتينية من قطاعات التعليم إلى السياحة والطيران إضافة إلى استغلال الموارد الطبيعية. حيث قفز حجم التجارة بين الصين وأمريكا اللاتينية من 10 مليارات دولار عام 2000 إلى 102 مليار دولار عام 2007، مع تعهد بكين بزيادة استثماراتها المباشرة في الفترة القادمة إلى 500 مليار دولار، ولذلك تعتبر بكين بديلًا حقيقيًا للنفوذ السياسي والاقتصادي للولايات المتحدة في هذه المنطقة اعتمادا على النموذج الصيني الدبلوماسي المرتكز على سياسة القوة الناعمة والعالم متعدد الأقطاب ومبدأ عدم التدخل.
إن التعاون بين الجنوب والجنوب كإستراتيجية للشراكة والتنمية المشتركة بين الصين وأمريكا اللاتينية هو الطرح الأساسي الذي يستخدمه القادة الصينيون لتأطير العلاقة بين الجانبين والذين أصبحوا زوارًا متكررين إلى منطقة أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي، وخاصة الرئيس الصيني السابق هوجينتاو الذي قام بزيارة المنطقة ثلاثة مرات في أقل من خمس سنوات خلال فترة حكمه، حيث إن استغلال بكين للأسس الاجتماعية للقوة الناعمة الصينية ونقل التكنولوجيا والتنمية المتكاملة كانت بمثابة المفتاح لهذا الارتباط والعلاقة المتنامية بين الجانبين، فالقوة الناعمة التي تمارسها بكين تعتمد بشكل كبير على المجتمعات الصينية التي بدأت تزدهر في منطقة أمريكا اللاتينية منذ أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، فوصول أول المهاجرين الصينيين إلى أمريكا اللاتينية وإلى كوبا تحديدًا في عام 1847 ومنذ ذلك الحين بدأت تتشكل المجتمعات الصينية ( China Towns ) في هذه المنطقة، والتي أصبحت راسخة في معظم بلدان أمريكا اللاتينية وكانت بمثابة مفتاح القوة الناعمة التي تمارسها الصين في هذه المنطقة، وهذه هي الحال في المكسيك وبيرو وكوستاريكا وبنما والتي تضم أكبر عدد من المهاجرين الصينيين، حيث إن زعماء وقادة الحي الصيني في هذه الدول يلعبون دورًا مركزيًا في إجراء الاتصالات وبناء الشراكات التجارية مع المستثمرين الصينيين لإقامة مراكز صناعية وتكنولوجية كما هي الحال في مدينة مكسيكالي بشمال المكسيك.
وبناءً على ما سبق يمكن القول؛ إن الأهداف الرئيسية للصين في أمريكا اللاتينية ليست اقتصادية فقط، وإنما تأمل بكين أيضًا في كسب التأييد والدعم السياسي لهذه المنطقة، ولكن الأولوية الأكثر وضوحًا هي تعزيز العلاقات الاقتصادية بين الصين وأمريكا اللاتينية حيث ارتفعت حجم التجارة بين الجانبين في السنوات الـ 15 الماضية لترتفع القيمة الإجمالية لحجم التجارة من 12 مليار دولار في عام 2000 إلى 261 مليار دولار عام 2013، وما زال هناك مجال للنمو بحجم التجارة الثنائية بين الجانبين كدول فرادي حيث إنها منخفضة نسبيًا، حيث صعدت الصين لتكون ثاني أكبر شريك تجاري لأمريكا اللاتينية بعد الولايات المتحدة الأمريكية.
• مصالح إستراتيجية لبكين: التنين الصيني والطموحات الاقتصادية في أمريكا اللاتينية:
بالإضافة إلى الفوائد الاقتصادية للتجارة الثنائية بين الجانبين، فبكين لديها مصالح إستراتيجية في أمريكا اللاتينية كمصدر للطاقة والواردات الزراعية والموارد الطبيعية الأخرى، فالصين تسعى إلى تنويع وارداتها من الطاقة بأكبر قدر ممكن، خاصة مع تردي وتدهور الأوضاع نسبيًا في منطقة الشرق الأوسط بعد ثورات الربيع العربي وحالة عدم الاستقرار الإقليمي، فبكين كانت منذ فترة طويلة على علاقة جيدة مع دولة مهمة مصدرة للنفط وهي فنزويلا، وسعت على نحو متزايد للاستثمار في صناعة النفط في البرازيل.
تعاظم زخم الشراكة الإستراتيجية بين الصين ودول أمريكا اللاتينية مع انعقاد منتدي التعاون الأول بين الصين ودول أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي CELAC”" والذي يضم 33 دولة
إن الصين باعتبارها ثاني أكبر اقتصاد في العالم كانت لديها دائمًا رغبة في البحث عن أسواق وموارد جديدة للحفاظ على مستوى النمو الاقتصادي لديها كنتيجة حتمية لهذا النمو المتزايد، فعلى الرغم من تركز نشاطها في فترات سابقة في أفريقيا وآسيا الوسطى، فإن أمريكا اللاتينية أضحت منطقة ذات أهمية قصوي لبكين، فلقد اجتذبت آفاق أمريكا اللاتينية اهتمامًا جديًا وخصوصًا من الشركات الصينية وواضعي السياسات الصينيون الذين كانوا حريصين على الاستفادة من الفرص المتنامية في هذه المنطقة والحصول على المواد الخام منها، ففي عهد الرئيس الصيني السابق هوجينتاو عمّقت بكين علاقاتها مع دول أمريكا اللاتينية، حيث نمت الصادرات الصينية لأمريكا اللاتينية بشكل كبير من 6.9 مليار دولار عام 2000 إلى 70 مليار دولار في عام 2008. وعلى الرغم من هذه الزيادات الكبيرة، فإن الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي لا يزالان متقدمين على الصين من حيث التدفقات التجارية مع أمريكا اللاتينية.
ومن حيث الاستثمار الأجنبي المباشر (FDI) كانت أمريكا اللاتينية تحصل على 11.4% من اجمإلى الاستثمارات المباشرة الصينية عام 2011 مما يجعل المنطقة ثاني أكبر متلقى للاستثمارات الصينية المباشرة وراء هونج كونج فقط، وقفزت الاستثمارات الصينية في أمريكا اللاتينية من 1 إلى 9% من إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر في هذه المنطقة، مما يجعل الصين ثالث أكبر مستثمر في أمريكا اللاتينية وراء هولندا والولايات المتحدة الأمريكية، حيث قدمت بكين قروضًا ضخمة للعديد من دول منطقة أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي على مدى الأعوام العشرة الماضية تقدر بنحو 75 مليار دولار.
إن الصين لديها أيضًا رغبة قوية في الاستثمار في قطاع البنية التحتية "“Infrastructure في العديد من دول أمريكا اللاتينية، حيث إن شركةCNR الصينية المحدودة كانت المستفيد الأكبر من إعلان البرازيل عام 2010 رغبتها في تطوير شبكات السكك الحديدية استعدادًا لنهائيات كأس العالم 2014 ودورة الألعاب الأولمبية الصيفية 2016، حيث ناقش الرئيس الصيني شي جين بينغ هذه المشروعات خلال زيارته للبرازيل في يوليو من العام الماضي، بالإضافة إلى مناقشة مشروع ضخم لإقامة خطوط سكك حديدية عابرة للقارة من ساحل بيرو الغربي إلى الساحل الشرقي للبرازيل.
وتستغل الصين هذه المشاريع لتكون بمثابة دفع للقوة الناعمة الصينية في هذه المنطقة، وبهدف كسب حسن ظن البلدان النامية في أمريكا اللاتينية واهتمام بكين بزيادة التبادلات وتدعيم العلاقات الثقافية، وإنشائها المزيد من معاهد كونفوشيوس، حيث يوجد حاليا ما يقرب من 32 معهدًا كونفوشيوس في العديد من دول أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي.
ويضاف إلى ما تقدم، أنه في السنوات الأخيرة ازدادت الاستثمارات الصينية المباشرة إلى حد كبير في دول أمريكا اللاتينية، حيث تم توجيه الاستثمار بشكل رئيسي في الأرجنتين، والبرازيل، وبيرو، وإلى حد أقل في الإكوادور والمكسيك، وقد تركزت الاستثمارات أساسًا في قطاعات الزراعة والطاقة والتعدين، وإلى حد أقل في قطاع الاتصالات والسيارات والسكك الحديدية. وفي الآونة الأخيرة بدأت الاستثمارات الصينية أيضًا في القطاع المصرفي من خلال عمليات الاستحواذ والشراء التي قام بها البنك التجاري والصناعي الصيني CCBC للعديد من البنوك متوسطة الحجم في الأرجنتين والبرازيل.
ثالثًا: منتدى التعاون بين الصين ودول أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي (سيلاك): "تطور إستراتيجي وشراكة مستقبلية"
لقد تعاظم زخم الشراكة الإستراتيجية بين الصين ودول أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي مع انعقاد منتدي التعاون الأول بين الصين ودول أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي CELAC”" يوم 8 و9 يناير الماضي في العاصمة الصينية بكين، حيث ترأس الرئيس الصيني شي جين بينغ افتتاح أعمال المنتدى، وهو المنتدى الأول من نوعه بين الصين ودول تجمع سيلاك، وكان البند الرئيسي لجدول أعمال المنتدي هو وضع لوائح وقواعد لإقامة اللقاءات وتوفير ضمانات لتنفيذ الخطط المشتركة وتشكيل توافق سياسى. والجدير بالذكر في هذا السياق، أن تجمع سيلاك الذي تأسس في ديسمبر عام 2011 في العاصمة الفنزويلية كراكاس يضم 33 دولة من دول أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي إضافة إلى المكسيك.
ومن حيث الاستثمار الأجنبي المباشر (FDI) كانت أمريكا اللاتينية تحصل على 11.4% من اجمإلى الاستثمارات المباشرة الصينية عام 2011 مما يجعل المنطقة ثاني أكبر متلقى للاستثمارات الصينية المباشرة وراء هونج كونج فقط، وقفزت الاستثمارات الصينية في أمريكا اللاتينية من 1 إلى 9% من إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر في هذه المنطقة، مما يجعل الصين ثالث أكبر مستثمر في أمريكا اللاتينية وراء هولندا والولايات المتحدة الأمريكية، حيث قدمت بكين قروضًا ضخمة للعديد من دول منطقة أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي على مدى الأعوام العشرة الماضية تقدر بنحو 75 مليار دولار.
إن الصين لديها أيضًا رغبة قوية في الاستثمار في قطاع البنية التحتية "“Infrastructure في العديد من دول أمريكا اللاتينية، حيث إن شركةCNR الصينية المحدودة كانت المستفيد الأكبر من إعلان البرازيل عام 2010 رغبتها في تطوير شبكات السكك الحديدية استعدادًا لنهائيات كأس العالم 2014 ودورة الألعاب الأولمبية الصيفية 2016، حيث ناقش الرئيس الصيني شي جين بينغ هذه المشروعات خلال زيارته للبرازيل في يوليو من العام الماضي، بالإضافة إلى مناقشة مشروع ضخم لإقامة خطوط سكك حديدية عابرة للقارة من ساحل بيرو الغربي إلى الساحل الشرقي للبرازيل.
وتستغل الصين هذه المشاريع لتكون بمثابة دفع للقوة الناعمة الصينية في هذه المنطقة، وبهدف كسب حسن ظن البلدان النامية في أمريكا اللاتينية واهتمام بكين بزيادة التبادلات وتدعيم العلاقات الثقافية، وإنشائها المزيد من معاهد كونفوشيوس، حيث يوجد حاليا ما يقرب من 32 معهدًا كونفوشيوس في العديد من دول أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي.
ويضاف إلى ما تقدم، أنه في السنوات الأخيرة ازدادت الاستثمارات الصينية المباشرة إلى حد كبير في دول أمريكا اللاتينية، حيث تم توجيه الاستثمار بشكل رئيسي في الأرجنتين، والبرازيل، وبيرو، وإلى حد أقل في الإكوادور والمكسيك، وقد تركزت الاستثمارات أساسًا في قطاعات الزراعة والطاقة والتعدين، وإلى حد أقل في قطاع الاتصالات والسيارات والسكك الحديدية. وفي الآونة الأخيرة بدأت الاستثمارات الصينية أيضًا في القطاع المصرفي من خلال عمليات الاستحواذ والشراء التي قام بها البنك التجاري والصناعي الصيني CCBC للعديد من البنوك متوسطة الحجم في الأرجنتين والبرازيل.
ثالثًا: منتدى التعاون بين الصين ودول أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي (سيلاك): "تطور إستراتيجي وشراكة مستقبلية"
لقد تعاظم زخم الشراكة الإستراتيجية بين الصين ودول أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي مع انعقاد منتدي التعاون الأول بين الصين ودول أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي CELAC”" يوم 8 و9 يناير الماضي في العاصمة الصينية بكين، حيث ترأس الرئيس الصيني شي جين بينغ افتتاح أعمال المنتدى، وهو المنتدى الأول من نوعه بين الصين ودول تجمع سيلاك، وكان البند الرئيسي لجدول أعمال المنتدي هو وضع لوائح وقواعد لإقامة اللقاءات وتوفير ضمانات لتنفيذ الخطط المشتركة وتشكيل توافق سياسى. والجدير بالذكر في هذا السياق، أن تجمع سيلاك الذي تأسس في ديسمبر عام 2011 في العاصمة الفنزويلية كراكاس يضم 33 دولة من دول أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي إضافة إلى المكسيك.
زادت الروابط بين الصين وأمريكا اللاتينية بعدما تم الاتفاق على إنشاء صندوق للسيولة المالية لدول منظمة بريكس بقيمة 100 مليار دولار في عام 2015
وتتبدى أهمية هذا المنتدى في أنه طرح برنامج عمل للتعاون بين الصين وأمريكا اللاتينية من عام 2015- 2019، حيث طرحت بكين بعض الأهداف الطموح التي تسعى إلى تحقيقها مع دول تجمع سيلاك، فالتصريحات الرسمية للمتحدث الرسمي لوزارة الخارجية الصينية هونغ لي تؤكد أن الصين تريد زيادة استثماراتها المباشرة في منطقة أمريكا اللاتينية إلى 250 مليار دولار بحلول عام 2025، وتعهدت الصين أيضًا بزيادة حجم التجارة الثنائية إلى 500 مليار دولار في نفس الإطار الزمني، أي ما يقرب من ضعف قيمة التجارة بين الصين وأمريكا اللاتينية في عام 2013 والذي بلغ 261 مليار دولار، وهذا من المرجح أن يعزز موقف الصين في هذه المنطقة باعتبارها ثاني أكبر شريك تجاري للمنطقة وراء الولايات المتحدة التي بلغ حجم تجارتها مع أمريكا اللاتينية نحو850 مليار دولار عام 2013.
وتأمل القيادة الصينية متمثلة في الرئيس شي جين بنغ من منتدي الصين – سيلاك أن يكون له تأثير بعيد المدى على تعزيز التعاون فيما بلدان الجنوب وتحقيق الازدهار، حيث إن إستراتيجية الصين تتلخص في استخدام التمويل لتأمين الموارد من كل من أفريقيا وأمريكا اللاتينية، وهو التكتيك الذي كان ناجحًا بشكل خاص في الدول الغنية بالنفط مثل فنزويلا والإكوادور، فالصين تسعي لتطوير السوق الاستهلاكية الخاصة بها بعد سنوات من التوسع بهدف زيادة معدل الصادرات الصينية.
وقد بدأت البنوك الصينية أخيرًا دخول الأسواق المالية في أمريكا اللاتينية، ورغم أن حجم هذه الاستثمارات المالية صغير نسبيًا فإنه من المتوقع أن تتوسع مستقبلًا، حيث إن وجود البنوك الصينية يمثل تطورًا إيجابيًا بالنسبة للمنطقة من حيث دورها في توفير التمويل التجاري، وبالتالي دعم نمو التدفقات التجارية بين أمريكا اللاتينية وبكين، فوجود البنوك الصينية في تلك المنطقة يعكس إستراتيجية بكين لزيادة التمويل نظرًا لتنامي دور الشركات الصينية بهذه المنطقة.
وزادت الروابط بين الصين وأمريكا اللاتينية أيضًا في الآونة الأخيرة على المستوى الرسمي، ففي سبتمبر عام 2013 تم الاتفاق على إنشاء صندوق للسيولة المالية لدول منظمة بريكس بقيمة 100 مليار دولار في عام 2015، ويتوقع أن تكون مساهمة الصين فيها بقيمة 41 مليار دولار ومساهمة روسيا 18 مليار دولار وجنوب أفريقيا 5 مليارات دولار، بالإضافة لمساهمة البرازيل والهند بنحو 36 مليار دولار، وفي هذا الإطار وضعت البنوك المركزية في الأرجنتين والبرازيل اتفاقيات للتبادل بالعملات المحلية مع بنك الصين الشعبية، والهدف الرئيسي من هذه الاتفاقيات هو تحسين فرص الحصول على التمويل الخارجي وتجنب الاضطرابات في أسواق المال الدولية، وهذه المبادرات تلعب في نهاية المطاف دورًا مفيدًا في الحد من تعرض المنطقة للصدمات الخارجية.
إن بكين أيضًا تبدي اهتمامًا كبيرًا للعديد من دول أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي مثل ترينيداد وتوباجو "لؤلؤة البحر الكاريبى" التي زارها الرئيس شي جين بنغ في يونيو 2013 وذلك لنموها المطرد واحتياطيات النفط والغاز بها والتي جعلتها مركزًا للنفط، إضافة إلى كوستاريكا التي تعد واحدة من أقدم الديمقراطيات في العالم ولاعبًا رئيسيًا في مجال الطاقة المتجددة، إضافة إلى المكسيك التي لديها ثاني أكبر اقتصاد في أمريكا اللاتينية مع تطور صناعة النفط لديها، فالمحصلة النهائية لذلك فإن هذه الدول تقدم لبكين مصدرا ثابتا وموثوقا به من الطاقة لتغذية اقتصادها المتنامي.
وتسعي بكين من خلال هذا التجمع إلى تحسين وتعزيز صورة الصين في العالم النامي، حيث تؤكد بكين دومًا على فكرة" الصعود السلمى" في الجغرافيا السياسية وتسعى جاهدة لمحاربة الاعتقاد بأن الصين تسعى لمزاحمة غيرها من البلدان الناشئة والصاعدة والهيمنة عليها. فبكين تحاول إثبات أنها يمكن أن تكون لها علاقات متناغمة مع أي دولة مهما كان حجمها أو وضعها، وعلى الرغم من ذلك فإن العلاقات الاقتصادية بين الصين وأمريكا اللاتينية معقدة بسبب حقيقة أن اقتصادات هذه المنطقة ليست متكاملة تمامًا، حيث إن الحجم الهائل والقدرة التنافسية للصناعة الصينية مثلت ضغوطًا على العديد من الشركات في جميع أنحاء أمريكا اللاتينية خاصة المكسيك التي تحملت العبء الأكبر من القدرة التنافسية الصناعية الصينية، إضافة إلى وجود عجز تجاري كبير في الميزان التجاري بين البلدين لصالح الصين يقدر بـ 57 مليار دولار قيمة البضائع الصينية المصدرة للمكسيك مقابل 5.7 مليار دولار قيمة الصادرات المكسيكية لبكين.
رابعًا : هواجس واشنطن حول التطلعات الصينية في أمريكا اللاتينية:" واشنطن ومحاولة ترويض الخطر الصيني"
في هذا الصدد، تنظر الولايات المتحدة الأمريكية للصعود الصيني على كونه عائقًا في مواجهة الرغبة الأمريكية في الهيمنة الأمريكية على الشئون العالمية، خاصة في سياق اختلاف رؤية كل منهما لطبيعة النظام الدولى، إذ ترفض بكين فكرة الهيمنة الأمريكية على شئون العالم، كما ترفض فكرة الزعامة الدولية، وتؤكد بدلًا من ذلك على أن أي نظام عالمي لا بد أن يقوم على مبدأ أن كل الدول صغيرة أو كبيرة يجب أن تتساوى في العلاقات الدولية، مع التركيز على رفض فكرة التدخل في الشئون الداخلية للدول وضرورة احترام قرارات الأمم المتحدة، والتأكيد على أن النظام متعدد الأقطاب هو النظام الأمثل لتحقيق التنمية السياسية والاقتصادية على المستوى الدولي، وبذلك تختلف رؤية كل منهما لطبيعة النظام الدولي، ومن ثم تحاول الولايات المتحدة عرقلة وتقويض الصعود الصيني والوجود الصيني المتزايد في العديد من المناطق الحيوية والإستراتيجية على مستوي العالم ومنها منطقة أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي، وتحجيم الدور الصيني العالمي ذلك من خلال فرض العقوبات والضغط على بكين في قضايا حقوق الإنسان والديمقراطية وقضية تايوان، وكذلك العمل على دعم التحالف الأمريكي مع القوي الأخرى في آسيا مثل اليابان وكوريا الجنوبية، وبسط النفوذ الأمريكي في المجال الحيوي للصين بقارة آسيا، ففي العقد الأول من هذا القرن، نما الاقتصاد الصيني من 8% من حجم الاقتصاد الأمريكي إلى أكثر من نصف حجم الاقتصاد الأمريكي. فالاقتصاد الصيني يتباطأ بشكل واضح أسفل معدل نمو 10%، وفي عام 2015 فإنه من المرجح أن يكون معدل النمو 7% وفي هذه الحالة سوف تتفوق الصين على الولايات المتحدة كأكبر اقتصاد في نحو عقد من الزمان، حيث إنه من المتوقع بحلول منتصف القرن الحالي أن يكون أكبر بمقدار ضعف الحجم الحالي.
فمع سعي بكين إلى تعميق وتعظيم نفوذها في أمريكا اللاتينية تتزايد حدة المنافسة والصراع بين بكين وواشنطن في المنطقة التي تعتبر تقليديًا "الفناء الخلفي للولايات المتحدة" وتعتبر واشنطن الانخراط الصيني المتزايد في هذه المنطقة بمثابة تقليل لنفوذها لدى أعضاء مجموعة سيلاك وبمثابة حصار وتطويق اقتصادي صيني لمصالح واشنطن الإستراتيجية بالمنطقة، ففي اجتماع تجمع سيلاك العام الماضي 2014 الذي شهد توترات بين واشنطن وكوبا بسبب الحصار الأمريكي على كوبا، حيث حذر الرئيس الكوبي راؤول كاسترو نظراءه من دول أمريكا اللاتينية من التلاعب مع الولايات المتحدة بعد أن فقدت السيطرة على هذه المنطقة الغنية بالنفط، وكان الإعلان عن عقد منتدي الصين – سيلاك بمثابة وسيلة لتجنب الاعتماد المفرط على واشنطن، ولكن في ديسمبر الماضي ومع إعلان الولايات المتحدة خططها لاستعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع كوبا، فإن ذلك من شأنه أن يسهم في تحسين مكانة وصورة واشنطن بهذه المنطقة، وبالنسبة لبكين فإن هذا التحول في سياسة واشنطن قد يعني تحولًا في المشهد السياسي في أمريكا اللاتينية بما قد يهدد جهودها لتعزيز نفوذها في الفناء الخلفي لواشنطن.
وختامًا يمكن القول إن بكين تسعي جاهدة لاستغلال هذا المنتدي للتعاون بين الصين ودول أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي، إضافة إلى المشاريع العديدة المشتركة ليس فقط باعتبارها وسيلة لتدعيم العلاقات الاقتصادية ولخدمة مصالحها في هذه المنطقة، ولكن أيضًا كأداة دبلوماسية، فالمبادرات والمشاريع الإنمائية التي تقدمها بكين لدول أمريكا اللاتينية دليل على حسن نية بكين تجاه هذه الدول النامية، فالرئيس الإكوادوري رافائيل كوريا على سبيل المثال، صرح قبل ذلك "أنه يرى أن الإكوادور باعتبارها واحدة من أصغر الدول في أمريكا الجنوبية تلقى الاحترام من الصين التي تقدم المساعدات لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في بلاده، ويقول إن حياة المواطن الإكوادوري تحسنت بفضل الدعم الصيني في العديد من المشاريع الإنمائية".
إن أمل الصين في أن أدوات تقديم الدعم الاقتصادي ووسائل القوة الناعمة سوف تترجم في الأمد المنظور إلى الدعم السياسي، وهي إستراتيجية بكين التي استخدمتها من قبل في أفريقيا وأثبتت نجاحًا كبيرًا، فبكين تركز على الشراكة السياسية جنب إلى جنب مع تطوير التعاون الاقتصادي وتأسيس لعهد جديد من العلاقات الإستراتيجية بين الجانبين بوضع حلول وخيارات إبداعية مبتكرة تعظم الفوائد على جميع الأطرف بأقصى درجة ممكنة.
___________________
باحث دكتوراه في العلوم السياسية - جامعة القاهرة
وتأمل القيادة الصينية متمثلة في الرئيس شي جين بنغ من منتدي الصين – سيلاك أن يكون له تأثير بعيد المدى على تعزيز التعاون فيما بلدان الجنوب وتحقيق الازدهار، حيث إن إستراتيجية الصين تتلخص في استخدام التمويل لتأمين الموارد من كل من أفريقيا وأمريكا اللاتينية، وهو التكتيك الذي كان ناجحًا بشكل خاص في الدول الغنية بالنفط مثل فنزويلا والإكوادور، فالصين تسعي لتطوير السوق الاستهلاكية الخاصة بها بعد سنوات من التوسع بهدف زيادة معدل الصادرات الصينية.
وقد بدأت البنوك الصينية أخيرًا دخول الأسواق المالية في أمريكا اللاتينية، ورغم أن حجم هذه الاستثمارات المالية صغير نسبيًا فإنه من المتوقع أن تتوسع مستقبلًا، حيث إن وجود البنوك الصينية يمثل تطورًا إيجابيًا بالنسبة للمنطقة من حيث دورها في توفير التمويل التجاري، وبالتالي دعم نمو التدفقات التجارية بين أمريكا اللاتينية وبكين، فوجود البنوك الصينية في تلك المنطقة يعكس إستراتيجية بكين لزيادة التمويل نظرًا لتنامي دور الشركات الصينية بهذه المنطقة.
وزادت الروابط بين الصين وأمريكا اللاتينية أيضًا في الآونة الأخيرة على المستوى الرسمي، ففي سبتمبر عام 2013 تم الاتفاق على إنشاء صندوق للسيولة المالية لدول منظمة بريكس بقيمة 100 مليار دولار في عام 2015، ويتوقع أن تكون مساهمة الصين فيها بقيمة 41 مليار دولار ومساهمة روسيا 18 مليار دولار وجنوب أفريقيا 5 مليارات دولار، بالإضافة لمساهمة البرازيل والهند بنحو 36 مليار دولار، وفي هذا الإطار وضعت البنوك المركزية في الأرجنتين والبرازيل اتفاقيات للتبادل بالعملات المحلية مع بنك الصين الشعبية، والهدف الرئيسي من هذه الاتفاقيات هو تحسين فرص الحصول على التمويل الخارجي وتجنب الاضطرابات في أسواق المال الدولية، وهذه المبادرات تلعب في نهاية المطاف دورًا مفيدًا في الحد من تعرض المنطقة للصدمات الخارجية.
إن بكين أيضًا تبدي اهتمامًا كبيرًا للعديد من دول أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي مثل ترينيداد وتوباجو "لؤلؤة البحر الكاريبى" التي زارها الرئيس شي جين بنغ في يونيو 2013 وذلك لنموها المطرد واحتياطيات النفط والغاز بها والتي جعلتها مركزًا للنفط، إضافة إلى كوستاريكا التي تعد واحدة من أقدم الديمقراطيات في العالم ولاعبًا رئيسيًا في مجال الطاقة المتجددة، إضافة إلى المكسيك التي لديها ثاني أكبر اقتصاد في أمريكا اللاتينية مع تطور صناعة النفط لديها، فالمحصلة النهائية لذلك فإن هذه الدول تقدم لبكين مصدرا ثابتا وموثوقا به من الطاقة لتغذية اقتصادها المتنامي.
وتسعي بكين من خلال هذا التجمع إلى تحسين وتعزيز صورة الصين في العالم النامي، حيث تؤكد بكين دومًا على فكرة" الصعود السلمى" في الجغرافيا السياسية وتسعى جاهدة لمحاربة الاعتقاد بأن الصين تسعى لمزاحمة غيرها من البلدان الناشئة والصاعدة والهيمنة عليها. فبكين تحاول إثبات أنها يمكن أن تكون لها علاقات متناغمة مع أي دولة مهما كان حجمها أو وضعها، وعلى الرغم من ذلك فإن العلاقات الاقتصادية بين الصين وأمريكا اللاتينية معقدة بسبب حقيقة أن اقتصادات هذه المنطقة ليست متكاملة تمامًا، حيث إن الحجم الهائل والقدرة التنافسية للصناعة الصينية مثلت ضغوطًا على العديد من الشركات في جميع أنحاء أمريكا اللاتينية خاصة المكسيك التي تحملت العبء الأكبر من القدرة التنافسية الصناعية الصينية، إضافة إلى وجود عجز تجاري كبير في الميزان التجاري بين البلدين لصالح الصين يقدر بـ 57 مليار دولار قيمة البضائع الصينية المصدرة للمكسيك مقابل 5.7 مليار دولار قيمة الصادرات المكسيكية لبكين.
رابعًا : هواجس واشنطن حول التطلعات الصينية في أمريكا اللاتينية:" واشنطن ومحاولة ترويض الخطر الصيني"
في هذا الصدد، تنظر الولايات المتحدة الأمريكية للصعود الصيني على كونه عائقًا في مواجهة الرغبة الأمريكية في الهيمنة الأمريكية على الشئون العالمية، خاصة في سياق اختلاف رؤية كل منهما لطبيعة النظام الدولى، إذ ترفض بكين فكرة الهيمنة الأمريكية على شئون العالم، كما ترفض فكرة الزعامة الدولية، وتؤكد بدلًا من ذلك على أن أي نظام عالمي لا بد أن يقوم على مبدأ أن كل الدول صغيرة أو كبيرة يجب أن تتساوى في العلاقات الدولية، مع التركيز على رفض فكرة التدخل في الشئون الداخلية للدول وضرورة احترام قرارات الأمم المتحدة، والتأكيد على أن النظام متعدد الأقطاب هو النظام الأمثل لتحقيق التنمية السياسية والاقتصادية على المستوى الدولي، وبذلك تختلف رؤية كل منهما لطبيعة النظام الدولي، ومن ثم تحاول الولايات المتحدة عرقلة وتقويض الصعود الصيني والوجود الصيني المتزايد في العديد من المناطق الحيوية والإستراتيجية على مستوي العالم ومنها منطقة أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي، وتحجيم الدور الصيني العالمي ذلك من خلال فرض العقوبات والضغط على بكين في قضايا حقوق الإنسان والديمقراطية وقضية تايوان، وكذلك العمل على دعم التحالف الأمريكي مع القوي الأخرى في آسيا مثل اليابان وكوريا الجنوبية، وبسط النفوذ الأمريكي في المجال الحيوي للصين بقارة آسيا، ففي العقد الأول من هذا القرن، نما الاقتصاد الصيني من 8% من حجم الاقتصاد الأمريكي إلى أكثر من نصف حجم الاقتصاد الأمريكي. فالاقتصاد الصيني يتباطأ بشكل واضح أسفل معدل نمو 10%، وفي عام 2015 فإنه من المرجح أن يكون معدل النمو 7% وفي هذه الحالة سوف تتفوق الصين على الولايات المتحدة كأكبر اقتصاد في نحو عقد من الزمان، حيث إنه من المتوقع بحلول منتصف القرن الحالي أن يكون أكبر بمقدار ضعف الحجم الحالي.
فمع سعي بكين إلى تعميق وتعظيم نفوذها في أمريكا اللاتينية تتزايد حدة المنافسة والصراع بين بكين وواشنطن في المنطقة التي تعتبر تقليديًا "الفناء الخلفي للولايات المتحدة" وتعتبر واشنطن الانخراط الصيني المتزايد في هذه المنطقة بمثابة تقليل لنفوذها لدى أعضاء مجموعة سيلاك وبمثابة حصار وتطويق اقتصادي صيني لمصالح واشنطن الإستراتيجية بالمنطقة، ففي اجتماع تجمع سيلاك العام الماضي 2014 الذي شهد توترات بين واشنطن وكوبا بسبب الحصار الأمريكي على كوبا، حيث حذر الرئيس الكوبي راؤول كاسترو نظراءه من دول أمريكا اللاتينية من التلاعب مع الولايات المتحدة بعد أن فقدت السيطرة على هذه المنطقة الغنية بالنفط، وكان الإعلان عن عقد منتدي الصين – سيلاك بمثابة وسيلة لتجنب الاعتماد المفرط على واشنطن، ولكن في ديسمبر الماضي ومع إعلان الولايات المتحدة خططها لاستعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع كوبا، فإن ذلك من شأنه أن يسهم في تحسين مكانة وصورة واشنطن بهذه المنطقة، وبالنسبة لبكين فإن هذا التحول في سياسة واشنطن قد يعني تحولًا في المشهد السياسي في أمريكا اللاتينية بما قد يهدد جهودها لتعزيز نفوذها في الفناء الخلفي لواشنطن.
وختامًا يمكن القول إن بكين تسعي جاهدة لاستغلال هذا المنتدي للتعاون بين الصين ودول أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي، إضافة إلى المشاريع العديدة المشتركة ليس فقط باعتبارها وسيلة لتدعيم العلاقات الاقتصادية ولخدمة مصالحها في هذه المنطقة، ولكن أيضًا كأداة دبلوماسية، فالمبادرات والمشاريع الإنمائية التي تقدمها بكين لدول أمريكا اللاتينية دليل على حسن نية بكين تجاه هذه الدول النامية، فالرئيس الإكوادوري رافائيل كوريا على سبيل المثال، صرح قبل ذلك "أنه يرى أن الإكوادور باعتبارها واحدة من أصغر الدول في أمريكا الجنوبية تلقى الاحترام من الصين التي تقدم المساعدات لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في بلاده، ويقول إن حياة المواطن الإكوادوري تحسنت بفضل الدعم الصيني في العديد من المشاريع الإنمائية".
إن أمل الصين في أن أدوات تقديم الدعم الاقتصادي ووسائل القوة الناعمة سوف تترجم في الأمد المنظور إلى الدعم السياسي، وهي إستراتيجية بكين التي استخدمتها من قبل في أفريقيا وأثبتت نجاحًا كبيرًا، فبكين تركز على الشراكة السياسية جنب إلى جنب مع تطوير التعاون الاقتصادي وتأسيس لعهد جديد من العلاقات الإستراتيجية بين الجانبين بوضع حلول وخيارات إبداعية مبتكرة تعظم الفوائد على جميع الأطرف بأقصى درجة ممكنة.
___________________
باحث دكتوراه في العلوم السياسية - جامعة القاهرة