الاتفاق النووى الإيرانى القمة الأمريكية الخليجية ومصر
إن تركيز الدول الصناعية P5+1 على البرنامج النووى الإيرانى وخطورة حيازتها على القدرة النووية العسكرية، دون اعطاء اى اهتمام يذكر للبرنامج النووى العسكرى الاسرائيلي، رغم اعتراف وزارة الدفاع الأمريكية بقدرات اسرائيل التكنولوجية الهائلة فى تقرير بعنوان «تقييم تكنولوجى دقيق فى اسرائيل ودول حلف الأطلنطي»، إنما هو دليل قاطع على ان هدفها تأمين نفسها ومصالحها وحلفائها فى اسرائيل، وليس ضمان الأمن ومنع انتشار النووى العسكرى فى الشرق الأوسط.
هذا الجهد رسالة واضحة، لاغموض فيها، أو لبس حولها، أن على الدول العربية تقييم الموقف بنفسها، و الاعتماد فى المقام الأول على قدراتها الأمنية، و السياسية، والاقتصادية حول القضايا الجوهرية، مع الاستفادة من علاقاتها الدولية، لدعم هذه الكفاءات والإمكانات، فالاعتماد المبالغ فيه على الغير يحمل فى طياته مخاطر عديدة، ويجعل أمننا ومصالحنا رهن مؤشرات دولية ليست بأيدينا، ومواءمات سياسات اقليمية أو داخلية لسنا شركاء أو معنيين بها.
رأيت تسجيل هاتين النقطتين قبل تناول الاتفاق النووى مع إيران، لأهميتهما وخطورتهما، على امل ان ينتبه العالم العربي، ويتبنى منهجية جديدة فيما يتعلق بأمنه القومي.
لم يتم بعد التوصل إلى اتفاق تعاقدى بين الأطراف المتفاوضة، فما وقع اطار تفاوضى يحدد المفهوم الاساسى واهداف المفاوضات، ولا توجد ضمانة حقيقية للتوصل لاتفاق كامل قبل التاريخ المستهدف، وهو نهاية يونيو أو حتى بعد ذلك إذا امتدت المفاوضات، كما ان هناك عددا من النقاط العالقة حتى فى الإعلان الإطاري، وكذلك تفسيرات غير متطابقة من إيران والولايات المتحدة لما يتضمنه الإعلان حتى الآن، وكل ذلك يحتاج لجهد متواصل من المفاوضين، وهو ما اتوقعه لأنهم متفقون على التوصل لاتفاق يحقق مصالحهم.
من أهم ملامح المفهوم الاساسى للإعلان الإطارى أن الدول الصناعية أقرت بأن لإيران قدرات نووية تكنولوجية فى عديد من الجوانب، ومنها ما قد يسهّل مستقبلاً العسكرة النووية، خاصة تخصيب المواد النووية، وانه لا جدوى من تجاهل ذلك، فسعت الدول الصناعية إلى تقييد حيازة أو حيازة إيران لكميات من المواد المشعة من اليورانيوم والبلوتونيوم تسمح لها بإنتاج قنبلة نووية، وسعت لإطالة المدة التى تحتاجها إيران لتحقيق ذلك إذا خالفت الاتفاق، فى المقابل أقرت إيران ووافقت على قيود محددة على حيازتها للمواد النووية المشعة الصالحة لإنتاج السلاح النووي، وإجراءات أخرى لمدة خمسة عشر عاماً،مقابل رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها دولياً، وأمريكياً، وأوروبياً، وعدم المساس بحق التخصيب بعد انتهاء مدة الاتفاق.
وتتلخص أهم عناصر الإعلان الإطارى الذى يشكل اساس الاتفاق التعاقدى المستقبلى فى الآتي:
وضع قيود على المواد المشعة من اليورانيوم، بما فى ذلك التخصيب لمدة خمسة عشر عاماً، مما يصعب على ايران انتاج مواد كافية لتصنيع قنبلة نووية سريعاً.
الاتفاق على اجراءات تفتيش خاصةً للوكالة الدولية للطاقة الذرية لتأمين الالتزام الكامل بالاتفاق خلال مدة سريانه. ووفقاً للاتفاق، وخلال مدة سريانه، تطبق القيود التالية على البرنامج النووى الإيرانى مقارنةً بما عليه الوضع الآن:
< تخفيض عدد أجهزة الطرد المركزى من 18٫472 إلى 6٫104.
< تخفيض عدد أجهزة الطرد المركزى المتقدمة من 1,008 إلى صفر.
< إطالة المدة المطلوبة لإنتاج الوقود النووى من شهرين إلى عام .
< وضع قيود على الأبحاث النووية ذات الصلة
< تخفيض مخزون إيران لليورانيوم المخصب لدرجات منخفضة من 7,154 إلى 300 كيلو.
< تخفيض مخزون اليورانيوم المخصب إلى درجات اعلى من 169 كيلو إلى صفر.
< توجيه مفاعل أراك النووى الذى يعمل بالبلوتونيوم للإنتاج بمعدلات منخفضة.
ويعنى هذا أن الاتفاق اذا أُبرم بالفعل، وتم الاتفاق على تفاصيله كاملة، واحترمته كافة الأطراف، سيحدّ من امكانية إيران عسكرة قدراتها النووية وتجميع مواد نووية مشعة كافية لإنتاج سلاح نووى سريعاً، وذلك طوال مدة الاتفاق، وإنما لن يمنعها من ذلك بعد انتهاء مدة الاتفاق التعاقدي.
ويعنى هذا أيضاً ان الدول الصناعية اقرت بحق إيران تخصيب اليورانيوم محلياً، وهو حق مكفول لها وفقاً لمعاهدة عدم الانتشار النووي، فى حين أنها لا تعتزم إعطاء هذا الحق للدول العربية حالياً أو مستقبلاً، حسبما أوضحت ورقة التوضيحات الأمريكية، ورغم ان هذا الحق مكفول للدول العربية ايضاً وفقاً لمعاهدة عدم الانتشار النووي.
رغم كل مايحمله الاتفاق المستقبلى من مخاطر، وعدم توازن القدرات النووية العربية والإيرانية، فضلاً عن التناقض التام فى الجدية فى التعامل مع إيران والتسامح مع اسرائيل، اعتقد أن تقييم جدوى وفائدة، أو خطورة المنهجية الجديدة تحكمه ثلاثة عناصر رئيسية، وممتدة عبر الفترة الزمنية المقترحة للاتفاق.
أولها: ان يكون النص النهائى للاتفاق سليماً من الناحية الفنية، وتعامله مع مخاطر الانتشار النووي، وتلتزم به الاطراف المعنية.
ثانيها: رد فعل ايران لإنجاز الاتفاق، فإذا اعتبرته رخصة تفتح لها مجالاً لسياسات إقليمية أكثر خشونة فى الشرق الأوسط، وهذا يتجاوز المسألة النووية، فستكون لذلك مخاطر وتداعيات جمة على الأمن القومى العربى والاستقرار الإقليمي، أما إذا رأت إيران واستثمرت الاتفاق على أنه بداية لسياسة اقليمية جديدة فى الشرق الأوسط، وتعاملت بعلاقات حسن الجوار مع جيرانها باعتبارها لم تعد تخشى الولايات المتحدة والعلاقة الأمنية الأمريكية والخليج العربي، فسيكون للمنهج الجديد للاتفاق أثر إيجابى يتعدى المجال النووي، وهو ما اتمناه، وإن كان من السابق لأوانه الإقرار بالتوجه الإيرانى المفضل، خاصةً وهناك مؤشرات لا تطمئن إلى حسن الاختيار.
ثالثها: كيفية استثمار الفترة الزمنية للاتفاق المتوقع، فاذا استثمر المجتمع الدولي، وخاصة الدول الموقعة على الاتفاق والدول العربية هذه الفترة فى جهود حقيقية وجادة للحد من التسلح النووى فى الشرق الأوسط وفقاً للمبادرة المصرية، وبمايشمل اسرائيل سنكون قد وظفنا هذا التحول لاستقرار المنطقة وتأمينها، وإنما للأسف لا أجد أى مؤشرات لتوافر جدية دولية للتعامل بمعيار واحد مع مخاطر الانتشار النووى فى الشرق الأوسط. وقد كانت لى اتصالات عديدة خلال الاسبوع الماضى اثناء زيارة سريعة لى بنيويورك وجامعة هارفارد فى بوسطن، استخلصت منها غياب أى جدية فى هذا المجال.
ولا ابالغ القول، أن الدول الصناعية، وخاصةً الولايات المتحدة تعتبر انها تستطيع طمأنة الدول العربية الخليجية خلال اجتماع كامب ديفيد بمنتصف مايو، ببعض اللقاءات والوعود حول امنها القومي، برفع مستوى التسليح الأمريكى للخليج، ووضع المنطقة أو بعض دولها تحت مظلة نووية أمريكية، وحمايتها من ايران، رغم ان السياسات الأمريكية أثبتت عدم جديتها وفقد مصداقيتها لدى أغلب الدول العربية.
من حق ايران وكافة دول المنطقة الحصول على الفوائد السلمية للتكنولوجيا النووية، ومن حق العالم العربى تأمين نفسه ضد كافة المخاطر النووية فى الشرق الأوسط كانت اسرائيل أو إيران، ومرة اخرى أكرر اهمية عدم اغفال مخاطر البرنامج النووى الاسرائيلي، ولا اعنى بذلك ضرورة سعى الدول العربية لحيازة السلاح النووي، فالسياق النووى فى المنطقة حتماً ينعكس سلبياً على امن كافة دول المنطقة بما فيها التى فى حيازتها تلك الأسلحة، فضلاً عن أن تحقيق ذلك ليس سهلاً، إزاء التزامات الدول العربية الاطراف فى معاهدة عدم انتشار النووي، بل وقبول بعضها أيضاً إجراءات تفتيش اضافية على مرافقها النووية، وانما المطلوب التحرك عربياً،سياسياً، وتكنولوجياً، وأمنياً، بجدية لملء الفراغ العربى الذى تستغله إيران، ولتناول البرنامج النووى الاسرائيلى بجدية، وذلك من خلال الخطوات التالية:
1 - حراك ومبادرة سياسية عربية حول سوريا، ليبيا، واليمن.
2 - تصعيد الضغط العربى دولياً لتحريك مبادرة انشاء منطقة منزوعة السلاح النووى واسلحة الدمار الشامل الأخرى فى الشرق الأوسط، حتى تدخل حيز التنفيذ قبل نهاية المدة المحددة لسريان الاتفاق المقترح مع ايران، بما يضمن اجراءات تفتيش تمنع اسرائيل أو ايران من حيازة السلاح النووى فى الشرق الأوسط.
3 - تمسك الدول العربية بحقها فى تخصيب اليورانيوم، خاصةً وجميعها دول منضمة لمعاهدة عدم الانتشار النووى.
4 - اتفاق الدول العربية على انشاء مركز اقليمى لتخزين الوقود النووى بالتحديد فى مصر، بالتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
5- تنويع الدول العربية مصادر سلاحها ورفع كفاءة انتاجها العسكري، والتعاون الأمنى فيما بينها فى مجال التصنيع العسكرى لإيجاد التوازن الصحى والسليم بين القدرات العسكرية الذاتية وأى علاقات أمنية أو عسكرية مفيدة مع دول اجنبية.
6 - إذا وجدت استجابة ايرانية للجهود العربية أدعو العالم العربى الى بدء بلورة أسس لحوار عربى إيراني، لا يغفل مشاكل الماضي، بل يتعامل معها مباشرةً، لتكون هناك مكاشفة ومصارحة، وصيانة للمصالح العربية والايرانية، بدلاً من الاعتماد علي، التأثر بأولويات اطراف ثالثة اجنبية.
وختاماً، اعود واكرر، يحمل الإعلان الإطارى النووى فى طياته احتمالات كثيرة، وسيحسم مدى ايجابية الاتفاق أو خطورته سياسات ايران والدول الصناعية والعربية خلال فترة تنفيذه وتبنّى جميع الجهات الدولية، والاقليمية، والعربية منهجية جديدة فى سياساتها الشرق أوسطية، بعيداً عن الازدواجية فى المعايير، وممارسة سياسات حسن الجوار، والاعتماد على الذات لتحقيق التوازنات السياسية، والأمنية، والاقتصادية الضرورية. نقلا عن الأهرام