رؤية نظرية: مقارنة الإسلام السياسي والكاثوليكية السياسية
أولاً- مقدمة:
تركز معظم الدراسات الخاصة بالإسلام السياسي على نزعة الأحزاب الإسلامية أو
أحزاب “ما بعد الإسلامية” على درجة التحول الحادث في خطاب وأهداف هذه الحركات بمرور
الوقت. وهي تزعم أنه ومع انخراط هذه الأحزاب بشكل أكبر في السياسات الانتخابية،
وفي تحولهم المؤسسي إلى أحزاب سياسية، فإنها تتحول إلى كيانات سياسية معتدلة، على
غرار أحزاب الديمقراطية المسيحية في أوربا. وتفترض بعض الكتابات أن تحول
الكاثوليكية السياسية وخبرة الأحزاب الديمقراطية في أوربا يمكن أن يصبح هو نفس
مسار تحول الأحزاب السياسية الإسلامية.
من ناحية أخرى، تستحضر الأحزاب الإسلامية- أو الأحزاب ذات المرجعية
الإسلامية- المقارنة نفسها. خطابات أحزاب مثل “حركة مجتمع السلم” في الجزائر، وحزب
العدالة والتنمية التركي، وجماعة الإخوان المسلمين في مصر وحزب النهضة في تونس. لكن
المشكلة البحثية التي يطرحها درايسن هي أنه قلما جرى دراسة الخبرة المقارنة
للإسلام السياسي والكاثوليكية السياسية في إطار منهجي واضح ومنظم.
وتكمن مهمة هذا الاستحضار في هيمنة الأحزاب ذات التوجه الإسلامي على
الانتخابات التي جرت في عدد من الدول التي تشهد فترات انتقال بفعل الربيع العربي. ويرى
درايسن أنه وفي الوقت الذي صعدت فيه هذه الأحزاب إلى السلطة، تساءل كثيرون ما إذا
كان الحزب الذي يدافع عن دين محدد للدولة سيحمي الحريات الديمقراطية في التعبير
والاجتماع. وفي ظل مثل هذه الشكوك، جرى توظيف التشابه مع الديمقراطية المسيحية على
أنه دعم جديد لشرعية الأحزاب الإسلامية من أجل إثبات أن الأهداف الدينية يمكن
تحقيقها في بيئة ديمقراطية بشكل كامل. ويقول “في نفس الوقت، فإن خبرة الديمقراطية
المسيحية تقدم نموذجًا تاريخيًا للديمقراطية الدينية للإسلاميين والتي يمكن أن
تمكنهم من تحقيق أفضل لأهدافهم”.
والديمقراطية المسيحية هي حركة سياسية بالأساس نشأت كرد فعل على محاولات
العلمنة المتسارعة في القارة الأوربية في القرن التاسع عشر. إلا أنها لم تتبلور في
صيغة أحزاب سياسية لها برامج وتخوض بها الانتخابات إلا بعد الحرب العالمية
الثانية. اعتبر الفاتيكان، قلب السلطة الدينية الكاثوليكية، هذه الحركة في البداية
تهديدا له، إلا أنه تعامل معها في وقت لاحق. ويجادل باحثون بأن البابا بيوس الثاني
عشر كان له تأثير كبير في دعم هذه الحركات ودمجها في النظم السياسية الأوربية ما
بعد الحرب العالمية الثانية. حصدت هذه الأحزاب أغلبية المقاعد في انتخابات ما بعد
الحرب كما شكلت الحكومات في نفس الفترة في دول مثل ألمانيا وإيطاليا وبلجيكا
وهولندا ولوكسمبورج.
وحسب درايسن، تتجلى مظاهر جاذبية المقارنة بين الأحزاب الإسلامية وأحزاب
الديمقراطية المسيحية من خلال ثلاثة اعتبارات رئيسية: هي أن الأحزاب ذات المرجعية
الإسلامية والأحزاب المسيحية الديمقراطية، أولاً: تتشارك في وجود مرجعية دينية
تأسيسية، وغايات ونظرة متشابهة للعالم، ثانياً: أنهم يتبنون توجهات سياسية متشابهة، وثالثاً: أنهم
تعرضوا لخبرة تطور سياسي متشابهة، فهذه الأحزاب خرجت من رحم حركات سياسية دينية أبدت
عداءها لحظة تأسيسها للأفكار الديمقراطية ومؤسسات الدولة، قبل أن تتحول بالتدريج إلى
داعم لعمليات التحول والتماسك الديمقراطي في دولهم.
لكن هذه الاعتبارات تؤسس، حسب درايسن، إلى فرضيتين مرجعيتين على قدر كبير
من الأهمية. الفرضية الأولى: أن هناك مستوى معقولاً من التشابه بين طبيعة الإسلام
والكاثوليكية كأديان، فضلاً عن تشابه شكل العداء الذي عبر عنه الفاعلون في كل دين
تجاه القيم الليبرالية والديمقراطية. أما الفرضية الثانية: أن هناك اختلافاً بين
طبيعة التقليد الديني في الإسلام والكاثوليكية، وحتى لو تشابهت درجة عداء الفاعلين
في الإسلام والكاثوليكية تجاه الديمقراطية إلا أن مصدر العداء مختلف في الإسلام عن
الكاثوليكية. علاوة على ذلك، وهذه هي النقطة الأهم حسب درايسن، فإنه من الصعب توقع
أن يكون لعملية التحول الديمقراطي نفس التأثير على الفاعلين السياسيين في السياقين
الإسلامي والكاثوليكي.
ثانياً: اختلافات بين الكاثوليكية والإسلاموية
يطرح درايسن بعض عناصر الاختلافات بين التقليدين، ويعتبر أنه لا صحة لفكرة
أن الكاثوليكية هي بطبيعتها دين أكثر مرونة من الإسلام فيما يتعلق بالسياسة، أو
بكلمات أخرى: لا صحة لمزاعم أن “شكوك الكاثوليكية” بشأن الديمقراطية هي أمور ليست
متأصلة لاهوتياً. وعلى هذا المنوال، لا يمكن الافتراض بأن الفاعلين الكاثوليك سيتنازلون
عن أهدافهم الدينية بسهولة أكبر من نظرائهم في الأحزاب الإسلامية.
وحتى لو أن تأثيرات التحول الديمقراطي على تطور الأهداف الدينية يمكن أن
تتشابه بصورة كبيرة في سياقات مسلمة أو كاثوليكية، إلا أن درايسن يجادل بأنه وحتى
في ظل سياق مثل هذا، فإن التأثيرات حدثت بفعل أسباب مختلفة ذات خصوصية بكل نسق. من
هذه الاختلافات: إن الإسلام السياسي يمكن فهمه على أنه رد فعل على التحدي الممثل
في التجربة الاستعمارية. لقد حملت هذه التجربة ممارسة جديدة على العالم الإسلامي
نسبيًا (على الأقل خلال خمسة قرون من الزمان) مفادها سيطرة غير المسلمين على مقاليد
الحكم في البلاد الإسلامية. ولم تقتصر سيطرة غير المسلمين (القوى الاستعمارية) على
المجال السياسي فحسب، وإنما شملت- مثلما كان عليه الأمر في التجربة الاستعمارية
الفرنسية في الجزائر- السيطرة على المؤسسة الدينية ذاتها. لذلك لم يكن غريبًا أن
يكون للزعماء الدينيين دور كبير في مواجهة الاستعمار على أرضية استعادة الاستقلال
الديني والسياسي مرة أخرى، كمثال الإمام عبد الحميد بن باديس في الجزائر.
ثالثاً- الخبرة الأوربية
بعد أن تناول المؤلف طبيعة الخبرة التاريخية بين الإسلام السياسي
والكاثوليكية السياسية- من حيث سرد نصوص من القرآن والكتاب المقدس، التي تحمل
دلالة سياسية- انطلق ليطرح بعض الأفكار عن تجربة الكاثوليكية السياسية في أوربا. ويقول:
إن هذه الحركات تقف على النقيض من فرضية “الاندماج.. الاعتدال” التي تروج وسط بعض
باحثي العلوم السياسية في دراستهم للحركات السياسية الإسلامية. لكن بالنسبة لتجربة
الإسلام السياسي وحركة الكاثوليكية السياسية فإن السياق الذي ظهرت وتبلورت فيه
الحركتين كان مختلفاً. ففي أوربا كانت هناك قيود وسقف لحركة الفاعلين السياسيين.
وكان أهم هذه القيود هو الحسابات الإستراتيجية والديناميات المؤسسية للفاعلين
السياسيين الآخرين. وحسب درايسن، فقد جادل بعض باحثي الديمقراطية المسيحية أن
الكنيسة الكاثوليكية كانت بمثابة جماعة مصالح. وفي الكتاب ذائع الصيت، تقول
الباحثة كارولين وارنر في كتابها “اعترافات جماعة مصالح”: إن “الكنيسة الكاثوليكية
هي بمثابة جماعة مصالح، والتي يمكن قراءة أفعالها على أنها شركة تجارية في سوق
تحاول جاهدة الحصول على متعهد لتوزيع بضائعها”.
وفقًا لهذه القراءة، فبالنسبة للباحثين الذين ينظرون إلى الأحزاب الدينية
على أنها جماعات مصالح، فإن الممارسة السياسية هي التي ستشكل الأيديولوجيا السياسية، وهي
التي ستحدد طريقة تفسير هؤلاء “المتعهدين” للقيم الدينية. ويعتبر درايسن أن هذا التركيز
على الطبيعة “الأداتية” للأفكار الدينية يعد
أمراً مفيداً على صعيد تحديد الإمكانات الديمقراطية للأحزاب الإسلامية وبعض
ملامح الأيديولوجيات التي يتبعونها. بكلمات أخرى، يفيد هذا المنطق في دراسة وتحليل الممارسات السياسية
للأحزاب الدينية، بدلا من التركيز المبسط على معتقداتهم وأفكارهم، خاصة أن بعض
أفعال هذه الأحزاب قد لا يتوافق مع منطلقاتهم الأيديولوجية الصارمة.
لكن- وكما يتساءل درايسن- هناك مشكلة بحثية خاصة بالقدر الذي تحولته الأحزاب
الإسلامية لتصبح كيانات مؤمنة بالديمقراطية بالفعل. ففي تركيا- مروراً بتونس وصولاً
إلى مصر- قبلت الأحزاب الإسلامية قواعد اللعبة الديمقراطية الأساسية، والمتمثلة
في: أولاً- المشاركة في الانتخابات، ثانياً- قبول وجود برلمان يتمتع بتعددية
سياسية، ثالثاً- إعلان هذه الأحزاب قبولها بالقوانين التي تصدر عن الأغلبية
البرلمانية[1]. هذه القواعد تشكل قطيعة واضحة مع تراث هذه الأحزاب
المتمثل في أطروحات المودودي وسيد قطب. لكن من ناحية أخرى، هذا التركيز على ممارسة
الأحزاب الإسلامية ودور هذه الممارسة في إعادة تشكيل البناء الأيديولوجي لهذه
الأحزاب، يغضان الطرف عن مدى تأثير الأفكار الدينية لهذه الأحزاب على المجتمع
والسياسة عموما، خاصة في المجتمعات حديثة الخبرة بالتجربة الديمقراطية.
وكما يطرح درايسن، فإن جزءًا من المشكلة النظرية يكمن في أن أي تحول أو
اعتدال في خطاب الأحزاب السياسية الدينية- من خلال القبول بالملامح الثلاثة للعبة
الديمقراطية، المذكورة آنفاً- يُنظر إليه على أنه تحول نحو العلمنة. من خلال هذا
التفسير هذه الأحزاب “تحجم من أهمية أهدافهم الدينية لصالح العمل داخل أطر مؤسسية
تنافسية وعلمانية”.
[1] لا يمكن القول
إن هذه الأحزاب قبلت قواعد اللعبة الديمقراطية تماما. فتكشف مرحلة ما بعد عزل مرسي
في مصر، التي تزامنت مع أزمة سياسة في تونس وأزمة سياسية أعمق في تركيا، أن هذه
الأحزاب تمتنع- في أحيان كثيرة- عن تقديم تنازلات سياسية، لكنها تحاول أحيانا أن
تستخدم وسائل القمع من أجل تجاوز الأزمات السياسية (على غرار قمع احتجاجات ميدان
تقسيم في أسطنبول).
رابعاً: أبعاد المقارنة
يقدم درايسن في بحثه الخطوط العريضة للتشابه ما بين الإسلام والكاثوليكية.
فكلاهما شرائع "فوق قومية" أي تتجاوز كونها محصورة في إطار قومي محدد.
علاوة على ذلك هي أديان إبراهيمية عالمية أي أنها ليست مرتبطة بسياق محلي محددة.
يضاف إلى ذلك أن كل منهما انطلق من تحالف ما بين السياسي والديني فترة امتدت
زمنياً على مدى ثمانية قرون (700 ميلادية حتى 1500 ميلادية). هذا التحالف أفرد
سياقين حضاريين، في أوربا الكاثوليكية والإسلام في الشرق الأوسط. كان هناك ملوك
وأمراء وبابوات وقساوسة، في الإمبراطورية الرومانية المقدسة. وكان هناك خلفاء
وسلاطين وأمراء وفقهاء من الدولة العباسية حتى الدولة العثمانية.
ومنذ بداية المسيحية كان هناك تقليد التمييز ما بين مجالين متمايزين: واحد
مقدس وآخر دنيوي يعبر عنها “أَعْطُوا إِذًا مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ وَمَا ِللهِ
للهِ”. لكن تدل الممارسة على تداخل المجالين تاريخيا وارتباطهما معاً. وفي فترات
تالية، كان هناك من يعيد الانتباه إلى القاعدة الأولى للتمييز ما بين المقدس
والدنيوي، مثل القديس أغسطينوس (354-430) الذي طرح فكرة “مدينة الله” و“مدينة
الأرض”، لكن حتى هذا التمييز لم يمنع من التداخل بين المجالين على صعيد الممارسة.
أما في الإسلام، فيمكن أيضا التمييز ما بين المقدس والمادي؛ أو مجالات
مختلفة للعالم الواقعي. كان الخليفة في الإسلام هو حامي الدين من الناحية الرمزية،
إلا أنه لم يكن المنوط به إنتاج الفقه مثلاً. وفي فترات تاريخية مختلفة، لم يكن
الخليفة قويا ومسيطراً رغم أنه من المفترض أن يكون هو صاحب السلطة السياسية
الوحيدة.
هذا التشابه في الإسلام والكاثوليكية، من حيث كونهما ديانات عابرة للدول،
استمر في مرحلة ما “قبل وستفاليا”. راجت في هذه الفترة فكرة وممارسة المملكة
المسيحية الموحدة أو دار الإسلام التي يقطن فيها جسد متماسك من المسيحيين أو المسلمين،
تحت سيطرة فكرة ومؤسسة سواء كانت الكنيسة في حالة الكاثوليكية أو الخلافة في حالة
الإسلام.
لكن الجديد في الأمر، والذي طرأ على كل من الإسلام والكاثوليكية معاً، فكان
في ميلاد البروتستانتية والنظام الحديث للدولة القومية، والفصل الوظيفي بين
الكنيسة والدولة. جاءت البروتستانتية بفكرة واضحة عن تغيير مصدر السيادة كما عبر
عنها الإصلاح الديني. طبعاً، وكما يقول درايسن، فإن الإصلاح البروتستانتي، لم يقصد
أن يغير مصدر السيادة. فمثلاً، اعترض رجال
الدين البروتستانتي على أي تصورات مخالفة للمسيحية. إلا أن الإصلاح البروتستانتي
كان قد ذهب بعيداً في سياق الفصل بين الدولة والسلطة الدينية. وقد نتج عن هذا
الفصل أن دولة الحضارة المسيحية الموحدة لم تعد ذات جاذبية في مقابل صعود النظم
القومية في إقليم ما. لم يعد الحاكم مسئولاً أمام الله، وأن من يحدد نطاق هذه المسئولية
هو الكنيسة. بات الحاكم مسئولاً أمام الشعب، وأن من يحدد المسئولية هو مؤسسات
الدولة الحديثة.
ويمضي درايسن بالقول: إن جون لوك عندما كان يطرح أفكاره حول التسامح الديني
وفصل الكنيسة عن الدولة في القرن السابع عشر، فقد كان يفترض- ضمنًا- حق الدولة في تنظيم الأديان. لذلك ففي الدولة البروتستانتية فإن
الإصلاحات الليبرالية لم تكن هجوماً على ألف سنة من التقاليد اللاهوتية، لكنها
كانت عبارة عن التصور الجديد والملائم لتقليد ديني جديد الذي يفضل إبعاد القادة
الدينيين لمسافة معينة عن العملية السياسية. هذا التصور رفضته الكاثوليكية في
البداية، وأخذت وقتاً طويلاً حتى يستقر في دول دأبت تاريخيًا على رفض هيمنة الدولة
على الكنيسة.
في هذا السياق، يمكن المقارنة بين خبرة الإسلام وخبرة الكاثوليكية؛ فلم
يحدث تاريخيًا أن تقلصت قدرة الدولة، حتى في ظل الخلافة الإسلامية وحتى صعود
الإسلام السياسي، في تنظيم السلطة الدينية داخلها. الخبرة التاريخية هنا هي أن
الدولة في الشرق الأوسط كانت دائماً مسيطرة على الشأن الديني. ولهذا السبب، كما
يقول درايسن، لم تشهد المجتمعات الإسلامية إنتاج أفكار علمانية متسارعة لتحديد
العلاقة بين الدين والدولة والمجتمع مثلما حدث في الإصلاح البروتستانتي.
تثير هذه النقطة تشابهًا ما بين تيار الإسلام السياسي والبروتستانتية-
حسبما يقول درايسن؛ فكل منهما يسعى إلى خلق مجتمع نقي من الناحية الدينية، ومن أجل
ذلك، فإن الإسلاميين مثلما كان عليه الحال مع البروتستانت قاموا بخرق هذا التقليد
(المتمثل في هيمنة الدولة على الشأن الديني)، ووقفوا ضد السلطات الدينية، وخلقوا
انقسامات داخل الشرعية الدينية في العالم الإسلامي.
لكن لا يمتد التشابه بين الإسلام السياسي والبروتستانتية أكثر من هذا، ذلك
لأن درايسن يشير إلى نتيجة لمحاولة البروتستانتية والإسلام السياسي كسر هيمنة
الدولة على الشأن الديني. فعلى حين ركز الراهب الألماني مارتن لوثر (1483-1546)
مطلق حركة الإصلاح الديني في أوربا على فكرة أن الدور السياسي للكنيسة هو سبب الانحطاط
الأخلاقي، إلا أن قطب والمودودي دفعا- على العكس- بأن انهيار المجتمع المسلم سببه فصل
الدين عن السياسة. ومن ثم لم يكن الحل الذي جرى طرحه إسلامياً هو تسليم السلطة
للقوى العلمانية المنوط بها حماية الدولة القومية، مثلما فعل البروتستانت، لكن كان
الطرح هو دمج السلطة الدينية مع السلطة السياسية.
الخلاصة:
يهدف هذا العرض إلى بحث مدى دقة المقارنة بين الإسلام السياسي والكاثوليكية
السياسية من خلال تحديد أوجه الشبه والاختلاف تاريخيًا ومؤسسيًا. وقد كانت النقطة
المركزية في المقارنة أن تياري الإسلام السياسي والكاثوليكية السياسية يتشابهان في
قوة تراث “المملكة الكاثوليكية” و“دار الإسلام” بوصفهما فترات انتقالية طويلة،
ونظم سياسية شاعت في فترة ما قبل “صلح وستفاليا”. وهذل الميراث لا يزال حاضراً، سواء
في تجارب ديمقراطية في أوربا أو الشرق الأوسط.
يتشابهان أيضاً في كونهما على عكس الإصلاح البروتستانتي من حيث العلاقة
بالسلطة الدينية الحاكمة. لقد كان الدافع الرئيسي لحركات الإسلام السياسي هو
استعادة السلطة الدينية، أي دمجها بالسياسة وهو على عكس الإصلاح البروتستانتي.
لذلك كانت التعبئة الدينية والسياسية للإسلام السياسي والكاثوليكية السياسية
استجابة لفكرة أساسية هي أن الطبيعة الدينية للدولة كانت تحت تهديد واضح.
لكن أي مقارنة غير نقدية، تخفي اختلافات بين الحركتين فيما يتعلق بمصادر
السلطة الدينية والتوجه نحو مؤسسات ديمقراطية والمواطنين المتدينين. علاوة على ذلك
هناك اختلاف واضح في مركزية السلطة الدينية في كل من التقليدين. فعلى حين تتركز
السلطة الدينية في الكنيسة الكاثوليكية، لا يوجد في الإسلام سلطة مشابهة، السلطات
الدينية لا يمكن نظرياً وجود اعتراف واضح بأن هذه السلطة هي التي تمثل الإسلام دون غيرها.
- العرض السابق جزء من مقال نشر فى العدد الثالث من مجلة
آفاق سياسية للأستاذ أحمد زكى، وهو مطروح فى منافذ بيع مؤسسة الأهرام.
عنوان الورقة الأصلي:
“Religious Democracy
and Civilizational Politics: Comparing Political Islam and Political
Catholicism,” Occasional Paper No. 12 Center for International and Regional
Studies (CIRS) Georgetown University (2013)