سوسيولوجيا الثورة والتحول الديموقراطي: الخرائط المعرفية لظواهر العالم المعاصر
هذا الكتاب هو باكورة إنتاج وحدات المركز العربي للبحوث والدراسات، حيث يمثل كل فصل فيه مشروعا مستقلاً من مشروعات المركز. ويقع الكتاب في تسع فصول ومقدمة، بعدد 380 صفحة. وهو يدور في مجمله حول المقدمات النظرية للمشروعات البحثية الأساسية، التي تتراوح بين حقول معرفية متنوعة بداية من علم الاجتماع (المعرفي والتنظيمي)، وعلم السياسة (السياسة الداخلية والعلاقات الدولية)، والتاريخ الحديث، والاقتصاد، حتى الدراسات المستقبليات.
يأتي الفصل الأول المعنون بـ" خريطة معرفية للنماذج الأساسية في العلوم الاجتماعية"، للأستاذ السيد يسين، ليتناول أهم النماذج والنظريات الصغرى الأساسية في العلم الاجتماعي، ويبدأ الفصل بالتعريف بمفهوم النموذج الأساسي عند توماس كون، ثم يعرج للمسلمات الخاصة بطبيعة كل من العلم والمجتمع. ثم يستعرض الفصل بعد ذلك للنماذج الأساسية وحددها في أربعة. كان أولها النموذج الوظيفي الذي يعتبر النموذج المرجعي لعلم اجتماع الضبط، ويليه النموذج التأويلي الذي يقارب الظاهرة من واقع الخبرة الذاتية، ثم النموذج الراديكالي الإنساني الذي يتبنى التغيير الجذري من وجهة نظر ذاتية، وأخيرا النموذج الراديكالي البنيوي، الذي يسعى للتغيير الجذري من وجهة نظر موضوعية. ويمثل هذا الفصل فيما يفترض الإطار العام الأشمل لمشروعات الكتاب، باعتبارها تمثل الوصف الموضوعي للتيارات الفكرية الأساسية للعلم الاجتماعي.
ويتناول الفصل الثاني "نحو خريطة معرفية لفكر حركات الإسلام السياسي" للدكتور محمد حافظ دياب قضية الخرائط المعرفية. ويستعرض فيه المؤلف في البداية مفهوم حركات الإسلام السياسي، محدِداً لهذه الحركات عدداً من السمات الملازمة لها، كالاهتمام بالشأن السياسي للمجتمع، والعداء للديمقراطية، والميل للشعبوية، والتعبئة فوق الوطنية. ثم يهتم المؤلف بعدها بتبيان التشكيلة الخطابية للحركات الإسلامية، يعقبها بالأطروحات الأساسية، ومثلها في: الإسلام السياسي كإسناد لخيار معاق، والإسلام السياسي كصفقة بين العصبية والدعوة، والإسلام السياسي الناجم عن مناخ الاستنفاد، الإسلام السياسي كنتيجة لكبح التحولات الضرورية، فيما يشبه تأريخاً كرونولوجياً لحركات الإسلام السياسي منذ ولادتها حتى لحظتها الآنية.
وجاء الفصل الثالث تاريخياً تحت عنوان "التاريخ والأسطورة: الإسلام السياسي وإحياء الخلافة"، للدكتور محمد عفيفي، وهو أكثر طرافة في التناول وفي اختيار موضوعه، حيث يهتم بتفكيك أسطورة الخلافة الإسلامية كمفهوم فوق تاريخي، ينبغي إثبات طابعه التاريخي ونزع ما يكتنفه من تقديس، وحتى يتسنى للمؤلف الكشف عن الطابع التاريخي للمفهوم ونزع قداسته الكهنوتية، يقدم مراجعة نقدية لأهم الكتابات المؤسِسة للمفهوم والمروِّجة له في العصر الحديث، وحددها في الأعمال التالية: تاريخ الدولة العلية لمحمد فريد، والدولة العثمانية لعبد العزيز الشناوي، والإسلام والخلافة في العصر الحديث لضياء الدين الريس، والفريضة الغائبة لمحمد عبد السلام فرج، ومشروع دستور الخلافة لحزب التحرير الإسلامي. ورغم ما أغفله التحليل عن كتابات أخرى، كالتي طرحها القانوني المتميز السنهوري باشا، إلا أن الخيارات التي وضعها المؤلف قيد التحليل قد تم اختيارها لتعبر عن وجوه متنوعة لمشروع "الإسلام السياسي" في جذوره حتى مآلاته فيما بعد ثورات الربيع.
أما الفصل الرابع فيعود بنا لعلم الاجتماع وبالتحديد علم اجتماع التنظيم، وجاء تحت عنوان "سوسيولوجيا تنظيم الحركات الإسلامية" للدكتور أحمد بدوي. ويتناول فيه المؤلف من البداية الشروط التاريخية لنشوء تنظيمات الحركات الإسلامية: سيادة الحضارة الغربية، وسقوط الخلافة العثمانية، وتأسيس الجمعيات والتنظيمات الإسلامية، واصطدام الجماعات الدينية بالدولة. ثم يستعرض المؤلف رؤيته للدراسات المعنية بالتنظيمات وصنف أنواعها، موضحاً موقع المشروع البحثي في صنف منها وهو دراسات التحليل النقدي، متبنيا نظرية الحركات الاجتماعية عند تشارلز تيلي.
فيما يهتم الفصل الخامس "الإطار المعرفي لبحوث الإعلام وحركات الإسلام السياسي" للدكتور شريف اللبَّان بالتراث البحثي في مشروع علاقة الدرس الإعلامي بالحركات الإسلامية، وقدم معالم وتخوم هذا التراث في عدد من القضايا، صنفها إلى: الإعلام وهوية الدولة في خطاب الحركات الإسلامية، الخطاب الديني وشرعية ثورة يناير، وموقف المواقع الإليكترونية من انتخابات الرئاسة، والتحليل السيميائي لخطاب محمد مرسي، وصورة محمد مرسي في القنوات الفضائية، والصورة الذهنية للمؤسسة العسكرية، ..إلخ من الموضوعات التي تمثل في مجموعها التراث البحثي في الموضوع.
ويتناول الفصل السادس "إطار مرجعي للدراسات الاقتصادية: أجندة لبدايات القرن الواحد والعشرين في العالم العربي" لإبراهيم نوَّار المشروع الخامس بالمركز. ويدور الفصل في ثلاث نطاقات أساسية، أولها المستوى المحلي الوطني وفيه يستعرض المؤلف طبيعة الثورة والقوى المشاركة فيها، وأسس الرؤية الاستراتيجية، والتعريف بأسباب قيام الثورة، وألغاز النمو الاقتصادي في مصر، ونمو وتوسع الاقتصاد غير الرسمي. وثانيها هو مستوى الدراسات الإقليمية باستعراض ما طرأ من تغيرات على المستوى الإقليمي. فيما يهتم الجزء الثالث بالمستوى الدولي بالنظر في: الفكر الاقتصادي العالمي، والتقسيم الدولي للعمل، ودور المنظمات والمؤسسات الاقتصادية العالمية، ومجالات التعاون الاقتصادي العالمي.
ويهتم الفصل السابع "نحو خريطة معرفية لمشكلات النظم الإقليمية" للدكتور محمد السعيد إدريس بعدد من القضايا الهامة التي تمثل رؤية المؤلف للوضع السياسي الراهن على المستوى الإقليمي، فيبدأ بتحديد موقع النظام الإقليمي في تفاعلات النظام العالمي، معرفاً النظم الإقليمية وخصائصها، وأهميتها، ومنظورات تحليلها، ومعايير تعريفها، وتصنيفاتها، والروافد الفكرية والسياسية لمفهومها. ثم يحدد المؤلف التحديات التي تواجه النظم الإقليمية في علاقتها بالنظام العالمي، وتأثير التحولات الحاصلة في طبيعة النظام العالمي على مستقبل النظم الإقليمية، مع الالتفات للمعايير التي تحكم نسبية تأثر النظم الإقليمية بتحولات النظام العالمي.
كذلك يستعرض المؤلف مجالات تأثير تحولات النظام العالمي في النظم الإقليمية. ثم أخيراً يحدد المؤلف أشكالاً من النظم الإقليمية، ومثلها في النظم الإقليمية المسيطرة، وهي نظم دول التحالف الرأسمالي العالمي (الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان، ونظم إقليمية مشاركة تضم بعض نظم العالم الثالث، ونظم إقليمية غير مشاركة أو مهمشة، وتمثلها أغلبية النظم في العالم الثالث.
أما الفصل الثامن "مؤشرات القياس: التحول الديمقراطي في مصر وبلدان الوطن العربي"، للدكتور يسري العزباوي، فيهتم بالتحول الديمقراطي في المنطقة العربية. ويبدأ الفصل بمدخل مفاهيمي يستعرض دلالات مفهومي التحول الديمقراطي والإصلاح السياسي. فيما يتناول الجزء الثاني من الفصل بعوامل الإصلاح الخارجية، ثم طرق الإصلاح أو الانتقال للحكم الديمقراطي. أما الجزء الرابع فيتناول مؤشرات التحول الديمقراطي، وعدَّدها المؤلف في: المشاركة السياسية، دورية إجراء الانتخابات، التداول السلمي للسلطة، واحترام حقوق الإنسان، وترسيخ حقوق المرأة، وتقوية المجتمع المدني. فيما يهتم الجزء الخامس من الفصل بإشكاليات التحول الديمقراطي، وحددها المؤلف في: المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية، التنمية والعدالة الاجتماعية، وإصلاح المؤسسات الأمنية، الأقليات الدينية والعرقية، ودور العامل الخارجي على المستويين الإقليمي والدولي، وطبيعة العلاقة بين النظم السياسية الجديدة والمعارضة، ومحاربة الفساد.
ويهتم الفصل الأخير "الدراسات المستقبلية: رؤية تطورية نقدية" للدكتور ضياء الدين زاهر، بتقديم رؤية نقدية للدراسات المستقبلية في تطورها التاريخي، محدداً في البداية دواعي دراسة المستقبل. ثم يستعرض المؤلف البدايات التاريخية للفكر المستقبلي، والبدايات المنهجية للدراسات المستقبلية. وفي الجزء الرابع من الفصل يحلل المؤلف ماهية أبحاث المستقبل ودراساته. ويهتم الجزء الخامس بأهداف دراسة المستقبل في المساعدة في عملية صنع القرار والاسهام في العلم والفكر ومساعدة الإبداع. وبعدها يهتم الفصل بتناول المبادئ الحاكمة للدراسات المستقبلية وخصائصها، والمدارس العلمية لدراسة المستقبل، ومنهجية المستقبليات. وأخيراً ينتهي الفصل باستعراض إشكاليات دراسة المستقبل، التي تتمثل في: مفهومنا عن المستقبل، وتعدد صور المستقبل، وضرورة تعدد منظورات دراسة المستقبل، وأن النظر في المستقبل يشوشه.