المسار الواحد: الشراكة مع روسيا بين هواجس النخبة والمصلحة الوطنية
وتنتاب هؤلاء الآن حالة من الفزع تجاه تعميق الشراكة المصرية الروسية، أو ما نطلق عليه فوبيا "الروس قادمون"! حيث يتخوف البعض أن يكون التقارب مع موسكو على حساب العلاقة مع واشنطن، ويضيع نفوذ الأخيرة ومعه مصالحهم وما يتطلعون إليه من مناصب.
أولا- ثوابت تاريخية في العلاقات الروسية - المصرية
وقد أوضحت ثورة 30 يونيو مدى انفصال هذه النخبة عن جموع المواطنين المصريين الذين حملوا صورة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في ميدان التحرير، ووضعوها على محلاتهم وبيوتهم، وخرجوا لاستقباله خلال زيارته لمصر يومي 9 و10 فبراير 2015 تقديرًا وامتنانًا للموقف الروسي الداعم للشعب المصري وثورته في مواجهة الإرهاب الإخواني الذي تدعمه الولايات المتحدة، الأمر الذي وفر فرصة حقيقية لدفع الشراكة المصرية الروسية في مختلف المجالات.
فقد استحضر الموقف الروسي من ثورة 30 يونيو كل مواقف موسكو التاريخية الداعمة لمصر،ومنها تهديد الزعيم السوفيتي خروشوف بقصف لندن وباريس بالسلاح النووي إن لم ينهوا عدوانهم على مصر في أكتوبر 1956. وتقديم موسكو الدعم التقني والمادي اللازم لتشييد السد العالي كصرح تنموي أضاء مصر ووضعها على طريق التنمية الشاملة، وحماها من خطر المجاعة والجفاف في عدد ليس بالقليل من المرات، في الوقت الذي رفضت الولايات المتحدة والغرب تمويل السد لعرقلة خطط التنمية في مصر. ووقوف روسيا إلى جانب مصر في محنتها عام 1967 وقطع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل احتجاجًاعلى عدوانها، وإعادة تسليح الجيش المصري وتزويده بالمنظومات العسكرية المتطورة التي مكنت مصر من الثأر لشهداء الغدر والرد بقوة خلال حرب الاستنزاف ثم حرب أكتوبر المجيدة.
وعقب ما يقرب من خمسة عقود، تعود روسيا لدعم مصر في مرحلة حرجة وفارقة من تاريخها. وفي الوقت الذي تجاهلت الولايات المتحدة الإرادة الشعبية المصرية وتمادت في عدائها لمصر وشعبها وقامت بقطع المساعدات العسكرية عن مصر في محاولة يائسة لإضعافها وتحجيم قدرتها على مكافحة الإرهاب الإخواني الذي ترعاه وتدعمه واشنطن. دعمت روسيا مصر وبدت شريكا "محترما" لا يتدخل في الشأن الداخلي ولا يتلاعب باستقرار دول المنطقة والتوازنات العرقية والدينية والمذهبية داخلها لخدمة مصالحه على حساب أمن هذه الدول والأمن والاستقرار الإقليمى. فعلى عكس قوى دولية وإقليمية أخرىلم تحاول روسيا التدخل في مسار الثورة المصرية، بدعم طرف أو قوة سياسية ما على حساب الآخرين، وأكدت دومًاعلى أن مستقبل مصر يقرره المصريون أنفسهم، وهو أمر يكسب روسيا احترامًا وتقديرًا من جانب المصريين، قادة وشعبًا، ويفتح آفاق لا حدود لها للتعاون بين البلدين.
وقد عكست الزيارات المتبادلة بين الرئيسين المصري عبد الفتاح السيسي في أغسطس 2014 لموسكو، والروسي فلاديمير بوتين لمصر في فبراير 2015 مدي حميمية العلاقات المصرية الروسية، وحرص روسيا على استقرار مصر، وإطلاق الشراكة والتعاون معها في مختلف المجالات خاصة الغستراتيجية منها.
ثانيا- التعاون العسكري بين البلدين
يمثل التعاون العسكري مع روسيا دعمًا مهمًا للقدرات المصرية ويحد من حالة الانكشاف الاستراتيجي التي نعاني منها منذ بدء التعاون العسكري المصري الأمريكي بحيث تُطلع واشنطن غسرائيل علىكل ما تقوم بتوريده لمصر من منظومات دفاعية وكيفية التعامل معه. إن خصوصية العلاقات الأمريكية الإسرائيلية تجعل من إسرائيل الشريك الأهم، بل والامتداد الطبيعي للولايات المتحدة، وتجعل من ضمان أمن اسرائيل الهدف الأول لواشنطن في المنطقة، كما تشير إستراتيجية الأمن القومي الأمريكي. وقد عبر بريجنسكى، مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس كارتر، عن ذلك بقوله "على العرب أن يفهموا أن العلاقات الإسرائيلية الأمريكية لا يمكن أن تكون متوازنة مع العلاقات العربية الأمريكية، لأن ما بين الولايات المتحدة وإسرائيل علاقات حميمة مبنية على التراث التاريخي،والفاعلية التي تتعزز باستمرار من خلال النشاط السياسي لليهود الأمريكيين، بينما العلاقات الأمريكية العربية لا تحتوي علىأي عامل من هذه العوامل". ولعل تكرار استقبال رئيس الوزراء الإسرائيلي في الكونجرس الأمريكي بحفاوة وتصفيق لا مثيل لهما، والتي كان آخرها مطلع مارس 2015، أحد مظاهر هذه الخصوصية في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية.
إلا أن الأخطر هو حرص واشنطن على أن يظل توازن القوى مختلًا لصالح اسرائيل، وعدم مد مصر بأي منظومات تسهم ولو نسبيًا في إصلاح هذا الخلل خاصة بعد امتلاك تل أبيب للسلاح النووي وكونها الدولة النووية الوحيدة في الشرق الأوسط من المنظور العسكري. وعلى عكس ما يعتقده الكثيرون، فإن التعاون العسكري بين مصر والولايات المتحدة يصب لصالح واشنطن وإسرائيل أكثر مما يخدم المصلحة الوطنية المصرية والأمن القومي المصري بمفهومه الشامل. وعلى مدى عقود اقترن هذا التعاون بشروط سياسية وتدخل سافر في الشأن الداخلي المصري، أدى في النهاية إلى تغلل العناصر الإرهابية وتمكنها من السلطة في مصر على مدىعام كان الأسوأ في تاريخ مصر الممتد لسبعة آلاف سنة.
في هذا السياق يصبح التعاون العسكري مع روسيا ضرورة لبناء القدرات المصرية وضمان أمن مصر وشعبها. وهي الشريك الأمثل بحكم أن العقيدة العسكرية المصرية مازالت شرقية، ولم تتغير منذ تعاوننا التاريخي مع السوفيت خلال الخمسينيات والستينيات، وكون روسيا تمدنا بنحو40% من احتياجاتنا العسكرية. وقد تم استئناف التعاون بين البلدين وإعادة فتح مكتبنا العسكري في موسكو عام 1993 بعد توقف دام قرابة العقد ونصف العقد نتيجة مواقف الرئيس السادات المعروفة.
ثالثا- تحالف إستراتيجي لمحاربة الإرهاب
وقد أسست زيارة وزير الدفاع الروسي لمصر في نوفمبر 2013، ثم زيارة المشير عبد الفتاح السيسي لموسكو يومي في فبراير 2014، بوصفه وزيرًا للدفاع آنذاك، وزيارة الفريق أول صدقي صبحي وزير الدفاع المصري لموسكو في الأسبوع الأول من مارس 2015، لتعاون إستراتيجي واسع النطاق بين البلدين في إطار ثلاثة محاور أساسية.
وفي ختام الدورة الأولي للجنة المشتركة للتعاون العسكري التقني بين مصر وروسيا التي عقدت مطلع مارس 2015 بموسكو، تم توقيع بروتوكول للتعاون العسكري بين البلدين، وتم الاتفاق على إجراء مناورات عسكرية مشتركة في البحر المتوسط خلال العام الجاري، ومشاركة العسكريين المصريين كمراقبين في المناورات العسكرية على الأراضي الروسية.
ثانيها، التعاون الاسخباراتي والأمني، فروسيا تمتلك قدرات استخباراتية ومعلوماتية متفوقة ومتقدمة جدًا، ولديها رؤية تتطابق مع الرؤية المصرية لضرورة مكافحة الإرهاب واسئتصال جذوره ليس فقط من مصر ولكن من المنطقة بكاملها. وتدرج موسكو جماعة الإخوان وعدد من الجماعات الإسلامية المتشددة ضمن قائمة المنظمات الارهابية لديها منذ عام 2003 بقرار من المحكمة العليا الروسية. وتخوفت روسيا كثيرًا من صعود تيار الإسلام السياسي في المنطقة، ورأت أنه سيؤدي إلى توسيع نشاط القاعدة والجماعات الإرهابية والمتطرفة، وستكون لهذا أصداء في الداخل الروسي الذي لا يزال يعاني من الإرهاب في أعقاب الموجات العنيفة من عدم الاستقرار في منطقة القوقاز الروسي طوال التسعينيات، واستخدمت موسكو القوة بصرامة للقضاء على الإرهابيين في تلك المنطقة، ومازالت تكافح الارهاب في أراضيها الجنوبية في القوقاز بشتى الوسائل الأمنية والتنموية.
كما تبدي روسيا قلقًا شديدًا إزاء تمدد "داعش" في ليبيا وتطوير صلات التنظيم الإرهابي مع الإرهابيين في شمال القوقاز. يضاف إلىهذا خطورة داعش على سوق الطاقة الذي يعد قطاعًا مفصليًاورئيسيًاللأمن القومي الروسي بمعناه الواسع، حيث تعتمد داعش على النفط كمصدر للتمويل من خلال قيامها ببيع النفط المنتج بطريقة غير قانونية في العراق وسوريا في السوق السوداء، ووصلت عائدات التنظيم من إنتاج وبيع النفط إلى 1 – 3 ملايين دولار يوميا. وتبرز خطورة ذلك في ضوء محاولة التنظيم مد سيطرته علىحقول النفط في ليبيا.
وترى موسكو أن الولايات المتحدة غير جادة في حربها ضد داعش، وأنها تتخذ من الأخيرة حجة لوضع قوات برية بشكل دائم في العراق، وضرب سوريا والتدخل فيها، خاصة وأن جذور "داعش" تمتد إلى فترة الاحتلال الأمريكي للعراق، عندما نشأت هناك خلية لتنظيم "القاعدة"، ثم انضمت إليها بعض الجماعات من الطائفة السنية وبعض الضباط والمسئولين السابقين في نظام صدام حسين. وتقدمت روسيا بمشروع قرار لمجلس الأمن الدولي، تبناه الأخير بالإجماع وتحت الفصل السابع يوم 12 فبراير 2015، يقضي بتجفيف منابع تمويل تنظيم "داعش" وغيره من التنظيمات الإرهابية من خلال بيع النفط والآثار والفدية.
في هذا السياق تبدو موسكو مرحبة بالإجراءات التي تتخذها الحكومة المصرية لاستئصال الإرهاب والجريمة المنظمة من سيناء والعمق المصري، حيث تدرك القيادة الروسية خطورة الإرهاب في المنطقة، وأشار الرئيس بوتين صراحة إلي خطورة الوضع في سيناء ليس فقط على مصر، ولكن على المنطقة ككل. ويتيح هذا فرصًا لتعاون أمني واستخباراتي واسع النطاق بين روسيا ومصر، وتبادل للخبرات في مجال مكافحة الإرهاب. ويتضمن ذلك تبادل المعلومات حول خطط وتحركات المنظمات الإرهابية، على النحو الذي يمكن أجهزة الأمن في مصر من إجهاض مخططاتهم الدنيئة، وإحباط محاولاتهم للنيل من الاستقرار في مصر، والقبض على هذه العناصر، والحصول على تقنيات حديثة للكشف عن المتفجرات وغيرها من وسائل مكافحة الارهاب.
ثالثها، التعاون الفني وتدريب القوات المصرية على مواجهة العناصر الإرهابية من خلال الاتفاق على إجراء مناورات مشتركة بين البلدين في مجال مكافحة الإرهاب. ومن المعروف أن روسيا لديها خبرة واسعة في تنظيم وإجراء مثل هذه المناورات، وأبرزها مناورات "مهمة السلام" التي تتم سنويًا منذ عام 2005 في إطار منظمة شنغهاي التي تضم روسيا والصين وأربعًا من دول آسيا الوسطى، ومناورات "روبيج" التي تجري سنويًا أيضًا منذ عام 2003 بين أعضاء منظمة الأمن الجماعي التي تضم روسيا وخمسًا من الجمهوريات السوفيتية السابقة.
رابعا- مجالات متنوعة التعاون بين البلدين
ويعتبر التعاون الإستراتيجي على النحو السابق بيانه بمثابة التاج الذي يزين قمة هرم التعاون المصري الروسي في المجالات الاقتصادية والتقنية، والذي يظلله تفاهم سياسي وتوافق في الرؤىوالمواقف حول القضايا الإقليمية المختلفة، إلىجانب تقارب ديني وثقافي وحضاري واضح بين مصر وروسيا.
1- مجال الطاقة، ويأتي قطاع الطاقة في مقدمة المجالات الحيوية للتعاون بين البلدين. ويتضمن الاستفادة من الإمكانات التكنولوجية الضخمة لدىروسيا في تحقيق الحلم المصري في الاستخدام السلمي للطاقة النووية، وإنشاء أول محطة كهروذرية مصرية لانتاج الطاقة الكهربية في الضبعة، وهو مشروع تنموي عملاق لا يقل أهمية وتأثيرًا عن مشروع السد العالي. ومن المعروف أن روسيا هي الدولة الوحيدة التي ساعدت مصر في هذا المجال، وأن الخبراء الروس هم من أقاموا مفاعل "أنشاص" المصري للبحوث النووية خلال الحقبة الناصرية. وخلال زيارة الرئيس بوتين لمصر في فبراير الماضي تم توقيع اتفاق مبدئي بين وزارة الكهرباء المصرية ومؤسسة الطاقة الذرية الروسية "روس أتوم" لإنشاء محطة نووية لتوليد الكهرباء في منطقة الضبعة تضم أربع وحدات تبلغ طاقة كل منها 1200 ميجاوات. وأكد رئيس "روس أتوم" سيرجي كيريينكو أن روسيا مستعدة لتقديم قرض لمصر لتمويل إنشاء هذا المشروع.وكان البلدان قد سبق ووقعا بروتوكول في مارس 2008 يمكن الشركات الروسية المعنية من التعاون مع مصر لإنجاز مشروع الضبعة. وتبدي روسيا اهتمامًا بالغًا بالمشروع، وقام وفد روسي متخصص في مجال الطاقة النووية بزيارة إلى محافظة مرسى مطروح حيث من المقرر إقامة مشروع المحطة النووية المصرية مطلع مارس 2015، صاحب ذلك عقد الملتقي المصري الروسي الأول في التطبيقات النووية السلمية، بمشاركة أكثر من ثلاثين خبيرًا روسيًّا في المجال النووي. ويظل الأمر رهنًا بالإرادة السياسية المصرية لإنجاز المشروع وإعداد العقد النهائي بين الطرفين وتوقيعه حتى يتسنى للشركة الروسية البدء في التنفيذ.
من ناحية أخرى، توصل البلدان إلى اتفاق يقضي بقيام شركة "غازبروم" الروسية بتوريد ست شحنات من الغاز الطبيعي المسال سنويا ولمدة خمس سنوات لمصر في محاولة لسد احتياجات الاستهلاك المحلي المتنامي من المنتجات النفطية والغاز الطبيعي. ومن المعروف أن الشركات الروسية العاملة في مصر تسهم بنحو15% من إجمالي إنتاج مصر من النفط.
2- قطاع السياحة، يأتي قطاع السياحة ضمن الأولويات المصرية للتعاون بين الجانبين، باعتباره القطاع القادر على ضخ السيولة والعملة الصعبة على نحو سريع ومباشر والمساهمة في نهوض الاقتصاد المصري من كبوته، واستيعاب أعداد ضخمة من البطالة المصرية. فالروس يعشقون مصر، ويحترمون كثيرًا مصر والمصريين، وتتصدر روسيا قائمة الدول المصدرة للسياحة لمصر وتعتبر أكبر دولة في هذا الإطار، ويبلغ عدد السياح الروس لمصر 3 ملايين سائح سنويًا، يسهمون بنحو٣٠٪ من الإيرادات الناتجة عن هذا النشاط وفق تقديرات العام الماضي.
3- نقل مصادر التكنولوجيا، هذا إلى جانب الاستفادة من التكنولوجيا الروسية في تطوير البنية الإنتاجية الصناعية والزراعية في مصر. ويتضمن ذلك الاستثمار المشترك في مجال الإنتاج المشترك للدواء والمستحضرات البيوتكنولوجية، ونقل التكنولوجيا الحيوية الروسية المتقدمة إلى مصر، وتحديث البنية الصناعية التي شُيدت في فترة الاتحاد السوفيتي مثل تحديث مولدات الكهرباء في السد العالي، وإعادة تأهيل غلايات شركة حلوان للحديد والصلب، وإعادة بناء ترسانة السفن بالإسكندرية وغيرها. وتفعيل اتفاق انشاء المنطقة الصناعية الروسية المتخصصة في الصناعات المغذية للسيارات والطائرات والحاسبات الإلكترونية، وبعض السلع الهندسية الأخرىوالتي تم الاتفاق بشأنها منذ عام 2007 ولم يدخل حيز التنفيذ، حيث تم تجديد الاتفاق خلال زيارة الرئيس بوتين لمصر في فبراير الماضي مع نقلها من برج العرب إلىمنطقة قناة السويس.
4- قطاع الزراعة، أيضًا الاستفادة من الخبرة والتكنولوجيا الروسية في تطوير قطاع الزراعة واستصلاح الأراضي. فالمستقبل الحقيقي لمصر هو في تطوير القطاع الزراعي على النحو الذي يمكنها من إشباع الاحتياجات الأساسية لمواطنيها. وتمتلك روسيا خبرة واسعة في هذا المجال خاصة إنتاج القمح وزراعة الكثبان الرملية. ومن المعروف أن روسيا تتمتع بالاكتفاء الذاتي من الحبوب، وهي أكبر مصدر لها في العالم حيث تصدر ملايين الأطنان من القمح سنويًا، وتمد مصر بنحو 40% من احتياجاتها من القمح بقيمة 1.1 مليار دولار. وتعتبر مصر أكبر مستورد للحبوب في العالم، وتستورد ٣٠٪ من إجمالي الصادرات العالمية، فيما تستورد منطقة الشرق الأوسط نحو ٢٠٪، ما يشكل ٥٠٪ من حجم تجارة الغلال في العالم، ومن هنا تأتي أهمية المشروع المصري لإنشاء المركز اللوجستي العالمي لتخزين وتداول الغلال والحبوب، وقد عرضت شركة "الفلتربرود مشتروى" الاستثمارية الروسية وهي شركة روسية قابضة توريد كل الآلات والمعدات الحديثة للمشروع، كما عرضت أيضا إنشاء وحدات تخزينية متنقلة متطورة لتجفيف وحفظ الحبوب والخضروات بطاقة تتراوح من ٢ طن إلى٥٠٠ طن، لتصبح مصر بوابة لصادرات روسيا من الحبوب لأفريقيا والشرق الأوسط.
وتعتبر روسيا شريكا تجاريًا مهمًا لمصر، وتمثل سوقًا واسعة للمنتجات المصرية خاصة الموالح والبصل والبطاطس وغيرها من المحاصيل والصناعات الاستهلاكية. ويبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين نحو 4.6 مليار دولار. وتم خلال زيارة الرئيس بوتين توقيع اتفاق لإنشاء منطقة تجارة حرة بين مصر والاتحاد الاقتصادي الأوراسي الذي يضم روسيا وبيلاروس وكازاخستان، وأرمينيا، الأمر الذي يفتح أسواقًا جديدة أمام المنتجات المصرية، ويعزز الصادرات المصرية لروسيا التي زادت بنسبة 30% بعد الحظر الذي فرضته الأخيرة علىالمنتجات الزراعية الأوربية، في إطار حرب العقوبات مع الغرب على خلفية الأزمة الأوكرانية. وقد بحث البلدان خلال الزيارة إمكانية التعامل بالعملات الوطنية في التبادل التجاري والسياحي والاستغناء عن التعامل بالدولار الأمريكي علىغرار ما حدث بين روسيا ودول مثل الصين والهند وتايلاند وتركيا.
إن القراءة المتأنية لواقع وآفاق التعاون مع روسيا تؤكد أن الشراكة معها ضرورة تنموية لمصر تفرضها المصلحة الوطنية المصرية. ويظل الأمر رهنًا بالإرادة السياسية المصرية لدفع العلاقات قدمًا، ومدي قدرة مصر على تجاوز جماعات الضغط المناوئة لروسيا في الداخل المصري، والتي تحاول عرقلة المسار الطبيعي لعلاقات البلدين من أجل مصالحها الخاصة وارتباطاتها الخارجية.
*أستاذ العلوم السياسية، جامعة القاهرة