المواجهة المحتومة: سبل وآليات مكافحة الفساد السياسى فى مصر
السبت 29/مارس/2014 - 11:25 ص
د. يسرى العزباوى
فى مصر الثورة (يناير 2011 - يونيو 2013)، أصبح موضوع الفساد بشكل عام، والفساد السياسى بشكل خاص، هو الشغل الشاغل لكل المصريين. فلم يعد الحديث عن الفساد مقصورًا على النخبة من المثقفين والنشطاء السياسيين والمنتمين للأحزاب وغيرهم من المهتمين بالشأن العام، بل أصبح الموضوع محل نقاش العامة من المواطنين، وذلك بسبب تنامى ظاهرة حجم الفساد الذى تتناوله وسائل الإعلام، وتنظره المحاكم بعد الثورة. وبناء عليه، كان السؤال الأوسع انتشارًا: ما هى السبل والآليات التى يمكن من خلالها مواجهة الفساد السياسى؟ وكيف يمكن الحد منه فى المستقبل؟. وهل مواجهة الفساد هى مسئولية الدولة فقط، أم إنها مسئولية مشتركة للدولة والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدنى؟
وتنطلق مجموعة المقترحات التى توجد بين أيدينا لمواجهة الفساد السياسى من فرضية أساسية، هى: أن انتشار ظاهرة الفساد يعود إلى خلل هيكلى فى طبيعة العلاقات بين سلطات الدولة الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية)، فضلاً عن الخلل فى استقلالية الأجهزة الرقابية، وعدم التنسيق فيما بينها، وعدم كفاءتها المادية والبشرية وإلى التضارب التشريعى الذى نتج عنه تضارب المصالح. وفى هذه الورقة لن نحاول التعرف على حجم ومظاهر الفساد السياسى بقدر ما هى محاولة لتقديم مجموعة أفكار ومقترحات قابلة للتنفيذ، على المدى القصير والبعيد، يمكن من خلالها تقليص الظاهرة والحد منها فى المستقبل المنظور، من خلال المحاور التالية:
أولا: اعتماد مبدأ الفصل بين السلطات .
بالرغم من محاولات الأنظمة التنفيذية المتعاقبة الحد من اختصاصات السلطة التشريعية والقضائية لصالحها، إلا أنها لم تنجح فى يوم من الأيام فى تحقيق مآربها، لذا حاولت السيطرة عليها من خلال اتباع سياسة "العصا والجزرة" للسلطة التشريعية، أو محاولة "تسيس" السلطة القضائية التى وقفت بالمرصاد لكل من نظامى مبارك ومحمد مرسى. ولم يكتف الدستور الجديد على النص (مادة 218) "بأن تلتزم الدولة بمكافحة الفساد وتلتزم الهيئات والأجهزة الرقابية بالتنسيق فيما بينها فى مكافحة الفساد، وتعزيز قيم النزاهة والشفافية، وضمانا لحسن أداء الوظيفة العامة والحفاظ على المال العام، ووضع ومتابعة تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد بالمشاركة مع غيرها من الهيئات والأجهزة المعنية"، وإنما أكد فى ديباجته بأن المصريين يكتبون الدستور من أجل غلق الباب أمام أى فساد وأى استبداد، ويتسق مع الإعلان العالمى لحقوق الإنسان. وهذا جديد تمامًا على التاريخ الدستورى المصرى بأكمله. وبناء عليه، يمكن اقتراح التالى:
1- سرعة إنشاء الهيئة المستقلة لمكافحة الفساد على أن تتضمن فى تكوينها ممثلين من الهيئات الرقابية المختلفة، بالإضافة إلى ممثلين من المجتمع المدني والأحزاب السياسية وبعض الأكاديميين والمتخصصين فى مكافحة الفساد. على أن يكون للهيئة أفرع فى المحافظات المختلفة، ولها الحق الكامل فى ملاحقة ومراقبة كل أنواع الفساد بدون إذن من النيابة العامة، ولها الحق الكامل فى إقامة الدعاوى القضائية ضد المتورطين فى أعمال فساد. وتقدم الهيئة تقاريرها إلى مجلس الشعب ومؤسسة الرئاسة. بالإضافة إلى حق الهيئة فى نشر تقاريرها بصفة دورية ما عدا تلك التى تمس الأمن القومى. ويتم تعيين وعزل رئيس الهيئة من قبل البرلمان، ويكون للبرلمان فقط حق مساءلة رئيس الهيئة وأعضائها.
ويقترح البعض على الأقل سرعة إنشاء لجنة تنسيقية بين الأجهزة الرقابية، لأنه ما بنقص مصر الآن هو التنسيق وليس الهياكل المؤسسية لمكافحة الفساد.
2- فيما يتعلق بمنع خروقات السلطة التنفيذية والتضارب فى القوانين والمصالح، يجب أن تقوم الهيئة المستقلة لمكافحة الفساد المزمع إنشائها عبر لجنة خبراء (تضم مجموعة من القضاة وأعضاء من أجهزة مكافحة الفساد) بجمع وتنقيح كل قوانين المتعلقة بمكافحة الفساد فى قانون واحد أو لائحة جزائية واحدة تطبق على الجميع كل حسب موقعه الوظيفي ومخالفته للقانون.
3- لضمانات الحقوق والحريات العامة التى نص عليها الميثاق العالمى لحقوق الإنسان، والتى نص عليها الدستور الجديد، فيقترح عمل حملات توعية منتظمة ومستمرة تقوم بها منظمات المجتمع المدنى ووسائل الإعلام الرسمية والخاصة بتعريف المواطنين حقوقهم وواجباتهم. بالإضافة إلى تكوين جماعة ضغط لمطالبة وزارة التربية والتعليم بتدريس مادة للتعريف بالحقوق الأساسية التى وردت فى الدستور للمرحلة الابتدائية أو الإعدادية على الأقل.
ثانيا- السلطة التنفيذية: وغياب الشفافية والمساءلة .
نقدم فى هذا الجزء مجموعة من المقترحات لوضع حزمة من المعايير حول أربع نقاط محددة، هى: تجنب تضارب المصالح، وإجراءات شفافة فى التعيينات، ونشر المعلومات والبيانات، وأخيرًا، إجراءات الثقة فى الحكومة.
1-لتجنب تضارب المصالح: سرعة تنفيذ العقوبات والجزاءات التى أقرها القانون رقم 106 لسنة 2013 فى شأن حظر تعارض مصالح المسئولين فى الدولة، والذى أقره الرئيس المؤقت للبلاد مؤخرًا. بالإضافة إلى حظر تولى رجال الأعمال أية مناصب فى الإدارة العليا للبلاد أو على الأقل تطبيق الفصل الواضح بين الوظيفة العامة والخاصة، وحظر قيام أى مسئول فى الإدارة العليا للبلاد بممارسة أى نشاط تجارى أو شراء أى شئ من جهات حكومية فترة تواجده فى الوظيفة العامة، ونشر إقرارات الذمة المالية قبل وتولى الوظيفة العامة، وتغليظ العقوبات على الإثراء غير المشروع من الوظيفة العامة.
2-إجراءات شفافة فى التعيينات: وهناك يجب أولا، إعادة النظر فى نص قانون العاملين المدنيين بالدولة (الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978)، والذى ينص على طريقتين للتعيين فى الوظيفة العامة: هما نظام التعيين الدائم، ونظام التعيين المؤقت، والقانون رقم 5 لسنة 1991 ولائحته التنفيذية بشأن الوظائف المدنية القيادية، والتى تكون إما بناءً على السلطة التقديرية للسلطة الإدارية أو بناء على الأقدمية المطلقة. لأن العديد من العيوب فى نظام الإدارة العامة والتعيينات كان لهما دور كبير فى انتشار الفساد قبل وبعد الثورة، خاصة مع عدم تحديد المهام والواجبات بدقة فى المناصب العامة، وتعقد الإجراءات، وضعف الرقابة الذاتية فى الأجهزة الحكومية، وانخفاض المرتبات وسوء توزيعها وعدم ربطها بالكفاءة والنزاهة والشفافية.
ثانيا، وضع معايير حقيقية لتقييم الموظفين العموميين مثل الحصول على دورات تدريبية سنوية وربطها بالزيادة فى الأجور.
ثالثا، الحد من تعيين الأقراب فى المؤسسات العامة للدولة، لأن ذلك كان سبب من أسباب انتشار الفساد وغياب الشفافية فى تولى الوظائف العامة قبل وبعد الثورة، وتحول أغلب هذه المؤسسات إلى الطابع العائلى.
3-نشر المعلومات والبيانات: على عكس كل النظم الديمقراطية، فإن الأصل فى مصر هو عدم إتاحة المعلومات، حيث هناك الكثير من التشريعات والقوانين التى تقيد حرية المعلومات فى مصر، منها على سبيل المثال: أولاً، نص المادة العاشرة من القرار الجمهورى رقم 2915 لسنة 1964 بشأن إنشاء الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء. ثانيًا، قانون العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978، حيث تنص المادة 77 فى الفقرة 7 على أنه "يحظر على العامل أن يفضى بأى تصريح أو بيان عن أعمال وظيفته عن طريق الصحف أو فى غير ذلك من طرق النشر إلا إذا كان مصرحًا له بذلك كتابة من الرئيس المختص".( ) وبناء عليه، يكون الاقتراح هنا:
أولا، ضرورة إعادة النظر فى قوانين الأجهزة السابقة، بما يسمح بإلزام هذه الأجهزة بما جاء فى الدستور الجديد من حرية إتاحة المعلومات لكل المواطنين. خاصة وأن التعتيم على المعلومات المتعلقة بالشأن العام، وعدم إتاحة الوصول إليها يعتبر من أهم الأسباب التى أدت إلى انتشار الفساد. ثانيا، سرعة إقرار قانون حرية وتداول المعلومات.
4-إجراءات الثقة فى الحكومة: لابد أن تنال الحكومة ثقة البرلمان ليس فقط عند تشكيلها، حيث يحق للبرلمان سحب الثقة منها فى أى وقت كان.( ) وهنا يمكن أن نقترح:
أولا، تشكيل الحكومة من أكبر عدد ممكن من الأحزاب وأصحاب الكفاءات والتخصصات.
ثانيا، أن تتبنى الحكومة سياسات واقعية تعبر عن الاحتياجات الأساسية للمواطنين, ولا تفرط فى تبنيها سياسات غير قادرة على تنفيذها، وهو ما يؤدى إلى إحباط المواطن.
ثالثا، مشاركة الأحزاب والقوى السياسية والمجتمع المدنى فى وضع برنامج الحكومة، وأن أمكن خطط التنفيذ، ومراقبة التنفيذ أيضًا. أو تطبيق أهداف ومبادئ "التنمية بالمشاركة".
أن انتشار ظاهرة الفساد يعود إلى خلل هيكلى فى طبيعة العلاقات بين سلطات الدولة الثلاث، وعدم استقلالية الأجهزة الرقابية، وغياب التنسيق فيما بينها، وإلى التضارب التشريعى الذى نتج عنه ت
ثالثا- مدى فاعلية السلطة التشريعية .
تعد هيمنة السلطة التنفيذية على السلطات الأخرى، أحد أهم الأسباب الرئيسية لثورة 25 يناير والموجة الثانية لها فى 30 يونيو، حيث ضاقت وضاعت الفواصل والحدود بين الحزب الحاكم والسلطات الثلاث، مما أضعف من رقابة السلطات على بعضها البعض. كما سيطرت السلطة التنفيذية على الإعلام، مما ساهم فى تضليل الرأى العام.( ) وهنا يقترح ما يلى:
1- تفعيل دور مجلس النواب فى مكافحة الفساد ليس فقط عبر دراسة التقارير التى تقدم له من الأجهزة المعنية ولكن بتفعيل أدوات المساءلة البرلمانية المتعارف عليها للحكومة ولرؤساء الأجهزة المستقلة. وتفعيل دوره فى مناقشة حقيقية وفعالة فى إقرار السياسة العامة للدولة والخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والموازنة العامة للدولة. وهنا يمكن عمل دورات تدريبية وتثقيفية لأعضاء لجنة الخطة والموازنة فى المجلس على كيفية قراءة الموازنة العامة للدولة.
2- ضرورة الحد من السلطات الممنوحة للسلطة التنفيذية فى إصدار اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين. كما يجب تفعيل دور البرلمان فى مراجعة اللوائح التى تصدرها السلطة التنفيذية، خاصة فيما يتعلق بأوجه إنفاق الميزانية المقررة لكل جهة حكومية.
3- تفعيل مبدأ خضوع التنفيذيين لمساءلة البرلمان. وتفعيل الدور الرقابى للمجالس الشعبية المحلية على الأجهزة التنفيذية فى نطاق الوحدات المحلية، وتدريبها على كيفية الرقابة على هذه الأجهزة.
رابعًا: السلطة القضائية نزاهة واستقلال .
إن التحقيق والمحاكمة فى جرائم الفساد تستغرق فترة زمنية طويلة، قد تصل إلى عشرات السنين، مما يضعف قوة الردع القانونية والقضائية تجاه المفسدين، كما يحدث كثيرًا بأن يهرب البعض إلى الخارج قبل المحاكمة، خاصة الأشخاص المقربين من السلطة قبل وبعد يناير. وفى هذا الإطاريمكن اقتراح ما يلى:
1- سرعة إجراءات التقاضى، من خلال الاعتماد المتزايد على التكنولوجيا فى المحاكم. وتعميم تجربة المحاكم الاقتصادية فى مصر التى أثبتت إمكانية أن يصدر الحكم النهائى خلال ستة أشهر، كما استطاعت هذه المحاكم أن تحل بعض المنازعات عن طريق التوفيق بين الخصوم، وهى آلية جيدة جدًا استحدثتها هذه المحاكم. أو تخصيص دوائر قضائية معينة لسرعة البت فى قضايا الفساد.
2- الحد من تدخل السلطة التنفيذية فى أعمال السلطة القضائية من خلال إلغاء تبعية التفتيش القضائى لوزير العدل، الذى هو جزء من السلطة التنفيذية، والذى يفتح بابا كبيرًا للضغط على بعض القضاة.
3- ضرورة إلغاء ندب بعض القضاة للعمل فى السلطة التنفيذية لأنه قد يؤثر على استقلال القاضى خاصة إذا عرضت عليه قضية متعلقة بالجهة التى كان منتدبًا إليها.
4- التقليل من المركزية الشديدة فى عمل النيابة العامة، حيث يسيطر مكتب النائب العام (وهو تابع لوزير العدل) على ما تصدره النيابة العامة من قرارات فى القضايا المهمة، مما يفتح الباب لدخول الاعتبارات السياسية فى عملها.
5- تطبيق سيادة القانون على الجميع، فإذا كان الشخص الصادر ضده الحكم ذا حيثية سياسية أو مالية كان ذلك يعطل تنفيذ الحكم الصادر ضده، وإذا كان العكس وكان الشخص الصادر لصالحه الحكم هو صاحب الحيثية سوف يكون تنفيذ الحكم فوريًا.
خامسًا- إدارة الممتلكات والأموال العامة .
تعد الرقابة على المال العام أحد الأدوار الأساسية المميزة لكافة المجتمعات الحديثة، بل إن نشأة البرلمانات أساسًا جاءت لتحقيق هذه العملية. من هنا كان من الضروري العمل على تدعيم وتعزيز الرقابة المالية بصورة تجعلها قادرة على الحيلولة دون العبث بالمال العام أو إهداره. ولهذا يقترح ما يلى:
1- تطبيق مبدأ وحدة الموازنة العامة للدولة، حيث تلعب الموازنة أدوارًا مهمة وخطيرة على كافة الأصعدة سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا بل أمنيًا أيضًا. الأمر الذى جعلها محور الاهتمام والتركيز في كافة قطاعات المجتمع.( )
2- الاهتمام بآليات تقديم الموازنة وإقرارها من قبل مجلس النواب. كما يجب الاهتمام من قبل النواب بقراءة التقرير السنوي للجهاز المركزي للمحاسبات وملاحظاته على الحساب الختامي للموازنة.
3- تفعيل الرقابة ومساءلة الحكومة على عمليات الإنفاق، بحيث لا يجوز للسلطة التنفيذية الاقتراض، أو الحصول على تمويل، أو الارتباط بمشروع غير مدرج فى الموازنة العامة المعتمدة ، يترتب عليه إنفاق مبالغ من الخزانة العامة للدولة لمدة مقبلة، إلا بعد موافقة مجلس النواب.
4- تبسيط الموازنة العامة، ونشرها فى وسائل الإعلام الرسمية لكى يستطيع المواطن العادي قراءتها، وفهم ما جاء بها. وللتغلب على هذه المشكلة، فإن كثيرًا من الدول تعد ما يطلق عليه "موازنة المواطن"،( ) وهى نسخة مختصرة مبسطة من الموازنة العامة تتضمن كافة البيانات الرئيسية عن الموازنة، ويسهل فهمها من غير المختصين فى الشئون المالية والمحاسبية.
5- ضرورة إلغاء الصناديق الاستثمارية الخاصة وتفعيل الرقابة عليها، أو تعرض تفاصيلها على مجلس النواب، أو تضم إلى الموازنة العامة للدولة.
6- ضرورة إلغاء الموازنات ذات البند الواحد، حيث يوجد عدد من الجهات ذات الموازنات ذات البند الواحد التي يعطى لها اعتمادات إجمالية يتم التصرف فيها دون التقيد بتقسيمات الأبواب المنصوص عليها في الموازنة، وتضم القوات المسلحة والجهات القضائية.( ) لا شك في أن هذا المسلك فيه تعتيم كبير على إنفاق المال العام المخصص لهذه الجهات لأنه يضعف من قدرة مجلس الشعب على رقابته.
7-إعادة النظر فى قوانين العطاءات والمشتريات والأشغال العامة، التي أصبحت إحدى المصادر الرئيسة للفساد الإداري فى مصر.
8- ضرورة مراجعة المادة 32 من الدستور الجديد، والتى تمييز بين المال العام والمال المملوك ملكية خاصة للدولة، وهو بمثابة فتح سبل جديدة للفساد فى مصر.
سادسا- الانتخابات العامة والشفافية .
بشكل عام تدور مضامين الانتخابات الديمقراطية حول معيارين رئيسيين، الأول هو "حرية الانتخابات"، أي ضرورة احترام حريات الأفراد وحقوقهم الرئيسية، والثاني هو "نزاهة" عملية إدارة الانتخابات.( ) وفى ضوء الدستور الجديد للبلاد نقترح ما يلى:
1-سرعة إنشاء الهيئة الوطنية للانتخابات من الآن، حيث تختص دون غيرها بإعداد قاعدة بيانات الناخبين وتحديثها، واقتراح تقسيم الدوائر، وتحديد ضوابط الدعاية والتمويل، والإنفاق الانتخابي، والإعلان عنه، والرقابة عليها، وتيسير إجراءات تصويت المصريين المقيمين في الخارج، وغير ذلك من الإجراءات حتي إعلان النتيجة.( ) ووفقا للدستور أيضًا فإن للهيئة الحق فى أن تستعين بمن تري من الشخصيات العامة المستقلة، والمتخصصين، وذوي الخبرة في مجال الانتخابات دون أن يكون لهم حق التصويت. ويكون للهيئة جهاز تنفيذي دائم يحدد القانون تشكيله، ونظام العمل به، وحقوق وواجبات أعضائه وضماناتهم بما يحقق لهم الحياد والاستقلال والنزاهة. وبالتالى فإنه يجب على الهيئة الوطنية أن تستعين بممثلين للمجتمع المدنى والأحزاب السياسية.
2- إعادة النظر في كل المواد الدستورية المنظمة لعمل الهيئة الوطنية للانتخابات خاصة المادة 229 والمتعلقة بندب مجلس الهيئة المكون من عشرة أعضاء من الهيئات القضائية, بحيث يعيين رئيسها من البرلمان وأن يكون غير قابل للعزل.
3- توحيد التشريعات المنظمة للعملية الانتخابية، حيث يوجد قانون ناظم للانتخابات الرئاسية مختلفة عن الانتخابات البرلمانية مختلفة عن المنظم للانتخابات المحلية، وكذلك العقوبات الانتخابية مختلفة من قانون إلى آخر.
3-توحيد الإطار القانونى لتمويل الحملات الانتخابية والأحزاب، المشتت فى العديد من القوانين والتى تفوض فى النهاية اللجان المشرفة على العملية الانتخابية ليس فقط فى تحديد الحد الأقصى والأدنى لعملية تمويل الحملات الانتخابية, ولكن أيضاً الجزاءات التى تطبق على من يخالف مسألة التمويل والدعاية الانتخابية. بمعنى آخر، إن الإطار القانوني المنظم لعملية تمويل الحملات الانتخابية فى مصر مترهل للغاية، حيث تأتى النصوص القانونية مطاطة ومنتشرة فى عدة لوائح قانونية مختلفة، مما يجعلها متناقضة فى بعض موادها.
4- يسمح القانون بمتابعة منظمات المجتمع المدنى، المحلية والدولية، للعملية الانتخابية, ولكنها مازال هناك بعض المشكلات الخاصة بإجراءات المتابعة لابد من العمل على حلها لأن مراقبة المنظمات الدولية بمثابة شهادة ودفعة قوية للأنظمة الجديدة فى مواجهة الضغوطات الخارجية، ويقوم موقف الدولة المصرية فى المنظمات الدولية.
5- ضمان تكافؤ الفرص لجميع المرشحين والأحزاب السياسية، ليس فقط فيما يتعلق بإجراءات الترشيح ولكن أيضًا بإتاحة فرص متساوية للدعاية الانتخابية، وإقامة المؤتمرات والمسيرات الانتخابية.
6- إصدار مدون سلوك ومواثيق أخلاقية، تتعلق بإدارة شفافة للحملات الانتخابية بين المرشحين، وبين الأحزاب السياسية وبعضها البعض، وبين وسائل الإعلام بمختلف أنواعها.
7- العمل على ترشيح الشباب والنساء والأقباط للمجالس النيابية، عبر كوتا طوعية حزبية، على غرار تجربة المغرب، خاصة وأن الدستور نص فى مادته 224 على أن تعمل الدولة علي تمثيل الشباب والمسيحيين والاشخاص ذوي الاعاقة والمصريين المقيميين في الخارج تمثيلا ملائما في أول مجلس للنواب ينتخب بعد إقرار هذا الدستور. وبالتالى فإن مشكلة تمثيل هذه الفئات سوف تكون مستمرة فيما بعد.
8- سرعة البدء بتطبيق التصويت الاليكترونى، ولو على بعض المحافظات على سبيل التجربة, ثم تعميمها حال نجاحها فيما بعد.
سابعا: الأحزاب السياسية .
هناك خلل كبير فى النظام الحزبى التعددى، حيث يوجد حزب كبير يحتكر السلطة والأغلبية البرلمانية، وإلى جواره أحزاب سياسية، معظمها غير معروف. كما أن رئيس الدولة هو رئيس الحزب الحاكم، وعادة ما يحدث تداخل بين أجهزة الحزب وأجهزة الدولة، وتوظيف الأخيرة لحساب الحزب, وبخاصة خلال الاستحقاقات الانتخابية. كما أن أحزاب المعارضة تعانى من الضعف والهشاشة وعدم القدرة على التنسيق الفعال فيما بينها، الأمر الذى يجعلها غير قادرة على القيام بدور سياسى فاعل ومؤثر.( ) ولذلك فإن النظام الحزبى التعددى فى مصر كان الأقرب إلى نظام الحزب المسيطر أو المهيمن منه إلى نظام التعددية الحزبية بالمعنى المتعارف عليه. وبناء عليه، يمكن اقتراح ما يلى:
1-مراجعة الإطار القانونى المنظم لعمل الأحزاب، خاصة وأن تعديل قانون الأحزاب الأخير قيد إنشاء الأحزاب الجديدة باشتراطه أمورا تعجيزية, حيث طالب من يريدون تأسيس حزب جديد تجميع 5000 مؤسس من 10 محافظات بحد أدنى 300 مؤسس من كل محافظة، والنشر في جريدتين يوميتين واسعتي الانتشار، وأن تكون التوكيلات موثقة رسميا، وذلك قد يتكلف حوالي مليون جنيها وفقاً لبعض التقديرات، لا يستطيع توفيرها عدد كبير من الراغبين في ممارسة العمل الحزبى.
2- فى ظل ضعف المواد المالية للأحزاب للممارسة أنشطتها لابد من إتاحة فرص أو تخصيص أوقات إعلانية متساوية للأحزاب فى التلفزيون الرسمى للدولة.
3- إيجاد بدائل مختلفة لتمويل الأحزاب السياسية من خلال السماح لها باستثمار موارد الحزب فى أنشطة تجارية، تستطيع من خلالها توفير النفقات اللازمة لإقامة مقرات لها فى المحافظات، أو عمل برامج خاصة بها.
4- عمل برامج تثقيفية للأحزاب السياسية فيما يتعلق بأهمية الشفافية ونزاهة تمويل الأحزاب والحملات الانتخابية.
5- إجبار الأحزاب على تقديم تقارير مالية سنوية للأجهزة الرقابية. وأعطى الأجهزة الرقابية حق المساءلة المادية على الأحزاب فى أى وقت لمنع أى فساد مالى وإدارى داخل الأحزاب.
6- ضرورة اشتراك الأحزاب فى وضع قواعد عمل اللجنة العليا الدائمة للانتخابات، واللجنة العليا لمكافحة الفساد.
ثامنا: الإعلام والحد من السيطرة الحكومية .
لم يكن الإعلام الرسمى خلال الفترة الماضية بمنائ عن شبه الفساد وغياب الشفافية. وقد التحق به الإعلام الخاص، أكبر جاذب للاستثمار بعد ثورة 25 يناير، فلا يعلم أحد مصادر تمويل هذه القنوات التى توسعت بشكل لافت للنظر، وتحولت من مجرد ناقل للخبر إلى صانع الخبر. وفى الإطار هناك مجموعة من الاقتراحات العامة، وهى ما يلى:
1-وضع ميثاق شرف أخلاقي بين القائمين على وسائل الإعلام بإعلان مصادر تمويلها.
2- عدم موافقة الهيئة العامة للاستثمار على عدم التصريح ببث أي قناة قبل التأكد من خلو مصدر تمويلها من أي شبهات خارجية وأجنبية. فضلاً عن وضع سياسات حاكمة من قبل الدولة المصرية تمكن الجميع من الاطمئنان على سلامة تمويل المنابر الإعلامية باعتبارها أحد أهم ما يتعرض له الرأي العام في أي دولة؛ حتى نستطيع أن نتجنب الأموال المشبوهة، التي تمثل أجندات خارجية لتحطيم الرؤية المصرية، والعودة بها إلى الوراء في عصر التبعية السياسية.
3- إعادة تنظيم الإعلام الرسمى، وإتاحة الحرية له، لكى يقوم بدورها فى كشف الفساد بدلاً من التغطية على المفسدين ومن ثم، فإن الحاجة ماسة إلى الفصل بين الملكية والإدارة، والذى يمكن من استقلالية المؤسسات الإعلامية وعدم تأثرها بالحكومة الموجودة. وبما لا يخالف مبادئ حرية الرأي والتعبير التي يقرها الدستور المصري والاتفاقات الدولية المعنية بحقوق الإنسان.
4- وضع مدونة سلوك لوسائل الاتصال الاجتماعى.
5- سرعة إنشاء المجلس الأعلى للإعلام والهيئة الوطنية للصحافة على أن تضم فى تكوينها مختلف التخصصات، والفئات المجتمعية المختلفة.
تاسعًا: المؤسسات الأمنية .
يعتبر الأمن بدوره هو عامل أساسى لتحسين الحياة اليومية للمصريين وخفض الفقر وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وترجع مسئولية الملف الأمنى بكل مكوناته إلى الحكومة المسئولة عنه بشكل أساسى. وبالنظر إلى المهام التى يؤديها قطاع الأمن فى أى مجتمع ليست مقصورة على حمايته وضمان بقائه على المدى القصير فحسب, ولكنها تشمل أيضًا ضمان تنافسية وفاعلية مكوناته على المدى البعيد، فإن وجود هياكل وآليات أمنية غير مناسبة يؤدى إلى إضعاف الحكم وزعزعة الاستقرار واشتعال الصراعات العنيفة.( ) وبناء عليه، يمكن تقديم
تدور مضامين الانتخابات الديمقراطية حول معيارين رئيسيين، الأول هو "حرية الانتخابات"، أي ضرورة احترام حريات الأفراد وحقوقهم الرئيسية، والثاني هو "نزاهة" عملية إدارة الانتخابات
المقترحات التالية:
1- تغيير الصورة الذهنية العامة للشرطة لدى المواطن من خلال تحقيق الأمن من منظور خدمي بحيث تحقق الأمن والاستقرار في إطار حماية حقوق الإنسان، والعمل بمقتضى الدستور وسيادة القانون.
2- الحد من علاقة مسؤلى الأمن بالرئيس، من خلال تضيق المساحة الممنوحة للرئيس فى تعيين الموظفين العسكريين والأمنيين، والذى يجب أن يكون ترشيحهم من قبل المؤسسات التى يعملون فيها، ويخضعون لمساءلة البرلمان.
3- أن تقدم تقارير الأجهزة الأمنية لمجلس الدفاع الوطنى، والذى يضم فى تكوينه الرئيس ورئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب، ووزراء الدفاع والخارجية والمالية والداخلية.
4- وضع السجون والمعتقلات تحت إشراف القضاء والمجلس القومى لحقوق الإنسان، وإعطاء الحق لمنظمات المجتمع المدنى لعمل تفتيش دورى وغير دورى على السجون والمعتقلات.
5- عدم توفير أية حصانة لمسئولى الأمن، ويجب إقرار مساءلتهم قانونيًا، وأن تلغى الصناديق الخاصة التى توجد بوزارة الداخلية تحت إشراف ورقابة الجهاز المركزى للمحاسبات. فهناك احتياج حقيقى لخضوع القوات المسلحة والأجهزة الأمنية لنظام الضوابط والتوازنات الرقابية على مستوى الدولة, وهو ما سوف يؤدى إلى منع الانتهاكات وسوء استعمال السلطة. ولابد من وجود معايير لخضوع المؤسسات الأمنية لرقابة فعالة من قبل مجلس النواب، بحيث يتم مراجعة ومراقبة قرارات الشراء والتحصيل والموافقة على التعيينات وأوامر العزل، إن لم يكن من قبل البرلمان ككل, فليكن على الأقل من خلال لجنة تعين لتلك المهمة.
6- إلغاء العمل بنظام انتقال مسئولى الأجهزة الأمنية للسلطة المدنية بعد تركهم الخدمة. وعدم حصول كوادر هذه الأجهزة على منح من الدولة, سواء كان فى صورة أراض بأسعار رمزية وبفائدة منخفضة، أو تأمين صحى مختلف عن تأمين المدنين.
7-إعادة النظر في قانون حماية الشهود والمبلغين، بحيث يقوم القانون الجديد بتعريف محددًا للشهود والمبلغين والخبراء، وذلك لضمان تحقيق آليات الحماية اللازمة الواردة بالقانون، كذلك وضع تعريف محدد للجرائم التي ينطوي عليها القانون بما يتضمنه من إجراءات حماية المشمولين بالحماية، أو ذويهم وأقاربهم. ثانيا، أن يضمن القانون استقلال إدارة الحماية عن الدولة، بحيث تكون (هيئة) مستقلة معنية بتلقي والتحقيق في شكاوى الانتقام والتحقيقات غير الملائمة في شكاوى المبلغين، وألا تكون هذه الهيئة طرفًا في إي من القضايا الخاضعة للتحقيقات، سواء ما يتصل بوقائع فساد، أو انتهاكات لحقوق المحتجزين احتياطيًا أو المسجونين. ثالثا، ضرورة أن ينص القانون على دور منظمات المجتمع المدني في تلقي البلاغات والشكاوى، وكذلك النقابات، أو الاتحادات التجارية، أو الجمعيات القانونية أو الإعلام، وذلك في حالات الخطر العام أو الشخصي الشديد.
رابعًا: أن يوضح القانون، آليات تقديم البلاغات والشكاوى، بما يتلاءم والواقع المصري بما يشمله من إجراءات بيروقراطية مركزية في معظم الجهات الإدارية بالدولة، وتسهيل إجراءات الإبلاغ عن طريق تخصيص الخطوط الساخنة، والمواقع الإلكترونية، سواء للهيئة المزمع إنشاؤها، أو بالإدارات الحكومية المختلفة. خامسًا: أن يلزم القانون، الدولة باتخاذ إجراءات وقائية مباشرة أو غير مباشرة ضد أية أعمال انتقامية بحق المشمولين بالحماية، وذلك بواسطة تخصيص إعانات صادرة بأمر قضائي للشهود أو المبلغين أو الخبراء، وكذلك أتعاب المحاماة، والتعويض عن المكاسب أو المكانة المفقودة والتعويض عن الألم والمعاناة المترتب عن الإبلاغ عن قضايا فساد أو انتهاكات. سادسًا: في إطار السعي نحو ترسيخ وتنفيذ مبادئ الشفافية وحرية تداول المعلومات، يتعين على الدولة الالتزام بنشر معلومات حول الشكاوى والبلاغات بشكل دوري –باستثناء البيانات الشخصية للمبلغين والشهود والخبراء، وذلك من خلال الجهات المعنية بتلقي شكاوى المبلغين، أو جهات التحقيق، بما في ذلك عدد القضايا التي تم تلقيها، والقضايا التي تم رفضها، أو قبولها، أو تم التحقيق فيها، أو لم يتم تأكيدها، وحجم انتشار وقائع الفساد والتجاوزات في القطاعات العامة والخاصة.
عاشرًا: أجهزة الرقابة العامة : الفعالية والاستقلال .
يتسم الجهاز البيروقراطى الحكومى فى مصر بالجمود، وتطويل الإجراءات الحكومية بشكل كبير من أجل ابتزاز المتعاملين مع الجهاز الحكومى وإجبارهم على دفع الرشاوى، وقد يكون السبب ليس القوانين واللوائح بل فى الموظفين القائمين على تطبيقها. وبهذا المعنى الأخير تعد البيروقراطية أحد أهم أسباب الفساد، خاصة الفساد فى القطاع الحكومى. وقد قام الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة ووزارة التنمية الإدارية بجهود جيدة للفصل بين طالب الخدمة ومؤديها، مما يقلل من فرص الاتفاق على ارتكاب أفعال تتصف بالفساد.( ) وبناء عليه، فهناك مجموعة من الاقتراحات فى هذا المضمار، وهى:
1-إعادة النظر فى قوانين وهياكل الأجهزة الرقابية وجهات التحقيق التى تم إعدادها منذ زمن بعيد ولم تراجع أو تحدث منذ فترة بعيدة، مما يجعلها لا تعكس حقيقة ما يحدث على أرض الواقع.
2- توحيد الاختصاصات وتنظيم العمل بين الجهات الحكومية المختلفة، لأنه بسبب المنازعات فى الاختصاص يعطل دولاب العمل الحكومى ويعطل مصالح المواطنين.
3- هناك غابة من القوانين، والقرارات بقوانين، واللوائح، وأحكام بعدم دستورية نصوص فى قوانين، والقرارات الإدارية التى تحكم العمل فى الجهات الحكومية. كل هذا يؤدى إلى نوع من التشتت فى العمل الحكومى، بحيث لا يعرف الموظف بالتحديد أى قرار يطبق، وأى لائحة يتبع، فيلجأ إلى تفصيل اللائحة أو القرار الذى يحقق له غرضه سواء بحسن نية، أو بسوء نية، وهذا نوع من أنواع الفساد.
4- الفصل التام بين السلطة التنفيذية والجهات الرقابية وجهات التحقيق، لأن تبعيتها للسلطة التنفيذية، يؤثر على استقلاليتها، باعتبار أن السلطة التنفيذية سوف تكون هى المراقب والمرَاقب فى ذات الوقت، وهو ما يخالف المبادئ الرقابية السلمية. وتتضح هذه التبعية من النظر إلى الجدول التالى:
م الجهاز الرقابى الجهة التابع لها
1 الجهاز المركزى للمحاسبات رئاسة الجمهورية
2 الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة رئاسة مجلس الوزراء
3 هيئة الرقابة الإدارية رئاسة مجلس الوزراء
4 هيئة النيابة الإدارية وزارة العدل
5 وحدة مكافحة غسل الأموال وزارة العدل
6 إدارة الكسب غير المشروع وزارة العدل
7 الإدارة العامة لمكافحة جرائم الأموال العامة وزارة الداخلية
8 الهيئة العامة للخدمات الحكومية وزارة المالية
9 جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية وزارة التجارة والصناعة
10 جهاز حماية المستهلك وزارة التجارة والصناعة
11 هيئة الرقابة المالية الموحدة رئاسة الوزراء
12 جهاز تنظيم مرفق الكهرباء وحماية المستهلك وزارة الكهرباء
5- افتقار بعض أعضاء الأجهزة الرقابية إلى الحصانات الكافية للقيام بدورهم الرقابى وهم فى مأمن من البطش بهم ومن أهم هذه الحصانات، عدم القابلية للعزل وأن يكون التحقيق معهم عن طريق لجان تحقيق قضائية مستقلة فى المخالفات الكبيرة. مما يجعلهم أقل جرأة فى كشف جرائم الفساد الكبرى والتحقيق فيها.
6- تفعيل الرقابة الذاتية فى الأجهزة الحكومية، هى رقابة تمارسها الأجهزة الإدارية بنفسها على نفسها عن طريق إدارات متخصصة تسمى إدارات التفتيش والمتابعة أو التفتيش المالى والإداري. وما يعيق إدارات الرقابة الذاتية عن أداء دورها فى مواجهة الفساد ما يلى: أولا، إن تبعية هذه الإدارات للرئيس الإداري للجهة الإدارية التابعة لها هذه الإدارات يجعلها غير متمتعة بالحرية الكافية لتعقب والكشف عن حالات الفساد التى تحدث فى الجهة. ثانيا، غياب التفتيش الذى تقوم به أجهزة التفتيش المركزية فى الوزارات والمحافظات على إدارات التفتيش فى الوحدات الفرعية للتأكد من مدى قيام هذه الإدارات الأخيرة بالتفتيش الدوري لكشف المخالفات فى الأجهزة التابعة لها.
6- التنسيق بين الجهات الإدارية، حيث يوجد تداخل كبير فى الاختصاصات بين الأجهزة الرقابية، حيث يمارس أكثر من جهاز رقابى نفس الرقابة على نفس النوع من النشاط فى نفس الوحدات الإدارية وهو ما يمثل إهدارا للوقت والمال العام، كما يعيق الأجهزة الإدارية عن آدائها لدورها الأساسى, ويجعلها تتفرغ لإعداد التقارير للأجهزة الرقابية. ويتمثل تداخل اختصاصات الأجهزة الرقابية على سبيل المثال، الجهاز المركزى للمحاسبات يتداخل اختصاصه مع الجهات فى مجال الرقابة على شئون العاملين يمارس ذات اختصاص الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة، وفى مجال متابعة الخطة وتقييم الأداء، مع الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة وهيئة الرقابة الإدارية.
الحادى عشر: المنظمات الأهلية .
سعت بعض الاتجاهات الفكرية لاشتراط وجود مجتمع مدني قوي لضمان إدارة أي صراعات بصورة سلمية في المجتمع، ولضمان أن تقوم الحكومة باتباع أسلوب التوافق بدلاً من أسلوب التوزيع الجبري للقيم، كذلك ذهبت بعض الاتجاهات الى مستوى يتجاوز المفهوم القطرى للدولة من خلال الربط بين الديمقراطية والتنمية، والإدارة السلمية للصراعات المحلية والإقليمية.( )
-تنفيذ وفى هذا الإطار يمكن اقتراح ما يلى:
1ما جاء بالدستور الجديد لإزالة القيود على عمل المنظمات الأهلية. ومن ثم، إعادة النظر فى نص القانون 84 لسنة 2002 والمنظم لعمل الجمعيات الأهلية فى مصر.
2- إعادة النظر فى إرث الدولة التسلطية التى شكلت مجموعة من الإدراكات النخبوية والبيروقراطية، والأمنية السلبية إزاء المبادرات الطوعية فى مجالات العمل السياسى والاجتماعى والثقافى، والنظر إلى أى أنشطة وفعاليات أهلية مستقلة عن جهاز الدولة، على أنها تمثل مصدرًا من مصادر تهديد الأمن.
3- تشجيع المنظمات الأهلية لتطبيق مبادئ الشفافية والنزاهة على نفسها، وتبني هذه المؤسسات برامج لنشر قيم النزاهة والشفافية فى المجتمع.
4- أن يكون هناك ميثاق شرف إخلاقى أهلى ملزم لعمل الجمعيات الأهلية بالجهات المانحة للكشف عن مصادر التمويل وأوجه الإنفاق والصرف. خاصة وأن الدور الرقابى والإشرافى للحكومة على الجهات المانحة قائم، وأن التعسف والتشكيك فى مدى أمانة أو إخلاص القائمين بالعمل التطوعى لا مبرر له. ويكفى فى ذلك إبلاغ وزارة التضامن الاجتماعى التى تتولى بدورها مراجعة ميزانيات الجمعيات للتأكد من مصادر تمويلها. وخاصة المواطن المصرى، فى الطبقات الوسطى والدنيا تتجاوز معها العديد من الهياكل والمؤسسات العليا.
6-العمل على إنهاء العلاقة العدائية بين المنظمات الأهلية والسلطة التنفيذية، وذلك من خلال تبنى المنظمات أجندات تنموية، وإنهاء التصريحات العدائية من قبل السلطة التنفيذية تجاه المجتمع المدنى، وإصدار القوانين المعوقة لعملها. لم تكن العلاقة بين مؤسسات المجتمع المدنى والسلطة التنفيذية علاقة تكاملية تنموية بحتة، بل قامت السلطة فى عهد مبارك ومرسى بسجن بعض نشطاء حقوق الإنسان من الداخل. كما وجهت السلطة التنفيذية الاتهامات (الخيانة والاستقواء بالخارج) إلى بعض نشطاء مؤسسات المجتمع المدنى وأنهم السبب الأساسى فى عدم الاستقرار وعودة الأمن، وذلك لأنهم ممولون من الخارج ويقومون بالمساعدة فى تنفيذ مخططات خارجية هدفها إسقاط الدولة المصرية.
والخلاصة .
هناك مجموعة من التحديات التى تواجه مسألة محاربة الفساد السياسى فى مصر, خاصة وأن مصر لم تحرز تقدما ًملحوظا فى المعايير الدولية لمدركات الفساد والشفافية. ومن ثم يجب أن تنطلق عملية مواجهة الفساد السياسى من فهم واضح لعلاقة الفساد بغيره من الظواهر السياسية والاجتماعية الأخرى، ومستوى التطور الاقتصادى والسياسى للمجتمع. ونشير فى هذا السياق إلى أربع ملاحظات أساسية:
أولا: هى وجود علاقة قوية بين انتشار الفساد من ناحية وارتفاع مستوى الفقر من ناحية أخرى. فالدول الأكثر فساداً هى الدول الأكثر فقراً، فبينما الدول الأقل فساداً هي الدول الأكثر غنى. ثانيا: إن هناك علاقة قوية بين انتشار الفساد ومستوى التطور الديمقراطى، فالدول غير الديمقراطية ذات النظم التسلطية هى الدول الأكثر فسادا والعكس صحيح، فالدول الديمقراطية والتى قطعت شوطا مهما على طريق عملية التحول الديمقراطى هى الدول الأقل فساداً.
ثالثا: إن الدول الديمقراطية الفقيرة أقل فساداً نسبياً من الدول غير الديمقراطية الغنية. رابعا: ارتباط الفساد بحالات الاضطراب وعدم الاستقرار السياسى، خاصة فى حالة الحروب الأهلية وضعف السلطة المركزية فى مواجهة جماعات وميليشات محلية ...إلخ، حيث تتولى هذه الجماعات والميليشيات القيام بوظائف الدولة ومؤسساتها المدنية، بما فى ذلك تحقيق الأمن وغيره من الخدمات والسلع العامة , وهو ما لا يتم إلا بدرجة كبيرة من الفساد.