أغلق باب الترشيح فى انتخابات مجلس النواب يوم الخميس الماضى حيث تجاوز عدد المرشحين أكثر من 5000 مرشح ما بين مستقل وحزبى ويؤكد ارتفاع عدد المرشحين لهذه الانتخابات اتساع المشاركة فيها لأهميتها فى تشكيل السلطة التشريعية للقيام بوظائفها الأساسية.
فى تشكيل الحكومة والرقابة عليها وفى إصدار القوانين أو تعديلها و الأهم من ذلك كله بالنسبة لمصر الآن هو ترجمة أحكام الدستور إلى قوانين تجعل نصوصه أساس العلاقات فى المجتمع بين السلطة والشعب وبين مؤسسات الدولة وبعضها فضلا عن ضمان تمتع المصريين بحقوقهم وحرياتهم الأساسية وقد سبق فتح باب الترشيح بعدة شهور اتجاه الأحزاب لتكوين تحالفات فى ما بينها والتنسيق فى المقاعد الفردية لما لذلك من تأثير على تمثيلها فى مجلس النواب ولان الحياة الحزبية فى مصر مازالت حديثة التكوين فإنها لا تملك الجماهيرية الكافية وكذلك القدرة المالية التى تمكنها من ممارسة الدعاية لمرشحيها على نطاق واسع وقد اتجه بعض الاحزاب والقوى السياسية إلى مقاطعة الانتخابات لاحتجاجها على النظام الإنتخابى الذى يقوم على انتخاب 77% من مقاعد المجلس بالنظام الفردى و23% بالقائمة المطلقة للفئات الـ6 التى نص الدستور على تمثيلها تمثيلا مناسبا وهم النساء والاقباط والشباب والعمال والفلاحون والمصريون فى الخارج وذوو الاحتياجات الخاصة فضلا عن عدم رضاء هذه الاحزاب على التضييق على الحريات ومنع المواطنين من حقهم فى الاضراب السلمى وعدم الافراج حتى الان عن الشباب الذين صدرت ضدهم احكام بالسجن لمخالفتهم قانون التظاهر وربطت هذه الاحزاب مشاركتها فى الانتخابات بالاستجابة لمطالبها بالافراج عن هؤلاء الشباب وتعديل قانون التظاهر وفتح المجال السياسى لممارسة النشاط دون عقبات . ورغم اهمية هذه المطالب ومشروعيتها فان النضال من اجل تحقيقها لا يأتى بالامتناع عن المشاركة . كذلك فإن الاعتراض على النظام الانتخابى يتطلب على العكس مشاركة فعالة لضمان وجود قوى لهذه الاحزاب فى مجلس النواب باعتباره المجال الوحيد لتعديل القوانين.
إن مقاطعة الانتخابات لكى تنجح ويكون لها تأثير قوى يشترط فيها انصراف الشعب عن الانتخابات احتجاجا على عدم توافر الشروط الكافية لنزاهتها كما تتطلب المقاطعة أن يكون هناك عدد كبير من الأحزاب والقوى السياسية المؤثرة ضمن القوى التى تقاطع الانتخابات فبدون مشاركة الناخبين والاحزاب المؤثرة لا يكون للمقاطعة أى قيمة بل إنها تؤثر بالسلب على وجود وكيان الأحزاب التى قررت المقاطعة ففى الوقت الذى يشهد فيه المجتمع اقبالا كبيرا على الترشيح واهتماما جماهيريا ملحوظا وضمانات كافية لنزاهة الانتخابات فإن الأحزاب التى ستقاطع الانتخابات سوف تعزل نفسها عن المهرجان السياسى الذى ستعيشه البلاد خلال الأربعة شهور القادمة فبينما تجرى المعركة الانتخابية وتعيش البلاد منافسة كبيرة بين المرشحين ومشاركة فعالة من وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة تقف الأحزاب المقاطعة موقف المتفرج وتهمش نفسها وتقامر بمستقبلها حيث إن غيابها عن البرلمان سوف يحرمها من أهم منابر التعبير عن الرأى والمشاركة فى صياغة السياسات العامة فإن هذه الاحزاب التى قررت المقاطعة ما تزال وليدة لانها تشكلت بعد الثورة وهى فى اشد الحاجة إلى تقديم نفسها لجماهير الشعب حيث تعرض عليه برامجها وتقدم له المرشحين من قيادتها وتعرض على الجماهير افكارها حول مستقبل البلاد وبذلك فإنها تكتسب المزيد من التواصل مع الجماهير وتنجح من خلال دعايتها الانتخابية فى كسب قدر من الشعبية وتكسب عضوية جديدة فتعزز وجودها السياسى وتزيد من قدرتها على التأثير فى الحياة السياسية للبلاد ولكنها بموقفها السلبى هذا لن تكون طرفا أساسيا فى الصراع الدائر حول مستقبل البلاد وتتطلب الحكمة أن تسمح هذه الأحزاب لبعض أعضائها بأن يترشحوا كمستقلين حتى لا تنعزل كليا عن ما يجرى فى المجتمع من صراعات وتستطيع من خلال فوز هؤلاء الأعضاء كمستقلين أن تعبر عن مواقفها وآرائها وتحتفظ بصلة حية مع أهم مؤسسات المجتمع وهو البرلمان وتحافظ بذلك على فرصها فى تعريف الشعب بهذه المواقف ولا تعزل نفسها كليا عن الحياة السياسية خاصة وأن الأحزاب السياسية هى كيانات تنشأ للمنافسة على تداول السلطة فإذا توقفت عن ذلك تكون قد فرطت فى الدور الاساسى المنوط بها ومهما بررت هذه الاحزاب موقفها المقاطع فإنها فى الواقع ستعزل نفسها عن مجريات الأمور وتحرم نفسها من فرص كسب عضوية جديدة بل إن بعض أعضائها قد ينصرفون عنها لإحساسهم بالعزلة عن المجتمع وكأن هذه الأحزاب بموقفها هذا تعاقب نفسها أكثر مما تضغط على السلطة خاصة وأن هذه الإنتخابات سوف يكون لنتائجها تأثير كبير على مستقبل البلاد بفوز رجال الأعمال والعائلات الكبيرة والغنية فى الريف بالأغلبية الأمر الذى يفتح الباب أمام القوى التقليدية للعودة لحكم البلاد و كأن البلاد لم تشهد ثورتين خلال ثلاث سنوات تعبيرا عن إصرار الشعب عامة والأجيال الجديدة خاصة على تحقيق تغيير جذرى شامل فى الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وهكذا فإننا أمام اختبار حقيقى للقدرة على الوجود السياسى من خلال مواقف سليمة وهى مسئولية كبرى تتحملها الأحزاب السياسية التى قررت عدم المشاركة فى الانتخابات.
نقلاً عن الأهرام