العراق: بين مخاطر الدولة الإسلامية "داعش" والانقسام الطائفي
أقر البرلمان العراقي في منتصف شهر سبتمبر لعام 2014 حكومة عراقية جديدة برئاسة حيدر العبادي، بعد سلسلة من المفاوضات حول الحقائب الوزارية لهذه الحكومة، وخاصة في ظل الخلافات حول تشكيل هذه الحكومة، إلا أن استطاع العبادي ملء هذه الحقائب من مختلف الطوائف العراقية في محاولة منه إلى سد الفجوة في البلاد، وكسب ثقة السنة بسبب سياسات سلفه نوري المالكي (1)، ومحاولة كسب التأييد الدولي لمواجهة الدولة الإسلامية داعش الذي سيطر على العديد من الأراضي العراقية.
وقد مثل تشكيل الحكومة العراقية الجديدة دليلا على عمق الأزمة، وخطورتها، ودليلا على حجم عدم الثقة بين المكونات العراقية، مما يتطلب مصالحة جادة وليست شكلية (2)، فقد نجح العبادي في تمرير برنامجه الحكومي والاتفاق بين الفصائل السياسية المختلفة على عدد من القضايا مثل تسوية ملف حزب البعث وتحويله إلى ملف قضائي، والعمل على قانون العفو، وفرص التوازن في المؤسسات الحكومية، وإعادة صياغة القوى الأمنية، والسماح بتشكيل وحدات شعبية داخل المحافظات للمساهمة في قتال الدولة الإسلامية، وقضية استثمار النفط (3).
أولاً- الحكومة الجديدة والمصالحة مع السنة
لا يستطيع أحد أن ينكر أن حكومة العبادي منذ توليها مقاليد الأمور فهي تواجه بأزمات طاحنة تكاد تعصف بالدولة العراقية، وهي تأزم الوضع الداخلي وضرورة التعامل السريع مع هذا الأمر، وخاصة أن الأكراد والسنة لهم مطالب خاصة من هذه الحكومة، فالأكراد يسعون إلى التفاوض حول رواتب قوات البشمركة وملف النفط في الإقليم، والاعتراف بعقود النفط الكردية ودفع مستحقات شركات النفط العاملة بالإقليم، وكذا السنة الذين يسعون إلى تحقيق التوازن في جميع مؤسسات الدولة وضمان استقلالية القضاء وإعادة الممتلكات التي تمت مصادرتها من الوقف السني والمواطنين، وتوسيع صلاحيات المحافظين ومجالس المحافظات، والبدء بمشاريع النقل الإستراتيجية في محافظات الأنبار والموصل وصلاح الدين وديالي، وفي مقدمة هذه المشاريع السكك الحديدية.(4).
وهنا تفتح هذه الحكومة الباب أمام فكرة المصالحة مع السنة بعد سنوات من التهميش على يد رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، وهذا ما عبر عن العبادي خلال اجتماع وزراء التحالف المناهض لداعش في 3 ديسمبر 2014 في بروكسل, حيث اعترف بأن العمل العسكري وحده لن يهزم داعش، وأنه ينبغي اتخاذ خطوات إيجابية نحو الإصلاح الحكومي والمصالحة الوطنية وإعادة بناء الاقتصاد والمجتمع, مؤكدًا أن الحكومة الجديدة تعمل لدمج مقاتلي القبائل في قوات الأمن(5).
ولعل الولايات المتحدة الأمريكية تضغط بقوة لتحقيق المصالحة مع السنة، حيث ترى الولايات المتحدة أن الأقلية السنية هي العامل الرئيسي في تقوية التحالف الدولي والإستراتيجية الأمريكية لمكافحة تنظيم "داعش" على المدى الطويل، ولهذا كانت زيارة وزير الدفاع الأمريكي السابق تشاك هيغل إلى بغداد ومعه جملة من التوصيات للحكومة العراقية بشأن المصالحة الوطنية مع السنة(6).
ولكن يبقي أن نقول أن إجراءات العبادي إلى هذه اللحظة لم تمس حقيقة الأزمة السياسية الخاصة بالمصالحة مع السنة، حيث ينشغل حاليًا بترميم دائرة مسئولياته العسكرية والمدنية، لكنه لم يستطيع الدخـول في المشروع الوطني الإنقاذي للمصالحة مع السنة(7).
ثانياً- مخاطر "داعش" في العراق
لعل الأزمة الأخرى أمام حكومة العبادي هو انتشار تنظيم "داعش" في العراق الذي استطاع النمو السريع في الأراضي العراقية والتمدد الخرافي لابتلاع ما يقرب من ثلث العراق(8)، فقد تفجرت أزمة هذا التنظيم في شهر يونيه لعام 2014 حينما قام بمهاجمة قوات الأمن العراقية في نينوي، وصلاح الدين وديالي وتكريت وبيجي والموصل، حتى أصبح على مسافة 20 ميلاً من أربيل، وشهدت المواجهات المسلحة انسحاب القوات العراقية أمام هجمات داعش، الأمر الذي ألقى بظلاله وتداعياته على الحكومة العراقية آنذاك برئاسة رئيس الوزراء العراقي السابق، نوري المالكي، الذي أبدى فشلا ذريعا في مواجهة الأزمة (9).
وهنا أصبحت كل منطقة العرب السنة تقريبا بالعراق خارج سيطرة بغداد، والتي تضم الموصل ومحافظة كركوك، ومدينة بيجي، تضاف إليها مناطق سوريا بين حلب والرقة ودير الزور، ويرجع هذا الفشل بسبب تناقص القوي الداعمة لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي وتنامي القوى الرافضة له، فالمالكي خسر مساندة القوتين الشيعيتين الرئيستين، وهما المجلس الأعلى الإسلامي وتنظيم مقتدى الصدر، وكذا السخط السني تجاهه بسبب تجاهل احتجاجاتهم السلمية التي دامت نحو عام، واتهمهم في النهاية بإيواء الإرهابيين في ساحات الاعتصام، واستعمل القوة للقضاء على احتجاجاتهم، وأيضا الأكراد حيث لم يف بحقهم من المخصصات المالية المنصوص عليها في الدستور، وتوعد بعقابهم وملاحقتهم قضائيًا(10).
وهنا لم ينجح تنظيم الدولة الإسلامية في توسيع نطاق سيطرته بصورة كبيرة فحسب، ولكنه أيضًا حصل على سلاح ومعدات عسكرية ثقيلة بكميات هائلة. ففي البداية، كان التقدير أن جنود الطريقة النقشبندية، الموالين لنائب الرئيس العراقي السابق، عزة الدوري، وثوارا عشائريين سنّة، وضباطًا من الجيش العراقي السابق، ومجموعات من تنظيمات المقاومة العراقية، لعبت دورًا رئيسًا في الهجوم على الموصل وتكريت، وأنها ستكون شريكة في السيطرة على المدينتين، لكن في الأيام القليلة التالية، اتضح أن تنظيم الدولة الإسلامية على أية حال، كانت القوة المنظمة الرئيسة، وأنها في طريقها للتفرد بإدارة المدينتين، وأن أعدادًا متزايدة من أبناء العشائر تلتحق بقوات التنظيم الذي يعتبر أكثر تطرفًا من القاعدة ذاتها (11).
وانطلاقا من خطورة داعش سعى المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية إلى تنظيم تحالف لمواجهة هذا الخطر، وانضمت الحكومة العراقية بقيادة العبادي إلى هذا التحالف لمواجهة هذا الخطر، ولكنها في الوقت نفسه لم تدرس احتمالات ما بعد الضربة الدولية لتنظيم داعش، فهي لم تكن تملك الوقت الكافي للتفكير واتخاذ القرار، إنما وجدت نفسها داخل هذا التحالف بأمر واقع فرضته الولايات المتحدة، فمضت فيه على أنه منفذ الخلاص من التدهور الأمني العام، وسبيل استعادة سيطرتها على المناطق التي سقطت بعد كارثة الموصل.
ثالثاً- تنظيم الدولة الإسلامية امتداد للحركات الإرهابية في العراق
تعد سياسات المالكي الإقصائية للسنة سببا لصعود داعش، حيث اضطرت قبائل وعشائر المدن السنية التي تشعر بالإقصاء والاضطهاد إلى احتضان التنظيمات السنية المسلحة، كالقاعدة ثم داعش، اعتقادًا منها بأن هذه التنظيمات قادرة على مواجهة مثالب حكم المالكي الطائفي (12).
وقد أدت هذه السياسات إلى ظهور تنظيمات جهادية مسلحة كانت قد غابت عن المشهد العراقي لفترة، ثم عادت أشد وأقوى من السابق، ويأتي على رأسها تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والذي غيّر اسمه لاحقا إلى "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، ثم إلى الدولة الإسلامية" بعد إعلانه للخلافة الإسلامية(13)، وهو يعد حاليا من أكثر الحركات الجهادية العالمية تطورا على المستوى الهيكلي التنظيمي والفعالية الإدارية، فقد تطورت أبنيته التنظيمية بالاستناد إلى المزاوجة بين الأشكال التنظيمية الإسلامية التقليدية، التي تكونت مع مؤسسة الخلافة، وتنظيرات الفقه السلطاني الذي يؤسس لمفهوم الدولة الذي يستند إلى جهاز عسكري أمنى وأخر إيديولوجي(14).
حيث يمثل هذا التنظيم امتداد للتنظيمات الإرهابية في المنطقة وخاصة تنظيم القاعدة، ألا وهما:
- الأول أن 80 في المائة من مقاتلي "داعش" كانوا منضمين إلى تنظيم القاعدة.
- والثاني أن قادة "داعش" في سورية ينتمون إلى جنسيات متعددة، وسبق لهم القتال في العراق والشيشان وأفغانستان. ومن ثم فـ "داعش" يعد من حيث الأفكار والمنطلقات وطبيعة العنصر البشري تجسيدًا للطوبى الأممية الدموية التي تبناها وبشّر بها تنظيم القاعدة على رغم خلافهما المستجد، بما يوسع النطاق الجغرافي المستقبلي لتمدد "داعش" الذي سيتعدى سوريا والعراق بكل تأكيد(15).
رابعاً- موقف القوى السياسية في العراق من تنظيم الدولة الإسلامية
لقد عجزت الحكومات العراقية عن استيعاب المكونات والأحزاب السياسية في العراق منذ خروج القوات الأمريكية عام 2011، الأمر الذي انعكس على التفتت والانقسام بين القوى السياسية المختلفة في العراق، وقد ظهر هذا الأمر واضحا في رفض مجلس النواب الانعقاد لإعلان حالة الطوارئ يوم 12 يونيو لمواجهة خطر تنظيم الدولة الإسلامية، حيث نجحت عناصر داعش من ضم العشرات من المنتفضين من أبناء العشائر السنّية إليها في الشريط الذي يمتد من الحدود العراقية وحتى محافظة ديالي المتاخمة للحدود الإيرانية، مرورًا بمحافظة صلاح الدين، وقد تحاشت تلك العناصر التحرش بالمنطقتين الكردية شمالًا، والشيعية جنوبًا (16).
وبشكل عام ترى السنة أنها فقدت مراكزها في الدولة العراقية بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003، علی رغم دخولهم العملية السياسية وحصولهم علی مناصب مهمة، كما أقرّها الدستور العراقي الجديد، ولكن لم تستطع حكومة نوري المالكي تعزيز الثقة مع السنة الذين شعروا بالتهميش والاستبعاد عن مراكز القرار، واتُّهموا باحتضان المجموعات المسلحة التي واجهت الحكومة الشيعية، ونسف العملية السياسية، وإلغاء الدستور وعودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل عام 2003، وعندما دخلت "داعش" إلی مناطقهم لم ينظروا إلی ذلك بالمزيد من الاهتمام، لأنهم اختاروا بين السيء والأسوأ في أفضل الحالات، وهنا فقد سعت "داعش" إلى استيعاب العشائر العراقية السنية وتمكنت من استيعاب الآلاف من الشبّان الغاضبين. وعلی الرغم أن "داعش" لم يستطع إقناع جميع الطائفة السنية في العراق بجدوى الانضمام إليه، فإنه نجح في إقناع المنتفضين الذين جمعتهم حالة العداء للحكومة العراقية للانضمام أو العمل معه، كالنقشبندية التي يديرها نائب الرئيس العراقي السابق عزة الدوري وجيش المجاهدين وغيرهما(17).
ولكن في الوقت نفسه خرجت العديد من القيادات السنية لتعلن وقوفها ضد الدولة الإسلامية "داعش" ومنهجه التكفيري، والدعوة إلى الفصل بين الحراك الشعبي الذي تشهده المحافظات الغربية وبين تنظيم "داعش" وغيره من التنظيمات التكفيرية، فكلا الطرفين – الفصائل السنية و"داعش"- مختلفان في رؤيتهما لمستقبل الدولة العراقية، خاصة في ظل إعلان "داعش" عن تشكيل دولة إسلامية تشمل العراق والأردن وسوريا والكويت وفلسطين، وإن قامت بعض الفصائل بتأييد وتنظيم "داعش" ومنها الجيش الإسلامي وجيش المجاهدين، وبعض المقاومين من فصائل المقاومة العراقية(18).
أما بالنسبة لموقف الأكراد من الدولة الإسلامية، فإنها ترى أن صعود هذا التنظيم يمثل تهديد للأكراد، الأمر الذي جعلهم يتحدون لمواجهته، وخاصة أن الأكراد يتبنون الفكر القومي العلماني ويرفضون الإسلام السياسي(19).
أما الشيعة فقد أدت الانقسامات بين الأحزاب والتيارات السياسية المختلفة كالمجلس الإسلامي الأعلى وحزب الدعوة الإسلامية بأقسامه الأربعة والتيار الصدري بتشعباته، ومنظمة بدر وأنصار المرجعيات الدينية إلى عدم قدرتهم على بلورة موقف موحد إزاء "داعش"، كما أنهم ظلوا منشغلين بقضايا الفساد المالي والإداري في البلاد.
خامساً- علاقة الحكومة الجديدة مع دول مجلس التعاون الخليجي للقضاء على "داعش"
لقد اعتمدت حكومة العبادي في سياستها الخارجية على منهج التعامل بالجملة ومرة واحدة مع قضايا العراق الخارجية، فطرحت فتح صفحات جديدة مع الجيران، على أساس تناسي الماضي والبدء من جديد. مع أن منظومة العلاقات الخارجية في غاية التعقيد، فليس كل ما هو خارج الحدود ينتمي إلى نسيج واحد، أنه مجموعة من الدول التي تتبع كل منها سياسة خاصة بها، ضمن شبكة واسعة من المصالح والمعادلات الدقيقة. كما أن كل دولة من دول الجوار، لها علاقاتها المتشابكة مع المجتمع الدولي، ويجب أخذ ذلك بنظر الاعتبار، فالتقرب من هذه أو الابتعاد عنها، تترتب عليه مواقف مع دول أخرى سلبًا أو إيجابا(20).
وقد سعي رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي إلى تطبيع العلاقات مع دول عربية خليجية، وكسر طوق العزلة بهدف تحقيق العديد من الأغراض والأهداف، وخاصة أن الفرصة مواتية، إذ لا صوت يعلو على صوت الحرب على الإرهاب في العراق وسوريا، ودول مجلس التعاون الخليجي باتت شريكة في التحالف الدولي الذي تشكل لإدارة هذه الحرب، وهنا يسعي العبادي إلى إصلاح السياسة الكارثية لسلفه نوري المالكي والذي عمد على التغريد بصوت نشاز خارج السرب العربي وتكريس محور طهران - بغداد - دمشق بديلًا نقيضًا للأمن القومي العربي(21).
حيث انطلقت حكومة العبادي من الرغبة في الانفتاح على دول مجلس التعاون الخليجي بسبب تنامي ظاهرة الإرهاب في المنطقة، وما تمثله من تهديد للأمن في المنطقة، الأمر الذي يتطلب تحقيق التعاون على الصعيد العربي والدولي لمواجهة هذه الآفة.
أما بالنسبة لمملكة العربية السعودية، فإنها تهتم باستقرار العراق ووحدة أراضيه لمحورية ذلك بالنسبة لدول الخليج في مواجهة إيران التي ساندت سياسات المالكي المذهبية ضد السنة، حيث ترى الرياض أن تمدد وانتشار تنظيم داعش - الذي تدرجه على قائمة الإرهاب - تهديدا لوحدة العراق، حيث ناقش مجلس الوزراء السعودي الأحداث في العراق، ورأى أن أخطاء السياسات التي انتهجها المالكي تجاه المكون السني، من تهميش وإقصاء وممارسات طائفية، هي المسئولة عن حمل ميليشيات تلك المناطق السلاح في مواجهة القوات الأمنية العراقية (22).
وتأتي التوجهات السعودية حيال العراق من منطلقات محددة، أولها: الاستقرار الداخلي الذي يمر حاليا بمنعطف خطير، خاصة بعد الاحتقان الطائفي، وانهيار الأمن العراقي بسرعة فائقة أمام خطر داعش. ثانيها: التحفظ على التدخل الإيراني عسكريا في الأراضي العراقية، ثالثا التوازنات الداخلية في العراق، والتي يهيمن فيها الشيعة يشكل واسع، لا تجد الرياض بدًا من تقبلها، مع إعطاء أولوية لمواجهة حالة الفوضى الأمنية التي تعصف بالعراق، ومواجهة خطر "داعش" بهدف تجنب الخطر الأكبر، وهو وصول العراق للتقسيم، وأيضا لتلافي وصول التفاعلات الشيعية والسنية داخل العراق إلى مرحلة المواجهات المسلحة، التي قد تتيح المجال أمام التنظيمات المسلحة للتوغل أكثر في الجسد العراقي، بل والانتقال للدول المجاورة (23).
سادساً- سيناريوهات الوضع في العراق
ما يشهده العراق من موجات قتال واقتتال ليس سوي الخاتمة الطبيعية والمنطقية للغزو الأمريكي على العراق عام 2003، والذي فجر تناقصات البنية الاجتماعية العراقية، بتدميره الدولة وتمزيقه النسيج الاجتماعي، وهي لحظة عليا في عملية متكاملة من التفتيت امتدت زمنيا لما يزيد على أحد عشر عاما بين جثوم احتلال غاشم، ومصادر استقلاله وسيادته وبين تركيب نظام طائفي تم بمقتضى الاحتلال الأمريكي (24).
وفي هذا السياق يمكن رسم ملامح السيناريوهات المحتملة للأزمة العراقية وذلك على النحو التالي:
1- سيناريو انهيار داعش وتحقيق المصالحة العراقية
ينطلق هذا السيناريو من أن قوات التحالف تنجح في القضاء على "داعش" وتحجيم تأثيرها في الأراضي العراقية، لتعمد إلى نقل نشاطها إلى مناطق أخرى، على غرار ما حدث مع القاعدة من نقل نشاطها بين أكثر من دولة فور توجيه المجتمع الدولي الضوء عليها وتوجيه ضربة عسكرية لها في أفغانستان.
وهذا يمكن أن يحدث في حالة نجاح التحالف الدولي في القضاء على قوته العسكرية أو في حالة مقتل زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي، حيث يتم انهيار المعنويات القتالية لداعش في حال القضاء على خليفتها، وقد يتم انتخاب خليفة آخر، ولكنه سيكرر على الأرجح السيناريو الفاشل لبن لادن/الظواهري، فالعاطفة الدينية التي تنعش روح العديد من مقاتلي داعش ستخمد وتفقد تركيزها .
وعلى أن يتبع القضاء على داعش وضع إطار مصالحة بضغوط خارجية من أجل تحقيق مصالحة مجتمعية في العراق، ولكن هذا الأمر لن يفضي إلى مصالحة حقيقية واقعية على أرض الواقع، فمثلا استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية عام 2002 مع حلفائها القضاء على حركة طالبان الأفغانية، وتدمير مركز القاعدة وتشتيت قيادته، لكن المشكلة عادت للظهور سريعًا بعد أعوامٍ قليلة، حيث لم تخلق هذه العملية الاستقرار في كابول. وربما يكون هو الأقرب في النموذج العراقي، لأن المصالحة يجب أن تنبع من رغبة الأطراف الداخلية في العراق وليس بضغوط خارجية.
2- سيناريو استمرار خطر "داعش" وتقسيم الدولة العراقية:
ينطلق هذا السيناريو من فشل قوات التحالف في القضاء على داعش واستمرار وجوده، وإن تم تحجيم دورها داخل الأراضي العراقية، ليستمر الوضع داخل العراق على هذا المنوال من العنف والعنف المضاد سواء بين الطوائف العراقية بعضها البعض، حيث يرتفع مستوى العنف بين الشيعة والسنة، وتدخل بعض دول الخليج على سبيل المثال لمنع العنف ضد السنة، فيما تدعم إيران الحكومة الشيعية. حينها لن يستطيع أحد التنبؤ بكم الدماء التي يمكن أن تسيل، بسبب حرب أمريكية أخرى (25)، أو استمرار العنف بين الحكومة العراقية و"داعش" الأمر الذي يستنزف الجهود والقدرات العسكرية العراقية ويخلق نوع من الفوضى الداخلية.
فداعش تختلف عن القاعدة، حيث إن الأخيرة منظمة إرهابية صرف ولم تحاول الاستيلاء على أراضٍ وإقامة دولة، وكانت تهدف إلى غرس الخوف، ولكن "داعش" تشبه أكثر حركة طالبان، التي غزت أفغانستان وحكمتها بالفعل لفترة حتى تم القضاء عليها بهجمة من التحالف الدولي على هذا النحو.
أما "داعش" وفقا زعيمها أبو بكر البغدادي أعلنت أن هدفها إقامة دولة خلافة إسلامية، تكون منطقة العراق والشام مركزها الرئيسي، ثم تتوسع إلى باقي المناطق الإسلامية، وتقضي في طريقها على الشيعة(26).
ويعد هذا السيناريو هو استمرار للوضع في العراق منذ حرب العراق لعام 2003 وسيطرة الولايات المتحدة الأمريكية على الدولة العراقية، وقيام نظام سياسي قائم على فكرة المحاصصة السياسية بين الطوائف السياسية المختلفة، وعزز من هذا التوجه سياسات رئيس الوزراء السابق نوري المالكي وقمع المعارضة في العديد من المحافظات مثل صلاح الدين والرمادي والموصل وديالي، حيث بلغ هذا القمع ذروته في فض اعتصام الأنبار وأحداث الحويجة في أبريل 2013، وبات العراق أمام سيناريو التقسيم لعدد من الدويلات والأقاليم، وطبقًا للدستور هذا جائز خاصة مع حصول إقليم كردستان العراق عليه وإقامة إقليم كردى داخل الدولة الفيدرالية، حيث أكد الدستور على إمكانية إقامة نظام فيدرالي ومبدأ اللامركزية الإدارية، وتنشيط دور الإدارات المحلية (27).
المراجع:
1. Kirk Semple, "After Delay, Iraq Appoints Two to Posts for Security", The New York times , 18 October 2014,
http://www.nytimes.com/2014/10/19/world/middleeast/after-delay-iraq-appoints-two-to-posts-for-security.html?_r=0
2. طارق عبد الحميد، "العراق وحكومة كل وجوه الأزمة"، جريدة الشرق الأوسط، العدد 13070، 10 سبتمبر 2014.
3. مشرق عباس، "العبادي ينقذ حكومته ..ويواجه اختبارات عصبية"، 10 سبتمبر 2014
4. محمد الأنوار، "حكومة العبادي وحصاد سياسات المالكي"، مجلة السياسة الدولية، العدد 198، (أكتوبر ، 2014)، ص ص 146-147.
5. تقرير واشنطن قلقة إزاء جدية العبادي بالتصالح مع السنة، 16/12/2014،
http://alghadpress.com/ar/news/24286/
6. أحمد علاء، "مخاوف أمريكية من فقدان ثقة المجتمع السني بالعبادي"، جريدة الغد، 16/12/2014،
http://alghad-iq.com/ar/news/18638
7. ماجد السامرائي، "هل يحقق العبادي المصالحة الوطنية"، جريدة العربي، العدد 9741، 17/11/2014.
8. عبد الإله بلقزيز، "نكبة العراق :الاحتلال، المذهبية، داعش"، مجلة المستقبل العربي، العدد 427 (سبتمبر ، 2014)، ص 118.
9. صافيناز محمد أحمد، "المواقف العربية من الأزمة في العراق"، مجلة السياسة الدولية ، العدد198 ، (أكتوبر، 2014)، ص 152.
10. الحواس تقية، "حافة الانهيار: العراق يتأرجح بين سلطة توافقية وحرب أهلية"، تقرير مركز الجزيرة للدراسات، 20 يونيو 2014، ص2.
11. تقرير اتجاهات الحرب الدولية على تنظيم الدولة الإسلامية، مركز الجزيرة للدراسات، 29 سبتمبر 2014، ص 3.
12. صافيناز محمد أحمد، مرجع سبق ذكره ، ص 152.
13. علي بكر، "العنف في العراق وصعود النمط الداعشي"، مجلة السياسة الدولية، العدد 198 (أكتوبر، 2014)، ص 49.
14. حسن أبو هنية، "البناء الهيكلي لتنظيم الدولة الإسلامية"، في فاطمة الصمادي" تنظيم الدولة الإسلامية: النشأة، التأثير ، المستقبل، ملفات مركز الجزيرة للدراسات، نوفمبر 2014، ص 33.
15. طارق أبو العينين، "داعش ومستقبل النظام السياسي العربي"، جريدة الحياة ،1 يوليو 2014.
16. محمد صالح صديقان، داعش لا يمثل السنة والجيش العراقي لا يمثل الشيعة" ، جريدة الحياة ، 20 سبتمبر 2014.
17. المرجع السابق.
18. راهب صالح، "رؤيا في وضع العراق"، جريدة الرقيب السياسي، 26/12/2014.
http://www.ahraralrafidain.net/news/402?language=arabic
19. سيروان قجو، "مستقبل الأكراد في ظل صعود تنظيم الدولة الإسلامية"، دراسة لمركز الجزيرة للدراسات، 15 أكتوبر 2014، ص 4.
20. سياسة العراق الخارجية...ملف عاجل أمام حكومة العبادي، جريدة الراية، العدد 445، 13 يناير 2015.
21. طارق الهاشمي، "قبل المصالحة خليجيا...المصالحة وطنيا"، جريدة الحياة، 27 نوفمبر 2014.
22. صافيناز محمد أحمد، مرجع سبق ذكره ، ص 153.
23. صافيناز محمد أحمد، مرجع سبق ذكره ، ص 153.
24. عبد الإله بلقزيز، "العراق بين أنفاق طائفية وآفاق وطنية"، مجلة المستقبل العربي، العدد 429( نوفمبر، 2014)، ص 126.
25. هيثم نوري ، "أسوا 7 سيناريوهات فى الحرب على داعش ، جريدة الشروق، 19 أكتوبر 2014 نقلا عن
http://www.shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=19102014&id=aa43faee-47ae-4a48-afd8-6972fbfc7db8
Peter van buren, 7 Worst-Case Scenarios in the Battle With ISIS, 17 October 2014 http://www.motherjones.com/politics/2014/10/7-worst-case-scenario-fight-isis-iraq-iran
26. الحواس تقية، مرجع سبق ذكره، ص 6.
27. راهب صالح، مرجع سبق ذكره.