المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

الثورة الدينية: الإعلام وتجديد الخطاب الديني

الأربعاء 14/يناير/2015 - 11:22 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات
أ.د. شريف درويش اللبان*

تردد كثيرًا في الآونة الأخيرة، على ألسنة عديد من المفكرين والمنظرين ورجال الإعلام والصحافة، مصطلح "تجديد الخطاب الديني"، دون أن يوضح لنا أحد ماهية هذا المصطلح، وماذا يعني في مفهوم المتلقي له؟ هل يعني ذلك أن الخطاب الديني قديم، ولم يعد يتواكب مع العصر، فلزم تجديده؟. وهل يشتمل ذلك الخطاب على القرآن الكريم والسنة المطهرة أم أنهما خارج سياق الخطاب الديني فلا يشتمل التجديد عليهما؟ إن الأمر ينطوي على قدر هائل من الالتباس والتشوش الذهني، وهنا ينقسم الناس إلى ثلاثة أصناف: صنف يرتمي في أحضان الخطاب الديني القائم دون طلب للتجديد، ويعلقها في رقبة عالم ويمضي، طلبًا للراحة والدعة التي تصبوا إليها النفس، دون الدخول في متاعب البحث، ومكابدة الفهم، ومشاق التنفيذ لمتطلبات هذا الفهم. وصنف يلتبس عليه فهم هذا الخطاب، ويجد خصومة بينه وبين العصر الذي يعيش فيه، فيجد أنه من الأيسر عليه تطليق هذا الخطاب طلاقًا بائنًا، فيبني بينه وبين هذا الخطاب حاجزًا، بل وقد تتطور العلاقة بينهما إلى عداوة لها تبعاتها فيما بعد.اما الصنف الثالث هو الصنف الذي استقل بنفسه في فهم الدين بعيدًا عن الأدوات اللازمة لضبط الفهم وفقًا للأسس العلمية المتعارف عليها، وكَوَّن لنفسه فهمًا خاصًا، تصور أنه الفهم الصحيح، وما دونه باطل وقبض الريح.

ومن هنا جاء فريق الجماعات المتطرفة التي نشأت في المجتمع، ونَمَتْ وترعرعت، ووجدنا نماذج بشرية معاصرة قد استدعت نماذج تاريخية من عصور غابرة لتعيش بها في العصر الحديث، وتسعى لفرض هذه النماذج على مجتمعاتها باعتبار أن هذه النماذج هي الدين الإسلامي، وما عداها يعد كفرًا وجاهلية وزندقة.

وهو كلام على خلاف الحقيقة، لأن الإسلام لم يأت ليقف بالبشرية عند القرن الأول فكرًا وسلوكًا، وإنما جاء لكل العصور، حتى قيام الساعة، وعلى الخطاب الديني أن يسعى للبحث في الدين الإسلامي ليجد فيه بذور الإسلام التي تصلح لهذا العصر، فيجري بذرها حتى تنبت، وتنموا، وتترعرع، وتؤتي ثمارها إنسانًا مسلمًا ابنًا لهذا العصر.

وتتمثل الإشكالية بالنسبة للإنسان المسلم المعاصر في فكرة غاية في البساطة دون تعقيد، هذه الفكرة هي رغبة المسلم أن يعيش مسلمًا، وأن يعيش عصره، دون أي تناقض أو تعارض، مسلمًا غير منقوص الإسلام، وألا يُحْرَم من العيش في عصره، والتمتع بما فيه في آن واحد. والخطاب الديني هنا يقف عائقًا بين المسلم وعصره، لأن هذا الخطاب موروث من عصور سابقة، وهو فهم رجالات الفكر في كل عصر للنص الديني فهمًا يتواكب مع روح وطبيعة هذا العصر الذي يعيشون فيه، وبالتالي فإن استدعاء هذا الخطاب، وتقديسه، ومحاولة إلباس العصر إياه، هو ظلم بيِّن للعصر الحالي.

الجمع بينهما فيه من التعسف ما فيه، وفيه ظلم للإسلام وإساءة بالغة له. حتى محاولات بعض المفكرين المحسوبين على الفكر الإسلامي إدماج الإسلام في العصر الحالي، كانت محاولات بائسة، لأنها قد أخذت منتجات الفكر الغربي، بدعوى أنها بضاعتنا التي ردت إلينا، وصبها في قوالب إسلامية، ويجهد نفسه في الاستدلال على صحة ما ذهب إليه، فظهرت كتابات مثل الاقتصاد الإسلامي، وعلم النفس الإسلامي، والمحاسبة الإسلامية، وهكذا.

وقد وضعنا أنفسنا في حالة خصومة مع منتجات الفكر الإنساني، وكأنه قد حرم علينا الاستفادة من هذا الفكر. بل إن التناقض قد ظهر جليًا حتى في السلوك، فتجد الرجل يرتدي جلبابًا قصيرًا، وبنطالًا، ولحيته متدلية على صدره، والسواك في يده، والهاتف النقال في يده الأخرى، ويغطي شعره بقماشة بيضاء، ثم يقود سيارته إلى المطار، لأنه سيركب الطائرة، ذاهبًا إلى حج بيت اللـه الحرام. وللخروج من هذا التناقض، وهذه الازدواجية، لابد من تجديد الخطاب الديني.

فالخطاب الديني كما نفهمه هو فهم للدين في ضوء معطيات العصر، بما يضمن وجود الإنسان المسلم المتصالح مع عصره، والمشارك فيه بفاعلية وكفاء، دون أن يشعر أنه كافر أو زنديق، وبذات القدر دون أن يشعر أنه جاهل أو متخلف، يكسب الآخرة، ولا ينسَ نصيبه من الدنيا. فهل هناك من هو مؤهل للقيام بهذا الدور؟. المسألة في غاية البساطة أن تكون مسلمًا يعيش عصره.

لم يأت الإسلام ليقف بالبشرية عند القرن الأول فكرًا وسلوكًا، وإنما جاء لكل العصور، حتى قيام الساعة،

أولا- ضرورة تجديد الخطاب الديني

إذن لماذا يتحاشى بعض المسلمين الاعتراف بضرورة التجديد ليبقى كل شيء كما كان يعهد، فليس في الإمكان أفضل مما كان، إيثارًا للإلف وتوجسًا وارتيابًا من كل حديث وجديد أو مشتق منهما، فهو يفضل أن يبقى فكره وخطابه ولغته وطريقته وعلمه متكلسًا مترهلًا مهترئًا ألف مرة على أن تناله يد التجديد، أو تطاله بواعث التحديث وأسبابه.إن ذلكم مظهر جلي من مظاهر الضعف والخور والهزيمة النفسية كما أن الارتماء في أحضان كل جديد هزيمة نفسية.

إن لفظة "الخطاب" كلمة عربية فصيحة مستخدمة، والأصوليون كانوا يستخدمونها كثيرًا، والخطاب هو المحاورة والمحادثة بين طرفين، ونسبته للدين يقصد فيها الخطاب الذي يعتمد على مرجعية دينية في مخاطبته وأحكامه وبياناته، وإنني أقصد بالخطاب الديني ما يطرحه العلماء والدعاة والمنتمون إلى المؤسسات الإسلامية في بيان الإسلام والشريعة، سواء كان ذلك من خلال الخطب أو المحاضرات أو التأليف أو البرامج الإعلامية الأخرى، وقد يدخل في ذلك المناهج الدراسية الدينية في المدارس والجامعات الشرعية، بل يمكن أن يوسع مفهوم الخطاب الديني ليشمل النشاط الإسلامي والنشاط الدعوي وعمل الجماعات الإسلامية والمؤسسات الإسلامية بشكل عام الفقهي منها والعلمي والدعوي والتربوي، ونوع النشاط الذي تقوم به لتقييم مدى نجاحه وفشله وقربه من المقاصد العامة للتشريع ومن بعد ذلك تقويمه وإصلاحه وتجديده.

أما كيف يتم تجديد هذا الخطاب الديني؟ صح عن النبي صلى اللـه عليه وسلم أنه قال: (إن اللـه يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها) أخرجه أبو داود والحاكم وصححه، فذكر النبي صلى اللـه عليه وسلم تجديد الدين نفسه، والخطاب الديني جزء من هذا الدين وتجديده, والذين يقومون بعمل هذا التجديد جاؤوا بلفظ (مَن) فهو عام يشمل الفرد والجماعة، وفي ظل توسع الأمة واتساع رقعتها والانفتاح العالمي وتضخم الخلل الموجود في واقعها، فإن هذا الواقع يفرض أن هذا العمل التجديدي ليس شأن فرد واحد، بل مجموعات تتكامل فيما بينها، وتؤدي أدوارًا مختلفة وتخصصات علمية متباينة وحقول معرفية كلها تنتهي عند مصب المصدر الأصلي (الشريعة).

وهناك فرق بين الخطاب الديني والوحي المنـزل، بمعنى أن الخطاب الديني يعتمد على الوحي في كثير من الحالات، لكنه يبقى في حدود العمل العقلي البشري أو العمل الاجتهادي الذي يرتبط بإمكانات الإنسان وقدرته وطاقته، فهو مثل خطاب الفقهاء والوعاظ والمصلحين الذي يمثل اجتهادًا من عندهم، ومفهوم (تجديد الخطاب الديني) يتنازعه طرفان:

الأول: فئة تتحدث عن تجديد الخطاب الديني وهي تصدر من منطلقات غير دينية، وأعتقد أنه لا يمكن تجديد الخطاب الديني من خارج هذا الخطاب الديني نفسه سواء بظروف محلية أو عالمية.

الثاني: بعض القوى الإسلامية الخائفة التي اشتد بها الخوف، فإذا سمعت مثل هذا اللفظ ترامى إلى أذهانها أنها مؤامرة لتحريف الدين أو لتغيير الخطاب.

 إن تجديد هذا الخطاب ضرورة فطرية وبشرية؛ لأن هذا الخطاب الديني الحالي مفكك وفردي، بينما يشهد العالم تجمعات وتطورات هائلة في مجال التقنية والمعلومات والاختراعات، وأعتقد بأن أية نهضة أو تنمية في العالم الإسلامي التي ينادي بها المخلصون من دعاة الإصلاح إن لم تصدر من مفهوم ديني فهي محكوم عليها بالفشل، فلا بد من خطاب ديني واع ومعاصر ومنضبط يستطيع أن يضع هذه النهضة ويساعد عليها ويدفعها لإخراج الأمة من هذا التيه والدوران الذي تدور فيه حول نفسها.

إن هذا التجديد الحي قراءة واعية واعدة للنفس والآخر والواقع، وقراءة قادرة على إيجاد الحلول الشرعية المناسبة لمشكلات الواقع.

إن تجديد هذا الخطاب ضرورة فطرية وبشرية؛ لأن هذا الخطاب الديني الحالي مفكك وفردي، بينما يشهد العالم تجمعات وتطورات هائلة في مجال التقنية والمعلومات والاختراعات

إنه لا مناص من التجديد، وإذا لم نؤمن بذلك فأمامنا خياران:      

الأول: الجمود ويعني ذلك الإطاحة بحق الحياة وسحقها في عصر تكتنفه الحركة الثائرة من كل جهة.

الثاني: الذوبان، وذلك معناه الإطاحة بحق الدين والشريعة والثقافة والتراث.

إن هذا التجديد يجب أن يكون بأيدي رجالات الإسلام وعن طريق المتخصصين الإسلاميين، ولا أقول بالضرورة: الفقهاء، وإنما المختصون على العموم، ويجب أن تكون أدوات هذا التجديد ووسائله داخلية تلمس مشاعره وتتحدث من داخل إطاره، وعلينا أن نتفق على الضرورات والقواعد الشرعية والمحكمات الدينية الثابتة، كما يسميها ابن تيمية (الدين الجامع).

أما ماهية هذا التجديد فترتيبٌ لسلّم الأوليات وتنظيم للأهم والمقاصد الكبرى للعلم والدعوة والإصلاح واتفاق على ذلك وتسهيل تطبيق ذلك وتوجيهه في أرض الواقع، وإبراز لجانب القيم والأخلاق الإسلامية الإنسانية العامة التي يحتاج إليها الناس كلهم دون استثناء، وتطبيع قيم العدل التي يأمرنا بها الإسلام تجاه الخلق كلهم ومعاملة الناس كلهم بالحسنى، قال تعالى: "وقولوا للناس حسنى" قال ابن عباس: (اليهودي والنصراني).

والتجديد يعني العناية بالنظريات العامة في الإسلام مثل النظريات السياسية والاجتماعية والفقهية الفرعية والأصولية، ودعم المشاريع العلمية التي تصل تراث الأمة بهذا العصر، وتضيف إليها تراكمًا علميًا ومعرفيًا.

والاهتمام بالمبادرات في الخطاب الشرعي والدعوي فالأمر قبل النهي، والأمر بالمعروف مقدم على النهي عن المنكر، والإصلاح ينفي الإفساد بالضرورة والعملة الجيدة تطرد العملة الرديئة -كما يقول الاقتصاديون-، فهذا الجهد يقوي عنصر "المزاحمة" في الفكر الإسلامي والخطاب الديني.

إن على دعاة التجديد أن ينتقلوا من ضيق الرأي والمذهب والجماعة إلى سعة الشريعة مع أهمية هذه كلها في العلم الإسلامي والديني، ولكنني أدعوا إلى الاعتصام بسعة الشريعة وبحبوحتها لتجديد الاجتهاد الإسلامي وتيسيره، يقول جل وعلا: "وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ منهم".

 

ثانيا- دعوة السيسي إلى ثورة دينية

إن الدعوة التي أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي، أثناء الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، إلى «ثورة دينية» على النصوص والمفاهيم الخاطئة التي ترسخت في أذهان الأمة الإسلامية تضمنت انتقادًا لأفكار تم تقديسها لمئات السنين قال إنها تسببت في معاداة العالم بأسره للإسلام والمسلمين، ومطالبته بضرورة تجديد الخطاب الديني ليتناغم مع العصر، طرحت الكثير من التساؤلات حول قدرة المؤسسات الدينية على تجديد الخطاب الديني بشكل حقيقي، وآليات وضوابط هذا التجديد بعد سنوات من شيوع التفسيرات الخاطئة والتصرفات الشاذة التي تمارسها الجماعات المتشددة باسم الدين.

وأكد علماء الأزهر – استجابةً لدعوة الرئيس - أن التجديد يحتاج دعاة مخلصين، قادرين على التواصل مع الجماهير، ولكن الأهم من ذلك أن يكون هؤلاء الدعاة قدوة للناس، بالأفعال وليس بالأقوال. وحدد العلماء ملامح تجديد الخطاب الديني في تناول القضايا المعاصرة وبيان الأحكام الشرعية في هذه القضايا، بالتركيز على مكارم الأخلاق، والبعد عن الآراء الشاذة، والتأكيد على توافق مصلحة الوطن مع الدين، فأينما تكون المصلحة فثم شرع اللـه، وهذا يتطلب بيان الأحكام الشرعية بالفهم الصحيح لمقاصد الدين، والتصدي للفكر المنحرف.

أن التجديد يحتاج دعاة مخلصين، قادرين على التواصل مع الجماهير، ولكن الأهم من ذلك أن يكون هؤلاء الدعاة قدوة للناس، بالأفعال وليس بالأقوال

ثالثا- ملامح تجديد الخطاب الديني لدي علماء الأزهر    

يرى الدكتور رأفت عثمان، عضو هيئة كبار العلماء، أن تجديد الخطاب الديني يكون في عدة جوانب:

 الأول: عناية الدعاة وعلماء الدين بالقضايا التي يريد الناس بيان الأحكام الشرعية فيها، فيتم تناول هذه القضايا من خلال الفهم الصحيح، وبالأسس التي يبني عليها التشريع الإسلامي، ومن هذه الأسس التيسير على الناس، فالتشريع الإسلامي كله، أحد أسسه رفع الحرج والمشقة عن الناس في التكليف، وهذا الأساس بينته نصوص القرآن الكريم وأحاديث الرسول الكريم، فقال عز وجل »وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ« وكذلك قوله تعالى: »يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسر«، وكما تقول أم المؤمنين السيدة عائشة »رضي اللـه عنها«: ما خيّر رسول اللـه صلى اللـه عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما .

الثاني: الاهتمام بالقضايا الجديدة في حياة الناس في الطب والاقتصاد والاجتماع وغيرها من القضايا، التي يريد الناس التعرف على أحكامها الشرعية، كتنظيم الأسرة، والتحكم في نوع الجنين، والإخصاب الطبي المساعد، وعمليات التجميل، والتبرع بالأعضاء، وغيرها من القضايا الجديدة، فيجب على علماء الدين البيان المبني على صحيح الفهم لمصادر التشريع الإسلامي من القرآن والسنة الثابتة، وغيرهما من مصادر التشريع، وكل ذلك يحوطه التيسير الذي لا يبعد عن قواعد الدين ومقاصده وأصوله.

الثالث: فيتمثل في اهتمام الدعاة والأسرة ووسائل الإعلام ووزارة التربية والتعليم والثقافة، بتعميق معاني مكارم الأخلاق عند الناس، كالصدق في التعامل بينهم، والدعوة إلى إتقان العمل، وأدائه على الوجه الذي لا يكون فيه الإنسان مقصرًا لو كان يؤديه لنفسه، والتعاون، والتراحم، والبعد عن العنف، والدعوة لتحصيل العلوم الدنيوية، والتي على أساسها يظهر تفوق الأمم والشعوب، فما تقدمت الأمم إلا بالعلم.

الرابع: يتمثل في بيان الكراهية الشديدة في الشرع الإسلامي، بل وفي كل الشرائع الإلهية لجرائم قتل النفس والاستيلاء على أموال الناس، أو إتلافها أو الاعتداء على الأعراض، والناحية الخامسة في تجديد الخطاب الديني تتمثل في أن يكون بيان الأحكام الشرعية باليسير من التعبير، الذي يسهل على غالب الناس فهمه، وهو غير التعبيرات الموجودة في المؤلفات التراثية لعلماء الإسلام، التي تحتاج لعناية خاصة في فهم المراد منها، فلكل عصر أدوات التخاطب فيه المناسبة له.

 السادس: في قضية تجديد الخطاب الديني، يتمثل في البعد عن نشر الآراء الشاذة التي نقلتها كتب التراث في بعض الأحيان، والمتسمة بالغلو في فهم النصوص، والبعد عن مقاصد الشريعة، وهي على قلتها -بل وندرتها- يولع البعض بالتقاطها ويجعلونها هي الأساس في بيان الأحكام، وهو ما يؤدي لوجود جيل من الشباب يرى في هذه الآراء طريق السلوك السليم، مع أنها أبعد ما تكون عن هذا الطريق شرعًا وعقلًا.

من جانبه يرى الدكتور أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء، أن تجديد الخطاب الديني ليس أمرًا عاديًا، وإنما قبل أن يتكلم من يمارس الخطاب الديني يجب عليه أولا أن يطبقه على نفسه، فالعمل قبل القول، بمعنى أن يتخذ المسئولون دعاة يطبقون على أنفسهم الخطاب الديني، ثم يطالبون الناس بذلك، فقبل أن يتكلم أو يكتب من يمارس الخطاب الديني، عليه أن يكون قدوة للناس، وذلك حتى يقتنع الناس بما يقول، ولابد أن يكون هذا الداعية صادق القول، وفيا في العمل، ويعمل على استقرار وأمن الوطن، لكن المشكلة الكبرى التي تواجه الخطاب الديني، تتمثل في غياب هذا الجانب، فلابد أن يكون هناك الداعية القدوة الذي يمثل نموذجًا متميزًا في الصدق والوفاء والإخلاص، والمسئولية هنا تقع على عاتق جميع المسئولين عن الخطاب الديني، وضرورة أن تكون هناك كوادر قادرة على توصيل هذه المفاهيم.

ويشير د. أحمد عمر هاشم إلى ضرورة مخاطبة الناس على قدر عقولهم، وأن يكون ذلك بالحكمة والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، وأن نعمم ولا نصرح بأسماء الذين نوجه إليهم النصح، كما كان الرسول »صلى اللـه عليه وسلم «يفعل ذلك، فكان »صلى اللـه عليه وسلم «يقول في مثل هذه الأمور»فما بال أقوام«، كما أن التجديد لابد أن يكون في الأسلوب والمعالجة؛ لأن الرسول »صلى اللـه عليه وسلم«قال: »إن اللـه يبعث على رأس كل مائة سنة لهذه الأمة من يجدد لها أمر دينها«، وهذا التجديد لا يكون بتغيير الكلام؛ لأن الثوابت لا تتغير، فالقرآن هو القرآن، والحديث هو الحديث، إنما التجديد يكون في أمور جدت، وظواهر طفت على سطح الحياة؛ كالإرهاب، والإلحاد، فهذه القضايا يجب أن نواجهها بالخطاب الديني المستنير، الذي لا عصبية فيه ولا عنصرية ولا غموض

ويؤكد الدكتور محمد الشحات الجندي، عضو مجمع البحوث الإسلامية، أن تجديد الخطاب الديني في هذه المرحلة الفارقة، يعد فريضة حتمية في ظل ما تتعرض له المجتمعات الإسلامية من ممارسات وأفكار مغلوطة، تجري على أرض الواقع، وتتمزق بها الأوطان الإسلامية من خلال فكر شيطاني آثم لا يرعى للدين حرمة، ولا يقدر قيمة النفس الإنسانية، التي منحها اللـه الحماية والحصانة، فحماية النفس من مقاصد الدين الإسلامي، ولا يستقيم بنيان المجتمعات بدون المحافظة على النفس الإنسانية، وهذا يبين منظور هذا الدين الحنيف، وأنه جاء إكرامًا للبشر في كل زمان ومكان وقيامًا بمهمة عبادة الله سبحانه وتعالي، وعمارة الكون، وينبغي أن تتحدد ملامح الخطاب الديني في هذا الإطار، في أنه جاء تصحيحًا لواجب عبادة اللـه سبحانه وتعالي، وإصلاحًا لنظام الكون وتكريمًا للإنسان، بغض النظر عن اختلاف الدين واللون والجنس واللغة.

إن هذا الخطاب ينبغي أن يرتكز على دعائم قبول الآخر المخالف، والتوحد على الهدف، وجمع الشمل، وإعلاء المصلحة العامة، والانتماء للدين والوطن بلا تفرقة بينهما؛ لأن رفعة الدين لا تتم إلا من خلال وطن يكون للجميع، ومن هنا فإن هذا الخطاب ينبغي أن يتوجه نحو إزالة الالتباس والخصومة؛ لأن البعض يتفنن -إثما وعدوانًا- في إقامة قطيعة وخصومة بين الدين والوطن، وكأن على المسلم أن يختار بين الدين أو الوطن، وكأن كلا منهما نقيض الآخر، ولابد أن يركز الخطاب الديني على تصحيح هذه المفاهيم؛ لأنه من هذه المغالطات أن نجد الممارسات المأساوية التي تعيشها الأوطان الإسلامية.

.

الدكتور محمد الشحات الجندي: "أن تجديد الخطاب الديني في هذه المرحلة الفارقة، يعد فريضة حتمية في ظل ما تتعرض له المجتمعات الإسلامية من ممارسات وأفكار مغلوطة"

رابعا-  استجابة الأزهر لدعوة الرئيس

                                                                               

فور إطلاق الرئيس عبد الفتاح السيسي، دعوته لتجديد الخطاب الديني، والقيام بثورة دينية وأخلاقية، خلال الاحتفال بالمولد النبوي، نهاية ديسمبر الماضي، أعلنت المؤسسات الدينية الممثلة في الأزهر الشريف ودار الإفتاء، الاستجابة لتلك الدعوة، كل حسب اختصاصه وطريقته في الوصول للناس.

قال عباس شومان وكيل الأزهر: إن شيخ الأزهر، الدكتور أحمد الطيب، وجه فور انتهاء خطاب الرئيس، بتنفيذ كل ما جاء فيه، مشيرًا إلى أن الأزهر بدأ بالفعل خطوات تصحيح عبر إصلاح مناهج التعليم قبل سنة ماضية، بجانب إصلاح الخطاب الدعوى، من خلال المناهج المطورة لمرحلة التعليم ما قبل الجامعي، الذي أوشك على الانتهاء. وقال شومان إن قطاع الوعظ بالأزهر بدأ في تنفيذ التوصيات التي خرج بها مؤتمر الأزهر الأخير عن الإرهاب.

في السياق ذاته، وجه وزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة بعقد اجتماع فور إطلاق دعوة السيسي بعقد صالون ثقافي أسبوعيًا يناقش تجديد الخطاب الديني وتصحيح المفاهيم ومحاربة التشدد. وأوضح الوزير أن الأوقاف لن تتوانى عن الاستجابة لدعوة الرئيس في محاربة الإرهاب والتطرف.

وأكد الدكتور إبراهيم نجم، مستشار مفتى الجمهورية، تبنى دار الإفتاء الدعوة التي أطلقها الرئيس لتجديد الخطاب الديني. وقال إن الدار سوف تشهد تطورًا كبيرًا في المرحلة القادمة بهدف تحقيق أعلى درجات التواصل الفاعل مع جميع المتعاملين مع دار الإفتاء من عموم المسلمين في مصر والعالم. وأضاف أن الدكتور شوقي علام، مفتى الجمهورية، استجاب للدعوة وبدأ بإصدار توجيهاته بالسعي لتقديم مزيد من الخدمات الشرعية والإفتائية بصورة عصرية تناسب الواقع.

وقال إن دار الإفتاء بدأت مع بداية العام في مشروع قومي يهدف إلى تصحيح صورة الإسلام بالخارج عبر عدة وسائل من أهمها إرسال قوافل من علماء دار الإفتاء المصرية للقيام بجولات خارجية تجوب العالم لنشر الفكر الصحيح، وتوضيح العديد من المفاهيم التي يستغلها المتطرفون وأعداء الإسلام في تشويه صورة الإسلام والمسلمين لدى الغرب.

وعن قدرة المؤسسات الدينية على تحقيق الثورة الدينية المرجوة، قال الدكتور سعد هلالي، الأستاذ بجامعة الأزهر أولا يجب أن ندرك أن الثورة الدينية التي طالب بها السيسي، هي ثورة لكل الأزهريين وليس لبعضهم، لافتا النظر إلى أن الثورة لصالح الدين الذي حرر الإنسان من العبودية، مشيرا إلى أن هذه الثورة يجب أن توضح الرأي الفقهي الذي هو منسوب لقائله، وأن هذا الرأي ليس من النصوص المقدسة.

وأضاف: «يجب على المتلقي للفتاوى أن يقوم بتحكيم عقليّ وليس بتسليم ديني»، مطالبا بتصحيح الفكر القديم المعتمد في الشارع على أن الفتوى إذا خرجت من أي مؤسسة دينية أو علماء كأنها خرجت من اللـه، وقال: «هذا هو الخطأ، وليعلم الجميع أن كل الفتاوى ينطبق عليها قول الإمام الشافعي، رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب، متابعا: «ليس هناك تقديس للرأي، ولكن هناك تكريما للعقل الإسلامي».

 

                                                                         

خامسا- شروط تجديد الخطاب الديني

هل يعني تجديد الخطاب الديني أن يتفق الأزهر والأوقاف على نموذج لخطبة يوم الجمعة، يتم توزيعه على الدعاة لإلقائه على مسامع الناس تجنبا لأي اجتهاد يمكن أن يخرج صاحبه عن صحيح الدين،

خاصة أن النص القرآني يحفل بكثير من المتشابهات التي يمكن أن تقبل اختلاف التأويل، لو صح ذلك، يصبح الخطاب الديني مجرد استظهار لنصوص معادة تفتقد روح الدين الصحيح، وتنبض برتابة مملة تفقد الخطاب الديني قوة الإقناع وحرارة الإيمان، لا يخرج من القلب إلى القلب مهما تحسن صياغته!

صحيح أن تجديد الخطاب الديني يعني إحكام بلاغته بما يجعله مطابقا للفطرة الصحيحة، يتوافق في أول شروطه مع العقل الذي ميز به اللـه الإنسان أكمل مخلوقاته، وأمره بأن يتأمل ويتدبر ويفكر ويحسن استخدام عقله للتمييز بين الخطأ والصواب والغث من الثمين، لأن ما لا يقبله العقل يصعب أن يكون من الدين، إن أحسن الإنسان التمييز بين الخرافة التي تمثل خروجا عن النص القرآني الصحيح، والمعجزة الدينية التي اختص بها اللـه بعض أنبيائه، بحيث يمكننا القول إن شرط الخطاب الديني الصحيح أن يكون رشيدا ينبذ الخرافة ولا يناقض العقل الذي أمر اللـه بحسن استخدامه، ولا يقبل بـتأويل كاذب يحبذ الجريمة ويحض على القتل، لان عدوان المسلم علي المسلم محرم في جميع الأحوال، أما عدوان المسلم على غير المسلم فله شروطه الصارمة التي تجعله مقصورا على الدفاع عن النفس ورد الظلم والاستعباد.

ويدخل ضمن تجديد الخطاب الديني أن يلتزم ضمن أول أهدافه تحقيق مصالح العباد، لأن تحقيق مصالح العباد يشكل واحدًا من أهم مقاصد الشريعة وأكثرها أولوية ومدعاة للالتزام، يسبقه فقط دفع الضرر عن الناس لأن دفع الأضرار مقدم علي جلب المنافع، بما جعل إماطة الأذى عن الطريق من أول واجبات الإنسان المسلم، فما بالك بمسئوليته عن أخيه الإنسان، ومن ثم فإن كل ما يضر مصالح العباد يدخل في دائرة المحرمات التي ينبغي أن يرفضها الخطاب الديني بوضوح قاطع.

وآخر شروط الخطاب الديني الصحيح الإيمان بكل الرسل لا نفرق بينهم، لأن جميع الرسالات السماوية ترفض الكفر وتُعلي في جوهرها عقيدة التوحيد، ويدعو جميعها إلى مكارم الأخلاق، ويعتبر الحق والخير والجمال مرجعيات رئيسية لحياة طيبة على الأرض يرضى عنها اللـه.

                                                    

سادسا- دور الإعلام في تجديد الخطاب الديني

إن نجاح الخطاب الديني التجديدي مرهون بالنظر إلى قضايا الناس، والحديث عن التجديد لا يخرج أبدًا عن التراث، خاصة أن الإسلام يحارب الجمود ويظل يحافظ على الثوابت الأساسية من جهة، ومن جهة أخرى يحمل على عاتقه متطلبات العصر أو ما يحتاجه أبناء عصره وزمانه. والتجديد رسالة تنبع من إرادة ورغبة عارمة في النهوض بالأمة.. وأقرب وسيلة للحوار وأكثرها فاعلية في إبراز الخطاب الديني هي الاعتماد على وسائل الإعلام والتكنولوجيا الحديثة.

وتعد وسائل الإعلام، وخاصة المرئية منها، من أنجح الوسائل التي تكفل انتشارًا أوسع لهذا الخطاب عبر مختلف شرائح المجتمع.. فالإعلام المرئي وسيلة من وسائل الاتصال تعتمد على الصوت والصورة في آن واحد، وبذلك تكون قد جمعت بين خواص الإذاعة المسموعة وخواص الوسائل المرئية.. فالتليفزيون يجمع بين الصوت والصورة والحركة وينقل الأحداث فوريًا، ويسمح للذين يتعلمون باستعمال أكثر من وسيلة يتم نقلها، ويعرض على المشاهد الصور والأحداث الواقعية، وإخراج أساليب عرض لإثارة المشاهد وجذبه للشاشة.

كما أن هناك أهمية قصوى في الوسائل المرئية لتأثيرها في الحياة الاجتماعية، خاصة أن الإنسان يحصل علي أكثر من 90٪ من معرفته عن طريق حاستي السمع والبصر، والغالبية من هذه النسبة عن طريق الرؤية، وهذه الوسائل المرئية تستحوذ على اهتمام كامل من جانب الناس أكثر من أية وسيلة أخرى وتأتي في آخرها الصحف المقروءة.

ونظرًا لقدرة وسائل الاتصال البالغة، فقد برز اعتقاد بأن وسائل الإعلام تمتلك قدرة عجيبة على تغيير رأيها في أية وجهة نظر يريد القائم بالاتصال نقلها. ولذلك فلها تأثير كبير على الآراء والاتجاهات والسلوك، بل تعد سحرًا يصل فورًا إلى عقول المستقبلين. ولذلك يجب على الخطاب الديني أن يواكب التطورات العلمية والتكنولوجية المستجدة.

والتطور الذي نعنيه لا يقتصر علي مهمة الوعظ والإرشاد، بل له مهمة أوسع وأشمل من ذلك بكثير، الأمر الذي يقتضى أن تتنوع أساليبه في المجتمع المتحضر تبعًا لتنوع مجالات الحياة حتى يشمل كافة شرائح المجتمع خاصة في تنمية الوعي الديني والقيم الأخلاقية ونبذ التعصب والإرهاب.. ولابد لهذا التجديد في الخطاب من آليات تتحقق وتتجسد في الوسائل المرئية حتى تقتنع بها الجماهير وتحدث فيها استمالة إلى فحوى هذا الخطاب التجديدي.. والإنسان يميل بطبعه إلى تعريض نفسه للوسائل التي تتفق مع أفكاره ومعتقداته واتجاهاته، وكذلك تجنب الوسائل التي لا تتفق مع توجهاته المسبقة.

أن تجديد الخطاب الديني يعني إحكام بلاغته بما يجعله مطابقا للفطرة الصحيحة، يتوافق في أول شروطه مع العقل الذي ميز به اللـه الإنسان أكمل مخلوقاته،

سابعا- الإعلام والخطاب الديني في عصر العولمة

وإذا كان نجاح الخطاب الديني التجديدي مرهونا بالنظر إلى قضايا الناس على المحيط الداخلي أو المحلي داخل الدولة أو داخل الدول العربية أو الإسلامية، إلا أن عالمية الإسلام كدين والتي تمثلت في قوله تعالى لرسوله الكريم "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" تحتم علينا عولمة الخطاب الديني لكي يصل إلى العالم كله، لكي يعكس وسطية الإسلام وبعده عن التطرف والغلو، وأنه دين الرحمة وليس دين العنف والإرهاب كما يتم تصويره في الغرب، وهى الصورة التي طبعها الأمريكيون للإسلام وللمسلمين في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2011، وسيحاول الفرنسيون والأوربيون أن يقوموا بترسيخها عقب الهجوم على مجلة "شارلي إبدو" الفرنسية وما تلاه من هجمات إرهابية أخرى في فرنسا وألمانيا.

وفي هذا الإطار، فإننا نرى من خلال رصدنا لواقع الخطاب الديني في عصر العولمة، أن ثمة إشكاليات تطرح نفسها بقوة، ولابد أن نجد لها حلولًا فعالة، ومن بين هذه المشكلات:

أولًا: لا توجد قناة فضائية دينية إسلامية تعكس قيم الإسلام الوسطى المعتدل ، وتنطق بلغات عدة للوصول إلى شعوب الأرض الذين ينتمون لأجناسٍ شتى ولغات عديدة، بل إن القنوات الدينية الإسلامية في مصر والمنطقة العربية تصطبغ بطابع المحلية الشديدة، بل وتخلط على الناس دينهم ، وكانت تلجأ في الغالب إلى تسييس الدين، وترسيخ التطرف والغلو في نفوس العرب والمصريين.

ثانيا: أننا لم ندشن مواقع وبوابات دينية إسلامية على شبكة الإنترنت تروج لخطاب إسلامي مستنير يتفق مع طبيعة المجتمعات الغربية والمسلمين الذين يقطنون فيها ويحتكون بثقافات مغايرة عما هو موجود في المجتمعات العربية والإسلامية.

ثالثًا: أن الأزهر الشريف – مع احترامنا لكل الخطوات التي خطاها لتجديد الخطاب الديني- لم يقم بدوره في الدعوة الإسلامية في العالم أجمع وفقًا لمفهوم عالمية الإسلام من خلال وسائل الإعلام التقليدية والجديدة، واكتفى بدوره في التعليم الديني لبعض الطلاب الوافدين من دول مختلفة أو ببعض القوافل الدينية ذات التأثير المحدود في بعض الدول، حيث لم يصدر الأزهر مطبوعة عالمية بلغات عدة تصل للمسلمين والذين يريدون أن يقرأوا عن الإسلام في بقاع الأرض كافة وبلغات مختلفة، كما لم يطلق الأزهر قناة دينية إسلامية فضائية بلغات عدة، كما أن بوابته على شبكة الإنترنت غاية في المحلية وباللغة العربية فقط، في حين أن بعض البوابات الإسلامية الممولة خليجيًا تنطق بلغات عدة منها "بوابة الإسلام اليوم" السعودية التي تنطق باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية والصينية، وبوابة "إسلام ويب" القطرية التي تنطق باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية والألمانية والإسبانية.

رابعًا: أننا أغفلنا توظيف شبكات التواصل الاجتماعي كالفيس بوك وتويتر ويوتيوب في بث خطاب إسلامي عولمي مستير يبرز تسامح الإسلام ووسطيته واعتداله، وتركنا هذه الشبكات للإرهابيين والمتطرفين، حيث أصبحت هذه الشبكات أدوات فاعلة في أيدي التنظيمات الإرهابية كداعش والإخوان وأنصار الشريعة يستخدمونها لتجنيد المتطوعين من شتى بقاع الأرض، ويروجون من خلالها خطابًا دينيًا متشددًا مؤسسًا على أساطير "الدولة الإسلامية" و"الخلافة"، و"الجهاد" .. وغيرها.

خامسًا: أننا لم نسع لدى الدول الأوروبية منذ الثمانينيات من القرن الماضي لإقناعها بالعدول عن موقفها حينما بدأت في توفير الملاذ الآمن ومنح جنسيتها أو حق اللجوء السياسي لبعض المتشددين والمتطرفين من الدُعاة الذين لفظتهم دولهم العربية والإسلامية بحجة إيمانها بحرية الرأي والتعبير، وهو ما أدى إلى فتح منصات إعلامية ومنابر في المساجد والمراكز الإسلامية المنتشرة بالدول الأوربية لخطاب ديني متطرف يغذي مفهوم التغيير بالسلاح على أساس عقائدي، وهو ما جعل هذه البيئة صالحة لتجنيد من يقاتلون من الأوروبيين الآن في صفوف داعش وجبهة النصرة وغيرهما من التنظيمات الإرهابية على الأرض العربية، وانتقال ذلك الإرهاب إلى أوربا ذاتها في فرنسا وألمانيا في الوقت الراهن.

سادسًا: إننا لم نستطع أن نقنع الأوربيين والأمريكيين من خلال خطاب إعلامي عقلاني بعدم مساندة الإرهاب والجماعات الإرهابية ممثلة في جماعة الإخوان، لأن هذا الإرهاب سوف يرتد إليهم لاحقًا، ولعله من الواضح الآن أن استهداف الجماعة لمدينة الإنتاج الإعلامي وصحف الوطن والمصري اليوم والوفد تمت محاكاته بالهجوم على مجلة "شارلي إبدو" في فرنسا وصحيفة أخرى في ألمانيا، كما أن استهداف الجماعة لرجال الشرطة تمت محاكاته من خلال استهداف الأمريكيين السود لرجال الشرطة الأمريكيين البيض بعد مقتل شاب أسود على يد شرطي أبيض.

ومن هنا، فإن ثمة خطوات جادة يجب أن نتخذها إن أردنا أن نوجد آليات فعالة لنشر خطاب ديني عالمي مستنير، ومن بين هذه الآليات:

أولًا: إنشاء قناة فضائية دينية إسلامية تعكس قيم الإسلام الوسطي المعتدل، وتنطق بلغات عدة للوصول إلى شعوب الأرض الذين ينتمون لأجناسٍ شتى ولغات عديدة.

ثانيا: تدشين مواقع وبوابات دينية إسلامية على شبكة الإنترنت تروج لخطاب إسلامي مستنير يتفق مع طبيعة المجتمعات الغربية والمسلمين الذين يقطنون.

ثالثًا: قيام الأزهر الشريف بدوره في الدعوة الإسلامية في العالم أجمع وفقًا لمفهوم عالمية الإسلام من خلال وسائل الإعلام التقليدية والجديدة، وذلك من خلال إصدار مجلة عالمية تعبر عنه بعدة لغات ، وتدشين فضائية دينية ناطقة بلغات عدة، وتدشين موقع وبوابة دينية إسلامية تستهدف الملمين في العالم أجمع والأجانب الذين يريدون التعرف على الإسلام.

رابعًا: توظيف شبكات التواصل الاجتماعي كالفيس بوك وتويتر ويوتيوب في بث خطاب إسلامي عولمي مستير يبرز تسامح الإسلام ووسطيته واعتداله.

خامسًا: قيام وزارة الخارجية المصرية بالسعي لدى الدول الأوروبية لإقناعها بالعدول عن موقفها حينما بدأت في توفير الملاذ الآمن ومنح جنسيتها أو حق اللجوء السياسي لبعض المتشددين والمتطرفين من الدُعاة الذين لفظتهم دولهم العربية والإسلامية وإحلال الدعاة الأزهريين الوسطيين مكانهم في المراكز الإسلامية بهذه الدول.

سادسًا: إقناع الأوروبيين والأمريكيين من خلال خطاب إعلامي عقلاني بعدم مساندة الإرهاب والجماعات الإرهابية ممثلة في جماعة الإخوان، لأن هذا الإرهاب سوف يرتد إليهم إن عاجلًا أو آجلًا.

سابعًا: إعداد دعاة مستنيرين مسلحين بخطاب ديني مختلف ومغاير للخطاب الديني التقليدي أو الماضوي (السلفي) يناسب مع العصر الذي نعيش فيه، وذلك من خلال خضوع هؤلاء الدعاة لانتقاء وفرز دقيق في البداية لاختيار من يصلح منهم للانضمام لدورات تأهيلية تركز على تجديد الخطاب الديني وآليات ذلك، وإكسابهم سبل التعامل مع الثقافات الأخرى.

*أستاذ الصحافة وتكنولوجيا الاتصال ووكيل كلية الإعلام – جامعة القاهرة

 

                                    

المصادر:

1-    بوابة الأهرام، "علماء الأزهر يحددون ملامح تجديد الخطاب الديني"، 13 من يناير 2015، متاح على:

http://islam.ahram.org.eg/NewsQ/4786.aspx

2-    بهاء أبو شقة، "الإعلام وتجديد الخطاب الديني"، بوابة الوفد 13 من يناير 2015، متاح على:

 http://www.alwafd.org/%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A3%D9%89/121-%D8%A8%D9%87%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D8%A8%D9%88%D8%B4%D9%82%D8%A9/797245-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%85-%D9%88%D8%AA%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%B7%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%86%D9%89-5

3-    د. سلمان بن فهد العودة، "تجديد الخطاب الديني"، الإسلام اليوم، متاح على:

 http://www.islamtoday.net/salman/mobile/mobartshows-28-8105.htm

4-     بوابة فيتو، "تجديد الخطاب الديني"، 31 أكتوبر 2014، متاح على:

 http://www.vetogate.com/1303696

5-    مكرم محمد احمد، "شروط تجديد الخطاب الديني"، الأهرام، 8 من يناير 2015، متاح على: http://www.ahram.org.eg/NewsQ/352991.aspx

6-    خالد موسى، "الأزهر يترجم دعوة الرئيس  لتجديد الخطاب الديني إلى خطوات"، الشروق، 6 من يناير 2015، متاح على: http://www.shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=06012015&id=833f207c-4b16-4b52-99de-c16a04f22d4a


إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟