دعا الاستاذ محمد حسنين هيكل ان يقوم الرئيس السيسى بثورة على نظامه، ثم عاد وفسر هذه الدعوة بأن المقصود منها اجراء تغيير جذرى شامل فى الاوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية للبلاد،
لان السيسى مازال يعمل فى اطار نظام مبارك الذى ثار الشعب المصرى عليه وحالت التطورات بعد 25 يناير دون تغيير فعلى لهذا النظام ومن يتابع مجريات الاحداث منذ 3 يوليو 2013 عندما تولى السيسى السلطة سوف يكتشف انه يتحسس طريقه نحو بناء نظامه السياسى فقد صدر دستور جديد للبلاد يمثل الاطار التشريعى للنظام الجديد. ويجرى الآن الاستعداد لانتخاب مجلس نواب، وهو امر بالغ الاهمية لان تركيبة المجلس والحكومة المنبثقة عنه وبرنامجها الذى ستطرحه على المجلس بعد تشكيلها وهى امور بالغة الاهمية فى تحديد الهوية السياسية والاقتصادية والاجتماعية للنظام، وتعتبر خطوة بالغة الاهمية فى وضع النقاط على الحروف بالنسبة لطبيعة ومستقبل النظام الجديد، وما اذا كانت تركيبة المجلس والحكومة وبرنامجها يسير فعلا فى الاتجاه الصحيح نحو تحقيق اهداف ثورة 25 يناير و30 يونيو فى العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية والاستقلال الوطني، فلا قيمة لاى نظام ما لم يكن مهيأ لتحقيق هذه الاهداف او بمعنى آخر لهدم نظام مبارك وما اضيف اليه من تشويه فى ظل المجلس العسكرى وحكم الاخوان. ان التغيير الجذرى الشامل المطلوب تحقيقه فى ظل حكم السيسى يتطلب تحويل مواد الدستور واحكامه الى قوانين تشكل فى مجملها اركان النظام الجديد وتفصح عن هويته وطبيعة القوى الاجتماعية التى يخدم مصالحها وهل سيكون فى خدمة اصحاب المصالح ورجال الاعمال والقادرين عموما ام سيكون فى خدمة الطبقة الوسطى و الكادحين والفقراء والمهمشين من العمال والفلاحين والحرفيين والعاطلين وهم فى مجملهم يمثلون اغلبية الشعب الذين ثاروا على النظام القديم والذين يتعين على السيسى ان يعبر عن مصالحهم بصدق ويضعها فى مقدمة اولوياته جنبا الى جنب مع الشباب والنساء والاقباط وهى فئات شاركت فى الثورة وفتحت الباب امام التغيير الثورى المنشود. ولا يقل عن هذا اهمية بالنسبة لبناء النظام الجديد النخبة التى ستقود البلاد، سواء من داخل النظام او فى الجوانب الفكرية والسياسية والثقافية ويستطيع اى مراقب للاحداث ان يكتشف ان الرئيس عبد الفتاح السيسى يعطى هذا الجانب اهمية خاصة وانه شرع بالفعل فى اختيار نخبته، يتضح ذلك من غلبة العسكريين فى الوظائف الاساسية بمؤسسة الرئاسة وفى تشكيله للمجالس المتخصصة: مجلس علماء مصر ومجلس التنمية المجتمعية ومجلس التعليم والبحث العلمي. فضلا عن اختياره الدكتورة فايزة ابو النجا مستشارة للامن القومى واللواء احمد جمال الدين مستشارا للشئون الامنية، ويلفت النظر بشدة ان الرئيس السيسى فى تشكيله لهذه المجالس وهؤلاء المستشارين اختار شخصيات ليس لها اى تاريخ سياسى، ولكنها تتميز بالتخصص فى مجال علمى معين وفى نفس الوقت يحرص الرئيس على عقد لقاءات مع قطاعات عديدة فى المجتمع وخاصة من الشباب والنساء. وينبئ هذا كله ان الرئيس يتجه الى تكوين نخبة جديدة ليس لها علاقة بالسياسة من الشباب والنساء والعلماء والمتخصصين الذين لم يمارسوا السياسة، ويتجاهل فى نفس الوقت النخبة السياسية ولا يبدى اهتماما بالاحزاب والقوى السياسية رغم انها نخبة فاعلة لعبت دورا اساسيا فى معارضة نظام مبارك، وفى التحضير للثورة وفى قيادة العمل الوطنى خلال سنوات ما قبل ثورة يناير وما بعدها. ويطرح هذا التوجه علامة استفهام كبيرة حول مستقبل النظام الذى شرع الرئيس السيسى بهذه الاختيارات فى بنائه، فهل نحن بصدد نظام جديد يعتمد على التكنوقراط ويهتم بالجوانب الفنية فقط، ام انه سيتدارك هذا الوضع بالاهتمام بان تكون نخبته مؤهلة سياسيا لقيادة عملية تحول جذرى شامل يساعد على فتح آفاق سياسية جديدة تمكن القوى السياسية الجديدة من القيام بدورها والمساعدة فى توفير الاطار المناسب لتحقيق اهداف الثورة، لانه بدون هذه الآفاق السياسية والاعتماد فقط على التكنوقراط سوف تدخل البلاد فى ازمة جديدة لان الشعب الذى ينشد التغيير فى اتجاه العدالة الاجتماعية والديمقراطية وتحسين الاحوال المعيشية لن يستسلم بسهولة لاى تجاهل لهذه الاهداف، وضاعف من المخاوف حول طبيعة النظام الجديد مجموعة القوانين التى صدرت خلال الشهور الماضية مثل قانون التظاهر وقانون التصالح مع رجال الاعمال وقانون الجمعيات التعاونية والقانون الذى يتيح للقضاء العسكرى التوسع فى محاكمة المدنيين، وهى امور تؤدى الى التضييق على حرية العمل السياسى وتخلق فجوة بين شباب الثورة والنخبة السياسية من جانب والنظام الجديد من جانب آخر، مما يحرم البلاد من طاقات ايجابية قادرة على المساهمة فى بناء النظام الجديد على النحو الذى يريده الشعب وتتطلبه مسيرة الثورة المصرية. والحقيقة ان مصر مؤهلة لتحول ثورى شامل اذا اتيحت الفرصة لابنائها المخلصين ان يمارسوا دورا حقيقيا فى بناء المستقبل، واذا تم التمكين للشباب من القيام بدور ايجابى، ونحن نعول على قدرة الرئيس عبد الفتاح السيسى تفهم هذه الاشكاليات، وهو يبنى نظامه الجديد ويختار نخبته وقد اثبتت التجربة انه يملك القدرة والمعلومات الكافية لتفهم متطلبات المرحلة وفتح آفاق جديدة امام الشعب المصرى للمساهمة فى بناء النظام الجديد. نقلا عن الأهرام