الانقلاب على الماضى: السعودية تعيد رسم الحدود بين التطرف والدعوة
القرارات السعودية بتسمية المنظمات الإرهابية في الشام
والجزيرة العربية، قرارات بالغة الأهمية، تعدل الميزان الذي اختل منذ أن تبرع
العرب، وعلى رأسهم مصر والسعودية، بالدخول في حرب بالوكالة عن أمريكا في أفغانستان
في ثمانينيات القرن الماضي،، وعلى إثرها تمأسس الإرهاب الذي يضرب قلب الأمة
العربية الآن.
يرصد المتابع للموقف السعودي، بعد ثورة 30 يونية في مصر،
جملة من القرارات السياسية، التي تتصف بالقوة والمفاجأة، فالسعودية أول دولة تعترف
بالسلطة الانتقالية في مصر، وقدمت، مع الإمارات والكويت، دعماً مباشراً للاقتصاد
المصري، فضلاً عن التحرك الدبلوماسي المؤثر التي قامت به السعودية والإمارات، خارج
العالم العربي، لتغيير مواقف بعض دول الاتحاد الأوروبي تجاه ما يحدث في مصر. وربما
يكون قرار تسمية المنظمات الإرهابية في المنطقة، والمسبوق بمرسوم ملكي يحدد وسائل الردع والعقاب لمن ينتمي إلى هذه المنظمات،
أو حتى يتعاطف معها، من أهم القرارات المؤثرة في مستقبل حركات الإسلام السياسي،
وكذلك الجماعات الإرهابية والمتطرفة.
فقد صدر الأمر الملكي في يوم 2/2/2014، وينص على عقوبة
السجن مدة لا تقل عن 3 سنوات، ولا تزيد على 20 سنة بحق كل من يشارك في أعمال
قتالية خارج المملكة، بأي صورة كانت، أو الانتماء للتيارات أو الجماعات الدينية أو
الفكرية المتطرفة، أو المصنفة كمنظمات إرهابية داخلياً أو إقليمياً أو دولياً، أو
تأييدها أو تبني فكرها أو منهجها بأي صورة كانت، أو الإفصاح عن التعاطف معها بأي
وسيلة كانت، أو تقديم أي من أشكال الدعم المادي أو المعنوي لها، أو التحريض على
شيء من ذلك، أو التشجيع عليه أو الترويج له بالقول أو الكتابة بأي طريقة.
وتضمن الأمر الملكي تشكيل لجنة من وزارة الداخلية،
ووزارة الخارجية، ووزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، ووزارة
العدل، وديوان المظالم، وهيئة التحقيق والادعاء العام، تكون مهمتها إعداد قائمة
-تحدث دورياً- بالتيارات والجماعات المشار إليها.
وقد تشكلت اللجنة المشار إليها، ورفعت توصياتها، بتسمية
المنظمات الإرهابية، كالتالي: تنظيم القاعدة، تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، تنظيم
القاعدة في اليمن، تنظيم القاعدة في العراق (داعش)، جبهة النصرة، حزب الله في
المملكة، جماعة الإخوان المسلمين، جماعة الحوثي. وصدر الأمر الملكي للتصديق على ما
انتهت إليه اللجنة في 6/3/2014، والذي يدخل حيز التنفيذ اليوم.. التاسع من مارس
الجاري.
ويبدو من صيغة
القرارات الجامعة المانعة، أن الدولة السعودية تعيد رسم حدود العمل الخير والدعوي
داخل وخارج المملكة، بشكل غير مسبوق، مدشنة بتلك القرارات، مرحلة جديدة من
العلاقات الرسمية والشعبية السعودية مع العالمين العربي والإسلامي. فمن المعروف، على المستوى الخارجي، أن الجماعات
والتيارات الدينية الإسلامية، ظلت تتلقى الدعم من الدولة السعودية في بعض الفترات ومن
رجال الدين والأثرياء في كل الفترات.
ومن المعروف
أيضاً، أن السلفية الوهابية، لعبت دوراً محورياً في الترويج لفكرة الجهاد في
أفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي، ومنذ ذلك الحين، والساحة العربية، تمسي
وتصبح على جماعة جديدة تولد من رحم مرحلة الجهاد الأفغاني. وتبدو الأهمية البالغة
لهذه القرارات، في أنها تمثل اطاراً جديداً، يعيد تشكيل نمط العلاقة بين الدين
والسياسة، وبين الجهاد والدعوة، وهو إطار ملزم للأفراد والجماعات والمؤسسات
السعودية، بحيث يمكن القول، باطمئنان كبير، إلى أن هذه القرارات، تمثل الضربة
القاصمة لكل الجماعات التي تؤمن بنظرية التمكين بالقوة، ليستعيد الإسلام سمته
الحضاري من جديد.