المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

حركة تمرد والمستقبل المأزوم

الخميس 27/فبراير/2014 - 02:28 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
د. مروة نظير*

يرى كثيرون أن حركة تمرد رقم مهم في معادلة الحياة السياسية المصرية في زخم الأحداث اللتي تشهدها البلاد، ارتباطاً بالرفض الشعبي  لحكم الإخوان المسلمين الذي تبلور في احتجاجات 30 يونيو 2013 ثم الإطاحة بالرئيس المعزول وإعلان خارطة الطريق في 3 يوليو من العام ذاته. إلا أن العديد من العلامات الاستفهام أثيرت حول مستقبل هذه الحركة لاسيما في ظل الجدل حول الدور المنوط بها، فقد اعتبر البعض أن دور تمرد انتهي بخروج الملايين في ثورة 30 يونيو وأنه ليس من حق أحد من أعضائها أن يدعي أن دورهم الآن هو مراقبة تنفيذ خارطة الطريق. في حين يرى آخرون أن الشعب المصري هو من صنع حركة تمرد، وأنها تعد الحركة الأقوى شعبيًا، وأنه يجب عليها استكمال طريقها ووجودها في الحياة المصرية.

في هذا السياق جاءت الانقسامات التي شهدتها الحركة بسبب إعلان حمدين صباحي ترشحه لخوض انتخابات الرئاسة المقبلة، لتثير العديد من علامات الاستفهام حول مستقبل الحركة الذي يبدو مأزوماً وغامضاً في اللحظة الراهنة.

ملامح الجدل والانقسامات الداخلية:

تم الإعلان عن  تدشين تمرد في إبريل 2013 لهدفين هما: إسقاط الرئيس محمد مرسي، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، ويمكن القول إن هناك اتفاقاً على نجاح الحركة في تحقيق المطلب الأول؛ حيث قادت ثورة 30 يونيو بجدارة، أما فيما عدا ذلك فيبدو أن الجدل هو سيد الموقف، حتى إن بعض المراقبين يرون أن وجود "تمرد" يخالف الدستور، وأن استمرارها إعلامياً وسياسياً يعني استمرار كل الكيانات السياسية غير الشرعية الأخرى[i]


إلا أن اللافت للانتباه، في هذا السياق، هو السرعة التي ظهرت بها الاختلافات بين صفوف وكوادر حركة تمرد نفسها، لاسيما وأن هذه التباينات طالت العديد من القضايا الحيوية، منها: 

-         طبيعة "تمرد": فقد ظهرت الانقسامات بين الأعضاء حول طبيعة الحركة، لاسيما مع  تدشين بعض المنشقين عن حركة "تمرد" حملة جديدة باسم "تمرد تصحيح المسار بعد إعلان عدد من قيادات الحركة أبرزهم محمود بدر، وحسن شاهين، ومحمد عبد العزيز تحول الحملة إلى حركة سياسية. ويرى أنصار "تصحيح المسار" أن الحملة تعبر عن جموع الشعب المصري وهي أكبر من أي حركات سياسية، فالحركات السياسية تنطوي تحتها وتدخل في الحملة مثلما حدث قبل عزل مرسي عندما أعلنت الحركات السياسية عن تضامنها مع تمرد والاستجابة لدعوتها للنزول إلى الشارع لإسقاطه. وإجمالاً يرى المراقبون أن تحول أي حملة إلى حركة يستلزم تطوير الأهداف، وأن يكون لها برنامج يعرفه الجمهور، وهذان الشرطان غير متوفرين في حركة تمرد في الوقت الراهن.

-         التحول إلى حزب سياسي والمشاركة في الانتخابات البرلمانية: اعتبر جانب من أبناء تمرد  أن دورها لم ينته بعد، وأن الثورة لم تنته مع بعزل مرسى لكن يجب أن تأتي بنظام محسوب على خطها الثوري عبر تقديم كوادر حقيقية بدلاً من كوادر الحزب الوطني التي تحاول أن تستنسخ نفسها. وكذلك كوادر بديلة عن جماعة الإخوان. ومن ثم على  أعضاء تمرد خوض الانتخابات البرلمانية والتحول إلى حزب سياسي بعد هذه الانتخابات.

وفي مقابل ذلك يؤكد أعضاء آخرون في تمرد  على أن الحركة لا تعرض نفسها كبديل للسلطة، وبالتالي فإنه من غير المقبول أن تخوض أي انتخابات. مؤكدين في هذا السياق على أن فرص الحركة في الحصول على أصوات الناخبين في الانتخابات البرلمانية محدودة للغاية، لأن تواجدهم في الشارع ضعيف، فضلاً عن عدم وضوح  الرؤى السياسية للحركة، أما نجاحهم في عزل مرسي فإن ذلك حدث، لأنه لم يكن هدفاً خاصاً بهم، ولكن توافقت عليه قوى وتيارات كثيرة وتوافق مع الغضب والاستياء الشعبي الذي كان قد وصل ذروته. كما يؤكد أنصار هذا الاتجاه على أنه لا مجال حتى لتحول "تمرد" لحزب سياسي، لأن معظم كوادرها أعضاء في أحزاب وحركات سياسية.

ويرى الخبراء أن هذا الانقسام أمر طبيعي فأي حركة سياسية تبدأ بالناشطين السياسيين لابد أن تتحول فيما بعد إلى حركات سياسية عملية تتعلق بالسياسات العامة وبالتالي تحدث بعض الانشقاقات، لأن البعض يفضل أن يظل ناشطاً سياسياً.

-         العلاقة مع النظام الحالي: تعد مسألة التنسيق السياسي مع سلطات إدارة البلاد في الوقت الراهن من القضايا الإشكالية بين أعضاء تمرد، حيث يوجد فريق يرى أنه لابد لفصائل الثورة أن تضع لنفسها خطة وتتحول من الاندفاع الثوري إلى الحكمة، وأنه من الممكن أن تكون هناك شراكة في مرحلة ما بين القوى الثورية والسلطة السياسية حتى تصل البلاد لمرحلة الاستقرار.  ولكن في مواجهة تلك الرؤى يعتبر بعض أعضاء تمرد أن تحالف بعض مؤسسي الحركة مع النظام الحالي وموافقتهم على كل ما يفعله كان من ضمن الأسباب الرئيسية التي أدت لانشقاقهم، وقد بدأت الخلافات في هذا الساق تفرض نفسها في أعقاب فض اعتصامي رابعة والنهضة بالقوة من قبل الجيش والشرطة، إذ اختلف الأعضاء حول فكرة التفويض وفض الاعتصام بالقوة.

-         المرشح الرئاسي المدعوم من الحركة: أكبر الإشكاليات التي انقسم حولها أعضاء الحركة مؤخراً، فقد رأى بعض أعضاء تمرد أنه من غير الملائم أن تدعم الحركة أحدا من المرشحين للرئاسة، وعليها فقط دعم مواصفات ومعايير للمرشح الرئاسي، حتى تضمن بقاءها ككيان شامل لكل المصريين. ورغم ذلك ظهرت انقسامات بينية عدة في صفوف تمرد، إذ قال بعض قيادات الحركة بدعم وزير الدفاع المشير عبد الفتاح السيسي كمرشح للرئاسة، فيما دشن عدد آخر حملة جديدة موازية على "فيس بوك"، لسحب توقيعاتهم من "تمرد"، لما اعتبـروه "انحراف الحركة عن المسار الذي وقعّوا عليه في استمارات سحب الثقة من الرئيس المعزول، [2] وانضم بعض الأعضاء البارزين لحملة "مرشح الثورة" التي تهدف للالتفاف حول مرشح مدني للرئاسة للحفاظ على فكرة المرشح المدني وعدم نجاح أي عسكري في سباق الرئاسة.

 إذن انقسمت حركة تمرد على نفسها حول ترشح زعيم التيار الشعبي حمدين صباحي لرئاسة الجمهورية. فبينما أيده نائب رئيس الحركة محمد عبد العزيز وعدد من قيادييها، أيد رئيس الحركة محمود بدر ترشح المشير عبد الفتاح السيسي. وعلى أثر هذا واجهت الحركة عدداً كبيراً من الاستقالات بين أعضائها فى المحافظات، حيث أكد المستقيلون عدم قدرة الحركة فى المرحلة الحالية على التوحد خلف مرشح واحد، الأمر الذى كان من شأنه أن يعزز من ثقتها وقدرتها فى العمل على الأرض، خلال المرحلة القادمة، ولرغبة البعض فى السيطرة على حركة ملك للشعب المصرى بهدف تحقيق المزيد من المكاسب، كما أعلنت الحركة أن الصفحة الرسمية لها سرقت بواسطة مجموعة من أعضاء التيار الشعبي الذي يتزعمه صباحي. [3]

وفي السياق ذاته، أعلنت حركة تمرد بمحافظة البحيرة سحب الثقة من محمود بدر، عضو المكتب السياسي للحركة، مؤكدين أن "بدر" لا يمثلهم ولا يعبر عن خطهم الثوري. وأشار البيان الصادر عن الحركة بالبحيرة  إلى أن سحب الثقة من محمود بدر عضو المكتب السياسى، يأتي لعدة أسباب، منها: [4]

·  التحدث باسم الحركة والإعلان عن قرارات دون الرجوع للمكاتب التنفيذية.

·  مخالفته لضوابط الحركة ولوائحها أكثر من مرة. 

·  الكذب بخصوص حضوره لمكتب محافظة البحيرة وتحديد موقف أعضاء الحملة بالبحيرة من دعم المشير عبد الفتاح السيسى وإعلان موافقة الحملة وانضمامها، بالرغم من أنها لم تدع من الأساس وفوجئ أعضاؤها بهذا الاجتماع وبهذه القرارات.

·  تجميد عضوية خالد القاضى وحسن شاهين بقرار فردى وإعلانه وطرحه لوسائل الإعلام دون الرجوع للجمعية العمومية الخاصة بالحركة. 

يأتي  هذا الاختلاف، ليكشف عن العديد من المشكلات البنوية في الحركة، لعل من أهمها:

·        التماسك الفكري للحركة، فالخلاف حول دعم صباحي/ السيسي ليس خلافاً تكتيكياً حول آليات تحقيق هدف متفق عليه، بل هو بالأحرى خلاف حول الخط العام للحركة ورؤاها، لاسيما وأن حركة «تمرد» كانت  قد أعلنت عبر موقعها الرسمي، عن دعمها للمشير عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع، في حالة ترشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة، منوهة إلى أن هذا القرار جاء بعد اجتماع لمؤسسي الحركة، مثمنة من قيمة الدور الذي لعبه في تحقيق المطالب الشعبية في 30 يونيو، كما توقع بعض رموز الحركة حصول المشير عبد الفتاح السيسي على ما يقرب من ٨٥ ٪ من أصوات المصريين في حالة ترشحه.

على الجانب الآخر يبدو أن الداعمين لـ"صباحي" يمثلون قطاعاً لا يستهان به فى الحركة، وهم يعتبرون أنه يعبر عن ثورة 25 يناير، ويحمل الكثير من أفكار ثورتي 25 يناير و30 يونيو، ، واعتبر البعض أنه أصبح أملاً في عيون شباب الوطن، وخاصة بعد الأخطاء التي تم ارتكبت في المرحلة الحالية.[5] يضاف إلى ذلك أنه المرشح الوحيد فعلياً الذي أعلن خوضه للانتخابات الرئاسية ووضع برنامجه.

آليات صنع القرار داخل الحركة:

تكشف هذه الأزمة الطريقة التى يصنع القرار داخل الحركة، وهو ما تجلى مع تجميد عضوية بعض الأعضاء بقرار فردى وإعلانه وطرحه لوسائل الإعلام دون الرجوع للجمعية العمومية، وهذا ما أثار العديد من الانتقادات حول احتكار الآراء داخل الحركة انطلاقاً من أن ذلك لا يخدم الديمقراطية، مثل قبول تنوع الآراء واختلافها.

وفي السياق ذاته، يذهب البعض إلى أنه ليس من حق الحركة أصلا أن تدعم أي مرشح، وأن قواعد الديمقراطية تقتضي أن يكون لكل من وقع على استمارة تمرد الحق في اختيار الرئيس القادم من بين المرشحين دونما وصاية من قبل الحركة.

بالنسبة لشبكة تحالفات الحركة، من المفترض أن تكون لدى مثل هذه الحركة السياسية قواعد تحكم اتجاهات تحالفها مع القوى الأخرى الموجودة على الساحة السياسية، لاسيما في مثل هذه التوقيتات الحرجة. ويبدو أن هذا لم يتحقق مع حركة تمرد، التي شهدت في بداية وجودها تحالفاً أو تعاوناً واضحاً مع عدد من القوى السياسية التي يمكن وسمها بأنها قوى ثورية مدنية بالأساس وكان من أبرزها جبهة الإنقاذ والتحالف الشعبي. وجاءت أزمة ترشح حمدين صباحي لتكشف هشاشة هذا التحالف مع أول اختلاف حقيقي في الرؤى والتوجهات، وهذا ما اتضح مع تصريحات بعض قادة تمرد التي نددت بمحاولة اختطاف تمرد لصالح التيار الشعبي، بهدف دفع حركة تمرد نحو دعم حمدين صباحي مؤسس التيار الشعبي، الذي يسعى للاستفادة من دور حركة تمرد القوي والمؤثر في الشارع المصري خاصة لدى الكثير من القطاعات التي لم تكن تهتم بالسياسة من قبل. وهذا ما ظهر أيضاً في تصريحات محمود بدر، أحد مؤسسي حركة تمرد، التي طالب فيها أعضاء التيار الشعبي المؤيدين لصباحي بحركة "تمرد" بالابتعاد عن الحركة بعد إعلان صباحي ترشحه للرئاسة حتى لا يفجروا الانقسام داخل الحركة[6]. ووصل التوتر إلى حد اتهام محمد نبوي، المتحدث باسم حركة تمرد، لصباحى بأنه" يسعى إلى تفتيت الحركة، مثلما قام من قبل بتفتيت التيار الناصري عام 1996.

خاتمة:

سعي بعض رموز حركة تمرد على التأكيد على أن ما تتناوله وسائل الإعلام من أنباء عن انقسام الحركة لا يزيد عن كونه مجرد بلبلة وزوبعة فى فنجان تقودها بعض الأطراف من خلال ادعاءات مغرضة هدفها ضرب استقرار الحركة، وأن خروج 3 أعضاء عن المسار العام للتنظيم لا يعني بأى حال من الأحوال تشتت الحركة. مشددين كذلك  على أن ما يحدث هو اختلاف فقط على المرشح الرئاسي الذي ستدعمه الحركة ، مع الإعراب عن الأمل في أن تمر هذه الأزمة سريعًا، وفق صيغة توافقية بين الحركة وباقي القوى الوطنية، لاسيما التيار الشعبي، حتى تتمكن هذه القوى من التنسيق في الانتخابات البرلمانية التي ستحل سريعاً 7. ‌

وعلى الرغم من ذلك فمن الواضح أن أبعاد التأزم في إطار الحركة -الذي اتضح قبل أزمة ترشح صباحي وتعمق بتطوراتها- أكبر وأعمق من أن تتم معالجته عبر مجموعة من التصريحات المتفائلة. إذ أن الحفاظ على مثل هذا الكيان، الذي لعب دوراً مهماً في المشهد المصري المعاصر، يتطلب من نخبته العمل الجاد على تجاوز خلافاتهم العقيدية والتنظيمية إذا ما رغبوا في الاستمرار كقوى فاعلة في المستقبل القريب.

 



مدرس العلوم السياسية بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية

 

 

[i]هبة أمين، "محى الدين : حركة " تمرد" غير شرعية وهدفها التطبيل للسيسى"، الوطن، 10-02-2014 

[2] مصطفى هاشم ، "مصر: تمرد داخل حركة "تمرد" يهدد مستقبلها السياسي"، موقع دويتش فيلا على شبكة الإنترنت، 25.12.2013

[3] جمال أبوالدهب وهبة سعيد وعبير المرسى،  "ترشح صباحى يفجر حركة تمرد ويشتت جبهة الإنقاذ"، الأهرام، 10 فبراير 2014

[4] إسراء قنديل، "حركة تمرد بالبحيرة تعلن تأييدها "صباحى".. وتسحب الثقة من "بدر""، الأهرام، 10-2-2014

[5] نور رشوان ، "حسن شاهين يرفض الظهور مع متحدث «تمرد» على الهواء.. ويقول: لن أغير موقفي الداعم لـ«صباحي»"، الشروق، 9 فبراير 2014

[6] سامح لاشين، " حركة تمرد تجتمع لحسم خلافاتها"، موقع "إرم نيوز" ، 2014-02-10http://www.eremnews.com/?sect=2

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟