سؤال المستقبل: كيف ندير الموارد لننهض
قد يكون من العبث العمل على زيادة معدل النمو الاقتصادي من خلال اعتماد سياسات يكون الغرض منها تنشيط الأداء الاقتصادي دون تطوير أداء أجهزة الدولة الإدارية، حيث إن علم الاقتصاد لم يعد جزيرة منعزلة عن باقي النواحي التي تؤثر على عجلة الاقتصاد فالارتباط أصبح وثيقاً بين الاقتصاد والإدارة في أي وحدة اقتصادية سواء أكانت منشأة أو مؤسسة. ففي أي مجتمع اقتصادي، وبغض النظر عن نمط نظامه الاقتصادي والسياسي، تظهر المشكلة الاقتصادية بتعدد أوجهها وعمق أبعادها والتي تخلق بحد ذاتها مشكلة "المفاضلة" التي تتطلب بالضرورة دراسة البدائل المختلفة المتنافسة و"اختيار" أفضل الحلول لها، وبهذا المعنى تصبح المشكلة الاقتصادية ركيزة علم الاقتصاد وعلم الإدارة معاً.
يعرف علم الاقتصادEconomics
بأنه:- "ذلك الفرع من العلوم الاجتماعية
الذي يبحث في كيفية استخدام الموارد المحدودة في إشباع حاجات إنسانية متعددة وغير
محدودة"، يوضح التعريف حقيقتين هامتين..أن الحاجات الإنسانية المراد إشباعها
متعددة وغير محدودة، وأن الموارد المتاحة لإشباع الحاجات الإنسانية محدودة.
والحاجات
الإنسانية إما فطرية يولد بها الإنسان ويحتاجها تلقائياً، كالحاجة إلى الغذاء
والمأوى والملبس، وإما مكتسبة تتطور وتختلف مع نمو الإنسان وتغير ظروفه، كالحاجة
إلى مختلف السلع الكمالية والخدمات. ويقوم الفرد باستهلاك تلك السلع والخدمات التي
تشبع لديه رغبة أو حاجة معينة والتي تحقق له منفعة اقتصادية.
إن
الموارد الاقتصادية في المجتمع، من موارد طبيعية وبشرية ورأسمالية، هي مصدر عناصر
الإنتاج أو عوامل الإنتاج التي تستخدم في إنتاج السلع والخدمات اللازمة لإشباع
الحاجات الإنسانية، وهذا الإنتاج أما أن يكون مادياً أو ملموساً وهو ما يعرف بـ"السلع"،
كالمواد الغذائية والملابس والأدوات، أو الإنتاج غير المادي أو غير الملموس ، ويعرف
بـ"الخدمات"، كالتعليم والصحة وخلافه.
وبالعودة إلى المشكلة الاقتصادية، نقول بأنه إذا كانت الحاجات
الإنسانية متعددة وغير محدودة في حين أن الموارد المتاحة لإشباع هذه الحاجات
محدودة مقارنة بالحاجة إليها، وبالتالي يضع حدوداً أمام ما يمكن للفرد الحصول عليه
من سلع وخدمات مما يجعل عملية الاختيار أمراً لا مفر منه.
وعلى ذلك نقول بأن حل المشكلة الاقتصادية يستوجب على المجتمع أن يقوم
بعملية اختيار بين الحاجات التي سيتم إشباعها باستخدام الموارد المتاحة، وبين الاستخدامات
العديدة للموارد والاستغلال الأمثل لها، وتحقيق الكفاءة من استخدامها بحيث تستخدم
في إنتاج أكبر قدر ممكن من السلع والخدمات وبأقل تكلفة ممكنة لإشباع أكبر قدر من
الحاجات.
ويتبين من ذلك أن التساؤلات الأساسية التي تواجه أي مجتمع كان، و
تتطلب الإجابة تتمثل في ثلاثة أسئلة هي:-
1- ماذا ننتج ؟ ويقصد بهذا السؤال التعرف
على رغبات أفراد المجتمع من السلع والخدمات المراد إنتاجها وتحديدها نوعياً
وكمياً. أي تحديد السلع التي يتعين على المجتمع إنتاجها؟ هل هي الملابس؟ أم المواد
الغذائية؟ أم الآلات ؟ وما هي كميات كل منها؟.
2- كيف ننتج ؟ هنا لابد للمجتمع أن يحدد
الكيفية التي ينتج بها تلك السلع، وهذه العملية إنما تتطلب حصر كل الموارد المتاحة
للإنتاج وتخصيصها على الاستخدامات المختلفة، بحيث نحقق من خلال ذلك أقصى استغلال
ممكن، وتحديد الأسلوب الفني والتقني الأمثل لإنتاج السلع والخدمات المطلوبة.
3- لمن ننتج ؟ هذا السؤال يتطلب التوصل إلى
الكيفية التي يتم بها توزيع الإنتاج على أفراد المجتمع وتحديد المنتفعين منه، وعدالة
توزيع الناتج لا تعني أن يتساوى نصيب كل فرد من السلع والخدمات المنتجة، إنما أن يتناسب
هذا النصيب مع مدى مساهمة الفرد في عملية الإنتاج نفسها.
ويتضح مما سبق أن العامل الحاسم لحل المشكلة الاقتصادية هو كفاءة
إدارة الموارد المحدودة، فالإدارة Management هي
النشاط الإنساني المختص بتوظيف الموارد المادية والبشرية والمعنوية المتاحة،
والعمل على تنميتها والحفاظ عليها من أجل تحقيق الأهداف التي يرغب فيها المجتمع مع
الآخذ في الاعتبار بالظروف المحيطة. والإدارة المتفوقة هي تلك التي تحسن اختيار
أهدافها من خلال الدراسة الواعية والمتابعة اليقظة للمناخ المحيط، والتي تستطيع
تحقيق هذه الأهداف بالاستثمار الأمثل للفرص المتاحة (المحتملة) والتشغيل الأكمل
للموارد المتاحة (المحتملة) والمحافظة عليها وتنميتها باستمرار مع التعامل الكفء
مع القيود والمعوقات.
وتواجه الإدارة في عالمنا المحاصر مناخاً مختلفاً عما كان عليه الحال
منذ سنوات قليلة مضت، فالواقع الاجتماعي والثقافي مختلف وسريع التغير مع سرعة تغير
وتجدد الواقع التكنولوجي، مما يضاعف من متطلبات وحاجات أفراد المجتمع، والواقع
الاقتصادي جديد ومستمر في التغير في ظل تحرير التجارة وإزالة الحواجز وفي ظل آليات
السوق كأساس للتنظيم الاقتصادي والخصخصة.
موارد مصر وسوء الإدارة:
تعاني مصر من أزمة حقيقية تتمثل في سوء إدارة تلك الموارد خاصة في
المياه والأراضي الزراعية والثروة المعدنية والموارد السياحية وأدوات الصناعة
والموارد البشرية، وهنا أود أن أشير إلي أن 30% من الإنتاج الزراعي في مصر
"فاقد إنتاج"، ولمزيد من التوضيح نلقي الضوء على سوء إدارة الأراضي
الزراعية والموارد السياحية والثروة المعدنية.
الأراضي الزراعية:
بعد 25 يناير 2011 حدثت هجمة شرسة للبناء على الأراضي الزراعية، فلقد
أعلن رئيس معهد بحوث الصحراء أن الأرض الزراعية تفقد كل ساعة 5 أفدنة بما يعادل
120 فداناً كل يوم، وهذا يعني أن الأرض الزراعية تفقد حوالي 40 ألف فدان سنوياً،
ووفقاً للدكتور فاروق الباز فالأرض الزراعية تفقد 75 ألف فدان نتيجة البناء عليها
أو إهمال صيانة التربة الزراعية.
سوء إدارة هذا المورد الهام سيؤدي، مع الوقت، إلى زيادة الفجوة بين
الحاجة للغذاء التي تتزايد مع الزيادة السكانية المطردة والإنتاجية الزراعية من
الغذاء والتي تتناقص باستمرار بسبب القضاء على الأرض الزراعية من خلال البناء
والتبوير المستمر، ومن ثم زيادة معدلات استيراد الغذاء من الخارج بالعملة الصعبة
ومزيد من التبعية السياسية وعدم استقلال القرار الوطني.
الموارد السياحية:
تتمتع مصر بثروة ضخمة من الموارد السياحية ليس لها مثيل في أي دولة في العالم، وأهمها:
- الآثار، حيث تتمتع مصر بتاريخ حضاري عريق تتواجد آثاره ومعالمه بطول مصر وعرضها منها الفرعونية، البطلمية، الرومانية، المسيحية والإسلامية.
- شواطئ ممتدة على البحرين المتوسط والأحمر مما يساعد على تنشيط السياحة الشاطئية في ظل مناخ معتدل إلى حد كبير.
- الصحراء الشاسعة وخاصة ما يستخدم منها في السياحة الصحراوية والعلاجية.
وعلى الرغم من تلك الموارد والإمكانيات المتاحة فإن هناك دولاً لا
تمتلك 1% منها ولكنها تحقق دخلاً من السياحة يفوق ما تحققه مصر بكثير، وإن أحسنت
مصر استخدام هذه الموارد مع الحفاظ على عاملي الأمن والاستقرار السياسي فإن الدخل
المصري من السياحة لن يقل عن 10 إلى 15 مليار دولار سنوياً.
الثروة المعدنية:
توجد في مصر ثروة معدنية ضخمة ومتنوعة، لا يستخرج منها حتى الآن إلا
6% فقط، ويتم تصديرها خاماً، كلما استخرجت ويتم فيما بعد استيرادها مصنعة، ونخسر
في هذا العملية مليارات الدولارات بدلاً من الاستفادة منها وجذب الاستثمارات
الأجنبية لبناء المصانع التي تستخدم هذه الثروة المعدنية وتعمل على خلق المزيد من
فرص العمل للشباب، ومنها على سبيل المثال: رمال وسط سيناء، فهى أفضل رمال في
العالم لصناعة الزجاج والخلايا الشمسية، تضارع وادي السليكون في الولايات المتحدة
الأمريكية والتي يتم تصديرها بمبلغ 12 دولار للطن إلى إيطاليا لتغسل وتنظف هناك ثم
يعاد استيرادها بمبلغ 200 دولار للطن.
خام التنتالوم: وهو معدن في غاية الأهمية، يتميز بصلابته الفائقة، وتحمله
لأعلى درجات الحرارة، والذي يستخدم في العديد من المجالات منها صناعة آلات تشغيل
المعادن والمفاعلات النووية وأجزاء الصواريخ والتليفون المحمول والكمبيوتر وعدسات
الكاميرات، ولقد أثبتت الدراسات والأبحاث أن مصر تمتلك احتياطياً يجعلها تستحوذ
على ربع الإنتاج العالمي.
وفي النهاية ونحن مقبلون على
مرحلة جديدة وإدارة جديدة، بعد الانتخابات الرئاسية القادمة، نطمح بأن تتضمن برامج
المرشحين لخوض هذه الانتخابات نقاطاً محددة واستراتيجيات واضحة للعمل على تطوير
منظومة إدارة موارد البلاد بما يعزز من قدرات الاقتصاد المصري على تلبية حاجات
المواطنين لتصبح هذه هي الأولوية الأولى لمن يتولى السلطة، حتى نستطيع تحقيق
المعدلات المرجوة من النمو الاقتصادي، على أن تتضمن النقاط التالية:
-
حصر محدد لكافة موارد الدولة من موارد طبيعية
وبشرية ورأسمالية يحدد كم هذه الموارد، ويصنفها بدقة.
-
طرح مشروعات على المستثمرين العرب والأجانب منهم
لاستغلال هذه الموارد في ظل حماية الدولة لضمان استغلال هذه الموارد لصالح
الاقتصاد المصري والمواطن المصري.
-
تدريب أعضاء المنظومة الإدارة للدولة على كيفية
إدارة الدولة والحفاظ عليها وتنميتها من خلال استخدام الوسائل التكنولوجية
الحديثة.
-
توعية المواطنين من خلال وسائل الإعلام بأهمية
الحفاظ على موارد الدولة وخاصة الأرض الزراعية والسياحية من خلال الحرص على عدم
البناء على الأرض الزراعية والحفاظ على الآثار من خلال عدم الاعتداء على المناطق
الأثرية، والتأكيد على أنها ملك لجميع أبناء الشعب من الجيل الحالي أو الأجيال
القادمة.
-
العمل على التطبيق الصارم للقوانين التي تجرم
الاعتداء على موارد الدولة والقضاء على الفساد الإداري الذي يساعد على الاعتداء
على موارد الدولة مقابل حفنة الأموال.