يشتد الجدل هذه الأيام حول الرئيس القادم للبلاد ، وينصب الاهتمام الأكبر فيما يدور من مناقشات حول شخص الرئيس وهل يكون من خلفية عسكرية أم مدنية.؟!
ويستقطب المشير عبدالفتاح السيسى جانباً كبيراً من الاهتمام لأسباب لا تخفى عنا جميعاً، بحكم دوره فى إنقاذ البلاد من احتمالات حرب أهلية بعد الثورة الشعبية فى 30 يونيو التى كانت تطالب بإنتخابات رئاسية مبكرة ورفض الدكتور محمد مرسى وجماعة الإخوان المسلمين وحلفاؤهم هذا المطلب الشعبى الذى أجمعت عليه الملايين ،. هناك من يرفض تولى الرئاسة شخصية من خلفية عسكرية حرصا علي أن يقتصر الجيش علي الدور المنوط به فى حماية الأمن القومى وضمان الالتزام بالدستور وما أقامه من مؤسسات ديمقراطية تعبر عن الإرادة الشعبية . ويمتد النقاش حول شخص الرئيس القادم إلى إحتمالات ترشح حمدين صباحى وعبدالمنعم أبوالفتوح وسامى عنان وغيرهم .
ورغم أهمية تناول شخص الرئيس القادم فى هذه المناقشات، إلا أنه لايقل عنه أهمية تناول القضايا التى سيدور حولها عمل الرئيس وأولوياته فى طرح هذه القضايا . ذلك أنه لايخفى عنا جميعاً أن البلاد تمر بأوضاع إستثنائية لم تشهدها فى تاريخها الحديث، فهناك إنقسام لايمكن إخفاؤه فى البلاد بين قوى عديدة، وهناك أعمال عنف ومواجهات دامية وعمليات إرهابية تودى بأرواح المواطنين وتعصف بأمن البلاد وتهدد إستقرار المجتمع، وهناك نتيجة لذلك ترد واضح فى أوضاع الإقتصاد الأمر الذى ينعكس على الأحوال المعيشية للمواطنين. ولا يمكن إغفال أهمبة مواجهة الرئيس القادم لهذه المشكلات.
وفى ضوء ما تشهده البلاد من أحداث وصراعات من المهم أن نتوافق جميعاً على أن المرشح الذى نمنحه ثقتنا يجب أن يعطى أولوية كبرى لإستعادة الأمن والإستقرار وإنهاء أعمال العنف والتصدى بكل قوة للإرهاب وتعبئة كل طاقات البلاد المادية والمعنوية لتحقيق هذا الهدف. ويتطلب تحقيق هذه الأولوية الاهتمام بتهيئة المناخ لاستعادة التوافق الوطنى فى مصر، وربما يساهم فى تحقيق ذلك إجراء حوار وطنى يشارك فيه الجميع حول قواعد العيش المشترك فى وطن واحد بما يجنب هذا الوطن ما يعانيه حالياً من ويلات ويدخل فى هذه القواعد نبذ العنف وإعتماد السلمية فى المنافسة السياسية وأن يكون الحوار سبيلنا للتوافق الوطنى ، وربما يساعد على ذلك مراجعة أوضاع المقبوض عليهم من الشباب وصغار السن ، والبحث جدياً فى تطبيق نظام للعدالة الإنتقالية يكفل إجراء محاكمات عاجلة وعادلة لما أرتكب من جرائم، والبحث فى سبل طى هذه الصفحة الدامية من تاريخ البلاد وبأقل قدر ممكن من الخسائر . أما الأولوية الثانية في عمل الرئيس القادم فهى تعافى الإقتصاد المصرى وتوفير كل المقومات اللازمة لزيادة الإستثمارات وتوفير مصادر إضافية لتمويل مشروعات كبرى تحقق فرص عمل واسعة لملايين الشباب المتعطل وتزيد من قدرة الدخل القومى على تلبية متطلبات الشعب .الأولوية الثالثة هى تحقيق العدالة الإجتماعية بإعتبارها الهدف من تحقيق الأمن والإستقرار وتعافى الإقتصاد ، لأنه لايمكن تجاهل العدالة الاجتماعية فى بلد يعانى نصف سكانه من الفقر ويعيش خمسة عشر مليون مواطن في مناطق عشوائية محرومين من المرافق وضرورات الحياة ويعانى ملايين الشباب من البطالة، وتوجد فوارق طبقية هائلة بين أقلية مترفة تحصل على الجزء الأكبر من الدخل القومى وأغلبية كادحة تعانى الحرمان والمرض .
أما الأولوية الرابعة للرئيس القادم فهى الإلتزام بتطبيق أحكام الدستور باعتباره السياج والضمانة لتمتع المواطنين بحقوقهم وحرياتهم الأساسية وتحقيق التوازن والتكامل بين سلطات الدولة ، وإستقلال كل سلطة عن الأخرى وعدم تغول سلطات الدولة على المجتمع ، وضمان قيام مجتمع مدنى قوى قادر على المساهمة فى تحقيق التحول الديمقراطى . ويدخل فى إطار الإلتزام بتطبيق أحكام الدستور تنفيذ أجندة تشريعية متكاملة يتم من خلالها تعديل القوانين القائمة بما يتفق مع أحكام الدستور الجديد ، وهى عملية هامة وشاقة فى نفس الوقت قد تشمل أكثر من مائتى تشريع وقانون تعيد تنظيم العلاقات فى المجتمع لصالح أمن وسلامة ومصالح قطاعات واسعة من المواطنين ، وتوفير الإستقلالية للأحزاب السياسية والنقابات العمالية والمهنية والجمعيات الأهلية والتعاونيات بكل أنواعها . وإقامة نظام حكم محلى يتيح للمواطنين إدارة شئونهم المحلية بأنفسهم سواء من خلال إدارة الوحدات الخدمية أو مراقبة أداء المرافق العامة أو تنفيذ المشروعات التنموية المحلية .
ولايقل عن هذا كله أهمية أولوية التعليم الذى ينبغى أن يعاد صياغته بما يمكن من تنشئة وتعليم وتثقيف الأجيال الجديدة وتزويدها بقيم العصر ومهاراته التى تمكنها من المنافسة عالمياً . فنحن نعيش فى عالم يتطور بسرعة هائلة ولايمكن مجاراة هذا التطور والمشاركة فيه بدون إنسان مصرى عصرى مسلح بأرقى ما وصلت إليه البشرية من معارف علمية وإنسانية وقيم عصرية .
هذه هى أولوياتنا للرئيس القادم وسوف يتوقف إختيارنا لهذا المرشح أو ذاك على ما يطرحه من برنامج إنتخابى يترجم هذه الأولويات فى سياسات عامة وإجراءات قابلة للتطبيق .
نقلا عن الأهرام