المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

بين المشاركة والموافقة الحتمية: سيناريوهات وتداعيات الاستفتاء على الدستور

الأحد 05/يناير/2014 - 12:17 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
د. ضياء الدين زاهر
دون مبالغة فإن التصويت على استفتاء 2014 يمثل مفترق طرق بالنسبة لمسيرة التحول الديمقراطى الذى يسعى إليه المصريون، لتحقيق طموحاتهم وضمان حقوقهم وفق المعايير والأصول الدستورية السليمة.
ويحتدم النقاش والجدل الآن بشأن هذا الدستور المعدل بعد انتهاء لجنة الخمسين ورفعه لرئيس الجمهورية وقد تم تحديد يومى 13-14 يناير 2014 موعداً للتصويت عليه تمهيداً لبدء مسيرة التحول الديمقراطى الحقيقى فى البلاد.
والواقع أن الحوار حول الدستور يكتسب أهمية خاصة باعتبار أن إقراره معناه، فى التحليل النهائى، توقع حدوث تغيرات وتحولات عميقة ملموسة ليس فقط فى السياسات المتبعة على الأصعدة العالمية والإقليمية ولكن الأهم هو التحولات الكبرى فى السياسات الداخلية الوطنية والتمهيد الفعلى لإجراءات التطور الديمقراطى الحقيقى.
والشاهد؛ أن هناك مواقف سلبية كاسحة لتيارات كان من الممكن أن تكون جزءًا من الحل فأصبحت تمثل جزءًا من المشكلة، فتلك التيارات قد أعلنت بوضوح عن عدائها الشرس للدستور المعدل (دستور 2013) ومارست ومازالت نوعاً من الاضطراب والعنف سعياً نحو عرقلة مسيرة الديمقراطية. لذا، تحاول حشد كل قواها ومناصريها بشكل "كربلائى" على حد تعبير "نادر بكار" نائب رئيس حزب النور، لإفساد عملية الاستفتاء على هذا الدستور، بل تلجأ لأعمال العنف ومظاهر العصيان والاحتجاجات والاشتباكات وتنظيم الصفوف لمقاطعة الاستفتاء، بل وتدعى هذه التيارات التى تجمعت تحت ما يسمى "بالتحالف الوطنى لدعم الشرعية" أن هذا الدستور المعدل هو محاولة للانقضاض على الشريعة الإسلامية بل أنه - من وجهة نظر هذا التحالف – يفقد مصر هويتها العربية الإسلامية، ويقلص دورها الحضارى، ويعيد "فرعنة" رئيس الجمهورية والنظام الدكتاتورى القائم على عسكرة الحياة المدنية وإعلاء قوى الجيش والشرطة فى مواجهة الشعب المسالم المعزول، فإن هذا التحالف يدعو إلى مقاطعة الاستفتاء على دستور 2013.
وهنا نتوقف ونتساءل هل هذه المقاطعة ستنجح؟ وإذا نجحت فما التداعيات المتوقعة على مسيرة الحركة الديمقراطية فى البلاد. وهذا يتوقف فى تقديرنا على عدة نقاط لعل فى مقدمتها:
- مدى الإقبال على المشاركة فى الاستفتاء وحجم هذه المشاركة وكيفية التعامل مع هذا الحجم.
- وأيضاً لنا أن نحدد توقعاتنا القائمة على دراسة الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وعلى الدروس المستفادة من نتائج الاستفتاء على دستور 2012 الملغى والانتخابات الرئاسية السابقة.
وفى ضوء كوننا مراقبين ومستمعين ومشاهدين لتفاصيل هذا المشهد، الذى تشتعل فيه نيران الثأر والصراع بين كل من التيارات المدنية والدينية، كما تتمثل فى الصراع بين دستور كرسى الدولة الدينية (دولة الأهل والعشيرة) ودستور يدعو للدولة المدنية التى تنطلق من قواعد دينية. 
والحقيقة أن ملف العزف على أوتار الشريعة يشكل ركيزة التيار الدينى فى نقده لدستور 2013 حيث يدّعى أن هذا الدستور قد قفز فوق أعظم دستور فى التاريخ (يقصدون دستور 2012) الذى كان سيحمى القيم والتقاليد الإسلامية .. وأن الدستور المعدل قد اعتدى على مواد الشريعة وأنه يلغى الهوية الإسلامية ،وأنه يبيح الشذوذ ويجعل الدولة تشجع الإباحية.
العوامل المحددة لنسب المشاركة فى الاستفتاء:
لعل الإقبال على المشاركة فى الاستفتاء عنصر حاسم فى تحديد نتائج التصويت عليه .. فالوقائع التى جاءت بها عمليات الاستفتاء على دستور 2012 وتلك التى تمخضت عن التصويت فى الانتخابات الرئاسية، يمكن أن ترشدنا لحد بعيد عن اتجاهات التصويت وبالتالى نتائجه، ونعتقد أن هناك خمسة عوامل يمكنها أن تتدخل فى تحديد حجم ونسبة المشاركة فى الاستفتاء المعدل عام 2013 وهذه العوامل هى:
1- الملف الأمنى:
إن دور الشرطة والقوات المسلحة فى تأمين لجان الاستفتاء، وإحساس الجماهير بالأمان وهى تتوجه إلى الاستفتاء من العوامل المهمة فى كثافة التوجه إلى الاستفتاء، حيث أن دور الأمن فى اليوم الأول سيشجع الجماهير المترددة على الذهاب للجان خاصة النساء وطالبات المؤسسات التعليمية (الجامعات والمعاهد العليا). ولذا يعتبر مواجهة العناصر الإرهابية والداعية إلى العنف بالحزم التام من أهم عوام نجاح الاستفتاء.
وسيحرض ذلك حزب الكنبة على الخروج وإثبات وجودهم. وكذلك يجب التأكيد على حماية الإخوة المسيحيين فى توجههم للاستفتاء.
2- الأحزاب والقوى الليبرالية:
تجمع القوى الليبرالية والحزبية على موقف واحد ونسيان الخلافات الأيديولوجية وإعطاء صورة للوحدة الوطنية، خاصة مجموعات الشباب من النشطاء السياسيين، وعدم اغتنام هذه الفرصة للدعاية الحزبية مهم جداً، لأن الدستور قضية وطن حاضره ومستقبله، وهو الخطوة الأولى التى تحقق مصداقية الخروج فى 25 يناير و30 يونية.
3- الإعلام ودوره التنويرى:
الأول: كشف مكاسب الدستور للقطاعات المختلفة من المجتمع خاصة ما يحققه للمرأة من مكاسب سعت إليها سنوات، وما يحققه للتعليم من ضمان حد معين من الدخل القومى للتعليم، وزيادة سن الإلزام إلى آخر مكتسبات الدستور للقطاعات العاملة من العمال والفلاحين.
الثانى: كشف زيف وكذب الإشاعات التى تطلقها أجهزة الإخوان المضللة، مع ملاحظة أنهم سخروا بالأجر المغرى كثيراً من الهواة لتشويه الدستور، وتشويه المشاركين فيه، ولا سبيل لهم إلا نشر الأكاذيب.
ومن المهم أن يعتمد الإعلام على التركيز على استضافة الشخصيات ذات المصداقية الوطنية المعروفة بالقبول لدى جماهير المصريين، وتعتبر الرسائل المؤكدة على أن الدستور يؤكد دور الدين فى المجتمع ولا يهمشه.
كذلك التركيز على الشخصيات الدينية ذات المصداقية من الأحزاب الدينية كحزب النور، والصوفيين، وجماعات التبليغ، وغيرها من الجماعات غير المتطرفة، ورجال الدين المسيحى من أصحاب الفكر والكتاب وغيرهم.
4- إن التكتل الجديد "جبهة مصر بلدى" الذى تكون أخيراً برياسة مفتى مصر السابق الدكتور "على جمعة"، والذى انضمت له بعض الأحزاب، وعدد كبير من المفكرين وأصحاب الرأى المقبولين من المجتمع لوضع استراتيجية جيدة للتحرك ليس فى القاهرة فقط ولكن فى المحافظات وخاصة محافظات الصعيد، والمحافظات التى فيها اتجاهات إخوانية سيستطيع إعادة تصحيح توجهات المترددين من الجمهور، حيث أن تغيير فكر الإخوان لن يكون سهلاً لأنهم يفكرون فى نطاق الأمر والطاعة.
ولو استطاعت هذه الجبهة ضم مزيد من الأحزاب سيكون تأثيرها كبيراً على الرأى العام، خاصة وأن المطلوب ليس إقناع الناس بالدستور ولكن كثافة التوجه للاستفتاء.
5- إن دور مؤسسة الرئاسة بما تتمتع به من توافق عام، وما يتمتع به السيد رئيس الجمهورية من احترام وتقدير، سيكون فاعلاً فى عقد اجتماعات موسعة مع التوجهات الشبابية المختلفة، وفى توضيح أهمية إقرار الدستور بالنسبة لاستقرار مصر كلها كوطن يواجه تحديات ضخمة، وتحيط به مخاطر كبيرة، وأن هذه الفرصة إذا ضاعت فلن يكون لنا أمل فى المستقبل الذى نرجوه.
وفى هذه الحدود تصبح خياراتنا مرتبطة بالتعامل مع العوامل الخمس السابقة.
سيناريوهات متوقعة
نعود ونؤكد أنه فى ضوء قراءتنا لنتائج كلاً من انتخابات الرئاسة المصرية عام 2012 التى أقيمت جولتها الأولى يومى 23، 24 مايو عام 2012 والتى أقيمت جولتها الثانية يومى 16، 17 يونيو، وكذلك فى ضوء نتائج الاستفتاء الذى جرى على الدستور الجديد فى 15 ديسمبر 2012، نستطيع أن تضع ملامح أربعة سيناريوهات متوقعة لنتائج الاستفتاء على الدستور المعدل على النحو التالى:
السيناريو الأول:
ويفترض هذا السيناريو أن الاستفتاء على هذا الدستور له من حيث الأهمية ما لانتخابات رئاسة الجمهورية من أهمية وكانت انتخابات رئاسة الجمهورية قد استقبلت 23.265.516 مليون شخص. لذا، فإنه متوقع أن يستقبل الاستفتاء الحالى على حوالى 23.250.000 مليون شخص (وهو قريب من العد الذى توجه للانتخابات الرئاسية 2012) وهذا العدد يفوق من توجهوا للاستفتاء على الدستور 2012، وذلك لما يحظى به استفتاء الدستور - كما أوضحنا – من أهمية الحشد الكبير، لذلك (حيث كان عدد من توجهوا للاستفتاء قد بلغ 16.754.922 كأصوات صحيحة.
وفى نفس الوقت فإن من سيقولون "لا" أو سيبطلون أصواتهم يقارب 10.500.000 مليون نسمة وهم يمثلون التيار المناصر للإخوان ولمرسى ولباقى التيارات الدينية، بافتراض أن تأييد حزب النور وهم الذين صوتوا على استفتاء 2012 "بنعم" والتيارات الإسلامية غير الإخوان لدستور 2013، تأييدا سياسىا من باب (لعب السياسة).
وتصبح النتيجة فى ضوء هذا السيناريو: أن من يقول "نعم" 12.750.000 مليون نسمة بنسبة 54.8% مقابل 45.2% "لا".
السيناريو الثانى:
ويقوم هذا السيناريو على نفس فرضيات السيناريو الأول باستثناء تعديل أساسى فى موقف حزب النور، وغيره من التيارات والاتجاهات الدينية. حيث يفترض السيناريو أن يتجه حزب النور ومن معه إلى التحالف القوى مع القوى المدنية ويصوتون على الدستور "بنعم". ولما كانت نسبة هذه الفئة والتى صوتت بنعم لدستور 2012 لا تقل عن 20% ممن قالوا "نعم" فباستبعاد تيار الإخوان، فيكون عددهم، 2.100.000 فإذا انضم هذا العدد إلى من سيقولون نعم، يكون إجمالى العدد 14.850.000 بنسبة 63.8% "نعم" مقابل 36.2% "لا".
وقد يبدو من المهم توضيح أنه ضمن هذا السيناريو ستكون أعداد الشباب المتظاهرين فى الجامعات عدة مئات، وهى نسبة ضئيلة جداً بالنسبة إلى أعداد طلبة الجامعات، وهى لا تتجاوز فى أقصى الاحتمالات، 2% من إجمالى أعداد طلاب الجامعات، وهذه نسبة غير مؤثرة بالمرة فى النتيجة العامة للاستفتاء.
السيناريو الثالث: السيناريو المتشائم
يفترض أن يتكرر ما حدث فى انتخابات الرئاسة، فتجميع كل التيارات الإسلامية مع الإخوان ويصوتوا جميعاً بقوة لرفض الدستور، وعددم فى هذه الحالة لن يتجاوز بأى حال من الأحوال من صوتوا لمحمد مرسى فى انتخابات الرئاسة عام 2012 فى "الدورة الأولى"، وكان عددهم 5.764.952 شخص فتكون نسبة التصويت "بنعم" على استفتاء دستور 2013 هى 82.2%.
ولم نتطرق للموقف بخصوص من صوتوا للاستفتاء 2012 لأن هؤلاء ليسوا جميعاً فى سلة واحد ذات طابع إخوانى. فالدورة الأولى هى التى جمعت ما يمكن أن يسموا إخواناً وعددهم 5.000.000.
السيناريو الرابع:
ويفترض أن عدد من سيتوجهون إلى استفتاء 2013 هم الذين توجهوا لدستور 2012، وكان عددهم 16.754.922 وباعتبار الإخوان هم من قالوا نعم "لمحمد مرسى" فى الدورة الأولى للانتخابات وكان عددهم 5.764.952، وأنهم جميعاً سيتوجهون إلى الاستفتاء (كاملين غير منقوصين) ويقولون "لا" .. فتكون نسبة من يقول نعم تصل إلى 65.6%.
ولعله من المهم أن نشير إلى أن توقعاتنا هذه ترتبط بالعوامل التى تحدد نسب المشاركة فى الاستفتاء ومدى التحالف بين القوى المجتمعية المختلفة بأطيافها المتنوعة. ولعل ترجيح أى سيناريو من هذه السيناريوهات المحتملة يتوقف على طبيعة وأنماط التفاعل بين القوى السياسية والحزبية في الأيام القليلة المقبلة. 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟