"وضع المؤسسة العسكرية فى مشروع الدستور الجديد مقارنة بدستور 2012 المعطل"
ثار
جدل كبير حول وضع المؤسسة العسكرية فى مصر فى ظل كتابة الدستور الجديد بعد ثورة 30
يونيو 2013، حيث يعتقد المحللون أن مشروع الدستور الجديد هو تعبير عن توازنات
القوى السياسية، ودليل على مركزية دور الجيش الذي أنهى حكم الرئيس السابق مرسي في يوليو
2013، ومن قبله دفع الرئيس الأسبق حسني مبارك إلى التنحي في فبراير 2011، إستناداً
إلى الإرادة الشعبية فى كلتا الثورتين.
فالدور المحوري الذي لعبه الجيش في ثورتي يناير2011 ويونيو 2013، قد أثار
مخاوف تيارات وأطياف سياسية عديدة نتيجة القلق من عودة هيمنة النخب ذات الخلفيات
العسكرية على السلطة والحكم في البلاد. ومن هنا
تسعى تلك الورقة إلى بيان وتوضيح وضع المؤسسة العسكرية فى مشروع الدستور المصرى
2013 مقارنة بوضعها فى دستور 2012، من خلال عدد من النقاط على النحو التالى:
قرار إعلان
الحرب:
أقر مشروع الدستور المصرى الذى وضعته لجنة
الخمسين 2013، على أن رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، ويعلن
الحرب بضوابط معينة. وهو ما يتضح من نص المادة (152) والتى وضعت مجموعة من الضوابط
فى حالة إعلان الحرب أو إرسال القوات المسلحة فى مهام قتالية خارج البلاد، وهى أخذ
رأى مجلس الدفاع الوطنى وموافقة مجلس النواب بأغلبية ثلثى الأعضاء، وأبانت المادة
أنه يجب أخذ رأى المجلس الأعلى للقوات المسلحة وموافقة كلاً من مجلس الوزراء ومجلس
الدفاع الوطنى إذا كان مجلس النواب غير قائم. أما فى ظل دستور 2012 المعطل، فقد
إشترطت المادة (146) فى حالة إعلان الحرب أو إرسال القوات المسلحة خارج البلاد،
أخذ رأى مجلس الدفاع الوطنى وموافقة مجلس النواب بأغلبية عدد الأعضاء.
وبالتالى يتضح لنا أنه فى ظل مشروع الدستور
الجديد، تم تنظيم حالة إعلان الحرب أو إرسال القوات المسلحة فى مهام قتالية خارج
البلاد فى حالة وجود مجلس النواب أو كونه غير قائم، بينما لم يحدد الدستور المعطل
الحل فى حالة غياب مجلس النواب، وهو ما يعد منحى جيداً فى ظل مسودة الدستور
الجديد. ولكن ينظر البعض على أن ذلك الأمر، يعزز من وضع المؤسسة العسكرية ويزيد من
قوتها فى مواجهة مؤسسة الرئاسة فى ظل الإتجاه إى أخذ رأى المجلس الأعلى للقوات المسلحة عندما
يكون مجلس النواب غير قائم.
منصب وزير
الدفاع:
أبقت مسودة الدستور الجديد على المادة (195)
المستحدثة فى الدستور المعطل وذلك بنصها فى المادة (201) " على أن وزير
الدفاع هو القائد العام للقوات المسلحة، ويعين من بين ضباطها". كما
احتفظت هذه الوثيقة بصلاحيات رئيس الجمهورية في تعيين وعزل الموظفين المدنيين والعسكريين،
إضافة إلى الممثلين السياسيين للدولة (مادة 153)، وهي ما تشابهت مع مادة (147) في
الدستور المعطل.
ومن هنا فإن المسودة الدستورية الجديدة لم تشترط، أو أي مادة أخرى، على
رئيس الجمهورية موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة على تعيين الموظفين
العسكريين. وقد أغلقت تلك المادة الجدل القائم حول إمكانية تعيين شخص مدني كوزير
للدفاع تماشياً مع الإتجاهات الحديثة فى الأدبيات السياسية
والتى جرى عليها العمل فى بعض دول العالم. ومن ناحية أخرى فقد أثار وضع
مادة انتقالية تسمح للمجلس الأعلى للقوات المسلحة باختيار وزير الدفاع فى خلال
دورتين رئاسيتين كاملتين من تاريج العمل بالدستور الجديد (المادة 234)، الجدل فى
الأوساط السياسية والقانونية من حيث أن هذه المادة فيها تحصين لمنصب وزير الدفاع
لمدة ثمانى سنوات قادمة. وفى هذا السياق، أشار الدكتور محمد سلماوي المتحدث الرسمي
باسم لجنة الخمسين المكلفة بتعديل الدستور، إن هذه المادة تعطي رئيس الجمهورية
الحق في تعيين وزير الدفاع بعد موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة. وأن هذا لا يعني تحصين منصب وزير الدفاع،
قائلاً: «التحصين يعني النص على عدم عزل وزير الدفاع، وهو ما لم يرد في الدستور».
ويمكن إرجاع السبب الرئيسي وراء سعي الجيش لاستحداث تلك المادة إلى حكم
الإخوان المسلمين، ومحاولات الرئيس السابق محمد مرسي للسيطرة على الجيش. ولذلك سعت
المؤسسة العسكرية إلى ذلك الأمر من قبيل ضمان عدم دخولها فى جدل مع الرئيس القادم
مهما كان إتجاهه. ولكن هذه المادة على وضعها الحالى سوف تزيد من نفوذ المؤسسة
العسكرية فى الفترة القادمة ويجعلها سلطة إلى جانب السلطة مما سيؤثر على النظام
الديموقراطي للدولة.
مجلس الدفاع الوطنى وموازنة القوات
المسلحة:
كان النص على هذا المجلس مقتضباً فى الدساتير السابقة إلى أن جاء دستور
2012 لينص فى المادة (197) بشكل مفصل على تشكيل ذلك المجلس برئاسة رئيس الجمهورية،
وعضويته 14، منهم ثمانية من العسكريين، وهم وزير الدفاع، رئيس المخابرات العامة،
ورئيس أركان حرب القوات المسلحة، وقادة القوات البحرية، والجوية، والدفاع الجوى،
ورئيس هيئة عمليات القوات المسلحة، ومدير إدارة المخابرات الحربية والاستطلاع، وستة
أفراد من المدنيين، وهم رئيس الوزراء، ورئيسي مجلس النواب والشورى ووزراء
الخارجية، والداخلية، والمالية. وتضمن النص
أيضا اختصاصات المجلس ممثلة في مناقشة موازنة القوات المسلحة، وأخذ رأيه في
مشروعات القوانين المتعلقة بالقوات المسلحة، وهو ما تم الإبقاء عليه في تعديلات
2013 فى المادة (203)، مع تغيير جوهري، يقضي بإدراج موازنة القوات المسلحة
"رقما واحدا في الموازنة العامة للدولة"، بدون أي تفاصيل عنها، الأمر
الذي يحول دون مناقشتها في مجلس النواب تفصيليا، في إطار مناقشة وإقرار الموازنة
العامة للدولة، كأحد المهام الرئيسية للبرلمان. ومن بين
التعديلات أيضا، التي أدخلتها لجنة الخمسين على اختصاصات مجلس الدفاع الوطني، هو
ضم رئيس هيئة الشؤون المالية للقوات المسلحة، ورئيسا لجنتى الخطة والموازنة، والدفاع
والأمن القومي بمجلس النواب، لمجلس الدفاع، عند مناقشة موازنة القوات المسلحة. وبإلغاء الجناح الثاني للبرلمان (مجلس الشورى) في
تعديلات 2013، فقد سقطت بذلك عضوية رئيس مجلس الشورى، وأصبح عدد أعضاء المجلس 13
عضوا فقط بدلاً من 14.
فالبنسبة لميزانية القوات المسلحة ومراقبة
أنشطتها المالية، يرى فريقاً من المصريين أن ميزانيتها يجب أن تراقب باعتبارها
مؤسسة من مؤسسات الدولة، كما أنها ليست حكراً على القوات المسلحة. ولكن ميزانية
القوات المسلحة تتكون من بنود خطيرة تتعلق بتسليح القوات وتجهيزها وإعدادها وهو ما
ينبغى أن يبقى سراً، لذلك دفع البعض باتجاه أن تدرج ميزانية القوات المسلحة كرقم
واحد فى الموازنة العامة للدولة، أما تفاصيل هذا الرقم فيتم مناقشتها بدقة فى مجلس
الدفاع الوطنى، وهو ما تحقق فى مشروع الدستور الجديد.
مجلس
الأمن القومي:
استحدث
دستور 2012 المعطل مجلس الأمن القومي بالمادة (193) وأبقت عليه تعديلات 2013 في
المادة (205)، حيث يختص بـإقرار استراتيجيات تحقيق أمن البلاد، ومواجهة حالات
الكوارث والأزمات بشتى أنواعها، واتخاذ ما يلزم لاحتوائها، وتحديد مصادر الأخطار
على الأمن القومي المصري في الداخل والخارج، والإجراءات اللازمة للتصدي لها على
المستويين الرسمي والشعبي. ويترأس
المجلس رئيس الجمهورية، ويتشكل من 12 عضواً، حافظت تعديلات 2013 على عشرة منهم،
وهم (رئيس مجلس الوزراء، ورئيس مجلس النواب، ووزراء الدفاع، والداخلية، والخارجية،
والمالية، والعدل، والصحة، ورئيس المخابرات العامة، ورئيس لجنة الدفاع والأمن
القومى بمجلس النواب)، بينما تم استبدال عضوي مجلس الشورى بعد إلغاءه بوزيري
الاتصالات، والتعليم.
والملاحظة التى تبدو فى هذا الصدد على تشكيل
المجلس هو غلبة المدنيين عليه، بعكس مجلس الدفاع الوطنى الذى يغلب عليه العسكريين،
وهذا من شأنه أن يوازن الأمور بعض الشئ بين السلطة الحاكمة والمؤسسة العسكرية.
القضاء العسكرى
وجدل المحاكمات العسكرية للمدنيين:
نص في الدستور المعطل فى المادة (198) على أن " القضاء العسكري جهة
قضائية مستقلة، يختص دون غيره بالفصل في كافة الجرائم المتعلقة بالقوات المسلحة
وضباطها وأفرادها، ولايجوز محاكمة مدني أمام القضاء العسكري إلا في الجرائم التي
تضر بالقوات المسلحة، ويحدد القانون تلك الجرائم، ويبين اختصاصات القضاء العسكري
الأخرى".
وبالرغم
من أن تعديلات 2013 أبقت على نص عدم جواز محاكمة المدنيين عسكريا، إلا أنها كذلك
أتبعتها باستثناء يتضمن، حالات تفصيلية للجرائم التي يمكن أن تقتضي محاكمة
المدنيين عسكريا، وهي بحسب المادة (204)، الجرائم التي تمثل اعتداء مباشرا على
المنشآت العسكرية أو معسكرات القوات المسلحة، أو ما في حكمها، أو المناطق
العسكرية، أو الحدودية المقررة كذلك، أو معداتها، أو مركباتها، أو أسلحتها، أو
ذخائرها، أو وثائقها، أو أسرارها العسكرية، أو أموالها العامة، أو المصانع الحربية،
أو الجرائم المتعلقة بالتجنيد، أو الجرائم التي تمثل اعتداء مباشرا على ضباطها، أو
أفرادها، أثناء تأدية أعمال وظائفهم، ويحدد القانون تلك الجرائم، ويبين اختصاصات
القضاء العسكري.
ومن الجدير بالملاحظة هنا أن إجراء تحويل المدنيين للقضاء العسكري كان مطعون
بعدم دستوريته فى ظل حكم الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك قبل الثورة المصرية، وفي
دستور 2012 المعطل نص المشرع المصري على المحاكمات العسكرية دون أية تفاصيل. وفي
المادة 204 من مسودة الدستور الجديد، نجد أنها قد حددت سلطات القضاء العسكري في
أنواع معينة من القضايا. وبالتالى أصبح للقضاء العسكري مطلق السلطة في تحديد ما
يخضع له من قضايا في أي مساحة يتم اعتبارها مساحة عسكرية.
ولابد الإشارة هنا أن هذا الأمر ما كان له أن يحدث على تلك الحالة، حتى لا
يطرق الباب مفتوحاً أمام المزايدات التى تحدث ليلاً ونهاراً، كما أننا فى فترة
حرجة من عمر الوطن، كان يجب فيها إحداث مزيد من التوافق والإنسجام بين كافة
الأطراف المشاركة فى وضع مسودة الدستور الجديد، فكان يجب مثلاً الإكتفاء على نص
المادة كما كان وارداً فى ظل الدستور المعطل.
زخم
متصاعد:
بعد هذا العرض السريع لوضع المؤسسة العسكرية فى ظل مشروع الدستور الجديد
مقارنة بالدستور المعطل 2012، نجد أننا قد إقتربنا من الحسم، حيث من المنتظر تحديد
موعد للاستفتاء على التعديلات الجديدة، خلال أيام، مع ما يعانية الشارع المصري من
انقسام حاد، بين رافضي عزل الرئيس السابق مرسي الذين يعتبرون ما جرى "انقلاباً
عسكرياً"، ولا يعترفون بالاستفتاء المزمع إجراؤه، ومؤيدي عزله الذين يعتبرون
ما جرى "تصحيحا لمسار ثورة 25 يناير 2011"، وإن كان فريق
منهم أبدى ملاحظات على بعض ما تضمنته مسودة التعديلات الأخيرة، خاصة فيما يتعلق
بمحاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري، وآليات تعيين وعزل وزير الدفاع.
ومن هنا يثور عدد من التساؤلات حول ما إذا كان المشروع الدستورى الجديد يعبر عن توازنات القوى السياسية على الساحة المصرية؟ وكيف أن المكاسب التى حققتها المؤسسة العسكرية سوف تؤثر على ديمقراطية ومدنية الحكم فى الدولة؟ وهل نصًبت المؤسسة العسكرية نفسها كسلطة مستقلة إلى جانب السلطات الأخرى؟. كل هذه الأسئلة سوف تبين عنها الممارسة فى المستقبل إذا تم إقرار الدستور الجديد، أو تتلاشى فى ظل عدم إقراره مما يعود بنا إلى نقطة البداية، ووقتها يجب أن يحدث مزيداً من التوافق بين أطراف العملية السياسية لكى ننهى المرحلة الإنتقالية ونستطيع أن نضع دستوراً لائقاً بالشعب المصرى العظيم.