الحقوق الاجتماعية والاقتصادية مقارنة بين دستوري 2012 و2013
الإثنين 30/ديسمبر/2013 - 02:13 م
محمود عبدالله
يفترض في الدساتير أن تكون تعبيرا عن الرغبة في صناعة توافق وطني، في مناخ اجتماعي تمزقت فيه عرى النسيج المجتمعي، وازدادت فيه حدة التمايزات والاختلافات، على حساب وحدة الوطن. ومن ثم فهي تحرص على بناء نسق قيم جديد يستوعب ما طرأ من تغيرات، فتكون تعبيرا عن الطموحات والأحلام المجهضة. فهي لا تمثل واقعا قائما بالفعل، بل تطرح واقعا جديدا، يظل مأمولا حتى يتحقق.
إن الدساتير المصرية كانت، ولا تزال، لا تمثل طموحا لواقع جديد فحسب، بل تعبير عن صراع مطروح على أرض الواقع، صراع لمصالح متباينة، ينبغي الكشف عنها، لفهم فلسفة الدستور وأهدافه غير المنظورة.
والملاحظ من المعاينة الأولية لنصي دستور 2012 ودستور 2013، أن الأول لبى طموحات قطاع عريض من اليمين الديني الذي هيمن على تشكيل اللجنة، وهو ما يستدل عليه على عدة وجوه، فمن جهة الشكل الذي كتبت به وثيقة الدستور، نجدنا أمام لغة خطاب ديني أو أخلاقي، وهو الأمر الجلي في الديباجة، ومن جهة المواد المقترحة تتأسس دولة الرعية/الفقيه، لا دولة المواطنة، رغم التكرار الواضح لمفردات من معجم السياسة المعاصرة من قبيل الديموقراطية والمواطنة والحرية، وكذلك على مستوى تشكيل اللجنة، سواء في المرحلة الأولى، أو الثانية، فمن بين مائة عضو في الجمعية التي أعلن عنها في مارس 2012، انتمى ستة وستون عضوا لتيار الإسلام السياسي.
بينما نجد دستور 2013 دستورا يجمع تيارات متنوعة، تراوحت بين اليمين الديني والمدني حتى اليسار القومي. ولذلك جاءت النتيجة النهائية هي إجراء تعديلات ضرورية لتعديل المسار نحو دولة المواطنة، وإدخال مواد إضافية لتلبية احتياجات فئات اجتماعية همشها دستور 2012 عن عمد، أو تمت الإضافة كنوع من الترضية.
الجيل الثاني للحقوق
وبحسب ما يرد لدى الدستوريين فإن هناك ثلاثة أجيال للحقوق: الجيل الأول الذي يشمل على الحقوق السياسية المدنية كحرية التعبير والعقيدة كما يرد في الدستور الأمريكي، وتسمى بالحقوق السلبية، والجيل الثاني الذي يضم مواد حقوق اقتصادية واجتماعية تغطي الإسكان والرعاية الصحية والتعليم، وتسمى بالحقوق الإيجابية، لتدخل الحكومة فيها بتوفير الدعائم الممهدة لها، والجيل الثالث هو الجيل الذي يضم حقوق حماية البيئة وحقوق الانتماء الثقافي والتضامن( ).
وقد أخذت الدساتير الصادرة بعد الحرب العالمية الأولى في تضمين الحقوق الاجتماعية والاقتصادية في أوروبا الغربية أو الشرقية أو غيرها من بقاع العالم، مثل الدستور الألماني الصادر في عام 2012، والدستور الأسباني الصادر في عام 1919، والدستور السوفيتي الصادر في عام 1936، والدستور الإيطالي الصادر في عام 1947، والدستور البولندي الصادر في عام 1952، والدستور الصيني في عام 1954، التي أمنت جميعها حقوقا مثل العمل، والملكية، والتعليم، والرعاية الصحية( ).
ولقد خصص دستور 2012 المواد (58- 73) للحقوق الاجتماعية والاقتصادية، وعني بها حقوق التعليم، والرعاية الصحية، والعمل، والتأمين الاجتماعي، والسكن، وحقوق الفلاحين، والشباب، والأطفال، وذوي الإعاقة. بينما لم يخصص دستور 2013 فصلا كاملا في هذه الحقوق، بل أدخلها في المقومات الاقتصادية والاجتماعية وفي باب الحقوق والحريات، وأضاف إليها، أو أعاد صياغتها. ويمكننا أن نجد الفروق والاختلافات بين الدستورين في هذا الباب في عدة حقوق: حقوق المرأة، وفي التعليم، وفي حقوق الفلاحين والعمال، وفي الرعاية الصحية.
أولا: حقوق المرأة: من المرأة الأم إلى المرأة المواطن
دأب الخطاب الفكري للإسلام السياسي على تمثيل المرأة في صورة الأم الرؤوم التي تحفظ روابط العائلة، المطيعة لزوجها ولأبيها، وفقا لمقتضيات الشرع، حتى بات الحديث عن جسدها شاغل متكرر، في صورة تجعل منها كائنا تابعا مرعيا، لا استقلال محتمل لها عن الرجل أو الجماعة الاجتماعية التي تنتمي لها. هذا الفهم ينعكس بدوره على طبيعة علاقة الفرد بالدولة، بافتراضها علاقة رعية بالحاكم، لا علاقة مواطنين برئيس.
ولعل دستور 2012 هو الإعمال العملي لهذا الفهم لدور المرأة التقليدي. فلم يفرد للمرأة حقوقا جديدة، أو يؤكد على حقوق مستقرة، تتعرض للإهدار. واستقر الأمر على ذكرها في المبادئ الأساسية بالديباجة، مع إبراز مواد تتعلق برعاية الطفولة، والمرأة المطلقة والأرملة، والموازنة بين عملها وعضويتها داخل الأسرة. وهي جميعا ترتبط بصلاتها العائلية؛ أي كونها زوجة لرجل، أو عضوا داخل الأسرة.
فيما حرص الدستور الجديد على الوقوف في منطقة وسطى، لا تبدد دور المرأة التقليدي كعنصر رئيسي ومكون محوري للأسرة، ولا يحرمها من حقوقها كمواطن له حق الصعود على سلم التدرج الاجتماعي. فقد خصها بمادة كاملة مفصلة، أعطى لها فيها حقوقا، يظن فيها أنها مهدرة؛ حيث أقرّ مساواتها بالرجل في جميع الحقوق، وحدد نوعية هذه الحقوق، فكانت حقوقا مدنية وسياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، وأضاف لحق المساواة حق الانتخاب بأن يلزم الدولة بضمان تمثيلها تمثيلا مناسبًا في المجالس النيابية، تاركا للمشرع القانوني وللقانون تحديد حجم هذا التمثيل المناسب. كما كفل الدستور حقها في تولي الوظائف العامة ووظائف الإدارة العليا في الدولة، والتعيين في الجهات والهيئات القضائية، علاوة على الإقرار بحمايتها من العنف بكافة صوره.
ولعل من ميزات الدستور الجديد طابعه العصري الذي يطبع مواده، فهو بمثابة استجابة جادة لما عايشته المرأة في فترة حكم الإخوان من تجريح مس ما استقر لها من حقوق، بدعوى أنها من إنجاز النظام.
ولقد عانت المرأة من التهميش في تولي المناصب القيادية، وهو ما يظهر بوضوح في ضعف حجم ونسبة وجودها في المجالس المحلية والنيابية، وفي منصب المحافظ، وفي المواقع الوزارية، وفي الجهاز البيروقراطي، وفي القضاء. ربما يعود ذلك جزئيا لأوضاع ثقافية مستقرة، أن المرأة لا تجيد القيادة، وغير مؤهلة لها بحكم تكوينها وتنشئتها. وبهذا الإقرار لمادة كاملة حول المرأة يواجه الدستور الحملة المناوئة لدور المرأة كمواطن، حين تعالت أصوات تنادي بعودة المرأة للمنزل، بحجة أن خروجها للعمل كان وراء تفكك البناء الأسري، وتدني المستوى الأخلاقي والقيمي، أو بحجة حرمة الاختلاط بين الجنسين، دون النظر إلى ما تمثله النساء من قوة عمل كبيرة في العمل الرسمي، وفي القطاع غير الرسمي، حيث تعول النساء أسرا وافرة العدد. فهجرة العمالة المصرية كان لها آثار عديدة على المرأة المصرية والأسرة بشكل خاص. حيث احتلت المرأة المصرية مواقع الرجال في أعمال أصبحت شاغرة، وكانت قاصرة سلفا على الرجال( ).
لعل من الهام هنا التأكيد على الارتباط القوي بين المواد المخصصة للطفل وقضية المرأة. فقد تعمد دستور 2012 عدم تحديد سن الطفل. فيما الدستور الجديد يحدد السن بدقة، حتى يتفادى قضية زواج القاصرات، التي أصبحت واحدة من القضايا الملحة، خاصة وأن هناك بعض القرى التي تمارس هذه العادة، استنادا لتصورات دينية سلفية أو تقاليد قبلية.
ثانيا: حق التعليم: من التقليد إلى الإبداع
يمثل الحق في التعلم الحق الرئيس في بناء الدولة المدنية الحديثة. ولذلك من الضرورة بمكان أن يتاح هذا الحق لكافة أبناء الوطن دون تمييز من أي نوع، لأنه الأداة والوسيلة للتمتع بالحقوق السياسية والمشاركة الفعالة في شئون المجتمع وقضاياه. فأي سياسة ثقافية حديثة تحتاج إلى جعل التعليم حقا إلزاميا تتكفل به الدولة.
ولأن التعليم هو أساس عملية التغيير في جماعة الإخوان المحافظة، فقد احتل موقعا متميزا في دستور 2012، فألزم بضرورته ومجانيته، وبضرورة رعايته، والالتزام بتدريس مواد بعينها (اللغة القومية، والتربية الدينية، والتاريخ الوطني). وهو ما يقرره أيضا دستور 2013. لكنه يختلف في اعتماده عددا من الأهداف. هذا الاعتماد يؤكد تصورا طالما حرصت النخبة المثقفة على ترديده، وهو نقل التعليم من مرحلة التقليد والنقل إلى مرحلة الإبداع والابتكار. فقد حدد أهداف التعليم في: بناء الشخصية والحفاظ على الهوية الوطنية، وتأصيل المنهج العلمي في التفكير، وتنمية المواهب وتشجيع الابتكار، وترسيخ القيم الحضارية والروحية، وارساء قيم المواطنة والتسامح وعدم التمييز. وهو بهذا التحديد الصارم يبلور مفهوما عصريا، كان قد أكده بحتمية القضاء على الأمية الرقمية، أي أنه لم يكتف بترديد أهمية مكافحة الأمية الأبجدية، بل أضاف لها مواجهة الجهل باستخدام تكنولوجيا المعلومات. وفي الآن ذاته يجعل من العقل أداة الفهم والتغيير، العقل المبتكر والمبدع، ومن قيم الاختلاف وعدم التمييز الوجه الآخر لهذا العقل المبدع. فإذا كان العقل هو الآلة والملكة المشتركة بين جموع المواطنين، فإن قيم المواطنة والتسامح تفتح الباب أمام التعدد الخلاق والحر، بما يسهم في النأي بنا عن التلعيم التقليدي القائم على النقل والمحاكاة والتقليد والتوحيد القياسي والمعياري ورفض الاختلاف.
ونظرا لما يشهده التعليم من إهمال، فقد رأت اللجنة، فيما يبدو، أن تحدد نسبة له في الميزانية العامة، وقدرتها بنسبة 4% ، ومع ذلك نجد أن الأحكام الانتقالية سرعان ما قيدت هذه النسبة بمدى زمني، حال دون جعل المادة المقررة ذات أهمية تذكر.
ثالثا: حقوق الفلاحين والعمال
ربما يقع في ظن البعض بأن ثورة يناير هي من صنيع الطبقة الوسطى الحضرية. قد يكون ذلك صحيحا في بدايته، لكنها في موجاتها المتتابعة، ضمت فئات اجتماعية وطبقات أخرى، من الفلاحين والعمال. فلقد عانت تلك الطبقات من ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة طوال النظام السابق، ولم تنل حقوقها.
ولقد اهتم دستور 2012 بتلك الطبقتين؛ الفلاحية والعاملة. فكان أن اهتم بالعمال بالإقرار على حمايتهم من الاستغلال وتمثيلهم في مجالس إدارة وحدات القطاع العام بنسبة خمسين بالمائة. كما أقر تمثيل صغار الفلاحين والحرفيين بنسبة لا تقل عن ثمانين بالمائة في عضوية مجالس إدارة الجمعيات الزراعية والصناعية والحرفية، ومنحهم معاشا مناسبا. وهو ذات ما أقره دستور 2013، لكنه أضاف بعض الإضافات الضرورية.
إذ قام الدستور الجديد بتعريف التزامات الدولة تجاه الفلاح بأن ألزمها بـ"توفير مستلزمات الانتاج الزراعي والحيواني، وشراء المحاصيل الزراعية الأساسية بسعر مناسب يحقق هامش ربح للفلاح، وذلك بالاتفاق مع الاتحادات والنقابات والجمعيات الزراعية". فالاستحقاق الأخير وهو شراء المحاصيل إضافة تساعد الفلاح كثيرا، وتقلل من حجم إحجامه عن زراعة المحاصيل الأساسية. إذ عادة ما ينشأ خلاف بين الفلاحين والدولة في هذا الصدد، وطالما أن تحديد السعر موكول لكيانات يوجد فيها الفلاحون بنسبة كبيرة، فهذا بحد ذاته ضامن للحصول على مقابل عادل.
ومن جهة أخرى أصبح لزاما على الدولة أن توفر لصغار الفلاحين أراضي مستصلحة. فلقد تضرر أصحاب الملكيات الصغيرة من القانون الخاص بالعلاقة بين المالك والمستأجر، فقد أسهم في إفقار عدد كبير منهم، وتحويلهم إلى فلاحين بالأجر، يعانون من عدم القدرة على الحصول على عمل متواصل. وقد هجر قطاع واسع من هذه الفئة الاجتماعية مجال الزراعة، واضطروا للعمل بأعمال أخرى، إما في مجال المقاولات، أو في القطاع غير الرسمي، أو الاستمرار في العمل الزراعي بتغيير التركيبة المحصولية. وربما يمثل إعطائهم أراض مستصلحة حلا جزئيا لمشكلة لها أبعاد ثقافية واجتماعية واقتصادية كبيرة وخطيرة.
رابعا: الرعاية الصحية
يتفق الدستوران في هذا الجانب في عدة قضايا. إذ يقران معا بالتالي:
- حق المواطن في الحصول على خدمة طبية ذات جودة عالية. وهو ما يعني الإقرار بتطبيق نظام الجودة.
- التزام الدولة بإقامة نظام تأمين صحي شامل يعفى منه غير القادرين.
- رقابة الدولة على جميع المنشآت الصحية، وعلى المواد والمنتجات الطبية ووسائل الدعاية المتعلقة بالصحة.
لكن الدستور الجديد يترجم مفهوم العدالة الاجتماعية على مستويين:
- الالتزام بتحسين أحوال العاملين بالقطاع الصحي. فلقد عبر الأطباء كثيرا عن غضبهم عبر ممارستهم لصور احتجاج مختلفة، تبدأ بالوقفات الاحتجاجية، وتنتهي بالإضراب الجزئي؛ للمطالبة بتحسين الأوضاع المادية، والنهوض بمستوى الخدمة المتاح بتوفير الأدوية والأجهزة الطبية اللازمة، ووضع نسبة معقولة من الناتج القومي، وهو ما خصته اللجنة بنسبة ثلاثة بالمائة .
- الإقرار بالتوزيع الجغرافي العادل لمرافق الخدمات الصحية، علاوة على الحفاظ عليها ودعمها والعمل على رفع كفاءتها. فالبين أن المرافق الصحية لا تتوفر في المناطق النائية، وإن توفرت في المناطق الريفية التي هي في حاجة ملحة لها، لا تتوفر الكفاءات المخلصة التي تساعد على إنجاح عملية التوزيع العادل، مما يتبدى أثره في زيادة معدل الإقبال على مرافق الخدمة الصحية في المدن.
ولعل ما حدث بعد الموجة الثانية من الثورة من أحداث، كان منها أن قام بعض الأطباء ببعض الممارسات التي تخالف الأعراف الطبية الراسخة، وتعارض القيم المهنية المستقرة، من قبيل الخلط بين السياسة والعمل المهني، حيث امتنع بعض الأطباء عن تقديم العلاج والمساعدة الطبية لأسباب سياسية، سجلت الصحف بعض وقائعها في مناطق عديدة داخل الوطن، لعل هذا كله قد دعا اللجنة الصانعة للدستور الجديد إلى تجريم الامتناع عن تقديم العلاج بكافة أشكاله لكل إنسان في حالات الطوارئ أو الخطر على الحياة.
خامسا: حق السكن
ومع تدهور أحوال الطبقة الوسطى، وانهيار أوضاع الزراعة، ظهر نوع جديد من السكن، أطلق عليه "العشوائيات"، أو البناء الشعبي خارج نطاق تدخل الدولة. هذا النمط المعماري مثل حلا لمشكلات الإسكان، لكنه جمع داخله جماعات سكانية متباينة، متغايرة القيم، مما أدى لتولد أزمة حقيقية، لا تمس فحسب التركيب الاجتماعي، بل والبناء القيمي والخلقي. ولقد دستور 2012 على أن يلزم الدولة بخطة وطنية للإسكان، وتشجيع المبادرات الذاتية والتعاونية في المادة (68)، لكن الدستور الجديد يؤكد انحيازه للطبقات الوسطى والدنيا بشكل أكثر تفصيلا، فيلزم الدولة بخطة شاملة لمواجهة قضية العشوائيات، تشمل إعادة التخطيط وتوفير البنية الأساسية والمرافق وتحسين نوعية الحياة.
كما بدا انحياز الدستور ثقافيا، بأن يكون السكن ملائم للخصوصية الثقافية. وفيما يبدو أن اللجنة كانت على وعي بأهمية هذه الخصوصية في مسألة السكن. ولعل أبرز الأمثلة هنا هو ما حدث في منازل أهل النوبة التي انتقلوا إليها بعد بناء السد، فلم تكن ملائمة للخصوصية الثقافية لأهالي النوبة، حيث جاءت على طراز مخالف بيئيا وقيميا، فالمجتمع وقتها تقليدي، فيما أنشئت البيوت بطراز معماري حديث، لا يلبي الاحتياجات الثقافية والاجتماعية القديمة، وهو ما حرصت على رصده النصوص الإبداعية التي قدمها أدباء نوبيون، يؤثرون اتخاذ موضوع العودة موضوعا أساسيا في إبداعهم.
وفي الأخير، يمكن القول بأن دستور 2012 اكتفى بسرد الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وربما كان هذا مفهوما لأن القائمين عليه فسروا الثورة تفسيرا غير اجتماعي، بل وأسقطوا عليه تفسيرا اختلطت فيه السياسة بالدين، فذهب اهتمامهم إلى تديين الدستور من اجل اكتساب السلطة السياسية، والحفاظ عليها. فيما نجد أن التعديلات والصياغات الجديدة، قدرت إدخال حقوق هامة، ربما لم ترد في الدساتير السابقة عليه، لم تقم بجعل الضمانات المؤسسة لتفعيل المواد المقترحة والمضافة الواردة فيه، على غرار ما نجده "في الدستور الهندي مثلا الذي نص على أحقية اللجوء للمحكمة العليا لتفعيل هذه الحقوق، وعلى المحكمة العليا أن تصدر القرارات والإجراءات الكفيلة"( )، بل ويذهب به الحال إلى حد اقتراح "منح البرلمان حق إصدار القوانين التي تنشئ محاكم تمارس في حدود دوائر اختصاصها الإقليمية الصلاحيات الممنوحة للمحكمة العليا"( ) أو أي منها على نحو ما يرد في المادة الثانية والثلاثين. وربما يكون الطابع التفصيلي لبعض الدساتير ضمانة للحقوق، مثلما يرد في المادة السابعة بدستور البرازيل التي تتناول حقوق العمال في الريف والحضر، فنصت على أربعة وثلاثين بندا فرعيا يتناول أدق التفاصيل (صرف مرتب للبطالة، معاش في حال الطرد، تحديد حد أدنى للأجور، المشاركة في الأرباح، عدم التمييز في الأجور، إلخ). وإن كان استقلال القضاء ورقابة المحكمة الدستورية على القوانين، من المعايير والضمانات الهامة التي تتوفر في الدستورين معا. علاوة على الضغوط التي يمارسها المجتمع المدني ومنظماته المستقلة.