المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

ملاحظات حول: إشكاليات التجديد في الفكر الإسلامي المصري (2-2)

الإثنين 08/ديسمبر/2014 - 10:57 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات

تناولنا في الحلقة الأولى من هذه الدراسة كيف تشكل سطوة الفقه والتفسيرات والتأويلات الموروثة ومقاربتها للمشاكل والأسئلة المعاصرة، تعبيرًا عن أزمة الفكر الإسلامي، وإشكاليات تجديده المعرفية والمنهجية وضوابطها. بالإضافة إلى زيادة أهمية معالجة مسألة التجديد في الفكر الإسلامي المعاصر، مع تزايد الحركات الإسلامية السلفية الجهادية، وفشل القوى الإسلامية السياسية، في إدارة شئون الدولة والمجتمع بعد 25 يناير 2011 في مصر.

إن مناهج وآليات المقاربة والتحليل والتفسير والتأويل السائدة في غالب قضايا الفكر الديني، لا تزال تعيد إنتاج ذاتها

أولا- أسباب الأزمة

ما الأسباب التي أدت إلى أزمة الفكر الديني الإسلامي الحديث والمعاصر؟

ثمة بعض الأعطاب في الآلة البحثية من حيث المقاربات المنهاجية الشائعة في الإنتاج الفكري والبحثي والفلسفي الديني الحديث والمعاصر من حيث الميل إلى المناهج النقلية والشروح على المتون، والشروح على الشروح والهوامش، والتفسيرات اللغوية ـ بالمعنى التقليدي هو معاني الألفاظ ودلالاتها ـ ومحاولة الاستعارة البيانية للغة القرآنية والسنوية، ولغة كبار الأئمة وكتاب السيرة النبوية، والبلاغة والتفسير. من ناحية أخرى ثمة إعادة إنتاج لبعض من منظومة المفاهيم والاصطلاحات الأصولية والكلامية والفلسفية التقليدية، وإعادة إنتاج ما قيل حولها في المتون القديمة.

إستراتيجيات التفكير والبحث والكتابة الإسلامية في فروع شتى ـ أصول الدين والفقه والكلام والتفسير .... إلخ ـ لا تزال في جوهرها تدور في مدارات أساليب البحث القديمة. إن مناهج وآليات المقاربة والتحليل والتفسير والتأويل السائدة في غالب قضايا الفكر الديني وفروعه ومباحثه، لا تزال تعيد إنتاج ذاتها، في ظل انغلاق أو ابتعاد الكاتب والباحث الإسلامي عن فروع المعرفة والثقافة الحديثة وما بعدها، لاسيما في جوانبها المنهجية، والثورة في مجال الألسنيات وأثرها في كل العلوم الاجتماعية على اختلافها، في هذا الإطار يمكننا رصد بعض الأسباب التي أدت إلى أزمة الفكر الديني الإسلامي السائد فيما يلي:

1-هيمنة مناهج التفكير النقلي ـ والعقل النقلي ـ التي تعتمد على المقاربات اللغوية التقليدية – لا الهيرمنطقية الجديدة وما بعدها، للنصوص الفقهية والتفسيرية التقليدية وإعادة إنتاجها، أو شرح على متون النصوص الأولى أو هوامشها والحواشي على الحواشي في أفضل الأحوال.

2-إعادة إنتاج المقولات الرئيسة وفروعها وشروحها في العائلات والمدارس الفقهية السنية الحنفية والشافعية والمالكية والحنبلية، وبعض النقول عن المذاهب أو المدارس الأخرى كالشيعة أو الإباضية. في هذا الإطار تعتمد عملية إعادة الإنتاج على عديد الآليات ومنها:

الآلية التعليمية التلقينية لطلاب المدارس والكليات الأزهرية. واعتماد الدرس الأزهري على الحفظ والتكرار والتلاوة والتسميع للمنهج المدرسي، لا على البحث والتحليل والمناظرة والنقد للمقولات، والربط بين المذاهب والمدارس الفقهية والتفسيرية والإفتائية، وبين سياقاتها التاريخية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والجغرافية، ومن ثم الربط بين أسئلة الفتاوى وسياقاتها وعصرها، وإجاباتها، وما الجوهري وما العارض، وما الثابت؟ وما المتغير في هذا النمط من الآراء والفتاوى والأفكار الإسلامية السنية ومدارسها الفقهية البشرية الوضعية.

 3- غلبة التفكير الدفاعي عن الإسلام في الرد على بعض الآراء الاستشراقية، أو القدحية، وذلك من خلال نمط خطابي يعتمد على إعادة إنتاج مجموعة مقولات فقهية وتاريخية من داخل المنظومة الإسلامية، وليس من خلال الفحص السوسيو / ثقافي أو السوسيو / معرفي، أو السوسيو / تاريخي، أو السوسيو / سياسي لهذه الآراء والكتابات. نمط خطابي يعتمد على تمجيد الذات الجماعية الإسلامية، والخلط بين الدفاع عن ممارسات وسلوكيات وخطابات المسلمين حول المقدس الإسلامي، وبين المقدس ذاته تعالى وتنزّه. من ناحية أخرى بعض رجال الدين يدافعون على الجماعات الإسلامية السلفية الجهادية وممارساتها العنيفة والدموية.

4- غياب استعارات وتمثلات في العمق للمناهج الحديثة وما بعدها في العلوم الاجتماعية، واستخدامها على نحو خلاق في درس وتحليل الخطابات الإسلامية الوضعية في شتى مناشطها على اختلافها، ولا سيما الخطاب التاريخي حول المذاهب والمدارس والآراء الفقهية، والتفسيرية والإفتائية، وهو الأمر الذي أدى ـ ضمن أسباب وعوامل أخرى ـ إلى استمرارية العقل النقلي، ومحمولاته ومداخله في فهم تاريخ المناهج والأفكار الإسلامية الفقهية، والسياسية والقيمية ... إلخ.

5- ضعف ومحدودية التجارب الفلسفية في الفكر الإسلامي المعاصر. ضعف الممارسة الفلسفية حول الإنسان وعلاقته مع اللـه والعالم والذات في ضوء أسئلة وإشكاليات راهنة، ومن منظورات فلسفية، أدت إلى غياب مبحث فلسفي إسلامي معاصر يسهم في تجديد أسئلة علم الكلام التقليدي ومباحثه على اختلافها.

أسهمت التسلطية السياسية في زرع قيم الامتثال والخضوع والانصياع للحاكم، في إنتاج نمط موازٍ لها هو التسلطية الدينية التي تكرس الخضوع والتواكلية والامتثال وإطاعة ولي الأمر

6- استمرارية التوظيف البياني لبعض المصطلحات السائدة في العلوم الاجتماعية ـ الفلسفة والاجتماع والأنثربولوجيا والقانون والسياسة .. إلخ ـ في تلقيح الخطاب الإسلامي الحديث والمعاصر، وذلك دونما توظيف اصطلاحي ومعرفي دقيق للمصطلح المستخدم في سياقاته، وفي الممارسة البحثية.

7- المزايدات الراديكالية والسلفية والسلفية الجهادية حول ماهية التفسير الصحيح للإسلام ونصوصه وقواعده وقيمه، ومن ثم النزاع الحاد على الإفتاء في القضايا المعاصرة من خلال منطق انتقائي ولا تاريخي يعتمد على إيلاء الأولوية للتفسيرات الأكثر تشددًا بدعوى أنها الأقرب إلى العقيدة والإيمان والقيم الإسلامية الصحيحة. من هنا تشكل آلية إعادة إنتاج الآراء الأكثر تشددًا وصرامة تعبيرًا عن موقف يحاول التماهي مع الأفكار والآراء الفقهية الوضعية لكبار الأئمة أو بعض التابعين.

8- رهاب النقل لا الاجتهاد الذي يسيطر على سوق الإنتاج الفقهي والفكري الإسلامي، حيث يسود الخوف من الاجتهاد والتجديد، وذلك بحسبان الموقف النقلي هو الذي انتصر تاريخيًا على الموقف العقلي والاجتهادي، أو بتعبير أحد أكبر فقهاء القانون المدني المصري ـ سمير عبد السيد تناغو ـ انتصر الموقف السلفي على الموقف المعتزلي، ويمكن القول انتصار الموقف السلفي والجهادي والوهابي، ودعاة الطرق ـ بتعبير طه حسين ـ أو الشوارع بتعبيرنا، على المنطق المعتزلي بل والمنطق الأشعري معًا.

9- أسهمت التسلطية السياسية في زرع قيم الامتثال والخضوع والانصياع للحاكم، في إنتاج نمط موازٍ لها هو التسلطية الدينية التي تكرس الخضوع والتواكلية والامتثال وإطاعة وليّ الأمر المستبد.

التسلطية الدينية كرست التوجه إلى محور التكاليف والالتزامات والواجبات ـ من المنظور النقلي ـ المفروضة على المكلف المسلم، والتشديد لا التيسير كمنطق حاكم للخطاب حول التكاليف، ومن ثم تراجع الخطاب حول حرية المسلم السياسية والفردية ولاسيما الحرية الدينية والحق في الخصوصية، وذلك بوصفه مواطنًا في دولة قانون حديث.

10- أدت التسلطية السياسية والتسلطية الدينية إلى بروز الفقيه والمفتي والداعية التسلطي، وذهب أدونيس إلى القول إن النظم العسكريتارية الانقلابية أدت إلى إنتاج المثقف العسكري، وأن الثورة الإيرانية ستؤدي إلى إنتاج الفقيه العسكري. كل التسلطيات السياسية والثقافية والدينية أسهمت في إنتاج سلطة السلفي العسكريتاري، والمفتي العسكريتاري، والسياسي الإسلامي العسكريتاري، وهم جميعًا ذوو منازع انقلابية وسلطوية يحاولون الاستيلاء على سلطة التفسير والتأويل، أي خلق كهانة وسلطة دينية مستعارة من خارج القيم والمبادئ والأصول الإسلامية، ومن ثم فرض سلطة رجل الدين على الجمهور بالمشاركة مع سلطة المستبد والعسكريتاري / الانقلابي، كمرحلة ثم سحب البساط السياسي من تحته، وإزاحته حينما تحين الفرصة وتواتي "رجل الدين" التسلطي.

11- في أعقاب العملية الثورية، وما أطلق مجازًا عليه الربيع العربي، برزت سلطة بعض رجال الدين وأعطوا لأنفسهم الحق في إضفاء الشرعية الدينية على كل أمور السياسة والتشريع والسلوك الاجتماعي للمسلمين على نحو أسهم في الاضطراب السياسي للمراحل الانتقالية.

أسهم بعضهم ـ من الإخوان المسلمين والسلفيين وسواهم ـ في النقد والهجوم الضاريين على الأزهر وشيخه الإمام الأكبر وعموم مشايخه، وذلك في محاولة لحصار المؤسسة عن القيام بمهامها في الدعوة والتعليم والإفتاء على نحو يتسم بالاعتدال والوسطية.

من ناحية أخرى برز الوجه السياسي الوضعي ومصالحه في بعض ممارسات رجال الدين وإيديولوجيي الجماعات الإسلامية، على الوجه الديني المحض.

إن الصراع السياسي على الإسلام وبه في النزاعات السياسية مع القوى السياسية الأخرى، أدى إلى إظهار الأهداف السياسية في الوصول إلى السلطة والسيطرة على الدولة والمجتمع، على نحو أثار عديد المخاوف لدى بعض القطاعات الاجتماعية المصرية، بل امتد إلى الإقليم كله.

تحول بعض التأويل الديني الوضعي لمنظّري الجماعات الإسلامية السياسية، ومشايخ السلفية، إلى أحد أبرز محاور الصراعات الإقليمية، والجماعات ما دون الدولة، من مثل حماس، والنصرة، وأنصار بيت المقدس، والدولة الإسلامية في العراق وسوريا "داعش"، والقاعدة. لم يقتصر الصراع على السعي إلى الوصول إلى الدولة والسلطة في مصر وليبيا، وتونس، واليمن، وسوريا، والعراق، وإنما تحول إلى صراع بين بعض هذه الجماعات وبعضها بعضًا وسعى بعضها للحصول على البيعة من بعض الجماعات الأخرى، على نحو ما فعلت داعش مع القاعدة.

12- شهدت مصر اشتداد نزعة الذكورية السياسية، والذكورية الدينية في التعامل مع المرأة ومكانتها ودورها في السياسة والمجتمع، ومن ثم تزايدت الضغوط عليها، على الرغم من دورها في الانتفاضة الثورية في 25 يناير 2011، وهو ما أدى إلى تنشيط دورها في أحداث 30 يونيو 2013 .

إن الفكر الديني الجهادي السلفي، أصبح أحد محركات محاولة تغيير بعض معالم الخريطة السياسية للمنطقة التي صيغت في إطار اتفاقية سايكس بيكو.

13- إحدى الثمار المرة لميراث الجمود في الفكر الديني، تزايد النزعة التكفيرية سواء في بعض الجماعات الصغيرة، كالقطبيين وسواهم، واتخذتها بعض الجماعات السلفية الجهادية إيديولوجية صارمة لتجنيد الأعضاء، وللحشد الديني والتعبئة العسكرية، على نحو ما ظهر من ممارسات النصرة، وداعش، وأنصار بيت المقدس من عنف طليق في مناطق انتشارهم.

الفكر الديني الجهادي السلفي ـ ذروة الجمود الفقهي ـ تمكن من خلال داعش وتركيبة العضوية داخلها المتعدد الجنسيات إلى السيطرة على مناطق كاملة من العراق وسوريا، وبات يشكل تهديدًا للوحدة الأرضية لهذه البلدان. ويعود ذلك إلى الانتماءات العقدية للفكرة التفكيرية والجهادية لمجموعات من الشباب يشكلون الجيل الخامس للحركة الإسلامية السياسية، من جنسيات متعددة، وتلقوا تدريبات عسكرية متقدمة، ويشكلون جيشًا يمارس عملياته بأساليب بعضها ينتمي إلى الجيوش النظامية، وكذلك حروب المدن على النمط المليشياوي، ووراء هذه الممارسات العسكرية خبرات قتال ميدانية، وخبراء عسكريون ـ بعثيون سابقون في الجيش العراقي ينتمون لجماعة النقشبندية ـ وفي أفغانستان وغيرها من ميادين القتال التي شارك بعضهم فيها.

بالإضافة إلى وجود التمويل الضخم من بيع النفط من المناطق التي استولوا عليها في السوق السوداء، وما حصلوا عليه من أسلحة متطورة من الجيش العراقي.

14- إن الفكر الديني الجهادي السلفي، أصبح أحد محركات محاولة تغيير بعض معالم الخريطة السياسية للمنطقة التي صيغت في إطار اتفاقية سايكس بيكو.

15- إن ردود أفعال المؤسسات الدينية في مصر والسعودية والمنطقة اتسمت بالبطء، وعدم القدرة على التأثير على توجهات هذا الفكر ونفوذه، وجاذبيته لبعض الشباب المسلم السلفي الجهادي.

الأسباب سالفة السرد طرحناها على سبيل التمثيل لا الحصر للكشف عما وراء أزمة التجديد في الفكر الديني الإسلامي المصري المعاصر.

 

ثانيا- ضرورات التجديد في الفكر الديني

ثمة ضرورات تطرح مسألة التجديد في المقاربة الدينية الوضعية المعاصرة لقضايا ومبادئ وأصول العقيدة والدين، يمكن لنا طرح بعضها تمثيلا لا حصرًا فيما يلي:

1- الفوضى في الأسواق الدينية المحلية والوطنية والإقليمية والعولمية من حيث شيوع الغلو في التفسير والتأويل، والتركيز على إشاعة بعض المرويات ذات المنزع الأسطوري، أو المهجور من بعض الآراء المذهبية والفقهية، بالإضافة إلى حروب الفتاوى والتأويلات المتشددة والمتزمتة والمحافظة بين مشايخ الفضائيات ودعاتها.

إن ردود أفعال المؤسسات الدينية اتسمت بالبطء، وعدم القدرة على التأثير على توجهات الفكر ونفوذه، وجاذبيته لبعض الشباب المسلم السلفي الجهادي.

2- غياب سلطة أو سلطات معيارية إسلامية تتسم بالوسطية والاعتدال والسعي إلى إجابات تجديدية واجتهادية ترد على أسئلة اللحظة التاريخية ـ وطنيًا وإقليميًا وعولميًا ـ وإنما يسود التنافس ومنطق الإزاحة أو الاحتواء، وسعي كل نظام وسلطة سياسية عربية كي تكون المؤسسة الدينية الوطنية هي السائدة والمهيمنة على السوق الديني الوطني والمحلي.

3- تآكل وزن ومصداقية المؤسسات الدينية الوطنية لاسيما في أعقاب الانتفاضة المصرية في 25 يناير 2011 وما بعدها، وهو ما أثر على الأزهر وعلمائه ووعّاظ المؤسسة الرسمية، وهو ما أدى أيضًا إلى لجوء بعض علمائه إلى التشدد في خطاباتهم أو فتاويهم لاكتساب ثقة بعض أو غالب المسلمين. من ناحية أخرى هجر غالب الجمهور المسلم الإنتاج الإسلامي الرسمي من الخطاب الأزهري إلى الإنتاج الخطابي اللا رسمي من خلال اللجوء إلى عديد المصادر الأخرى ومنها: الجماعات الإسلامية السياسية، والجماعات السلفية والسلفية الجهادية في المشرق العربي والسعودية وبعض دول الخليج العربي واليمن ومصر وليبيا والأردن وتونس والجزائر والمغرب ودعاة الطرق .. إلخ. لا شك أن اتساع الأسواق الدينية وآليات التعبير عنها أدت إلى حالة من النزاع وبعض الفوضى في الخطابات والأفكار والفتاوى، ومن ثم إشاعة البلبلة وكسر التجانسات الدينية التاريخية التي كانت سائدة حول الإسلام المصري الوسطي والاعتدالي.

4- بروز تناقضات بين غالب الخطابات والمنظومات الفكرية الإسلامية السائدة، وبين متغيرات الحياة العصرية الحداثية وما بعدها والمعولمة وأسئلتها وقضاياها ومعارفها وتقنياتها. هذا النمط من التناقضات بات مؤثرًا على الصعد الفكرية والنفسية والقيمية والسلوكية الشائعة في الوعي والتفكير والسلوك شبه الجمعي لشرائح اجتماعية عديدة.

5- أدى الفكر الديني المحافظ والمتشدد إلى إنتاج مشكلات سوسيو ـ نفسية وسياسية إزاء التكامل القومي المصري أو الوحدة الوطنية وفق التعبير الشائع. من ناحية أخرى إشاعة مواقف تتنافى مع قيم وتقاليد ومبادئ الدولة القومية، ونظامها القانوني الحديث وحريات التدين والاعتقاد بما يتجاوز اجتهادات تاريخية حول المواطنة والدولة الحديثة وحرية التدين والاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية إسلاميًا من قبل المشايخ عبد المتعال الصعيدي والإمام الأكبر محمود شلتوت، وطارق البشري، وسليم العوا في مصر، وراشد الغنوشي في تونس، وفتحي يكن في لبنان وآخرين.

أدت نزعة الغلو والتزمت الديني التي سيطرت على السوق الديني المصري إلى بلبلة وتشوش على التوجهات الدينية السائدة لدى غالب المصريين. ومن ثم تبدو الحاجة ملحة إلى ممارسة منهجية اجتهادية وتجديدية في الفكر الديني الإسلامي المصري.

 إن ازدياد العنف ذي الوجوه الدينية في أعقاب أحداث 30 يونيو 2013، وبدء خارطة الطريق الثانية في مصر، باتا يشكلان تعبيرًا عن الميل إلى التشدد و"التطرف الديني"، ومن ثم تزايد الراديكالية الدينية، لا سيما في شبه جزيرة سيناء، التي تشكل تركيبتها القبلية حاضنة لبعض أبنائها ممن ينتمون للسلفية الجهادية على النمط القاعدي، أو جماعة أنصار بيت المقدس.

ثمة راديكالية أخرى تتمدد بين الأجيال الشابة في الجامعات المصرية إزاء التغيير الجديد في تركيبة السلطة المصرية في إطار التغير السياسي في أعقاب أحداث 30 يونيو 2013، وإبعاد محمد مرسى وجماعة الإخوان المسلمين عن سدة السلطة.

لا شك أن هذا النزوع الراديكالي يشكل أحد أبرز وجوه الأزمة البنيوية للفكر الإسلامي المعاصر سواء في إطار المؤسسة الأزهرية الرسمية، وخارجها، ومن ثم تبدو مسألة التجديد إحدى أبرز قضايا الدين والدولة والمجتمع في مصر حاليًا ومستقبلًا.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟