لعبت الحركة الطلابية المصرية دوراً كبيراً في الحركة الوطنية على مدار عقود طويلة، كما كانت أروقة الجامعات المصرية ميداناً سياسياً ترفع فيه أصوات الطلاب ضد السياسات الخاطئة من جانب السلطات الحاكمة المتعاقبة والأزمات السياسية
"الحركة الطلابية فى مصر بعد 30 يونيو"
الأحد 29/ديسمبر/2013 - 11:12 ص
إبراهيم سيف عبد الحميد منشاوي
لعبت الحركة الطلابية المصرية دوراً كبيراً في الحركة الوطنية على مدار عقود طويلة، كما كانت أروقة الجامعات المصرية ميداناً سياسياً ترفع فيه أصوات الطلاب ضد السياسات الخاطئة من جانب السلطات الحاكمة المتعاقبة والأزمات السياسية التى مرت بها الدولة المصرية. فقد ناضلت الحركة الطلابية بداية فى مواجهة الاحتلال الإنجليزي لمصر، ومروراً بتظاهرات الطلاب المؤيدة للزعيم السياسي سعد زغلول بعد نفيه لجزيرة مالطة وأحداث ثورة عام 1919.
ثم تصاعد النشاط الطلابي داخل الجامعات في عهد الرئيس الراحل أنور السادات وأسفر عن بروز شخصيات سياسية بارزة من بينها المرشحين الرئاسيين السابقين حمدين صباحي وعبد المنعم أبو الفتوح، إلا أن هذه الحركة خفتت منذ تولي الرئيس الأسبق مبارك وتلاشى العمل الطلابي أمام السيطرة الأمنية القوية التى اعتمد عليها ذلك النظام، قبل أن يعود النشاط مجدداً لتلك الحركة بعد ثورة 25 يناير 2011، وازدادت وتيرتها بعد 30 يونيو نظراً للعديد من الإعتبارات، يأتى على رأسها عزل الرئيس السابق محمد مرسى وقانون التظاهر. ولذلك كان المؤرخ الفرنسي"والتر لاكير" صادقاً حينما قال ”لم يلعب الطلاب دوراً في الحركة الوطنية مثل الدور الذي لعبه الطلاب في مصر".
مساحة العمل بعد 30 يونيو:
يمكن القول أنه نتيجة للتفاعل مع الأحداث السياسية التى مرت بها مصر بعد 30 يونيو، فقد نشطت مساحة العمل أمام الحركة الطلابية فى مصر، ويرجع ذلك إلى عدد من الاعتبارات؛ من بينها خروج الملايين فى 30 يونيو للمطالبة بإسقاط حكم جماعة الإخوان المسلمين، ورحيل الرئيس المنتخب محمد مرسي بعد عام كامل من ولايته، واستكمال أهداف الثورة الأولى. ونتيجة للخوف من دفع الوضع إلى التأزم بوجود عنف متبادل، وسقوط قتلى وجرحى، استبقت القوات المسلحة انتهاء المهلة باجتماعها بالقوى الوطنية والسياسية والأزهر لتتخذ قرارات 3 يوليو التي أسست لمرحلة جديدة في الثورة المصرية، وقد عرفت تلك القرارات باسم (خارطة الطريق).
وقد كانت بنود تلك الخارطة تتمثل في؛ تعيين رئيس المحكمة الدستورية رئيسًا للبلاد " عدلى منصور"، وتعطيل العمل بدستور 2012 بشكل مؤقت، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وتشكيل حكومة توافق وطني قوية، وتشكيل لجنة بها جميع الأطياف لمراجعة التعديلات الدستورية، ومناشدة المحكمة الدستورية العليا إقرار مشروع قانون مجلس النواب، ووضع ميثاق إعلامي يكفل حرية الإعلام ويحقق المصداقية والحيدة، والعمل على دمج الشباب، وتشكيل لجنة عليا للمصالحة الوطنية من شخصيات تتمتع بالمصداقية وتمثل مختلف التوجهات. وهي القرارات التي لاقت ترحيب المتظاهرين في الشارع، كما أنه بمقتضاها تم عزل الرئيس مرسي.
ولذلك كان سقوط جماعة الإخوان المسلمين فى مصر وخسارتهم للسلطة بعد عام واحد فقط، بمثابة صدمة كبيرة لأنصار الجماعة ومؤيديها فى الداخل والخارج. لذلك كان من البديهى عند سقوط الإخوان بمصر أن تشتعل مسيراتهم واحتجاجاتهم للمطالبة بالعودة إلى الحكم مرة أخرى بعد الإطاحة بهم فى 30 يونيو الماضى. الأمر الذي ألقى بظلاله على الحركات الطلابية، فقد انقسمت الحركة الطلابية فى الجامعة المصرية ما بين مؤيد ومعارض لخارطة الطريق، واندلعت على إثر ذلك الاحتجاجات من كلا الجانبين، حيث ذكر تقرير أصدره المركز التنموي الدولي بعنوان "مؤشر المؤسسات التعليمية"؛ أن الحالات الاحتجاجية داخل الجامعات بلغت 461 حالة منذ مطلع العام الدراسي حتى نهاية شهر أكتوبر، ففي شهر سبتمبر بلغت 146 حالة، وارتفعت في شهر أكتوبر لتصل إلى 315 حالة، ومن ناحية التوزيع الجغرافي فقد وقعت تلك الاحتجاجات في 25 جامعة، وتصدرت جامعة القاهرة مشهد الاحتجاج الجامعي بـ64 احتجاجاً حتى نهاية شهر أكتوبر، وجاءت جامعة الأزهر في المرتبة الثانية بـ58 احتجاجاً، والجدير بالذكر أن النسبة الأكبر من المظاهر الاحتجاجية ارتبطت بثنائية السياسة والعنف، فهي من ناحية كانت في الغالب مرتبطة بمطالب سياسية، ومن ناحية أخرى لم تغب عنها وقائع عنف.
تحولات فارقة " قانون التظاهر":
ومن الأمور أيضاً التى أدت إلى نشاط الحركة الطلابية بعد 30 يونيو، قانون التظاهر الجديد فى مصر والذى قوبل بردود فعل متباينة بين من يرى فيه تكميماً للأفواه ومن يرى فيه مخرجاً من حالة الفوضى التي تتخبط فيها البلاد. ويتشكل نص القانون من 25 مادة موزعة على أربعة فصول. وتعتبر من أهم النقاط، والتي أثارت جدلاً واسعا، المادة الخامسة التي تحظر التجمعات السياسية في دور العبادة أو في ساحتها أو ملحقاتها وحظر خروج مسيرات منها وإليها أو التظاهر فيها. كذلك المادة العاشرة التي تتعلق بجواز منع أو إرجاء أو تغيير مسار التظاهرة من قبل وزير الداخلية أو المختصين عند وجود معلومات أو دلائل على تهديد الأمن والسلم. ولم يكن موقف الحركة الطلابية من القانون ببعيد عن الموقف السياسى الذى اتخذته القوى السياسية المختلفة من القانون.
لذلك فقد ثار الطلاب المنتمون للجماعات الإسلامية وخاصة الإخوان المسلمين ضد هذا القانون واعتبروه خطوة من قبل النظام الذى لا يعترفون بشرعيته فى إخماد مظاهراتهم. ومن هنا فقد نظم طلاب تلك الجماعات العديد من الاحتجاجات الطلابية داخل الجامعة منددين بهذا القانون، وقد وافقهم فى ذلك طلاب حركة 6 إبريل والإشتراكيين الثوريين وحركة أحرار، لقناعتهم بضرورة استبعاد الدور الأمني من الجامعات، وإطلاق الحريات السياسية للطلاب.
ونتيجة للتعامل الأمنى الخاطئ من قبل وزارة الداخلية مع تظاهرات الطلاب، والذى أسفر عن مقتل طالب الهندسة موجة شديدة من الاحتجاجات داخل جامعة القاهرة. فقد أصدر اتحاد طلاب جامعة القاهرة بياناً أكد فيه الرفض التام لعودة الحرس الجامعى والتنديد بقانون التظاهر، وحق الطلاب فى التعبير السلمى والحر عن أرائهم بما لا يخل بأخلاقيات الحياة الجامعية. كما أعلن الإتحاد تضامنه مع الطلاب المعتقلين. وقد أعلن الإتحاد انسحاب ممثل طلاب مصر من لجنة الخمسين نتيجة لمقتل طالب كلية الهندسة. وفى هذا الخضم حاول طلاب جماعة الإخوان المسلمين استغلال المشهد المضطرب فى الجامعة من أجل تحقيق أغراض سياسية خاصة وتصوير الأمر على انه احتجاجات ضد ما السلطة الحالية فى مصر.
ولا تزال الجامعات المصرية تعانى اليوم حالة من اللاسيطرة، والاستقطاب السياسي، فلم يعد لاتحاد الطلاب أي سلطان حقيقى داخل الجامعة، خاصة أن الوقفات والاحتجاجات أصبحت عادة يومية لكل صاحب حاجة أو منتمي لفصيل داخل الجامعات.
خريطة الحركة الطلابية بعد 30 يونيو:
يستدعى تصنيف فئات الحركة الطلابية فى مصر بعد 30 يونيو الاعتماد على خارطة الطريق التي أعلنت عنها القوات المسلحة في 3 يوليو الماضي، حيث يوجد تيار مؤيد لخارطة الطريق يتضمن قطاعاً من الطلاب غير المنتمين سياسياً لأي حزب، أو تيار سياسي، وقطاعاً من الطلاب المنتمين لأحزاب تشكل عناصر رئيسية في تحالف الثلاثين من يونيو، ويدافع عن دور القوات المسلحة، ورموز المؤسسة العسكرية، وخاصة الفريق أول عبد الفتاح السيسي، وينطلق هذا التيار من قناعة بأن ما حدث في 30 يونيو 2013 كان ثورة على غرار ثورة يناير 2011.
بينما يوجد تيار آخر يتكون بالأساس من الطلاب المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين والمؤيدين للجماعة؛ حيث يتبنى هذا التيار موقفاً معارضاً لخارطة الطريق، واعتبار ما حدث في 30 يونيو و3 يوليو 2013 "انقلابا" للإطاحة بالرئيس المنتخب، لذلك أسس هذا التيار رابطة عُرفت باسم طلاب ضد الانقلاب.
وسرعان ما تبين وجود تيار ثالث داخل الحركة الطلابية والنسبة الغالبة في التيار هم فئات منتمية لبعض الحركات مثل حركة 6 إبريل، والاشتراكيين الثوريين، وحركة أحرار، هذا التيار يرفع شعارات رافضة لجماعة الإخوان، وكذلك لدور المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية، ويؤكد هذا التيار على ضرورة استبعاد الدور الأمني من الجامعات، وإطلاق الحريات السياسية للطلاب، ويعارض قانون التظاهر الذي أصدرته الحكومة كما أدلفنا سابقاً.
إنحراف عن المسار:
للحركة الطلابية المصرية رصيد فى العقل والذاكرة الجمعية للشعب المصرى من جراء دور الطلبة فى قيادة الاحتجاجات والمطالبات فى أوقات الثورات والمحن. وقد كانت الحركة الطلابية تتمثل فى احتجاجات سياسية وطنية سلمية انحازت لفكرة الوطن وسيادته واستقلاله ولم تمتد يوماً إلى انتهاك قواعد السلمية أو الدخول فى مواجهات مع الأمن أو اللجوء لأعمال التخريب والعنف المتعمد ضد المنشآت العامة والخاصة حتى فى أحلك الظروف. ولكن بعد 30 يونيو حدث تحول واضح فى موقف الحركة الطلابية فى شق منها (طلاب الإخوان المسلمون ومناصريهم)، حيث حدثت شخصنة واضحة فيها من خلال توجيهها لتحقيق مأرب شخصية وحزبية ضيقة لا تأخذ فى الحسبان ما للوطن من حقوق راسخة فى ضمير الأمة والجماعة على مر تاريخ مصر القديم والحديث.
حيث أن ما يحدث في الجامعات المصرية وعلى رأسها جامعة الأزهر والقاهرة وعين شمس والإسكندرية والمنصورة والزقازيق، والذي يقوم به طلاب جماعة الإخوان المسلمين لا يمثل بأي شكل من الأشكال ممارسة لحرية الرأي والتعبير، وليس له أي علاقة بالحق في التظاهر السلمي والذي تبيحه المواثيق الدولية لحقوق الإنسان. هذه المظاهرات تفتقد كل معايير السلمية لعدد من الأسباب، أولها أنها تقوم بالاعتداء على باقي الطلاب الذين لا يشاركون طلاب الإخوان المسلمين وجهة نظرهم من خارطة الطريق والمطلب المستحيل لعودة الرئيس المعزول، بل يقوم هؤلاء بالسعي لمحاولة تعطيل الدراسة بالإجبار وإكراه الطلاب الآخرين على عدم الدخول للمدرجات والسكاشن وتعطيل الامتحانات بالقوة، والاعتداء على أساتذة الجامعة وعمدائها ومديريها وأفراد الأمن الداخلي الموجود في الجامعة لحفظ الأمن والنظام، وإحراق المباني والأشجار وإلقاء المولوتوف، وشاهدنا استخدام الجماعة للأخوات في محاولة لجلب التعاطف، وتسعى لتسويقها على أنهم "حرائر الجماعة"، ولكن هؤلاء يقومن بحمل الشوم والعصي ويعتدين على عميدة كلية تربية الأزهر وغيرها، بل وقامت بعضهن بتعرية إحدى عضوات هيئة التدريس والتي لم تقم بإثارة الموضوع تحرجا.
إن أعمال العنف التي شهدتها المؤسسات التعليمية، قد حولت الحرم الجامعي إلى ساحة حرب، نتيجة للاشتباكات بين طلاب الإخوان والمستقلين، والتي يتدخل على إثرها الأمن لفضها أو اشتباكات بين الطلاب والأمن مباشرة، مما أدي إلى تطور الأمر وحدوث المزيد من العنف. وهذا الأمر يعتبر بعيداً عن مسار الحركة الطلابية التى بدأت واستمرت وطنية حتى حدوث الانقسام المترتب على أحداث 30 يونيو.
استشراف مستقبل الحركة الطلابية بعد 30 يونيو:
المشاهد التي نراها داخل الجامعة من استخدام العنف يعبر عن أزمة حقيقية في الحركة الطلابية، وعلى الرغم من حالة الاستقطاب التي شهدتها الحركة الطلابية بعد العام الأول من ثورة 25 يناير وحتى قبل وصول الرئيس محمد مرسي الى السلطة، إلا أن الأزمة احتدمت وأثرت بشكل سلبي جداً على مسار الحركة الطلابية بعد أحداث 30 يونيو الماضي، حيث تطل الدولة البوليسية بوجهها من جديد.
والواقع يدل على وجود حالة تفككية تعانى منها الحركة الطلابية فى مصر. وكذلك يمكننا القول أن مستقبل الحركة الطلابية مرهون بمستقبل الصراع السياسى على السلطة. ومن هنا يمكن القول أن هناك ثلاثة سيناريوهات لمستقبل الحركة الطلابية على النحو التالى:
• التوحد بعد الانقسام: وذلك من خلال التوصل إلى اتفاق بين جماعة الإخوان المسلمين والحكومة المصرية المؤقتة، والذى من شأنه أن يدمج التنظيم في العملية السياسية الجديدة. والإبقاء على جماعة الإخوان كلاعب سياسي في الحياة السياسية المصرية، وهذا سينعكس بدوره على طلاب الجماعة فى الجامعات، حيث سينهجون إلى التوحد مع بقية فئات الحركة الطلابية.
• استمرار الانقسام: من خلال رفض جماعة الإخوان المسلمين أي دعوات للتوصل إلى تسوية سياسية. وتستمر الأهداف المعلنة للحراك الإخواني في هذا السيناريو إعادة الرئيس المنتخب ودستور العام 2012 الذي تم تعليق العمل به، ومجلس الشورى المنحل، الغرفة العليا في البرلمان المصري، مما سيؤدى إلى إستمرار الوضع فى الجامعات المصرية على ما هو بل من الممكن أن يتأزم الموقف أكثر من ذلك فى ظل الشائعات المتناثرة عن رغبة طلاب الجماعة فى تعطيل الإمتحانات.