مع تعقّد العلاقات العسكرية المدنية: كيف تنشأ المشاركة في السياسة
تركز الدراسات المعنية بنمط العلاقات المدنية العسكرية أساسا على الترتيبات الصورية والدستورية، في الوقت الذي تولي فيه اهتماما ضئيلا لتعقد تركيبة العلاقات الواقعية بين النظم العسكرية والمدنية، فجاء أكثرها شيوعيا ليهتم بالأنساق التي ظل العسكريون فيها تحت سيطرة نظم ديمقراطية قائمة على أسس دستورية، والأنساق الخاضعة للسيطرة العسكرية.
وأهم الفرضيات التي تطرحها الدراسات التي تتناول مشاركة العسكريين في السياسة، هي أنه في الحالة "العادية" يبقى العسكريون غير مشاركين سياسيا. ومن هنا يثور السؤال الأهم الذي مفاده: كيف تنشأ هذه المشاركة السياسية بعيدا عن فكرة أن العسكريين قد يعملون على إشراك أنفسهم في السياسة بطريقة أو بأخرى في حالات كثيرة؟ إضافة إلى ذلك فإن بعض الدراسات تطرح سؤالين مستقلين، هما: لماذا وتحت أي ظروف يحتمل إلى حد كبير أن يشتغل العسكريون بالنشاط التشريعي والسياسي المقبول دستوريا؟ ولماذا وتحت أي ظروف يحتمل إلى حد كبير أيضا أن يساند العسكريون أو يعارضون – تماما أو بعض الشيء – السلطات المدنية؟
ومن هنا لابد للتنبؤ الواقعي أن يراعي دور العسكريين سياسيًا، إذ إن مشاركة العسكريين في الحياة السياسة ليست ظاهرة عابرة، ففي بلدان أمريكا اللاتينية وإفريقيا، وبعض أجزاء آسيا، تصل حكومات عسكرية إلى السلطة. وما دامت الظروف التنظيمية غير المستقرة سائدة، فمن المتوقع استمرار العسكريين في أداء دور حاسم في إدارة السلطة. وفي المقابل، ففي الديمقراطيات الغربية الأكثر استقرارا ونضجًا تعد السيطرة العسكرية بعيدة الاحتمال فيها، ولكن من المتوقع أيضا استمرار التأثير العسكري القوي في السياسة، كما هو حادث في كثير من البلدان الديمقراطية (البنتاجون في الولايات المتحدة ـ المؤسسة العسكرية في تركيا ـ العديد من المؤسسات العسكرية فيما اصطلح عليه بدول أوربا الشرقية)، ففي الوقت الذي فشلت فيه ظروف التوترات الدولية طويلة الأمد في إفراز "الدولة العسكرية" في الغرب، فإنها عززت موقع العسكريين، ليس في أمور عامة محددة في نطاق ضيق للدفاع الوطني فقط، بل أيضا في الحياة السياسية عامة والى حد ما.
أولا- تجارب عملية
أثرى علماء الاجتماع المعرفة بمناقشة الدور السياسي للعسكريين خلال الـ 25 عاما الأخيرة، وفي هذا الإطار اتفقت التحليلات السياسية على أنه حين يواجه النسق السياسي توترات شديدة ويضعف استقراره، أو حين تشهد البلاد ثورة شعبية تطيح بالنظام السياسي القائم، ولا تطرح بديلا سريعا لقيادة البلاد في مرحلة ما بعد الثورة لترسيخ نظام سياسي جديد شامل يحل محل القديم، فإن العسكريين يصبحون قوى كبرى، بل قوة رئيسية للعمل على استقرار هذا النسق الجديد.
وفي البداية، تعد يوغوسلافيا (1971 – 1972) وبولندا (1981 – 1982) مثالين لذلك، إذ إنهما لم تتحولا عن المبادئ الدستورية للسيطرة المدنية علي العسكريين. ولكن في كلا البلدين – وبالأخص بولندا – تدخلت القوات المسلحة في السياسة الداخلية بشكل كبير، لكنها ظلت وفيه للعهد لمبدأ السيادة المدنية. وضمن العسكريين لأنفسهم صوتا أقوى في كل أمور السياسة، وثمة موقف مماثل حديث بالهند عام 1975، حين أدت التوترات الداخلية وعدم الاستقرار إلى إعلان حالة الطوارئ، واعتقد جزء كبير من العسكريين أن الأمور تستلزم كبح جماح الميل الرجعي في سياسة الحكم الهندي.
وتتركز التفسيرات السببية للتدخل العسكري ضد السلطات المدنية، إما على خصائص النظم العسكرية، وإما على عوامل غير عسكرية أوسع نطاقا. ولعل ما شهدته مصر بعد الفترة الانتقالية التي أدارها المجلس الأعلى للقوات المسلحة باعتباره أولا كان حاميا لثورة شعبية أطاحت بالنظام السياسي الذي كان قائما، أو باعتباره ثانيا يمثل القوات المسلحة التي هي بالتعريف الدستوري جيش الشعب لا النظام ولو كان يأخذ أوامره من رأس النظام لاعتبارات دستورية.
ثانيا: حدود الدور: الحالة المصرية نموذجًا
في ظل التسليم بوجود دور سياسي مباشر وغير مباشر للعسكريين. يُطرَح تساؤل مفاده: ما حدود هذا الدور؟ وللإجابة عن التساؤل يمكن القول بأن الإطار الموضوعي للدور السياسي للعسكريين في دولة كمصر، يفترض التطرق إلى عدد من النقاط: أولاها: تلك الخاصة بالتاريخ الوطني الثابت للجيش المصري من مرحلة مبكرة، وأهم معالمها الثورة العرابية التي قادها عسكريون مثل عرابي والبارودي ومحمد عبيد، ثم حرب فلسطين التي أبرزت أحمد عبد العزيز وعبد القادر طه، واستشهاد الفريق عبد المنعم رياض في حرب الاستنزاف، إضافة إلى ثورة يوليو 1952م التي جسدت الدور الوطني للعسكريين المصريين.
ثانيتها: هي المتعلقة بكون الحركة السياسية المباشرة للجيش المصري قد اتخذت في الغالب صف الحركة الوطنية المدنية، ولم تتخذ شكل قمع هذه الحركة أو الاستيلاء على السلطة السياسية فيما يسمّى سلسلة من الانقلابات العسكرية على نحو ما يحدث في بلدان أخرى كثيرة، مثل البرتغال ودول أمريكا اللاتينية وبعض دول القارة السمراء.
ومن هنا فالميراث العسكري المصري في التاريخ الحديث والمعاصر يؤكد أن العسكريين ينشغلون بالنشاط السياسي في حالات فراغ السلطة أو في المراحل الانتقالية، أو إذا كانوا يمثلون ضلعا من أضلاع ثورة شعبية، كما حدث في عام 1952, وعام 2013، عندما استُدعيت المؤسسة العسكرية للحفاظ على أمن البلاد وإيقاف العبث بمقدراتها، ووضعت خارطة للطريق وافق عليها الشعب في استفتاء عام على الدستور، حتى وصل الأمر إلى اختيار احد أبناء المؤسسة رئيسا منتخبا عبر صناديق الاقتراع باكتساح تام أمام المرشحين الآخرين بنسبة لم تشهدها أي انتخابات رئاسية نزيهة، لا في مصر ولا في العالم المعاصر.
والسؤال هنا، متى يعارضون السلطات المدنية؟، فإن تاريخ العسكرية المصري الحديث لا يشير إلى ذلك، حيث إن المرة الوحيدة التي شكلوا فيها نظاما سياسيا هو نظام يوليو 1952، وهنا اختلطت الملامح العسكرية بالملامح المدنية، وتمت صياغة دستور كانت مضامينه مدنية إلى حدود بعيدة باستثناء أن رأس المؤسسة الرئاسية كان من العسكريين.
وانطلاقا من تاريخ المؤسسة العسكرية المصرية الوطني وبعدها عن الانقلابات المتتالية التي تتسم بها معظم المؤسسات العسكرية في دول العالم الثالث، وأيضا اختلاط الملامح العسكرية بالملامح المدنية طوال العقود الستة الماضية من يوليو 1952، وانفراد الجيش بالسلطة السياسية تشاركا أو تزاوجا مع طبقة من الفنيين التكنوقراط، فإن الوضع إبان 25 يناير قد اختلف شكلا وموضوعا، بل ومضمونا في علاقة المؤسسة العسكرية أولا بالأحداث التي اندلعت في الخامس والعشرين من يناير، وثانيا بتكفلها بإدارة شئون البلاد، وثالثا في عدم وجود قيادة سياسية أو على الأقل قيادة بديلة وجاهزة لإحلالها محل النظام السياسي لما قبل 25 يناير، ورابعا، التباس مفهوم الثورة ذاته، سواء من مفجّريها وطلائعها وممن أيدوها ودعموها، أو من المؤسسة العسكرية التي ساندت الثورة منذ خروج قواتها إلى الشارع، بمعنى أن الثورة تقوم على مقوّمين أساسيين، هما: القضاء أو هدم نظام قديم سابق، وإقامة نظام جديد.
وتغيير النظام لا يعني استبدال أفراد بإفراد أو قيادة بقيادة، بل يعني استبدال فلسفة بفلسفة وتوجه بتوجه، فالثورة حين تندلع إنما تسعى إلي تحقيق أهداف حقيقية قابلة للتحقيق، أي أن الهدف الرئيسي لأي ثورة هو استبدال فلسفة نظام سياسة واقتصادية واجتماعية بفلسفة أخرى، بمعنى أن تقوم ثورة على نظام سياسي واقتصادي شمولي واستبدال نظام سياسي متعدد واقتصادي منفتح مكانه، أو تقوم بثورة على نظام رأسمالي منفتح سياسيا واقتصاديا واستبدال نظام اشتراكي مكانه مثلا.. وهكذا، وملامح الفلسفة الجديدة هي وضع خريطة طريق لتحقيق أهداف تلك الفلسفة للثورة الجديدة بآليات سياسية ودستورية محددة المعالم بهدف الوصول إلى بناء نظام سياسي جديد، لذلك كانت المعارك والاشتباكات الأولى لمرحلة ما بعد 25 يناير .
وهنا نأتي إلى دور العسكريين في المعادلة، فبناءً على كل ما تقدم فالجيش أدار البلاد باعتبارين، أولهما أنه ينوب عن القوات المسلحة والمؤسسات العسكرية صاحبة التاريخ الوطني العسكري، وثانيهما أنه البديل السياسي لغياب القيادة بعد 25 يناير، التي كانت من المفترض أن تكون بديلاً جاهزًا بفلسفة واضحة.
ثالثاً- الديمقراطية ومشاركة العسكريين
بغض النظر عن الملابسات العديدة والتحديات الهائلة نتيجة لتداخل الرؤى السياسية وتخبط القوى السياسية التقليدية أو القديمة أو التي كانت ضمن سياق النظام السياسي القديم، سواء بمفاهيم إصلاحية أو ثورية، وبين عدم وضوح رؤى القوى السياسية الجديدة الوليدة للثورة، وسواء تعددت القوى السياسية ما بين مدنية بأشكال مختلفة ( ليبرالية – يسارية – قومية ) أو بين قوي إسلامية بأشكال متباينة أيضًا ( إخوان – وسط – سلفيين )، فقد منحت كل هذه التشابكات دورًا وعبئًا إضافيًا فرض أمرًا واقعيًا، هو أن تنوب القوات المسلحة عن جميع القوى السياسية بالتشاور حينًا وفرض رؤاها أحيانًا في وضع خريطة الانتقال أو العبور من المرحلة التي تسمى
"انتقالية"، وهي بالأدق "فراغ السلطة السياسية" إلى مرحلة بناء النظام الجديد من خلال انتخاب مؤسساته التشريعية والدستورية والرئاسية.
ولعل تصريحات وتحذيرات
الفريق أول عبد الفتاح السيسي، القائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع والإنتاج
الحربي في فترة حكم الإخوان المسلمين، من انهيار الدولة، وتركيزه على ما وصفه
"الإشكالية الخطيرة" التي تواجهها القوات المسلحة، وهي التوفيق بين حق
المواطن في التظاهر وحماية المنشآت، وكذلك دعوته القوى السياسية لوقف الصراع حول
إدارة شئون البلاد
" ... لعل أهمية هذه التحذيرات كانت تكمن في إمكانية عودة العسكريين إلى الحكم
بآليات ورؤى وإستراتيجيات مختلفة تؤكد أنه لا يزال لهذه المؤسسة دورها الوطني الحاسم
لمصلحة البلاد وحماية المجتمع، خاصة في ظل اهتراء واهتزاز البناء السياسي آنذاك،
ومحاولة التنظيم الدولي للإخوان المسلمين اختطاف الوطن، رغم أنهم ـ التباسا ـ
تمكنوا من الوصول إلى السلطة بوصول محمد مرسي إلى كرسي الرئاسة عبر صناديق الانتخاب
وبآليات ديمقراطية شكلية.
لكن في الدراسات الديمقراطية المستندة إلى التجارب العلمية الحديثة، اكتسب مصطلح "الديمقراطية المعطوبة" أهمية يمكن تعليلها جيدًا من الناحية النظرية، إذ ينطبق هذا المصطلح على الأنظمة السياسية التي وإن كان يتم فيها الإيفاء ببعض عناصر النظام الديمقراطي شكليًا، مثل حق الانتخاب العام – كما حدث مع الرئيس السابق محمد مرسى– فإنها تفتقد العناصر الجوهرية الأخرى، لكونها لم تكتمل بعناصر الديمقراطية الاجتماعية، ما يؤدي إلى الرجوع إلى نظام حكم مختلف، فالنظام الاقتصادي الاجتماعي الهادف إلى العدالة الذي يقر الجميع بإنصافه، مع ديمقراطية ممارسة السلطة ـ لا ديمقراطية الوصول إلى السلطة فقط ـ يمثلان الشرطين الضروريين اللذين يجب توافرهما لاستقرار دولة القانون الديمقراطية.
رابعا- الديمقراطية والتنمية
وهنا لابد من تأكيد الفرض القائل بأن التنمية الاقتصادية شرط أساسي للديمقراطية، أو على أقل تقدير تمثل العامل المساعد الأهم، فالعمليات السياسية والبنيات الاجتماعية تتفاعل بعضها مع بعض، وتأكيد أن الانتقال إلى الديمقراطية بمعناها الواسع والعلمي الذي أكدته كل التجارب المشابهة في العالم، يجب النظر إليه على أنه مكمل للعمليات الاقتصادية والاجتماعية وأن الضرورة الملحة للديمقراطية بعد يناير 2011 ويونيه 2013 التي كانت مطلبًا شعبيًا ونخبويًا، يمكن تفسيرها كأساس للتكامل الاجتماعي أو ببساطة من أجل "حسن فهم وتقدير المجتمع" ولا يمكن أن تكون هناك تنمية بدون حقوق الإنسان. ولكي يستطيع المواطنون الوصول إلى مستوى معقول ومقبول من التنمية يجب أن يتمتعوا بهذه الحقوق، فغياب الحقوق أو تقييدها يؤدي بالضرورة إلى تنمية معوقة أو متأخرة، فالشعب الذي يتمتع بالحقوق الإنسانية ولا يقوم بالتنمية، يفشل في واجبه نحو نفسه ونحو المجتمع، وهناك تفسيرات لعدم وجود وتحقيق التنمية، قد يكون أساسها سوء الحكم أو سوء إدارة الحكم ( مصر بعد يناير 2011 نموذجًا) أو الفساد وانعدام الشفافية ( العقدان الأخيران في عصر مبارك نموذجًا).
وجدير بالذكر هنا أن هناك واجبًا قانونيًا وسياسيًا على أولئك الذين يتولون قيادة الدولة! أن يعملوا في الأساس على تنميتها باستخدام أكثر مواردها الإنسانية جدارة. ومن حق المجتمع أن يتوقع أن يكون قادته هم أقدر العناصر على تيسير تنمية مجتمعهم، وهو ما ظهر في الثقة التي أولاها المصريون الرئيس المنتخب عبد الفتاح السيسي، خاصة في المشروعات الكبرى التي طرحها (مشروع قناة السويس ـ الظهير الصحراوي ـ استكمال مشروع توشكي ـ التحضير لمشروع زيادة الطرق) .
فالدولة ـ أو بالأحرى نظم الحكم في الدولة ـ ليس حرًا في أن يسيء إدارة نفسه، لأنه في النهاية سيكون عبئًا على المجتمع. فالقيادة المنحرفة ـ كما كان حادثًا في فترة ما بعد يناير 2011 وحتى إزاحة نظام محمد مرسي ـ كانت مسار سخط وسخرية القوى الاجتماعية بكل أطيافها وفئاتها، فهناك فروقات واضحة بين مفهومين أساسيين، هما مساوئ السياسة والسياسة السيئة! فالسياسة السيئة هي التي تعرّض أي بلد من البلدان إلى كم هائل من المخاطر، كما حدث إبان عصر الإخوان.
وقد أدرك الرئيس المنتخب عبد الفتاح السيسي، ابن المؤسسة العسكرية أن وجود قدر من الفوارق الاقتصادية قد يكون أمرًا محتومًا ومبررًا معًا في اقتصاد السوق. ولكن ينبغي أن يتجه اهتمام الديمقراطيين الأكفاء إلى تقليل التأثير السياسي أو الأهمية السياسية لمثل هذه الفوارق إلى أدنى حد فينبغي من ناحية أن تكون هناك تشريعات صارمة تكفل لجميع المواطنين حدًا أدنى من ضرورات العيش التي هي شرط لازم لممارسة أي مواطنة حقيقية، كما أنها الشرط الأساسي لممارسة الديمقراطية ذاتها.
فمعايير الدولة العصرية تحدد للدولة من حيث المبدأ الحق في توسيع فكرة المواطنة، وكيف يمكن اكتساب حقوق المواطنة، وألا تتصرف السلطة السيادية بطريقة تنطوي على أي تمييز، سياسيًا كان أو اقتصاديا. فالمعايير الدولية لحقوق الإنسان توفر ضمانات معينة حتى لجماعات الأقليات ( دينية ـ ثقافية ـ قومية ـ عرقية ـ لغوية ) فلهذه الأقليات الحق، ليس فقط في أن تعترف الدولة بوجودها، بل في أن تحمي هويتها الخاصة، وأن تهيئ الظروف المناسبة لتعزيز تلك الهوية داخل إطار الدولة الأمة ككل أيضًا، وأن يكون لكل هؤلاء كل الحقوق على قدم المساواة، وأهمها الحقوق الاقتصادية .
وهنا يطرح التساؤل التالي: هل تعتمد الديمقراطية على التنمية الاقتصادية؟ هناك دلائل كثيرة أكدها الرئيس السيسي على تزايد إمكانات الحفاظ علي الديمقراطية دون الانزلاق ثانية إلى هاوية الحكم الاستبدادي، كلما بلغ البلد درجة أعلى من التنمية الاقتصادية، فقد ولّى عصر تستند فيه السلطة السياسية إلى ما توفره من تنمية اقتصادية على حساب الديمقراطية، وتلبية حاجات المواطنين الاقتصادية والحد الأدنى للأجور، وغير ذلك من معطيات الرضاء الاقتصادي لدى فئات المجتمع المختلفة يمكن أن يؤدي ذلك إلى استبداد سياسي، وأن هذا يندرج تحت ما يسمى الاقتصاد الشمولي أو الاقتصاد الحمائي الذي يمنح الدولة سلطات هائلة يستغلها نظام الحكم السائد.
ومن ثم مع اتساع نطاق الطبقة الوسطى التي تقوم بمجموعة من المهام الفنية والمهنية، تزداد المقاومة للنزعة أو لأشكال الحكم المتسلطة، عملية التنمية الاقتصادية هذه تزيد تشعب المجتمع السياسي وتنوع الجماعات والرابطات ذاتية التنظيم بالمجتمع المدني مع تعزيز ثقتها بإمكان الدفاع عن استغلالها واستغلال المواطنين في مواجهة تجاوزات الحكومة.