النتائج المترتبة على الحرب في غزة
رغم انتهاء العملية التي أطلقت عليها إسرائيل اسم "Protective Edge" باتفاق لوقف إطلاق النار، فإن هناك شكوكًا في استمرار هذا الاتفاق بسبب هشاشة الأسس التي بني عليها.
وتفترض هذه الورقة أن النتيجة التي انتهت إليها الحرب كانت ظاهرة للعيان وكان من المتوقع ألا تؤدي إلى حلحلة الوضع العسكري والأمني على الحدود بين غزة وإسرائيل، ولكن نتائجها السياسية قد تكون هي ما ينبغي دراسته سواء علي صعيد الوضع بين السلطة الفلسطينية والفصائل الفلسطينية، وعلى الأخص حركة حماس، أو بين إسرائيل وكل من السلطة وحماس، وأخيرًا النتائج التي ستترتب إقليميا عليها. وتفترض الورقة أيضا أن النتائج العسكرية والأمنية للحرب كانت كامنة في الحسابات التي قادت إلى اندلاع القتال، ومن ثم سنبدأ برصد حسابات أطراف الصدام عشية بدأها.
أولا: حسابات أطراف الصراع قبل الحرب
نتناول هنا حسابات كل من حركة حماس وإسرائيل وبعض القوى الإقليمية.
1- حركة حماس
رغم أن عدد من الفصائل الفلسطينية شارك في الحرب التي اندلعت في الخامس من يوليو الماضي، فإن قرارات استمرار القتال أو عقد الهدنة بقيت بدرجة كبيرة في يد حركة حماس كونها تسيطر عمليا على القطاع منذ انقلابها علي السلطة الفلسطينية عام ٢٠٠٧، لذلك سنركز على أوضاع الحركة قبل الحرب كمقدمة لفهم أسباب قرارها تصعيد المواجهة مع إسرائيل.
مثلت الفترة منذ سقوط الرئيس الأسبق حسني مبارك في فبراير ٢٠١١ وحتى إزاحة جماعة الإخوان عن الحكم في مصر في يوليو ٢٠١٣، أفضل بيئة إستراتيجية توفرت لحركة حماس منذ استيلائها على غزة عام ٢٠٠٧. إذ تخلصت من الضغوطات التي كان الرئيس مبارك يمارسها عليها سواء على صعيد رفض الاعتراف بسلطتها في القطاع، أو فيما يتعلق بملف المصالحة الذي طرحته وبلورته ورقة مصرية لإعادة الوحدة الفلسطينية، كما اعتقدت الحركة أن وصول الإخوان إلى الحكم في مصر سيوفر لها عمقًا سياسيا وعسكريا يمكنها من إسقاط السلطة الفلسطينية في الضفة كمقدمة للحلول محل كل الكيانات الممثلة للفلسطينيين وعلى الأخص منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية. وعلى الجانب الآخر بدا موقف تركيا المؤيد لحكم الإخوان، وبالتبعية لحركة حماس، بمثابة تعويض لها عن فقدان الدعم الذي كانت تحظى به قبل اندلاع ثورات الربيع العربي من جانب سوريا وإيران وحزب اللـه، ولكن مع سقوط الإخوان عن الحكم في مصر تحولت البيئة الإستراتيجية لحماس تحولا دراماتيكيا في الاتجاه المضاد خاصة مع إعلان مصر والسعودية والإمارات العربية جماعة الإخوان كجماعة إرهابية، وما تبعه من صدور حكم من إحدى المحاكم المصرية ضد الحركة في ٤ مارس الماضي، وجاء منطوقه على النحو التالي: حظر أنشطة منظمة حماس مؤقتا داخل مصر والجمعيات والجماعات والمنظمات والمؤسسات التي تتفرع عنها أو تتلقى منها دعما ماليا أو أي نوع من أنواع الدعم لحين الفصل في الدعوى الجنائية المنظورة وذلك في إشارة إلى قضيتي التخابر واقتحام السجون المتهم فيهما قيادات من حركة حماس إلى جانب قيادات من تنظيم الإخوان.
إضافة إلى ذلك بدا أن الجيش المصري بات مصمما على تدمير كل الأنفاق التي أقامتها بعض الفصائل الفلسطينية بين القطاع وسيناء، والتي كانت تشكل بالنسبة لحماس المصدر الأهم لتهريب السلاح والسلع التجارية وكذلك للضرائب والعوائد المالية.
أيضا أدى سقوط حكم الإخوان في مصر إلى فقدان تركيا وقطر القدرة على إيصال مساعداتهم سواء المالية أو الاقتصادية لحماس كما أدي موقف هذين البلدين المعادي لثورة الشعب المصري في ٣٠ يونيو، إلى تزايد مشاعر الرفض من جانب المصريين لحركة حماس مما أفقدها حاضن مهم ذهب نحو التعاطف مع الشعب الفلسطيني، وفصل هذا التعاطف عن حركة حماس التي باتت متهمة بتوجيه سلاحها إلى الجيش المصري وجنوده بأكثر من توجيهه لإسرائيل ذاتها.
في ظل هذه الأوضاع لم يكن أمام حركة حماس سوي فتح المجال أمام تحقيق مصالحة داخلية مع السلطة الفلسطينية على أمل أن تكون هذه الخطوة بمثابة مخرج مؤقت من عزلتها الإقليمية، وأيضًا من أجل تخفيف الصعوبات الاقتصادية الناجمة عن القيود المفروضة على القطاع، والتي تسببت فيها سياسة حماس نفسها، وهو ما حدث في الرابع والعشرين من أبريل الماضي بتوقيع اتفاق نصت أهم بنوده على:
١- يبدأ الرئيس أبو مازن مشاورات تشكيل حكومة التوافق الوطني، بالتوافق مع الفصائل، من تاريخه، وتعلن خلال الفترة القانونية، وهي خمسة أسابيع.
٢- التأكيد على تزامُن الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني، ويخوّل الرئيس بتحديد موعد الانتخابات بالتشاور مع القوى والفاعليات، على أن يتم إجراء الانتخابات بعد ستة أشهر من تشكيل الحكومة على الأقل، وتتم مناقشة ذلك في لجنة تفعيل منظمة التحرير في اجتماعها القادم.
حمل هذا الاتفاق مخاطر حقيقية علي حماس وأصبح يهدد بالتحول من كونه مخرجًا لأزمة معينة إلى مأزق يهدد سلطتها ووجودها كتنظيم مسلح وسلطة في القطاع، فبعد أن كانت سياستها تهدف إلى جعل قطاع غزة مرتكزا لسلطتها التي تسعى لتوسيعها لتمتد إلى المناطق الخاضعة للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وبعد أن تمكنت من أن تحظى باعتراف ضمني من جانب عدد من القوى الإقليمية بسلطتها، مع الاستعداد لمعاملتها على أنها طرف مستقل له شرعية تمثيلية للشعب الفلسطيني مثلها مثل منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، عاد هذا الاتفاق ليكون بمثابة المقدمة لخسارة كل المكاسب السابقة، ومن ثم كان على قادة حماس البحث عن وسيلة لتعويقه ومنع تطبيقه بأي ثمن، وكانت عملية خطف ثلاثة مستوطنين في الخليل في ١٢ يونيو ثم قتلهم في الثلاثين من الشهر نفسه هي الشرارة التي أطلقت الحرب، وفيما بعد وأثناء الحرب في غزة اعترف القيادي في حماس صالح العاروري المقيم في تركيا في ٢١ أغسطس الماضي بمسئولية كتائب عز الدين القسام التابعة لحركته عن قتل المستوطنين الثلاثة بعد خطفهم، وأكدت هذه الاعترافات التي أتت بعد طول إنكار من جانب خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحماس ما تردد عن أن حماس كانت تخطط من خلال هذه العملية لإحراج السلطة الفلسطينية، وجرها لحرب مع إسرائيل ربما تؤدي إلى فقدان أبو مازن والسلطة الفلسطينية السيطرة على الأراضي الخاضعة لها في الضفة، ومن ثم تقبض حماس على زمام الأمور وتنهي الانقسام الفلسطيني بطريقتها وتنهي معه كل بنود اتفاق المصالحة التي كانت تهددها، أو على الأقل تؤجل تطبيقها لأمد غير منظور بما يبقي على سلطتها في غزة.
ورغم محاولة حماس تفجير الوضع في الضفة أثناء الحرب فإنها فشلت فشلا ذريعا في ترجمة المظاهرات الحاشدة التي سيّرتها هناك ضد إسرائيل وتضامنا مع غزة إلى تحول حقيقي في موقف السلطة الفلسطينية وسكان الضفة من الحرب، حتى إن الحركة استنكرت في بيان رسمي صدر في ٢٢ أغسطس الماضي، قيام أجهزة أمن السلطة الفلسطينية، بقمع وتفريق مسيرات تضامنية مع قطاع غزة، انطلقت في الضفة الغربية. ووصف فوزي برهوم، المتحدث الرسمي باسم الحركة، تفريق التظاهرات، بـ"العمل المشين" و"المخجل" الذي لا يخدم سوى الاحتلال الصهيوني، داعيا السلطة إلى وقف هذه الممارسات بشكل فوري، وتصعيد المظاهرات والاشتباكات مع الاحتلال في كل المدن الفلسطينية.
2- إسرائيل
لم تقدر حكومة نتانياهو أن حماس يمكن أن تخطط لكسر الهدنة القائمة منذ نوفمبر عام ٢٠١٢، واعتقدت أنها قد ازدادت ضعفا ليس فقط لفقدانها حليفها الأهم ـ حكم الإخوان في مصر ـ بل أيضا لكونها لم تعد صاحبة القرار ـ نظريا على الأقل وبشكل كامل ـ في قطاع غزة بعد أن وقعت اتفاق المصالحة مع أبو مازن، من ثم كانت مفاجأة اختطاف المستوطنين على يد حماس قد أربكت نتانياهو الذي لم يتوقع أن تتدهور الأوضاع إلى حد إسقاط الهدنة واستئناف القصف المتبادل للتجمعات السكانية في إسرائيل وقطاع غزة، أيضا لم تكن التقديرات الإسرائيلية لحجم الأنفاق التي حفرتها حماس بين القطاع وأراضيها في الجنوب دقيقا، والأمر نفسه فيما يتعلق بحجم ترسانتها من الصواريخ ومقذوفات الهاون، ومن ثم توقعت ألا تتمكن حماس من الصمود طويلا أمام الغارات الجوية الكثيفة التي تم شنها مع اندلاع القتال العنيف في الخامس من يوليو الماضي، وراهنت على نجاح مصر في الوساطة والعودة إلى اتفاق التهدئة بشكل سريع. بمعنى أخر انصب اهتمام إسرائيل قبل الحرب على مواجهة الضغوط الأمريكية التي كانت تهدف إلى استئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، والتي تعطلت بعد إعلان إسرائيل مقاطعتها بسبب تشكيل حكومة الوحدة الفلسطينية، واعتقدت إسرائيل أيضا أن حماس ستركز على معركة الإطاحة بأبي مازن بأكثر من رغبتها في الدخول في مواجهه مع إسرائيل غير مضمونة العواقب، ولاحقا ظهرت مؤشرات على وجود مثل هذا التقدير للوضع في تل أبيب، فقد أظهرت تسريبات نشرتها جريدة معاريف الإسرائيلية في ١٨ أغسطس الماضي، أن جهاز الأمن العام الإسرائيلي "الشاباك" كشف عن إلقاء القبض على تنظيم مكون من خمسة أفراد من حماس، كانت تعمل في الضفة الغربية والقدس الشرقية لإسقاط حكم السلطة الفلسطينية والاستيلاء على الضفة الغربية خلال الأشهر الأخيرة.
ونقلت الصحيفة عن مسئول في الشاباك قوله، إن حماس كانت ستنفذ هذا المخطط عن طريق ارتكاب سلسلة من الاعتداءات الإرهابية في إسرائيل، والتي كانت ستؤدي إلى زعزعة الاستقرار في الضفة، مؤكدا أن الغرض الرئيسي للمخطط محاولة الانقلاب على السلطة الفلسطينية، ثم على إسرائيل بعدها بعده شهور.
وأكد المسئول الإسرائيلي أن نشطاء التنظيم كانوا ينتظرون انهيار المفاوضات، أو انهيار اتفاق المصالحة بين حماس وفتح لتنفيذ مخططهم.
3- القوي الإقليمية
أدت ثورة الثلاثين من يونيو ٢٠١٣ والتي أطاحت بحكم الإخوان في مصر إلى تحولات جذرية في نمط التفاعلات الإقليمية التي كانت قد ارتكزت منذ عام ٢٠١١ على افتراض بأن جماعة الإخوان من خلال سيطرتها على السلطة في مصر ستكون الأداة الرئيسية في يد تركيا وإيران وقطر للإطاحة بالنظم الحاكمة في الدول العربية، والتمكين لنظام إقليمي جديد يقوم علي الشرعية الدينية والمذهبية كبديل للدولة الوطنية المأزومة، وعلى الرغم من اختلاف أسباب الدول الثلاث للسعي لتحقيق هذا الهدف، فإن نوعا من التناغم قد جمعها معا دون أن تؤثر عليه اختلاف مواقفهم في الأزمات المتفجرة في سوريا والعراق وليبيا واليمن، وساعد على ذلك توجه إدارة الرئيس باراك أوباما لدعم حكم جماعة الإخوان في مصر وتونس، مع عدم الممانعة في نقل هذه المغامرة إلى بلدان الخليج ذاتها وعلي رأسها السعودية والإمارات، ففيما يخص تركيا كان الطموح يراود أردوغان لتحويل بلاده إلى قوة إقليمية عظمى تسترد نفس النفوذ القديم للإمبراطورية العثمانية اعتمادا على نجاح نموذجه في الحكم داخل تركيا، ومن ثم تصديره إلى الدول المفتاح في العالم العربي وقيادته في المرحلة اللاحقة، أما إيران وعلى الرغم من أن تكوين إمبراطورية سنية المذهب تقودها تركيا سيكون حاجزا أمام طموحاتها الإقليمية، فإنها اعتبرت تحول الدول العربية إلى نظم حكم قائمة على الشرعية الدينية يشكل في حد ذاته تعضيد لحكم الملالي في إيران، وأن الحلف السني بقيادة تركيا سيعمل ككابح للمخاطر الإسرائيلية على إيران بسبب سعي إسرائيل إلى عزل طهران دوليا ومنع حصولها على الخيار النووي، أما قطر فقد اعتقدت أن ثروتها من الغاز والنفط سيجعلها مطمعًا من الدول الإقليمية العظمى، وأن عدم اقتناع بعض دول الخليج نفسها باستقلال السياسة القطرية الخارجية سوف يرتب مخاطر شديدة على أمن النظام الحاكم بها، ومن ثم اعتقدت الدوحة أن استثمارها في دعم جماعة الإخوان الساعية لقلب النظم الحاكمة في الدول العربية المهمة سيحقق لها عدة مكاسب على رأسها؛ تخفيف الضغوط الواقعة عليها من هذه النظم، كما أنه سيحقق التوازن بين الطموحات الإيرانية والتركية بما يدعم ترسيخ النظام الحاكم في قطر، كما أن هذا التوجه يتلاءم مع سياسة الرئيس أوباما، ولا يخلق أي تناقض مع الحليف الأمريكي الذي يعد الضامن الأساسي لعدم ابتلاع قطر من جانب جيرانها الأقوياء.
تغيرت كل هذه المرتكزات بعد إطاحة الشعب والجيش المصري بجماعة الإخوان من الحكم، وبعد أن أصبحت طموحات الدول الثلاث في مهب الريح، وهو ما يفسر حالة الهستيريا التي انتابت تركيا وقطر على وجه الخصوص، وتوجههما معا من أجل حصار نظام الحكم الجديد في مصر، واعتبار أن المحافظة على جيوب الحكم القائمة للإخوان في تونس وغزة المحاولة الأخيرة لمنع انهيار مشروع تغيير أنظمة الحكم في العالم العربي واستبدالها بشرعيات "دينية".
بمعني أكثر وضوحا لا يمكن استبعاد وجود دور لقطر وتركيا في تشجيع حماس على الدخول في حرب مع إسرائيل، على أمل أن تسترد جماعة الإخوان المنهارة جزءًا من قوتها وشعبيتها، كما أنه يمكن البلدين من حصار الدور المصري الإقليمي وتشويه صورة الحكم الجديد بتصويره علي أنه يقف مع إسرائيل ضد "الشعب العربي الفلسطيني المسلم"، وحتى إيران نفسها يبدو أنها كانت تشجع من طرف خفي هذه الحرب، لإنهاك إسرائيل وردع الرأي العام المتطرف بها والذي يطالب بتوجيه ضربة صاروخية للمفاعلات النووية الإيرانية، على أساس أنه إذا كان إطلاق آلاف الصواريخ غير المؤثرة من حيث قوتها الانفجارية قد عطل الحياة العادية في إسرائيل، فماذا ستكون عليه الحال لو وجهت إيران صواريخها البعيدة المدى والحاملة لرؤوس حربية تقليدية أو غير تقليدية ذات قوة تدميرية واسعة لكل المدن الإسرائيلية؟
ثانيا تقييم نتائج الحرب وأثرها على الحسابات السابقة
من المنطقي أن حسابات الخسائر والأرباح في الحروب تحسب وفقا للأهداف التي وضعتها أطراف الصراع قبل خوضها الحرب، وبالتالي لن نهتم كثيرا بالبيانات التي صدرت عن هذه الجهات عقب وقف القتال، والتي يشير طرفاها الأساسيان ـ حماس وإسرائيل ـ إلى انتصار كليهما!! فيما يتعلق بحركة حماس نجد أن أهدافها من الحرب قد تحددت وفقا لبياناتها الرسمية في التالي:
١- رفع الحصار بشكل كامل عن القطاع وفتح كل المعابر بين القطاع وكل من مصر وإسرائيل بشكل دائم.
٢- توسيع نطاق منطقة الصيد البحري للقطاع إلى ١٢ميلا، مع إقامة ميناء ومطار في القطاع.
٣- الإفراج عن الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجون إسرائيل.
بينما جاء اتفاق التهدئة بمثابة تعهد بلا آليات ملزمة لتحقيق التالي:
في إطار الاتفاق هناك خطوات فورية سيبدأ الطرفان في تنفيذها، أبرزها:
- توقف إسرائيل كل العمليات العسكرية بما في ذلك الضربات الجوية والعمليات البرية في غزة.
- توقف حماس والفصائل الفلسطينية في غزة إطلاق القذائف والصواريخ على إسرائيل.
- توافق إسرائيل على فتح المزيد من معابرها الحدودية مع غزة للسماح بتدفق البضائع، بما في ذلك المعونات الإنسانية ومعدات إعادة الإعمار إلى القطاع.
- تتولى حكومة الوفاق الفلسطينية قيادة تنسيق جهود إعادة الإعمار في غزة مع المانحين الدوليين.
- ينتظر من إسرائيل تضييق المنطقة الأمنية العازلة داخل حدود قطاع غزة من 300 متر إلى 100 متر إذا صمدت الهدنة. وتسمح هذه الخطوة للفلسطينيين بالوصول إلى مزيد من الأراضي الزراعية قرب الحدود.
- توسع إسرائيل نطاق الصيد البحري قبالة ساحل غزة إلى ستة أميال بدلا من ثلاثة أميال، مع احتمال توسيعه تدريجيا إذا صمدت الهدنة. ويريد الفلسطينيون العودة في نهاية الأمر إلى النطاق الدولي الكامل وهو 12 ميلا.
بمقارنة هذه البنود بمطالب حماس أثناء الحرب نجد أنها لم تحقق أيا من أهدافها، وذلك من حيث الأهداف المعلنة، أما الأهداف غير المعلنة والتي على رأسها إسقاط السلطة الفلسطينية في الضفة والحلول مكانها، واستبدال الدور المصري بالدورين التركي والقطري، وإثبات قدرتها كذراع عسكري للإخوان المسلمين قادر علي القيام بمهمة خلق الإضرابات من أجل إعادة الجماعة إلى الواجهة السياسية في مصر ... كل هذه الأهداف فشلت فيها حماس فشلا ذريعا، بل إن خسائرها من الحرب قابلة للزيادة بعد أن تكبدت مقتل مئات من عناصرها وقيادتها، فقد زادت من حدة التوتر مع مصر بعد إصرارها في بداية الحرب على رفض الورقة المصرية التي اضطرت لقبولها لاحقا، كما لم تتمكن من دفع مصر للتعامل معها بعيدا عن ولاية السلطة الفلسطينية بعد أن شاركت في المفاوضات كفصيل ضمن فصائل تحت قيادة عزام الأحمد ممثل السلطة الفلسطينية، أيضا فقدت التعاطف الشعبي في مصر تجاهها، والذي كان متوفرا طيلة الوقت قبل أن تسفر عن وجهها الحقيقي كذراع عسكري لجماعة الإخوان المدرجة كتنظيم إرهابي في مصر، ولكن يبدو أن المكسب الوحيد الذي حققته حماس، والذي كان ضمن أهدافها هو احتمال تأخر استحقاقات المصالحة خاصة مسألة الانتخابات في السلطة الفلسطينية، والمقرر لها شهر أكتوبر 2014، إذ لا يتوقع أن تتم هذه الانتخابات قبل التأكد من صمود اتفاق الهدنة على الأقل لمدة شهر منذ توقيعه، وإن كان البعض يرجح أن حماس ربما يغريها حالة الغضب في الرأي العام الفلسطيني ضد إسرائيل والسلطة الفلسطينية معا لكي تدفع في اتجاه إجراء الانتخابات في موعدها، على أمل أن يترجم هذا الغضب إلى أغلبية تصب في مصلحتها ويتم انتخابها لقيادة السلطة بدلا من حركة فتح، وإن كان هذا الاحتمال ليس مؤكدا خاصة مع وجود غضب مماثل أيضا بين الفلسطينيين تجاه حماس التي عجزت عن حماية المدنيين وممتلكاتهم في غزة ، فضلا عن أن هناك نسبة معتبرة من الرأي العام الفلسطيني ستتحسب من احتمالات أن يقود فوز حماس في انتخابات السلطة إلى زيادة مخاطر الدخول في مواجهات حربية أكثر حدة مع إسرائيل في المستقبل. والأهم أنه مع ارتفاع حدة شكوك السلطة الفلسطينية في حماس بسبب ما ذكر سابقا من سعيها إلى الاستيلاء على الحكم في الضفة، فإن مخاطر أعلى ربما تظهر مستقبلا وربما تؤدي إلى حرب أهلية فلسطينية بين مؤيدي السلطة ومؤيدي حماس، وأخيرا فإن خسائر حماس في مخزونها من السلاح كانت مرتفعة بشدة ويصعب في حالة تطبيق اتفاق التهدئة الذي سيشتمل على آليات رقابة دولية وإسرائيلية، أن تعوّض حماس خسائرها أو تتمكن من تصنيع أسلحة بديلة محليا.
فيما يتعلق بإسرائيل واثر نتائج الحرب عليها، فقد ذكرنا سابقا أنها لم تسع لدخول مواجهة مع حماس، كما كان رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو واضحا عندما كرر أثناء الحرب أن هدف إسرائيل هو وقف إطلاق صواريخ حماس، وإضعاف قدرتها العسكرية وهو ما حققه القتال والاتفاق معا، على عكس ما تذهب إليه حماس من أن إسرائيل لم تحقق أهدافها، وتفترض حماس أن هدف إسرائيل الأول كان إسقاط حكمها في غزة والقضاء على المصالحة الفلسطينية، وهي أهداف تدور في مخيلة حماس وحدها ولم تذكر في أي بيان رسمي إسرائيلي قبل وأثناء الحرب، رغم أن بعض وزراء الائتلاف مثل أفيجدور ليبرمان وزير الخارجية ونفتالي بينت وزير الاقتصاد كانا يحثان نتانياهو على تعديل أهداف الحرب، بحيث تشتمل على إنهاء حماس في غزة ونزع سلاح الفصائل، أما الخسائر الحقيقية في إسرائيل فتتركز في احتمال مقاضاتها دوليا على جرائم الحرب وما يستتبعه من عزلة دولية، إضافة إلى الانقسام داخل الائتلاف والذي قد يهدد بحل الحكومة والذهاب إلى انتخابات مبكرة .
فيما يتعلق بالنتائج على الصعيد الإقليمي، يمكن القول: إن مصر وحدها هي التي كسبت تأكيد أهمية دورها الإقليمي، كما أنها واصلت عزل حماس بإصرارها على أن يكون الوفد الفلسطيني المفاوض برئاسة ممثل السلطة الفلسطينية، كما أظهرت ردود الفعل الشعبية في مصر تأييدًا كبيرًا للسياسة المصرية بعد أن عجزت جماعة الإخوان الإرهابية عن استثمار الحرب لحشد المعارضة في الداخل ضد الرئيس السيسي وسياسته، أما تركيا وقطر فقد فشلت محاولتهما للعب دور إقليمي يتناسب مع طموحاتهما، كما انكشف زيف القوة التركية التي هددت بحماية السفن التي سترسلها محملة بالمعونات الإنسانية إلى حماس، ثم تراجعت سريعا عن هذا التهديد وقبلت بإدخال مساعداتها عبر مصر والمعابر الإسرائيلية، فضلا عن ذلك، من المتوقع أن تحاول إسرائيل معاقبة تركيا على تأييدها لحماس عبر الدعم السياسي وربما العسكري للأكراد الذين يقاتلون الحكومة التركية من أجل تحقيق طموحاتهم القومية المشروعة، أما إيران فقد بدا بوضوح أن حرصها على إنجاح المفاوضات مع واشنطن والقوى الأوربية حول مستقبل مشروعها النووي، قد حد من قدرتها على تقديم الدعم لحماس سواء مباشرة أو عبر حزب اللـه في لبنان، وهو ما اظهر هشاشة قدرتها وتناقض مواقفها العلنية مع السياسات التي تنفذها على أرض الواقع.
خلاصة ونتائج
ثمة إدراك لدى كل الأطراف أن الحرب الأخيرة في غزة لم تؤد إلى حلحلة الأوضاع السياسية القائمة، وأن جولة قتال جديدة قد تندلع في أية لحظة بسبب تأجيل مناقشة أهم نقاط الخلاف بين إسرائيل وحماس لمدة شهر، مع وجود يقين بأن الاستجابة لمطالب حماس برفع الحصار كاملا وبناء الميناء والمطار لن تقبله إسرائيل إلا مقابل نزع سلاح الفصائل الفلسطينية وإعادة السلطة إلى غزة، وهو ما لا يمكن أن تقبله حماس، من ثم هناك أحد مسارين محتملين الأول أن تقبل حماس الوضع الراهن وتكتفي بتسهيلات علي المعابر لتمرير المساعدات الإنسانية دون أن تسعى لتجدد القتال، وأما الاحتمال الثاني بأن تغامر حماس بالدخول في مواجهة ثانية مع إسرائيل في وضع هي الأضعف فيه عسكريا وسياسيا وأيضًا مع تهديد إسرائيلي بأن تجدد القتال قد يقود لتصعيد أكبر في أهدافها ووسائل قتالها، الأمر الذي يحول الخيار أو الاحتمال الثاني إلى خيار انتحاري لحركة حماس.