صورة الانتقال السياسي في مصر في الصحافة الإماراتية (2-2)
تناولنا في الجزء
الأول من عرض الدراسة الضافية للباحث الدكتور/ هشام محمد عبد الغفار أستاذ الصحافة
المشارك بكلية المعلومات والإعلام والعلوم الإنسانية – جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا
وأستاذ الصحافة المساعد بكلية الآداب - جامعة حلوان صورة الانتقال السياسي في مصر في
صحافة دولة الإمارات العربية المتحدة، وذلك في الفترة من 30 يونيو 2013 وحتى إقرار
الدستور الجديد كخطوة أولى في خارطة المستقبل في يناير 2014، ولاسيما فيما يتعلق بالأطروحات
التي طرحتها صحيفة "الخليج" كممثل للصحافة الإماراتية فيما يتعلق بسمات الانتقال
السياسي (خارطة المستقبل) ولاسيما في مرحلتها الأولى، وأطروحات الصراع على المستويين
الداخلي والخارجي.
ونستكمل في الجزء الثاني من عرض الدراسة، القوى
الفاعلة في الانتقال السياسي في مصر، وتصورات تفعيل الانتقال السياسي في خطاب
صحيفة الخليج الإماراتية :
أولًا : القوى الفاعلة
في الانتقال السياسي في مصر و الأدوار المنسوبة إليها
نظرًا
للطبيعة الصراعية لعملية الانتقال السياسي في مصر تشكلت القوى الفاعلة والأدوار
المنسوبة إليها في خطاب صحيفة الخليج من أطراف هذا الصراع في الداخل والخارج بما
يعكس الأسباب التي أدت إلى الانتقال السياسي في مصر من ناحية ، والأسباب التي أدت
إلى الصراع الذي يحكم هذا الانتقال السياسي من ناحية أخرى، مع الأخذ في الاعتبار
التشابك والتداخل والتفاعل بين أطراف هذا الصراع وفقا للمصالح والأهداف في تصور
هذا الخطاب حسب ما تظهره نصوصه.
1- القوى الخارجية
الفاعلة و الأدوار المنسوبة إليها في إطار تفاعلها مع غيرها من القوى الفاعلة
جاءت
القوى الخارجية الفاعلة والأدوار المنسوبة إليها على نحو مُعَادٍ للسلطة
الانتقالية في مصر التي عزلت الرئيس محمد مرسي و أزاحته عن الحكم باستثناء دول
الخليج العربي والدولة الروسية، ومن هنا يمكن القول؛ إن القوى الخارجية الفاعلة
تنقسم إلى (قوى إيجابية ) و ( قوى سلبية).
أ- القوى
الخارجية الفاعلة الإيجابية
يصف الدكتور مصطفى الفقي الدور الخليجي قائلًا: "فقدت
مصر في العام الأخير جزءًا كبيرًا من تعاطف أشقائها العرب، وخصوصًا في منطقة
الخليج رغم الحب الذي تُكنُه شعوبُها لأبناءِ الكنانة، ولكن المخاوف المترسبة في
الذاكرة التاريخية جعلت هذه الشعوب تنظر بحذر إلى " أم الدنيا " وكأنها
كيانٌ آخر، وأحجمت تلك الدول عن دعم الاقتصاد المصري في ظروف صعبة، لأنها رأت أن
ما تقدمه سوف يصب في خانة الجماعة قبل أن يصل الى الشعب الذي يبدو مندهشًا إلى حدِ
الذهول حزينًا إلى حد اليأس، يلوذ بإسلامه ومسيحيته ضد من يحاولون احتكار المعتقد
الديني على أوسع نطاق من أجل خدمة أهداف قصيرة الأجل وطموحات ذاتية في خدمة
الحزبية الضيقة والجماعات الدينية المغلقة.
وها هي
دول الخليج قد أطلت على الدولة المركزية الأم في سعادة غامرة ورضا لا تخفيه وراحة تبديها
وقالت جميعًا (إن مصر قد عادت)، ويكفي في ذلك بيان خادم الحرمين الشريفين الذي
يحمد اللـه أن انتشل الكنانة من نفق مظلم، وبرقية دولة الإمارات العربية المتحدة
التي اقتصرت على كلمتين فقط (مبروك لأم الدنيا)".
وتقول
صحيفة الخليج في افتتاحيتها أيضًا: "لقد كانت مصر (مختطفة) بالمعنى الحقيقي
لا المجازي، وها هي تعود اليوم إلى أهلها وإلى قيادة تُعبِر عن رغبة شعبها البطل
العظيم، ولذلك فإن العلاقة بين الإمارات ومصر تعود إلى سابق سيرتها، وتعود قوية
على موازين من الثقة التي هي دائمًا أساسُ العلاقات بين الدول والشعوب".
ويرى
الدكتور خليل حسين، الدور الروسي داعمًا للانتقال السياسي في مصر قائلًا: "في
مقابل التحول الأمريكي المصري ثمة غزل سياسي وعسكري واقتصادي روسي مصري واضح
المعالم، فمن جُملة ما عرضته موسكو على القاهرة؛ صفقات سلاح طائرات حربية متطورة
من نوع ميج، إضافةً إلى برامج تدريبية عسكرية، علاوة على تقديم قمر اصطناعي ذي بُعدٍ
عسكري بهدف مواجهة أوضاع سيناء الأمنية غير المريحة للقاهرة، ما يعني أن ثمةَ قرارًا
روسيًا بإعادة تموضع شرق أوسطي يعطي ميزة إستراتيجية إضافية على وجودها في طرطوس
بعد جملة التحولات الأمنية والعسكرية الحاصلة في الأزمة السورية حاليًا، والخروج
الروسي المدوي من ليبيا".
ب- القوى الخارجية الفاعلة السلبية
وتأتي
تركيا في مقدمة الأطراف الخارجية المُعادية للسلطة الانتقالية في مصر، حيث يشرح
محمد نور الدين الدور التركي في مقالٍ بعنوان له دلالته: "مصر تواجه الوالي
العثماني" قائلًا: "انتهكت تركيا كلَ الخطوطِ الحُمر والأعراف
الدبلوماسية والسياسية في العلاقات بين الدول، عندما اتبعت سياسة التحريض اليومي
على ثورة 30 يونيو التي أطاحت بالرئيس المصري محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين.
لقد
تصرف المسئولون الأتراك تجاه إطاحة سُلطة الإخوان المسلمين في مصر كما لو أنها إطاحة
سُلطة حزب العدالة والتنمية في تركيا، وأعتقد أنهم في ذلك على حق، ذلك أن تركيا
كانت تنظر إلى مصر في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك على أنها عقبة أمام تمدد الدور
التركي في المنطقة، خصوصًا أن مبارك كان ينظر بحساسيةٍ فائقة إلى موقف حركة حماس
في غزة من العلاقة مع الإخوان المسلمين في مصر.
ولم
يتردد أردوغان مع بداية ثورة 25 يناير في اغتنام فرصة الثورة لكي يتدخل في الشأن
الداخلي المصري، ويدعو مبارك للتنحي ليس حبًا بالديمقراطية، بل ليزيل عقبةَ مبارك
أمام الدور التركي، ولأن أردوغان كان يراهن على وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة
كونهم الأكثر قوة وتنظيمًا وعراقة في
العمل الحزبي بخلاف بقية القوى الموجودة على الساحة السياسية، وبالفعل سارت الأمور
كما يشتهي أردوغان .
لقد
أخطأ أردوغان وداود أوغلو وقادة حزب العدالة والتنمية عندما تجاوزوا مجرد موقفهم
المعارض للانقلابات العسكرية، وانتقلوا إلى مرحلة التحريض والتدخل السافر في شئون
مصر الداخلية كما لو أن مصر لا تزال ولايةً عُثمانية أو أنها إحدى محافظات تركيا
اليوم.
لقد أدت
أحداث مصر الأخيرة إلى مزيدٍ من انكشاف الدور التركي في المنطقة ونيّات قادة
"العدالة والتنمية" الذين
يريدون تأسيس هيمنة أيديولوجية ليست سوى التعبير السياسي للتنظيم العالمي للإخوان
المسلمين الذي لم يجد مكانًا يجتمع فيه إلا في إسطنبول. والأهم برأيي؛ أن مصر باتت
تقوم بدورها وتستعيد عزلتها التي سخرها محمد مرسي للأتراك".
وتبين
الدكتورة أمينة أبو شهاب الشراكة التركية مع الغرب ضد الانتقال السياسي في مصر
قائلةً: "لقد لعب أردوغان دورًا مهمًا في استقطاب دول الغرب لإدانة ما يحدث
في مصر ولدعم الإخوان بناءً على شرعيتهم الديمقراطية، كما يقتضيها التحول الذي
أملاه النموذج التركي متمثلًا في الربيع العربي. فمن الواضح أن السياسة التركية
الحالية تهدف إلى رفد الإخوان بالحضور السياسي والمعنوي وتحسين صورتهم، بل وإضفاء
البطولة والملاحم الإعلامية عليها، وذلك في مقابل دموية وديكتاتورية الحكم الجديد.
وبقدر
ما إن هنالك تصورًا مشتركًا مع الغرب لنموذجٍ تركي، فإن الوجودَ الإخواني وقوة هذا
الوجود هو مركز الاهتمام التركي ومحور السياسة فيه .
لا يدعم
أردوغان إذن الإخوان فصيلًا شقيقًا في علاقة أيديولوجية تنظيمية، وإنما هو أبعد من
ذلك يدعم إمكانات مستقبلية وإستراتيجيات سياسية انتظم فيها الإخوان في مصر ضمن
شراكة تركية مع الغرب".
وتصف
افتتاحية صحيفة الخليج موقف الولايات المتحدة الأمريكية ضد الانتقال السياسي في
مصر بالابتزاز قائلةً: "إن سياسة الابتزاز ضد مصر ما بعد الإخوان، والتهديد
بقطع المساعدات المالية والعسكرية دليل على خوف واشنطن من انهيار إستراتيجيتها
التي قامت على أساس اعتبار مصر بمثابة قاعدة ارتكاز لسياساتها، واعتبار كامب ديفيد
مُرتكزًا يمكن البناء عليه لتعميم السلام مع إسرائيل بما يتوافق مع أمنها ومصالحها،
انطلاقًا من اعتبار مصر ضمانة لتحقيق ذلك نظرًا لموقعها ودورها وإمكاناتها وبما
تمثله من تحديد لمستقبل المنطقة سلمًا أو حربًا.
ويبدو
أن الإدارة الأمريكية تمكنت خلال حكم الإخوان لمصر طوالَ عامٍ كامل من الحصول على
ضمانات بأن تبقى مصر تحت العباءة الأمريكية استكمالًا للسياسات إياها التي اتبعت
في عهدي السادات و مبارك، ولكن انفجار ثورة 30 يونيو، ومن ثم المظاهرات المليونية
يوم 26 يوليو التي كانت في توجهاتها وشعاراتها مناهضة للتدخل الأمريكي والابتزاز
الذي تمارسه "واشنطن" ضد الثورة، قد قلب المشهد ووضع إدارة أوباما في
حالة من الارتباك ما جعل مواقفها تبدو متناقضة، لكن الثابت أنها بدأت تستشعر الخوف
والقلق من سياسات مستقبلية قد تنتهجها مصر تتعارض مع توجهاتها.
وقد
بدأت ملامح هذا التحول من خلال الحملات الشعبية الواسعة في مصر، والتي تدعو
للاستغناء عن المساعدات الأمريكية لئلا تبقى سيفًا مُسْلَطًا على رقابِ الشعبِ
المصري، وقيدًا على قراره المستقل، وكذلك من خلال المواقف التي أعلنها الرئيس
المؤقت ورئيس الوزراء والتي تصب في المجرى نفسه.
لن
تستطيع الولايات المتحدة تطويع الشعب المصري الذي خرج على الطوق، ولن يخضع للتهديد
والابتزاز من أي كان .. حتى من جانب القوة العظمى التي تعمل على تخريب وتهديد
المنطقة".
ويوضح د.
فايز رشيد الدعم الغربي للإخوان في مقالٍ بعنوانٍ له دلالته: " كل هذا
الانتصار الغربي للإخوان" قائلًا: "أوباما يُبدي أسفه لاعتقال المرشد
العام للإخوان المسلمين محمد بديع، الاتحاد الأوربي يعلن وقف تصدير الأجهزة
العسكرية والأمنية إلى مصر. من ناحية أخرى مبعوث وراء مبعوث من الولايات المتحدة
وبعض الدول الغربية وكلهم يحاولون مقابلة الرئيس الإخواني المعزول محمد مرسي في
مكان اعتقاله الذي قابلته مندوبة الاتحاد الأوربي كاترين آشتون، كما حاول بعدها وزير
الخارجية الألماني ذلك، أما المندوبون الأمريكيون فحدّث ولا حرج، ومعظمهم قابل
القيادة الإخوانية.
وتهديد
وراء تهديد تطلقه هذه الدول من قطع المساعدات عن مصر وإعادة تقييم العلاقات معها،
وصولًا إلى التهديد بعدم استكمال صفقات السلاح الموقعة والمتفق عليها مع الجيش
المصري".
وتقول
افتتاحية صحيفة الخليج أيضا في إطار توضيح الموقف الغربي: "الموقف الأوربي
السلبي من ثورة 30 يونيو المصرية التي أسقطت حكمَ الإخوان، ومن ثم من التظاهرات
المليونية في 26 يوليو التي فوّض فيها الشعب المصري قواته المسلحة بمواجهة العنف
والإرهاب يلتقي في أهدافه ومضامينه مع الموقف الأمريكي، ويكشف سر هذا الاهتمام
الغربي بالإخوان والسعي لإعادتهم إلى واجهة الساحة السياسية في مصر، وهو سرٌ لم
يعد سرًا في الحقيقة من خلال المبادرة التي حملتها المفوضة الأوربية كاترين آشتون
وعرضتها على القوى السياسية المصرية، وكذلك من خلال تصريحات مسئولين أوربيين
تتباكى على حكم الإخوان الذي ولى، وعلى الديمقراطية التي نحروها على مدى عام من
سيطرتهم على مفاصل الدولة وسعيهم لأخونتها واقتلاعها من جذورها التاريخية كدولة
مدنية جامعة لكل أطيافها الدينية وتحويلها إلى "دولة خِلافة" إسلامية
تقوم على مبدأ السمع والطاعة، وتخضع لأوامر وتعليمات المرشد والتنظيم العالمي
للإخوان.
لم يكن
لأوربا والولايات المتحدة هذا الحماس الشديد للإخوان من أجل إعادتهم إلى السلطة
لولا أن هناك وراء الأكمة ما وراءها من اتفاقات سرية أُبرمت معهم حول العلاقات
الثنائية والمصالح الإستراتيجية في المنطقة بما فيها المصالح الإسرائيلية وتعهدات
للإخوان بحمايتها والعمل على ضمان نجاحها واستمرارها، وقد أثبتوا كما تدل الوقائع
على تقديم هذه الخدمات وحرصهم على الوفاء بها والدفاع عنها خلال عام من حكمهم، وسعيهم
لأن يكون ذلك نموذجًا لعلاقات مستقبلية ليس بالنسبة إلى مصر فقط، وإنما بالنسبة
لدول عربية أخرى تخضع لسيطرة الإخوان أو يحاولون السيطرة عليها".
ويوضح
محمد خليفة دور الغرب في تدويل أزمة مصر قائلًا: "إن الغرب سيجتهد ليفسد على
القيادة المصرية خططها في مكافحة الإرهاب بقصد تدويل الأزمة المصرية ليكون له يدٌ
في صياغة مستقبل مصر. إن سلوك الغربيين لا يشي بأنهم يناصرون الديمقراطية في مصر وسواها
من أرجاء العالم العربي بقدر ما يشي بأنهم يرون مصالحهم تأتي أولًا، ومن ثم بعد
ذلك تأتي مصالح الشعوب الأخرى، ومصالحهم تقتضي اليوم دفع مختلف شعوب المنطقة
العربية إلى الاقتتال فيما بينها بهدف القضاء على أحلام هذه الشعوب في التنمية والازدهار
الاقتصادي لكي تبقى للغربيين اليدُ العليا عليها، وفي هذه السبيل يتم تشجيع الفوضى
والدفع بالتطرف إلى آخر مدى له".
وتصف
افتتاحية الخليج الدور الإسرائيلي في تعويق عملية الانتقال السياسي في مصر قائلةً:
"إن الهدف النهائي للفوضى الخلاقة إذا ما نجحت هو ضمان أمن إسرائيل بإقامة
كيانات على شاكلتها من حولها دينية ومذهبية تفتقد إلى القدرة والقوة ومنزوعة من
جذورها القومية. والشرط الضروري لنجاح الفوضى الخلاقة، وضمان أمن إسرائيل هو ضرب الجيوش
العربية وتدميرها من خلال زجها في الحروب الداخلية الأهلية أو الطائفية. وقد تحقق
هذا الهدف إلى حدٍ بعيد في العراق وفي سوريا، ويجرى العمل على ذلك في أكثر من بلد
عربي، لأن إسرائيل ترى من منظور إستراتيجيتها الأمنية أن أي جيش عربي سواء أكان
قريبًا من خطوط المواجهة أم بعيدًا عنها يُشكل خطرًا عليها.
لعل ما
تشهده مصر حاليا من تحولات، ومن سعي حثيث لإدخالها في صراعات داخلية، قد تكون
الحرب الأهلية ذروتها وزج الجيش المصري فيها يدخل في صُلب هذا الهدف. هذا أمرٌ يجب
ألا يغيب عن الأذهان، لأن هناك "مخالب قط" في كل بلد عربي تتولى هذه
المهمة بالنيابة عن إسرائيل والولايات المتحدة، وهي متوافرة في أحزاب وقوى تحمل
مسميات سياسية ودينية مختلفة".
ويرى
ابن الديرة الجزيرة كقوة فاعلة خارجية على نحو سلبي قائلًا: "لكن لماذا تُصر
بعض الأقنية التليفزيونية العربية، وتحديدا الجزيرة على إحياء العِظام وهي رميم؟. لماذا
تلعب هذا الدور المُنحاز والفاضح في تأجيج نار الفتنة وتزوير إرادة الشعب المصري،
بل وتزوير التاريخ وتشويه ثورةٍ عظيمة اجتمعت فيها إرادة الشعب لتصنع تاريخًا جديدًا
لمصر؟ لماذا تلعب الجزيرة هذا الدور في خوض معركة تسئ إلى الشعب المصري وتضع الريب
والشكوك حول دوافعها وأهدافها.
الجزيرة
التي أنشأت قنوات عدة كمصر مباشر وسوريا مباشر وغيرها بأسماء دول عربية لها عراقة
في الميدان الإعلامي طلبًا للوصاية عليها لا تؤدي دورًا إعلاميا يقتضي حدًا أدنى
من الصدقية والحقيقة، فهي تثير نوازعَ الفِتَن التي لن تصل إلا إلى ضرب مصر
وشعبها".
ويصف
علي جرادات دور التكفيريين في الوطن العربي على نحو مُعادٍ للانتقال السياسي في
مصر قائلًا: "تجتاح الوطن العربي موجةً غيرَ مسبوقة من الفكر التكفيري تمثلها
حركات إسلاموية متطرفة تنشر القتل والتخريب والدمار والإرهاب والترويع بهدف إقامة
دويلات أو إمارات طائفية ومذهبية.
ولئن
كان هذا ليس جديدًا على فكر وممارسات تشكيلات تنظيم القاعدة وحركات السلفية
الجهادية، فإن الجديد هنا هو التقارب الآخذ في التوسع والتعمق بين فروع هذين
التيارين وفروع جماعة الإخوان المسلمين عموما وفي سوريا وليبيا ومصر تحديدًا، خاصةً
بعد أن أطاح الشعب المصري سلطةَ الإخوان في 30 حزيران / يونيو".
2- القوى الداخلية
الفاعلة و الأدوار المنسوبة إليها في إطار تفاعلها مع غيرها من القوى الفاعلة
جاءت
القوى الداخلية الفاعلة والأدوار المنسوبة إليها في إطار استقطابي بين معسكريْن
متصارعيْن، لا سبيلَ إلى المصالحة بينهما، حيث يقول أمجد عرار: "للمصالحة
الداخلية طرفان: الأول الدولة حكومةً وجيشًا وغالبية الشعب، والثاني جماعة الإخوان
المسلمين وجمهورها الواسع. هناك طرف ثالث خارج نطاق المصالحة هو الجماعات المسلحة
في سيناء على نحو خاص مع مؤشرات على بعض الوجود في المحافظات الأخرى، والتفجير
أمام مركز شرطة الإسماعيلية أحد هذه المؤشرات.
الدولة
قالت كلمتها الواضحة مع المصالحة وعدم الإقصاء لأي طرف، وقادة الإخوان قالوا
كلمتهم برفض المصالحة إلا بعودة الرئيس المعزول إلى الحكم، مع علمهم المسبق بأن
هذا الشرط من المستحيل قبوله، وقد عبر الرئيس المؤقت عدلي منصور عن ذلك بالقول: إن
التاريخ لا يمكن أن يعود للوراء.
من
المستغرب أن تتصرف الجماعة خلافًا لخبرتها الطويلة، وأن تغلب الكبرياء الذاتي على
مصلحة الوطن، إذ إن الصراع مع الدولة وغالبية الشعب لن تكون نتيجته سوى الصدام
الذي يتحول إلى دامٍ، إن لم يكن بفعل أحد الطرفين أو كليهما، فبفعل طرفٍ آخر متربصٍ
وانتهازي ومأجور. الصراع مع الطرف المسلح في سيناء هو الأخطر، فهو يستغل الوضع
الناشئ بعد 30 يونيو ليواصل العمل على تحقيق هدف قديم هو استنزاف الجيش المصري وإرهاقه
خدمةً لإسرائيل".
وتقول
الدكتورة أمينة أبو شهاب في وصف الإخوان كقوةٍ فاعلة: "إن ما يسعى الإخوان
حقيقةً إليه هو إحداث ثورتهم التي يسمونها الثانية، وذلك من خلال مراكمة أعداد
القتلى في المظاهرات التي يُسيرونَها يوميًا. لاشك أنهم يستحضرون الثورة الإيرانية
ونجاحها من خلال إضعاف الشاه بتراكم أعداد القتلى بالشوارع واتساع دائرة المآتم
والجنازات واتساع دائرة المظاهرات والعصيان الشعبي.
إن كل
قطرة دم تسيل في الشوارع المصرية، وكل روح تفارق الأجساد المسجاة على أسرة المستشفى
الميداني في رابعة العدوية، والتي تتيح الجزيرة للمشاهدين رؤية لحظات احتضارها في
ليالي رمضان التي صبغت بالدماء إنما هي تقرب الإخوان إلى هدفهم. إن هذا الهدف يمر
بالطبع بتشويه صورة الجيش المصري والنيل من شرفه العسكري والدعاء عليه وتصويره على
أنه ملوث اليدين بالدماء وأنه صنو للجيش الصهيوني في ذلك.
لقد يئس
الإخوان من العملية الديمقراطية وأحرقوا مراكبهم فيها من خلال صدامهم مع المجتمع
وتبنيهم سياسة إقامة الحواجز بينهم وبينه، ولن يصلوا أبدًا من خلال هذه السياسة إلى
الحكم الذي لا يوجد سواه نُصب أعينهم.
إن ما
بأيديهم هو استحثاث الدماء وعدّ قتلاهم وجرحاهم كل ليلة أمام ميكرفونات الجزيرة وكاميراتها
لكي يقدموا دليلًا على مظلوميتهم ولكي يشعلوا نارَ الضغينة والأحقاد والثارات على
من يدّعون أنه سفحها، أي الجيش المصري، إنها لُعبةٌ شيطانية أكثر من واضحة بدأت
فصولها بإشعال نيران الصراع الأهلي في فترة الحكم الإخواني، وتتواصل بخطاب العنف
والدماء وتوظيف هذه الدماء لإعادة الإخوان إلى الحكم وذلك عبر مجازر وفظائع وحروب
أهلية يقود إليها هذا المنطق، وذلك في ظل الانقسام الأهلي والصراع الإخواني مع
الجيش. هكذا يضع الإخوان مصر على طريق سواها من بلدان عربية أخرى في الجوار، فإما
حكمهم وإما العنف والطوفان".
ويرى
عاطف الغمري الإخوان في إطار مُعادٍ للاستقلال الوطني قائلًا: "ربما توحي ملامح
الأزمة الراهنة في مصر، وكأنها أزمة سياسية أو خِلاف بين قوى متعارضة سياسيًا، هذا
هو الوجه الظاهر على السطح لعيون البعض، بينما النظرة إلى عُمق الحالة المصرية بعد
مرور عام على حكم الإخوان تُظهر أن القضية وصلت إلى ما هو أبعد مدى من ذلك، وصولًا
إلى معنى الاستقلال الوطني للدولة.
إن مصر
تتعرض لمحنة تمتد خيوطها إلى غياب مفهوم الوطن عندهم، وهو ما اعترف به قادتهم في
تصريحات معلنة زلّت بها ألسنةُ البعض منهم أحيانًا، وهو المفهوم الذي تضاءل وجوده في
تفكيرهم، وتاه وسط ضباب من تصورات خارجة عن الزمن الذي يفترض أنهم يعيشون فيه، وهي
تصورات يتخيلون بها رسمًا عن دولة تنسلخ عن الوجود التاريخي والإنساني والحضاري
للوطن مصر، بما يبرهن على أنهم لا يعرفون قدر مصر، فهل كتب علينا أن نرجع بعجلة
الزمن إلى الوراء لكي نتحدث عن الاستقلال الوطني لمصر، وكأنه مقدر علينا تصحيح اعوجاج
عارض حدث في حركة التاريخ".
وتستطرد
افتتاحية صحيفة الخليج في وصف الإخوان كقوة فاعلة على نحو سلبي قائلةً: "واضح
تمامًا أن إخوان مصر ماضون في سلوك الفوضى والدم والإرهاب، ما يقومون به ويصرون
عليه هو إعلان الحرب على مصر شعبًا ووطنًا، لأنهم في الأساس لا يؤمنون بوطن،
والشعب هو مجرد (عشيرة).
إن
تعمدهم سلوك طريق العصيان وتخريب المؤسسات الرسمية والتعليمية والخروج على القانون
وزج قوات الأمن والجيش في المواجهات لحملها على الرد بعنف وإظهار أنفسهم ضحايا
يكشف مدى حقدهم على شعب لفظهم وعلى وطن تبرأ منهم بعد ما افتضح أمرهم على مدى عام
من سلطة امتلكوها بالكذب والنفاق وادعاء التوبة والقبول بالديمقراطية والتعددية،
رغم أن تاريخهم حافل بالعنف والقتل والاغتيال والعمل في الدهاليز وتحت الأرض ..
وعندما خرجوا إلى الضوء أُصيبوا بعمى البصر والبصيرة ، ولم يتمكنوا من التكيف مع
حقائق العصر والتطور، فعادوا إلى الماضي ومجاهله يغترفون منه أسوأ أشكال الحقد
والجهل والظلامية، ورفعوا رايات الدين للتغطية على ما يُضمرون ويُخططون لإلحاق مصر
بمشاريع مشبوهة".
ويصف
محمد عبيد المصريين بأنهم أكثرالقوى الفاعلة الداخلية أهمية إزاء الانتقال السياسي
في مصر قائلًا: "المصريون أعلنوها صراحة منذ 30 يونيو، وأطلقوا صرخةً مدويةً
لاختطاف مصر الدولة والدور على أيدي هذه الجماعة، والجيش لم يكن إلا في الموعد،
فنزل عند الإرادة الشعبية، لكن هؤلاء المتسترين برداء الدين لم يستطيعوا حينها إلا
إزالة قناع الوداعة والأخلاق الذي أخفوا به بشاعة مخططاتهم ورؤاهم ومساعيهم
لاختطاف الدولة وأخذ الشعب رهينة".
ويستعرض
أمجد عرار دور الجيش الوطني كقوةٍ فاعلة إيجابية قائلًا: "إن هذا الجيش الذي
عزل مرسي هو نفسه الذي فرض على حسني مبارك أن يتنحى، وهو الذي قاد المرحلة
الانتقالية إلى حين إجراء الانتخابات، وهو الذي سلم السلطة للرئيس المنتخب في
حينه، وهو الذي لم يقل كلمة واحدة عندما أقال مرسي قائده وزير الدفاع وعددًا آخر
من قادته الكبار، وهو الذي لم يتدخل في السياسة طوالَ عامٍ كامل رغم كل التوتر
الذي نتج عن الإعلان الدستوري في النصف الثاني من السنة الأولى لمرسي، لكن هذا الجيش
لم يكن أمامه إلا أن يتدخل ويضع خريطة طريق وهو يرى مليونيات غير مسبوقة تنتشر في
ميادين مصر وشوارعها، وخاصةً أن مرسي نفسه وعددًا من قادة الإخوان خرجوا على نحو
متأخر جدًا للاعتراف بعددٍ من الأخطاء".
ويقدم
الدكتور يوسف الحسن جمهور الإخوان باعتباره ضحيةً قائلًا: "إن الضحية الأولى
التي يجب أن تحظى بالاهتمام هو جمهور هذه الجماعات من غير الملتزم بها حزبيًا الذي
ظن يومًا أنها (خدمته) وأنها (بتاعة ربنا) وأنها لم تُعْطَ الوقتَ الكافي في
الحكم، وأن هناك مؤامرة عليها من قِبل آخرين يكرهون الجماعة (المصطفاة) وإسلامها
(المثالي).
إن هذا
الجمهور مغيب عن معرفة الأجهزة السرية لهذه الجماعات وعن فكرة السمع والطاعة
للمرشد و أمثاله، وعن سياسات الاستثمار السياسي للدين، وعن نزوعها الانتهازي والرغبة
في الاستحواذ على السلطة بأقصى سرعة. إن هذا الجمهور واقع الآن تحت ضغوط (تدين
هائج منتقم) فضلًا عن تراكم مكبوتات وسياسات هوجاء خارجية وثقافة عنف أفرزت طغاةً
كِبارًا وصغارًا، ولم يشهد حركة إصلاح ديني حقيقي تجتث وحش الغلو وتفتح العقل
للتفكير العقلاني والتجدد الثقافي والفكري".
ثانيًا : تصورات تفعيل الانتقال السياسي في مصر
جاءت
أطروحات خطاب صحيفة الخليج الإماراتية التي تتصور إمكانات تفعيل الانتقال السياسي
في مصر ووسائله على النحو التالي:
أولا: أطروحات تتصور إمكانية تفعيل الانتقال السياسي في مصر من خلال مشاركة
الإخوان في عملية الانتقال السياسي، حيث يقول أمجد عرَار: "ها هي مصر تخرج عن
بِكرةِ أبيها لمباركة خريطة الطريق التي صاغتها وأعلنتها كل القوى ما عدا جماعة
الإخوان المسلمين التي ما زالت مُطالبة أولًا بتقبل ما جرى "بروحٍ رياضية"،
وثانيًا بالمشاركة في إعادة بناء مصر، وليس إقصاء نفسها على قاعدة "إما أن
أحكم أو أخرب"، فنحن لنا أعينٌ تشاهد وعقول تحكم، ولن يتجاهل هذا الطوفان
البشري الذي خرج في جمعة (لا للإرهاب). فتوى اتحاد يوسف القرضاوي بتحريم الاستجابة
لدعوة وزير الدفاع، وكذلك التلاعب العاطفي من جانب المرشد الذي شبّه عزل محمد مرسي
بهدم الكعبة لم يؤثر في حشود قدرت بثلاثين مليون صائم ملأت ميادين مصر وشوارعها في
كل المحافظات".
ويستطرد أمجد عرار في توضيح ما يجب أن يقوم به الإخوان
للمشاركة في مسيرة الانتقال السياسي في مصر قائلًا: "إذا أصر الإخوان على
التعامل مع ما جرى بوصفه انقلابًا فهم أحرار ولهم ذلك، ولكن
عليهم الكف عن الازدواجية في الخطاب السياسي بين الكلام اللفظي عن السلمية والتحريض
الواضح من جانب بعض القيادات. إنهم مطالبون بأن يرفعوا صوتهم عاليًا ضد الإرهاب،
وضد استهداف أفراد الجيش والشرطة في سيناء، لأن الهجمات تشن هناك بعد عزل الرئيس
السابق محمد مرسي، والمهاجمون يفعلون ذلك تحت شعار(عودة الشرعية)، كما أنهم
مطالبون أيضا بالكف عن التحريض الصريح والمبطن الذي من شأنه تأليب الشباب وزجهم في
معارك خاسرة ليس لها معنى سوى توظيف مزاد الدم في غاياته السياسية".
ويؤكد
الدكتور ناجي صادق شُرَاب على ضرورة مشاركة حركة الإخوان في الانتقال السياسي في
مصر باعتبارها الخيار الوحيد أمامها قائلًا: "أفضل الخيارات المتاحة للحركة
في اعتقادي العودة إلى المشاركة السياسية وإعادة هيكلة بنائها، وترتيب أولوياتها إدراكًا
أن مصر قد تغيرت، وإذا أريد للحركة أن تستمرعليها أن تتغير بما يتوافق ويستجيب
لهذا التغير، ومن دون ذلك ستصبح الحركة خارج المكون المصري الكلي، وستخرج من
اللعبة الخاسر الوحيد".
ويوضح
محمود الريماوي رؤيته لأهمية مشاركة الإخوان للانتقال السياسي في مصر قائلًا:
"ومن هنا تتبدى خطورة ما يحدث إذا بقي الأفق السياسي على انسداده، وإذا لم
تتقدم قوى وطنية على طريق بذل الوساطات لنزع فتيل العنف وتهيئة الأجواء لحوار جدي
تشارك فيه على الأقل قوى قريبة من الإخوان مما يعرف بتحالف دعم الشرعية والذين أخذوا
على محمد البرادعي استقالته وكذلك الذين رحبوا بها، فإن عليهم استثمار المكانة
التي يحتلها هذا الرجل هو وسواه من شخصيات وازنة (المؤرخ طارق البشري مثلًا) من
أجل التجسير لعبور هذه المرحلة بأقل الأضرار وتشكيل كتلة يعتد بها عموم الجمهور
لإشاعة أجواء تنبذ العنف وتفتح الطريق أمام حلول أو إجراءات انتقالية متفق عليها
بدلًا من الاستسلام للدوامة العنفية والركون إلى حلولٍ صِفرية ".
ويؤكد
محمد عبيد على ذلك أيضًا من خلال دعوته إلى الحوار الوطني الشامل قائلًا: "لن
يصلح الحال في ظل مثل هذه التطورات المتسارعة إلا بانصياع الإخوان وأنصار الرئيس المعزول
محمد مرسي إلى صوت العقل وتحكيم الضمير، بدلًا من الانسياق وراءَ دعاةِ الفتنة
الذين يشرعون القتل و العدوان باسم الدين أولًا، ومن ثم بدعوى الدفاع عن الثورة
وإنجازاتها الديمقراطية.
الحل
معروف مسبقا، ولا مجال للبحث عن خيارات أخرى كونها جميعها مُرّة ولن تُجَر إلا
الشرور، الحل يكمن في النزوع إلى الحوار الوطني الشامل من دون إقصاء ولا تهميش ولا
استبداد في الرأي لحساب جهةٍ ضد أخرى.. حوارٌ توضع فيه جميع الملفات على الطاولة،
ومن خلاله يتم إصلاح كل ما اختل من جوانب الحياة سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو
قضائية أو دستورية".
ويرى
عبد الإله بلقزيز تفعيل الانتقال السياسي في مصر من خلال أخذ الإخوان بالخِيار
التركي قائلًا: " يَحسُن بهم أن يسلكوا نهجَ إسلاميي تركيا قبل نحو خمسة عشر
عامًا حين أُخرجوا من السلطة – في عهد رئيس الحكومة نجم الدين أربكان – ليجدوا
أنفسهم في المعارضة، ومع أن حزب الرفاه - المتحالف في الحكومة مع حزب تانسو تشيلر
– أُخرج بانقلابٍ دستوري أبيض شارك فيه الجيش والقضاء (وليس ذلك ما حصل في مصر حيث
خروج مرسي من السلطة كان بثورة شعبية لا سابق لها في التاريخ )، إلا أن إسلاميي
تركيا تحاشوا ركوب الخِيارات الانتحارية فبلعوا الضربة السياسية وأعادوا النظر في أخطائهم السياسية التي قادتهم إلى فقدان السلطة وعادوا
إلى الشعب وإلى المشاركة في الحياة السياسية، ولم تنقضِ خمس سنوات على ذلك حتى
عادوا إلى السلطة ظافرين في إطار حزبهم الجديد (حزب العدالة والتنمية)".
ثانيا: أطروحات تتصور إمكانية تفعيل الانتقال السياسي في مصر من خلال إقصاء
الإخوان عن عملية الانتقال السياسي، حيث تقول صحيفة الخليج في افتتاحيتها: "عندما
يكون أمن مصر القومي في خطر، وعندما تكون مصر أمام مفترق طرق، إما أن تنزلق إلى
أتون الفتنة والعنف والحرب الأهلية، وإما أن تقطع رأس الأفعى قبل أن تتسلل وتبث
سمومها في جسد مصر، فالأمر لا يحتمل الانتظار أو التلكؤ.
لقد كشف
الإخوان عن وجوههم وما يضمرونه لمصر بعد أن فشل مشروعهم الخبيث وفقدوا سلطة جاءتهم
على حين غِرة، ولم يعرفوا كيف يحافظون عليها، وخانوا أمانةً ظن البعض أنهم يحرصون
عليها، بدأوا حملة ضارية لتشويه ثورة 30 يونيو، وأطلقوا العنان لأحقادهم الدفينة،
وأخذوا يعيثون في أرض مصر فسادًا معتقدين أن مصر باتت أرضًا مَشَاعًا ينفثون فيها
أحقادهم، عادوا إلى أصلهم، بأفكارهم المشبوهة التي تتدثر بالإسلام وسيلة للوصول
إلى السلطة، فإذا لم يتمكنوا لجأوا إلى العنف والإرهاب".
وتؤكد افتتاحية
صحيفة الخليج على ضرورة إقصاء الإخوان عن عملية الانتقال السياسي من خلال التعامل
معهم كمجموعة إرهابية قائلة: "وما يقلقنا أن مصر الثورة ممثلة في حكومتها
الراهنة ما زالت تتعامل مع ظاهرة عنف جماعات الإخوان وحلفائها بشيء من "الرِقة"
و"الارتعاش"، فهل تحتاج إلى تفويض شعبي جديد لمواجهة الإرهاب؟ أم أن
العيب يكمن في مكانٍ ما، وآن الأوان لتجاوزه لبناء مصر جديدة بلا إرهاب ولا
إرهابيين، وهذا يتطلب الإسراع في سن قانون يعتبر هذه المجموعة إرهابية ويُجَرِّم
أنشطتها.
كما ينبغي
أن تتخذ مصر موقفًا حازمًا تجاه الدول التي تساندها سواء بالمال أو الإعلام بما
فيها الفضائيات، يشمل قطع العلاقات معها، و نقل موضوع دعمها لها إلى المحافل
الدولية باعتباره دعمًا للإرهاب. العبث في أمن مصر وتعطيل دورها القومي ينبغي أن
يتوقفا من خلال مواجهة قوية وجذرية وجريئة أمنيًا وفكريًا
وتنمويا وشعبيًا".
وتحذر
صحيفة الخليج أيضًا من إشراك الإخوان في مسيرة الانتقال السياسي في مصر داعيةً إلى
إبعادها عن خارطة الطريق فيها قائلةً في افتتاحية أخرى: "على القوى السياسية
المساهمة في خارطة الطريق الانتباه والحذر، فالإخوان حركة إرهاب وظلام، وكانت سَنَتِهم
في الحكم كافية وشافية، وحين تجلت ميولهم الدموية في المحافظة على الكرسي والتشبث
بالسلطة أحس شعب مصر بدءًا من المواطن البسيط بعِظَمِ الخسارة فيما لو استمر هؤلاء
لمدة ثلاث سنوات أخرى. في هذا السياق يرى أكثر المتابعين والمحللين تفاؤلًا، أنه
لا إيجابية تجدي منظمة إرهابية تفكر بروحِ العصابة، وهل هناك إيجابية مع جماعة هي
سليلةٌ للسلبية والتعنت بكل المقاييس؟
على
الأزهر الشريف، رمز التسامح والاعتدال والحالة هذه سحب مبادرته، وعلى صانعي القرار
في مصر بما يمتلكون من تفويض شعبي غير مسبوق إقصاء (الجماعة) باعتبارها ليست حزبًا
مما يندرج أو يُقبل تحت سقف القانون".
ويرى
محمد خالد فيما يتعلق بإقصاء أي حزب ديني من مسيرة الانتقال السياسي في مصر قائلًا:
"على القيادة المصرية أن تكون واضحة فيما تريد عمله تجاه هذا الحزب الكارثة وألا
ترضخ للابتزاز الأجنبي الغبي بضرورة مصالحة هذه الفئة الإجرامية والإصرار على
محاكمة قادته وحل هذا الحزب وأي حزب ديني آخر، فلا مكان للأحزاب الدينية في العمل
السياسي".
ثالثا : أطروحات تتصور إمكانات أخرى لتفعيل الانتقال السياسي في مصر، حيث يقول
أمجد عرار: "كل من يدعي حب مصر و الحرص عليها مطالَب بإثبات هذا الادعاء، ومدعو
بأن يبرهن أنه يذيب مصالحه الفئوية في وعاء الوطن وليس العكس. الترجمة الحقيقية
لهذا الحرص هي الإخلاء المتزامن لكل ميادين مصر وشوارعها لكي تُستأنف عجلة العمل
والتعليم والصحة، وتعود الحياة إلى طبيعتها، وكل حزب لا يرغب في المشاركة في
العملية السياسية الانتقالية بإمكانه مراقبة صيرورتها ومجراها، والاحتجاج سلميًا
على ما لا يعجبه، ولكن على أساس موضوعي بناء هدفه مصلحة مصر، وليس من باب تصيد
الأخطاء والتعطيل".
وترى
افتتاحية صحيفة الخليج هدوء الشارع واستئناف العمل كضرورة للانتقال السياسي في مصر قائلةً: "الآن، وبعد
اختيار رئيسٍ مؤقت وتشكيل حكومة جديدة ووضع أسسٍ للمرحلة الانتقالية آن للشارع أن
يهدأ كي يبدأ العمل. الآن يجب أن يقتنع الجميع أن مرحلة جديدة بدأت، وأن الذي فات
قد فات، وأن الشرعية قائمة وموجودة، واستعادة شرعية قد ولت بات من المستحيل.
من أجل
مصر الثورة، مصر الشعب، مصر الوطن الحاضر والمستقبل، يجب أن تتوقف كل التظاهرات والتجمعات
والمسيرات كي تنطلق عملية البناء من جديد، فمصر تحتاج إلى كثيرٍ من الجهد والعمل والعرق
من كل أبنائها للتعويض عما فات وبناء ما
تخرّب وتقويم اعوجاج وفساد طال أمده، وتغلغل في الحياة السياسية والاجتماعية
فأفسدها وأنتج أزمات اقتصادية ومعيشية تحتاج إلى حلٍ سريع ومواجهة فاعلة وفورية.
كفى
مسيرات ومسيرات مضادة، كفى تحريضًا وتخويفًا ونداءات ثأر، ودعوات لإعادة عقارب
الساعة إلى الوراء، مصر تحتاج إلى سواعدِ كلِ أبنائِها كي تبدأ ورشة البناء
والإعمار".
كما ترى
صحيفة الخليج في افتتاحيةٍ أخرى توجيه الجماهير إلى التصويت بكثافة على الدستور
بنعم لعبور أولى مراحل الانتقال السياسي في مصر قائلةً: "المطلوب من قوى
الثورة التي أسقطت حكم الإخوان بعد المظاهرات المليونية يوم 30 يونيو أن تستجمع
قواها وتنزل إلى الجماهير في المدن والقرى والأرياف، تشرح وتوضح
وتفسر وتحث على التوجه إلى صناديق الاستفتاء والإدلاء بنعم على الدستور ردًا على
دعوات الإخوان وحلفائهم لمقاطعة الاستفتاء ولإحباط المخطط الذي كشفت عنه الأجهزة
الأمنية الذي يستهدف إشاعة الفوضى في العديد من المناطق الحيوية والساخنة بهدف
إفساد عملية الاستفتاء.
إن
التوجه بكثافة إلى الصناديق والقول (نعم) للدستور الذي شاركت في وضعه مختلف القوى
السياسية وهيئات المجتمع المدني والمراجع الدينية الرئيسية وكبار رجال القانون
ويلبي معظم تطلعات ومطالب الجماهير في قيام دولة العدالة والحرية والديمقراطية يجب
أن يمثل ردًا على الإخوان بإظهارهم بأنهم مجرد أقلية في ثورة مضادة لن تستطيع الوقوف
في وجه ثورة تمثل الملايين وتسعى لصناعة مستقبل جديد مناقض لعهود استمرت نحو
أربعين عامًا عملت على تجفيف مصر وإهدار عافيتها وقوتها".
ويؤكد
محمود الريماوي على ما يخدم مندرجات خريطة الطريق قائلًا: "غاية القول إن
هناك حاجة موضوعية للتخفيف من الاحتقان وإحياء قيم المواطنة والوحدة الوطنية وتكريس
الحق في التنوع والتعددية عملًا وفعلًا، وكل
ذلك يخدم مندرجات خريطة الطريق بما فيها مشروع الدستور والاستفتاء عليه، ويبعد شبح
التنازع المفتوح ويضمن حقوق السلامة والكرامة للجميع كما يكفل للدولة مَنَعَتَهَا".
ويرى
الدكتور يوسف مكي تعظيم دور المؤسسة العسكرية للخروج من الأزمة التي تمر بها عملية
الانتقال السياسي في مصر قائلًا: "مخرج مصر من الأزمة يقتضي أن توضع المؤسسة
العسكرية في المقدمة، ولا يمكن الاختباء خلف رئيس لا يملك سلطة حقيقية".
ويفصل
الدكتور عبد اللـه عمران المواقف المطلوبة داخليًا وخارجيًا لتفعيل الانتقال السياسي في مصر قائلًا:
"الآن، وبعد هذا التفويض الشعبي العارم غير المسبوق، ينبغي أن تمارس مصر
القيادة والدولة دورها مبنيًا - وهذا طبيعي - على الاستقلالية الكاملة، فلا قبول لأي تدخل خارجي.
الصواب
أن التغيير الأخير في مصر العربية الحرة والمستقلة نزع وبالإرادة الشعبية الخالصة
إلى الصواب المطلق، والأجدر بقيادة وحكومة مصر أن تمضي واثقة بتنفيذ خريطة الطريق
المعلقة من دون الالتفات إلى الوراء.
هي
مطالبة في هذا الظرف التاريخي الدقيق بعبور الفترة الانتقالية والوصول إلى بر
الأمان، وإلى تنمية تتسم بالديمومة، وإلى غدٍ تستعيد فيه مصر مكانتها، كونها هي
التي تقود وتتوسط وترسم السياسات، لا أن تكون محل مساءلة من الغير في شأنها
الداخلي.
وعلى
الصعيد المصري الداخلي، فإن قيادة مصر المفوضة شعبيًا مدعوة إلى فض اعتصام الجماعة
سريعًا ومن دون تأجيل، حيث إن وجود حركة مناوئة غير مشروعة يشي ولو تلميحًا بفكرة
الدولة داخل الدولة، فالميادين لابد أن تحرر، والإرهاب في سيناء لابد من أن يقضى
عليه حتى لا تتحول إلى أفغانستان أو مالي أو كمناطق أخرى يسيطر عليها الإرهاب.
ولا
دولة في مصر إلا مصر بكل تاريخها الأصيل الجميل وبشعبها الذي أذهل العالم وهو يحقق
مستقبله ويختار طريقه، فلابد في المقابل وبالحجم نفسه من تحقيق هيبة الدولة في مصر
المحروسة منذ أشرقت بنور ربها، فجسدت أمل واعتزاز شعبها وأمتها.
ولابد
من وقوف الدول العربية وجامعتهم مع مصر وحكومتها الانتقالية، فغياب بيان تأييد من
الجامعة العربية غير مبرر، فاستقرار مصر ودعم شرعية 30 مليونًا، وخريطة الطريق ليس
في مصلحة مصر فحسب، ولكن في مصلحة العرب جميعًا".
ويرى
عبد الحسين شعبان الانتقال السياسي في مصر في إطارٍ أوسع قائلًا: "مصر مرهقة
اقتصاديًا واجتماعيًا، ولا يمكنها تحمّل إرهاق سياسي يزيد من صعوبات الحياة في ظل
صراعات مستمرة وأعمال عنف وإرهاب، وتحتاج
إلى استقرار سياسي وتوافقات وطنية والمضي بالعملية السياسية والتوجه لإعادة بناء
الدولة العريقة ورد الاعتبار لهيبتها ودستورها وقضائها ومؤسساتها بشكل عام مثلما
يحتاج الأمر إلى إعادة بناء علاقاتها الدولية والإقليمية على نحو يعيد لمصر
مكانتها الكبيرة وهي مكانة للعرب أجمعين".
واتجه
محمد عبيد إلى ربط تفعيل الانتقال السياسي في مصر بتوقف الدعم الأمريكي للإخوان
قائلًا: "على الولايات المتحدة أن تكفَ يدَها عن دعم جماعة الإخوان المسلمين
تحت شعارات مكشوفة من قبيل الحفاظ على التعددية وصون الديمقراطية، ذلك أنها تخرق
مبادئ أي ديمقراطية إذ تحاول دعم جماعة خرجت على الوطن والتاريخ، وحاولت وتحاول التخريب وترهيب الآمنين يوميًا مدفوعةً بوهمِ العودة إلى السلطة
على أشلاء الوعي الشعبي المصري.
وعلى
واشنطن أيضًا أن تكف عن تمثيل دور راعي القيمِ الديمقراطية في العالم، وأن تلتفت
إلى سياساتها التي لا تشجع إلا كل متطرف في دول المنطقة العربية، ولا تعدو كونها
حلقة في سلسلةٍ متواصلة من محاولات إغراق هذه المنطقة في المزيد من الدم والحرائق
والفتن".