المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

صورة الانتقال السياسي في مصر: في الصحافة الإماراتية (1-2)

الثلاثاء 26/أغسطس/2014 - 02:32 م
د. شريف درويش اللبان

قام الباحث الدكتور/ هشام محمد عبد الغفار أستاذ الصحافة المشارك بكلية المعلومات والإعلام والعلوم الإنسانية – جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا وأستاذ الصحافة المساعد بكلية الآداب - جامعة حلوان  بإعداد دراسة مهمة عن صورة الانتقال السياسي في مصر في صحافة دولة الإمارات العربية المتحدة، وذلك في الفترة من 30 يونيو 2013 وحتى إقرار الدستور الجديد كخطوة أولى في خارطة المستقبل في يناير 2014.

وقد اهتمت الصحافة الإماراتية بالانتقال السياسي في مصر في إطار اهتمامها بالعوامل الهيكلية لعدم استقرار أنظمة ما بعد الربيع العربي، حيث أن عدم الاستقرار في رأي الخبراء المتخصصين في العلوم السياسية هو سمةٌ ملازمةٌ لمرحلة ما بعد الثورات والانتفاضات الشعبية بما يصاحبها من انهيارٍ لنظمٍ سياسيةٍ وإسقاطٍ لنُخبٍ حاكمة، ولايعود هذا الاهتمام الواضح فقط إلى الدور المؤثر الذي قامت به دولة الإمارات العربية المتحدة في دعم السلطة الانتقالية في مصر، بل يرجع أيضا إلى أهمية هذا الانتقال السياسي على مستويات متعددة كان من أبرزها مستوى العلاقات الخليجية المصرية التي تحولت بعد سقوط حكم الإخوان من الحالة التقليدية الرتيبة والنمطية إلى حالةِ الدفء والحركية بما فرض على الصحافة الإماراتية أن تخصص لهذا الانتقال السياسي مساحاتٍ واسعةٍ لتحليلِ أبعادِه وتفسيرِ دلالاتِه وسبرِ أغوارِ أحداثِه الدينامية وتفاعلاته التي تنطوي على صراعات عميقة ومحتدمة بين أطراف متعددة، مما أدى في التحليل النهائي إلى صورة إعلامية تظهر عناصرها في محتوى خطاب الصحافة الإماراتية إزاء أحداث الانتقال السياسي في مصر.

ويمكن القول إن أحداث الانتقال السياسي في مصر خلال هذه الفترة مثّلت في جوهرها بؤرة لتقاطع عدة مستويات من الصراع اشتركت فيه عديدٌ من الأطراف الدولية والإقليمية، وانعكس ذلك في جدل اعلامي واسع على مختلف المستويات الدولية والاقليمية والمحلية حول الأحداث في هذه الفترة وما إذا كانت تمثل ثورة أو انقلابًا من ناحية ، وحول تداعيات هذه الأحداث التي اقتربت من التدويل من ناحية ثانية، وحول مستقبل جماعة الإخوان المسلمين ونهاية النموذج الذي تمثله، وتأثير ذلك على منطقة الخليج خاصة من ناحية ثالثة.

وترجع أهمية الانتقال السياسي في مصر للصحافة الإماراتية أيضا إلى عمق العلاقات الأخوية الخاصة بين مصر والإمارات على المستويين الحكومي والشعبي، وتأثير طبيعة النظام السياسي في مصر على التوازنات الأمنية في منطقة الخليج. ومن هنا تجلت أهمية صورة الانتقال السياسي في مصر خلال الفترة من 30 يونيو 2013، حتى إعلان نتائج الاستفتاء على الدستور الجديد في 18يناير 2014 في خطاب صحيفة الخليج الإماراتية أكثر الصحف اليومية الإماراتية اهتماما في مقالاتها بهذا الانتقال السياسي والمعروفة بتوجهها القومي العربي الذي التزمت به في كل مراحل نشأتها وتطورها.

ووفقا لذلك يمكننا القول؛ إن أهمية هذه الدراسة تنبع من أهمية موضوعها الذي يتسم بطبيعة جدلية مركبة تجعله أكثر ملاءمة لتحليل الخطاب من ناحية، والذي يرتبط بتحول تاريخي نوعي من ناحية أخرى، كما أن الأبعاد القومية والوطنية لموضوع هذه الدراسة تضفي عليها مزيدًا من الأهمية في ضوء حرص الصحافة الإماراتية على انتمائها العربي وروابطها الوثيقة بمحيطها العربي.

واعتمدت الدراسة على منهج المسح الشامل لكل مقالات الرأي في خطاب صحيفة الخليج الإماراتية خلال فترة الدراسة التي أشرنا إليها سلفًا. وقد استعان الباحث في هذه الدراسة الكيفية بتحليل مسار البرهنة وتحليل القوى الفاعلة كأداتين لتحليل الخطاب محل الدراسة للوصول إلي الأطروحات، وأدوار القوى الفاعلة التي تشكل عناصر الصورة الإعلامية التي يقوم بدراستها مع الحفاظ على وحدة النص.

وقد تم اختيار صحيفة الخليج الإماراتية بناءً على دراسة استطلاعية للصحف اليومية الإماراتية خلال فترة الدراسة قام بها الباحث، بينت نتائجها أن هذه الصحيفة هي أكثر الصحف اليومية الإماراتية التي تناولت في مقالاتها الانتقال السياسي المصري خلال فترة الدراسة، وقد يعود ذلك إلى توجهها القومي العربي الذي يميز سياستها التحريرية. وقد اقتصرت هذه الدراسة على مقالات الرأي فقط، لأنها حتى وإن انطلقت من حادثة أو واقعة ما تتجه نحو إصدار الأحكام العامة أكثر من أي شكل صحفي آخر.

وقد توصلت الدراسة إلى جملة من النتائج المهمة نستعرضها فيما يلي:

 

أولا : الأطروحات الخاصة بسمات الانتقال السياسي في مصر

جاءت الأطروحات الخاصة بسمات الانتقال السياسي في مصر في خطاب صحيفة الخليج الإماراتية مبينةً لجوهره الصراعي، حيث تقول الدكتورة أمينة أبو شهاب: "سنة 2013 هي سنة الإخوان المسلمين، ليس لأنهم جنوا فيها مكتسبات جديدة فائقة وقطعوا أشواطًا تاريخيةً في سبيل تحقيق أهدافهم، وإنما لأنهم طبعوا العام المنصرم بختم جماعتهم وفرضوا حضورها فيه وفي أحداثه، فشكل العام 2013 أكثر الفترات تأججًا في الحرب بينهم وبين تكوين الدولة المصرية وصراع الوجود الذي يعيشه الطرفان منذ وجدت الجماعة. الحرب في 2013 كانت علنية ومفتوحة الجبهات ولا تتوفر فيها للإخوان الآن أي وسيلة مؤثرة وماكرة ومجربة لاستدراج أجهزة الدولة ومشاغلتها وإنهاكها وصولًا لإضعاف شعبيتها وإدانتها دوليًا".

ويصف محمود الريماوي الصراع الكامن في عملية الانتقال السياسي في مصر قائلًا: "حدث في مصر ما كان أقرب إلى الكوابيس : نُذُرُ حربٍ أهليةٍ متصاعدةٍ ، انشطارٌ أهلي، اعتماد العنف وحده لمعالجة أزمة سياسية، تعطل الحياة العامة، واستهداف مرافق الدولة وخاصةً مراكز الشرطة،      وتهديد مراكز دينية وكذلك رموز دينية إسلامية ومسيحية معًا، ولجوء حزبٍ بعينه إلى استخدام السلاح جهارًا نهارًا، وإعلان حالة الطوارئ و حظر التجول ليلًا. هذه التطورات مخيفة فهي أشبه بكرة النار التي كلما تدحرجت أكثر ازداد لهيبها وتطاير الشرر منها لتنشأ عنها كرات لهب أخرى".

ويؤكد خطاب صحيفة الخليج على الصراع الكامن في عملية الانتقال السياسي في مصر على مستويين رئيسيين، مستوى داخلي ومستوى خارجي، وذلك على النحو التالي:

 

1- أطروحات الصراع على المستوى الداخلي

جاءت أطروحات صحيفة الخليج الإماراتية لتبين طبيعة الانتقال السياسي في مصر باعتباره صراعًا بين قوى الدولة والمجتمع المدني المصري من ناحية والإخوان ومناصريهم من ناحية أخرى، حيث يوضح فيصل جلول تفاصيل هذا الصراع قائلًا: "كانت تجربة الحكم الإخواني في مصر أقل فاعلية وأكثر ارتباكًا وربما دفعهم الخوف من الفشل إلى الإمساك بمفاصل الدولة لمواجهة المتضررين في كل قطاعات الدولة والجيش والشرطة والمجتمع المدني، والراجح أن يكون المرشد العام للجماعة قد ارتكب خطًا فادحًا عندما أصر على المواجهة مع كل هذه الفئات دفعةً واحدةً متسلحًا بشرعية الانتخابات وكأن الثقافة السياسية الديمقراطية للناس راسخة وطويلة ومجربة إلى الحد الذي يمكن أن يغفروا ما سمي بالأخونة وألا يتجرأوا على الإطاحة بالسلطة الإخوانية في الشارع. لقد حرم العبء الأيديولوجي للإسلام السياسي الإخوان المسلمين من هامش المناورة في منعطفين كبيرين، الأول عندما تسلموا السلطة منفردين وتجنبوا الائتلاف كما فعلت النهضة في تونس، والمنعطف الثاني عندما سخروا من تظاهرات 30 يونيو و3 يوليو، وبالتالي امتنعوا عن التفاوض مع الفريق السيسي على صيغة سياسية تجعلهم شركاء مضاربين في سلطة قيد البناء".

وتبين صحيفة الخليج في افتتاحيتها أيضا سمات هذا الصراع قائلةً: "يريدون إسقاط الدولة ومؤسساتها التي اختطفوها لعامٍ كامل، ولما فشلوا يسعون الآن لتدميرها من خلال تظاهرات عنيفة يتم فيها الزج بالنساء والشيوخ والأطفال، وعمليات التخريب والاغتيالات التي تستهدف القيادات السياسية والعسكرية والمنشآت الرسمية، ولا يتورعون عن ارتكاب المعاصي والآثام والتطاول على مقامات سياسية ودينية وعسكرية بدافعٍ من الحقد والكراهية. إنهم يدّعون امتلاك الشرعية السياسية والدينية اعتقادًا منهم أن التفويض الشعبي الذي حصلوا عليه قبل أكثر من عام هو تفويض أبدي، أو هو صك ملكية مصر منحهم إياه الشعب المصري الذي اختارهم على حين غِرة وفي غفلةٍ من الزمن.

ولما اكتشف حقيقتهم قرر سحب التفويض يوم 30 يونيو لتقويم ثورة 25 يناير، وتعديل مسارها وتحقيق شعاراتها التي غدر بها الإخوان وأفرغوها من مضمونها، بل حاولوا استبدالها بشعاراتٍ ومضامينَ هجينة خارج ثقافة وقيم مصر والمصريين، لأنها تضرب الوحدة الوطنية         في الصميم وتلغي تراثًا مصريًا عظيمًا يمتد لآلاف السنين بهدف إقامة دولة دينية ظلامية تعود بالمصريين إلى كهوف الجاهلية، وتقودهم إلى الانخراط في مشاريعَ مشبوهةٍ خارج الموقع الحقيقي لمصر ودورها".

ويوضح أمجد عرار شيطنة الجيش المصري كسمة أساسية للصراع المحيط بعملية الانتقال السياسي في مصر قائلًا: "الجيش الذي كان وطنيًا وحاميًا للشعب أصبح كافرًا وعميلًا وصدرت الفتاوى "الدليفري" بدعوة كل من هب ودب في العالم كي يتوجه إلى مصر لمقاتلته..الجيش الذي عزل حسني مبارك لم يقم بانقلاب من وجهة نظر هؤلاء المكفرين والمفتين على الطلب، رغم أنه تسلم السلطة وقائده أصبح رئيسًا مؤقتًا للجمهورية.

أما وقد تحرك الجيش نفسه استجابةً لإرادة الملايين لحماية مصر من صدام حتمي وانقسام مدمر، فإن الجيش نفسه وقائده الذي عينه المكفرون يتعرض لحملة تحريض غير مسبوقة في التاريخ، بل ولم يتعرض لها الجيش الصهيوني.

ثمة تساؤل في هذا السياق، لماذا هذه الشيطنة للجيوش العربية؟ ولماذا هذه الهجمة التشويهية الشرسة على وزير الدفاع المصري عبد الفتاح السيسي؟ رغم أنه كان وزيرا للدفاع وظل في نفس المنصب؟

من الواضح أن الحملة ليست على شخصه، بل على ما يمثله كقائدٍ لجيشِ أكبرَ دولةٍ عربيةٍ بعد تفكيك الجيش العراقي واستنزاف الجيش السوري، ولكن ما هو أوضح أن مشروع الفوضى الخلاقة لكي ينجح ويدخل شعوبنا في حروب طائفية وأهلية يجب إنهاء الدولة الوطنية العربية وتفكيك جيشها باعتباره ضامن الوحدة الوطنية والاستقرار".

ويصف الدكتور ناجي صادق شُرَاب الانتقال السياسي في مصر باعتباره صراعًا على تطبيق الديمقراطية قائلًا: "لعل أكبر التحديات التي تواجه الثورة في مصر هو إنجاز ثورة الحكم، فالأساس في ثورة يناير وامتدادها ثورة يونيو هو التأسيس لنظام حكم ديمقراطي بديلًا لنظام الحكم الاستبدادي  والسلطوي في كل صوره الفردانية أو الدينية.

الثورة الأولى نجحت في إسقاط نظام حكم سلطوي دام ما يقارب ثلاثين عامًا، ونجحت أيضًا في إنجاز انتخابات برلمانية ورئاسية الكل احترم نتائجها، لكن أسيء تطبيقها فتحولت إلى حكم ديني، وهذا يتناقض مع الهدف الأساسي للثورة الأولى، فكان لا بد من تجدد الثورة ثانية ضد حكم انحرف عن المسار الديمقراطي.

ثم امتدت أهداف الثورة ضد حركة الإخوان بعد ذلك لرفضها الالتزام بشرعية الشعب وشرعية الحكم الديمقراطي، ولو أنها قبلت بقواعد الممارسة الديمقراطية ما وصلت الأمور في مصر إلى حالة العنف التي نشهد بعض مظاهرها الآن، والتي سيكون الخاسر الوحيد فيها الجماعة نفسها".

ويستطرد الدكتور ناجي صادق شراب في وصف طبيعة الصراع على الحكم الديمقراطي في مقالٍ آخرَ قائلًا: "المفارقة أنه مع ثورة تدعو للحكم الديمقراطي ولشرعية سياسية جديدة تقوم على المدنية والتوافق الوطني ذهب الإخوان إلى حكمٍ ديني جديد يتناقض وهدف الثورة الأم.

هذه التطورات قادت إلى حالة ثورية جديدة لتدخل مصر من جديد في مرحلة انتقالية بمعطيات ومتغيرات جديدة، هذه المرة متنافرة متصادمة، وهو ما أدخل مصر في حالة من الصراع الداخلي الذي هدفه ليس بناء الدولة وبناء الأمة المصرية، ولكن إنهاك الدولة المصرية وإنهاك جيشها في حرب ضد الارهاب والتطرف، وللأسف أن تقف من ورائه قوى سياسية أعطتها الثورة كل حقوقها السياسية وصولا للحكم، هذا على الرغم من خارطة الطريق التي أعلنها الجيش والتي تهدف إلى إعادة بناء الحياة الديمقراطية، وكان يفترض أن يكون الإخوان أول المؤيدين لها لأن هدفها التأسيس من جديد لحكم ديمقراطي يسمح لهم بالمشاركة في الحكم إذا استطاعوا عبر الشرعية الانتخابية، وليس شرعية القوة والعنف التي قد تفقدهم  كل ما تبقى لهم من رصيد سياسي. ولقد جاءت الأمور والتطورات عكس ما يتوقعه المرء فأخذ الإخوان جانب العمل ضد الدولة وجيشها، وهي سياسة خاسرة لأنه لا يمكن الوقوف ضد الدولة ومؤسساتها".

ويستعرض محود الريماوي مظاهر العنف المصاحبة لعملية الانتقال السياسي في مصر قائلًا: "وها نحن نرى كيف دخلت البلاد إلى نفقٍ مسدود باعتماد الحل الأمني وحده، وهذا التشخيص للمسألة ينسحب بطبيعة الحال على رموز الإخوان وقياداتهم الذين أغلقوا الطريق أمام الوسطاء الدوليين وغيرهم متمسكين بعودة مرسي أولا، رافضين أية حلول وسطى من قبيل فتح الطريق أمام انتخابات رئاسية وبرلمانية جديدة، وأسبغوا على الأزمة السياسية طابعًا دينيًا بتصوير عزل مرسي على أنه يضاهي استهداف الكعبة المشرفة، وعملوا على تحشيد جمهورهم على أساس ديني إلى جانب شعارات (استعادة الشرعية) حتى إنهم رفضوا وساطة الأزهر متجاهلين ما يتمتع به هذا الصرح من مكانة رمزية وتاريخية، كما تم من طرف الإخوان استبعاد حزب النور السلفي من الوساطات، وفي هذه الأجواء تزعزعت الوحدة الوطنية وشق الحل الأمني طريقه بعد صعود تحذيرات شتى تحذر من وقوعه كما تحذر المعتصمين فيه من مغبة مواجهة كارثية.

والبادي أن خيار المواجهة العنيفة كان مستقرًا في وعي الإخوان، وجرى التحضير المسبق لسيناريوهاته في حال فض الاعتصامين بإطلاق حملة ترويع ونشر الفوضى العارمة والتركيز على المراكز الأمنية، وهو أمر سبق حتى فض الاعتصامين وتصاعد بعدئذ واتسع نطاقه على مستوى الجمهورية، وبهذا فإن رافضي الانقلاب على النظام الذي قاده مرسي لم يترددوا في الانقلاب على الدولة، دولة كل المصريين، لا على النظام الجديد الناشئ وحده.

ومن الطبيعي ألا يجتذبوا مع هذه الممارسات تأييدًا شعبيًا رغم ما أبدوه من قدرة فائقة على التحشيد هنا وهناك وفي أوقات متزامنة، وعلى خلاف ذلك نشبت وتنشب مواجهات مع الأهالي مع ميل ظاهر للإخوان للمبادرة بالعنف بداعي الدفاع عن النفس حتى مع أهالي عزل!.

العنف يقود إلى المزيد منه، وفي ظروف مصر التي تشهد اكتظاظًا سكانيًا وبؤرًا فقيرة للفقر والعاطلين عن العمل مع وجود أسلحة خفيفة بين أيدي المهربين والأشقياء وأصحاب السوابق، فإن العنف الذي يبدو حتى الآن عنفًا سياسيًا بات قابلًا لأن يتحول إلى فوضى عنيفة ذات روافدَ اجتماعيةٍ  شتى".

 

 2- أطروحات الصراع على المستوى الخارجي

جاءت أطروحات صحيفة الخليج الإماراتية معبرةً أيضًا عن الانتقال السياسي في مصر باعتباره صراعًا بين القوى الخارجية، حيث يقول الدكتور خليل حسين: "لقد شكلت ثورة مصر الثانية على حكم الإخوان نوعًا من التحول السلبي في العلاقات بين القاهرة وواشنطن، وأدت إلى تداعياتٍ وآثارٍ لافتة هي الأولى منذ عقود خلت، فقد أقدمت الإدارة الأمريكية على تجميد المساعدات المالية والاقتصادية المقررة سلفًا كنوعٍ من العقاب على أداء ذي طابع سيادي داخلي، كما جمدت صفقة طائرات عسكرية (خمسون طائرة إف 16) وألغت مناورات عسكرية مقررة (النجم الساطع) في وقت شهد الشارع المصري مِزاجًا مختلفًا أعاده إلى حقبة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وصورها النمطية لجهة العلاقة السلبية مع الغرب، وبالتحديد الولايات المتحدة الأمريكية.

في مقابل التحول الأمريكي المصري ثمة غزل سياسي وعسكري واقتصادي روسي مصري واضح المعالم؛ فمن جملة ما عرضته موسكو على القاهرة صفقات سلاح طائرات حربية متطورة من نوع ميج، إضافة إلى برامج تدريبية عسكرية، علاوة على قمر اصطناعي ذي بعدٍ عسكري بهدف مواجهة أوضاع سيناء الأمنية غير المريحة للقاهرة، ما يعني أن ثمةَ قرارًا روسيًّا بإعادة تموضع شرق أوسطي يعطي ميزة إستراتيجية إضافية على وجودها في طرطوس بعد جملة التحولات الأمنية والعسكرية الحاصلة في الأزمة السورية حاليًا، والخروج الروسي المدوي من ليبيا سابقا ".

ويرى الدكتور مصطفى الفقي هذا الانتقال السياسي في مصر في إطار الصراع مع المخططات الأمريكية الغربية تجاه العالمين العربي والإسلامي قائلًا: "إن أحداث يونيو/ حزيران ويوليو / تموز 2013 قد أجهضت المشروع الأمريكي الغربي تجاه العالمين العربي والإسلامي، بل إنني أزعم أنها قد أسقطت مخططًا بعيد المدى كان يقوم على ضرورة تحويل الصراع الخارجي بين الغرب والإسلام إلى صراعٍ إسلامي - إسلامي تصطدم فيه القوى المعتدلة مع الجماعات المتطرفة، ويظل الغرب يرقُب (المشهد العثماني القديم) من بعيد من دون أن يحتاج إلى التدخل بقواته وأمواله.

ولا مانع أن يعود المسلمون والعرب إلى العصور الوسطى وتبقى إسرائيلُ واحةَ التمدين الحضاري والتقدم العلمي على حساب مجموعة من الأصفار تحيط بها، فالجيش العراقي قد خرج من المعادلة منذ سنوات، والجيش السوري أنهكته معارك العامين الماضيين في الداخل، أما الجيش المصري فلا بد من استدراجه لحرب استنزاف طويلة المدى، واستدعاء فلول القاعدة والجماعات الإرهابية في مواجهة معه حتى تتأكد الدولة العبرية أنها سيدة المنطقة الوحيدة بالمنطق الاستعماري العنصري العدواني التوسعي، ولكن ضابطًا جسورًا من مصر أجهض ذلك المخطط وكشف المشروع، وعندها خرجت عشرات الملايين إلى الشوارع والميادين تؤيده وتدعمه في تجمع بشري غير مسبوق في التاريخ الحديث".

ويرى الدكتور محمد جابر الانصاري تداعيات الانتقال السياسي في مصر في إطار إقليمي أوسع كصراع بين اتجاه الدولة الدينية واتجاه الدولة العلمانية في عالمنا العربي قائلًا: " الجاري في عالمنا العربي يسمونه في كتب التاريخ الحرب الأهلية بين العلمانية  والدينية ".

ويربط علي جرادات بين المخططات الغربية في عالمنا العربي ومسار الأحداث في مصر في رؤيته لعملية الانتقال السياسي فيها قائلًا: "المواجهة الدائرة في مصر إن هي إلا حلقة من حلقات صراع قديم متعدد الأبعاد والمواقع والمخاطر بين مشروع حركات الإسلام الحزبي التكفيرية وأصلها جماعة الإخوان المسلمين والمشروع العربي الديمقراطي الحداثي التحديثي التحرري بمشاربه الوطنية والقومية والليبرالية والتقدمية".

حلقة فجرها حراك شعبي عربي يشكل في جوهره العام حالة استفاقة تعزز الأمل بالتغيير على المدى البعيد وربما المتوسط رغم كل محاولات اختطافه وإجهاضه وحرف مساره عن أهدافه الحقيقية.

ما يعني أن وجهة حسم هذه الحلقة من حلقات هذا الصراع في مصر بالذات تحدد بدرجة كبيرة حسم المآل النهائي لانتفاضات الشعوب العربية التي ركبت موجتها وحاولت اختطاف ثمارها بدعم غربي عام وأمريكي خاصة جماعة الإخوان المسلمين وكل ما خرج من عباءتها من حركات الإسلام الحزبي التكفيرية الجاهلة المتطرفة التي شوهت صورة الحراك الشعبي العربي، وما انفكت تنشر القتل والتدمير والتخريب والتقسيم الديني والطائفي والمذهبي والجغرافي والمجتمعي في أرجاء الوطن العربي من أقصاه إلى أدناه، بل في غلافه الإقليمي أيضًا .

ولعل المرء لا يحتاج إلى ذكاءٍ كبيرٍ كي يكتشف صلةَ كلِ ذلك بمخطط نشر الفوضى الخلاقة وتطبيقاته متعددة الأشكال والذرائع والمسميات في كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن ومصر وليبيا وتونس والسودان والحبل على الجرار .

إن نجاح الشعب المصري المبهر في عبور محطة استحقاقات وتحديات ومكائد الاستفتاء على مشروع  الدستور وإحباط كل محاولات منعه من التعبير عن إرادته وتطلعاته بحرية وشفافية إنما يؤكد قدرته على عبور استحقاقات وتحديات ومكائد محطتي الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقبلتين، ما يبرهن مرة أخرى على عبقرية هذا الشعب وعراقة حضارته ورسوخ دولته و قوة إرادته ووطنية قواته المسلحة وسعة وعمق مخزون عوامل قوته الناعمة في السياسة والفكر والفن والصحافة والإعلام".

وتوضح صحيفة الخليج في افتتاحيتها تدخل عديدٍ من الدول العربية والإقليمية والدولية في مسار الانتقال السياسي في مصر قائلة: "هذه الخلاصة تقودنا إلى ما تتعرض له مصر من تدخل في شئونها الداخلية من جانب عديدٍ من الدول العربية والإقليمية والدولية مثل الولايات المتحدة الأمريكية وإيران وتركيا وقطر وغيرها من دول عربية وغربية.

إن هذه الدول من خلال تدخلها المعلن والفج بالشأن المصري الداخلي وبالسياسات الداخلية التي تعتمدها حكومتها في إدارة شئونها بعد ثورة 30 يونيو / حزيران هو وفقًا للقانون الدولي اعتداءٌ على سيادة مصر واستقلالها السياسي وسلامتها الإقليمية ووحدتها الوطنية.

وعندما تتخذ مصر موقفًا من أي دولة تتدخل في شأنها الداخلي إنما تمارس حقها كدولة مستقلة ذات سيادة عضو في الأمم المتحدة وتلتزم بميثاقها، وهي بالتالي تدافع عن نفسها حمايةً لأمنها الداخلي من تدخل خارجي يستهدف سلامة أراضيها ووحدة شعبها، خصوصًا أن هذا التدخل بات مكشوفًا وأهدافه واضحة، وهو مناصبة ثورة 30 يونيو وشعبها العداء، ومحاولة إعادة عقارب الساعة إلى الوراء لإعادة جماعة الإخوان إلى السلطة بعد أن لفظها الشعب بملايينه، وانكشاف دورها التخريبي في تدمير مصر وإسقاط دورها العربي، وإبعادها عن قضايا أمتها وإلحاقها بمشاريع إقليمية مشبوهة ذات مضامين ظلامية تحركها أفكار غارقة في الجهل والجهالة وترفع رايةَ الإسلامِ ستارًا لأفكارها التكفيرية التدميرية هي وجماعاتها التي خرجت من رحمها وتحولت إلى جيوشٍ للتخريب والتكفير في مصر وغيرها من الدول العربية.

على هذه الدول ألا تتمادى في غيها وألا تعمل على تخريب مصر وإضعافها كما حصل في العراق وليبيا وسوريا على سبيل المثال، وعليها أن تحسب حسابًا لرِدَةِ الفعلِ إذا ما آنَ أوانُها، فحذار من الحليم إذا غضب، وفي هذه الحالة لن تكون مصر وحدها".

كما تؤكد صحيفة الخليج أيضًا في افتتاحيتها على الدور الخارجي في تحديد مسار الانتقال السياسي في مصر قائلةً: "لم يكن مصادفة أن تولت تركيا في ظل الحزب الحاكم (العدالة والتنمية) مهمةَ قيادةِ ركبِ الإخوان المسلمين في المنطقة ودعمهم وتمكينهم من الوصول إلى السلطة في أكثر من بلد عربي تنفيذًا لمهمةٍ كُلفت بها، وهي قيادة أنظمة إسلامية معتدلة تؤسس لنظام إقليمي جديد يكون قادرًا على إحداث تحولات تخدم أهداف ومصالح دولٍ كبرى.

كما لم يكن مستغربًا أن تُبرم صفقة بين الإخوان في مصر والولايات المتحدة في إطار هذا التمكين، وبالتالي بين الإخوان والكيان الصهيوني من خلال التعاون والتنسيق وتبادل رسائل الود والتقدير.

وأخيرًا نسأل: هل مصادفة خرجت كل مجموعات الإرهاب والتكفير وانتشرت بكل أفكارها وسلاحها ومرتزقتها في طول الأرض العربية وعرضها مع وصول الإخوان إلى السلطة في مصر ووجود رديفٍ أساسي في تركيا يدعم ويأوي ويحتضن؟".

وتوضح الدكتورة أمينة أبوشهاب طبيعة الحرب الإعلامية المهيمنة على الانتقال السياسي في مصر قائلةً: "الركن الأساسي في الحرب ضد الدولة في المنطقة هو الإعلام، هذا ما أثبته عام 2013، ولقد كانت هذه الحرب هي بمنطق إخواني وبأدوات إعلامية إخوانية ممتدة الشبكات عالميًا لعبت قوًى خارجيةٌ دورًا في خلق رمزيات سياسية إعلامية لها (مثل علامة رابعة) التي هي كناية عن مقتلة أنصار الإخوان أو كربلائهم التي سعوا إليها لإبقاء (قضيتهم حية) وتحفها الدماء في الوجدان العام، وبحثًا عن مسيرةٍ سياسيةٍ متجددةٍ أساسُها العداء الدموي مع الدولة.

والسؤال بعد سنة كاملة من إدارة حربٍ إعلامية نوعية وهائلة الحجم والإمكانات هو: هل الإخوان هم الوجهة والأداة المرئية فحسب للحرب التي هي أكبر من إمكاناتهم وحجمهم وقدرتهم على التخطيط، كما ظهروا على حقيقتهم في فترة حكمهم لمصر؟ وهل وُجد الإخوان ليكونوا أداةَ هدمٍ  وتناقضٍ أبدي مع كيان الدولة العربية ؟".

وتصف افتتاحية صحيفة الخليج الإماراتية تداعيات الانتقال السياسي في مصر باعتباره انعكاسًا للإستراتيجية الأمريكية في المنطقة العربية قائلةً: "المُضي في خطوات الفوضى في المنطقة العربية وخصوصا في الدول المتاخمة لإسرائيل من أجل إغراقها في المزيد من الصراعات والاقتتال الأهلي على أسسٍ طائفية ومذهبية، وبالتالي إنهاكِها وتدمير قواها الذاتية من خلال استغلال دور المجموعات التكفيرية المتطرفة وبقايا قوى الإسلام السياسي ذات الأجندات التقسيمية على أسس دينية.

ما الهدف من كل ذلك؟ تشكيل حزام أمان حول إسرائيل لمدى غير منظور تستكمل فيه مشاريعها الاستيطانية التهويدية من دون أية مخاطر محتملة، وتطويق أو عزل كل بؤر المقاومة في المنطقة التي تكون فيها إسرائيل وحدها القوية والقادرة على حماية مصالحها والمصالح الأمريكية".

وتقول صحيفة الخليج في افتتاحيةٍ أخرى موضحةً الإطار الإقليمي المصاحب للانتقال السياسي في مصر: "الأمة العربية باتت في العراء، بلا سقف ولا جدران، والنظام العربي صار مهترئًا صدئًا ضربته الشيخوخة وكل أنواع الأنيميا، والأمن القومي صار في خبر كان وتحول إلى مجردِ شعارٍ بلا هُويةٍ أو عنوان.

هذه هي حالنا على امتداد الوطن العربي، دول فقدت مناعتها بعد ما ضربها وباءٌ خبيث يدعى التطرف لَبَسَ لَبوس الإسلام السياسي، وتدثر بالدين وراح يُخرب ويقتل ويعيث فسادًا، فسادت لغة التكفير، وانتشر سمُ الطائفية والمذهبية الذي مزق الهُويةَ الوطنية والقومية.

ذلك كله ليس فوق الشبهة، لأن عملية التمزيق والتفتيت تتم من الداخل، وهناك من يرعى الوحش الذي أفلت من عِقَاِله بعد ما ظل يرعاه ويسمنه ويُعدَه لهذه الساعة ويُخرجه من غياهبِ التاريخِ السحيق.

وها هي الدول الغربية تُعدُ العُدَة لإلحاق سوريا بكلٍ من العراق وليبيا تحت الذرائع إياها، كما أنها تضع مصر في مرماها. وضعٌ عربي مأساوي .. كلنا نتحول إلى فرائسَ سهلةٍ من دونِ مقاومة من أجل أن ينام عدونا الصهيوني قرير العين ويستكمل مخططات التوسع و التهويد".

         

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟