المركز العربي للبحوث والدراسات : تحول حذر: مستقبل عملية التحول الديمقراطي في ظل رئيس جديد (1-2) (طباعة)
تحول حذر: مستقبل عملية التحول الديمقراطي في ظل رئيس جديد (1-2)
آخر تحديث: الأربعاء 18/06/2014 11:18 ص نبيل عبد الفتاح
تحول حذر: مستقبل

أولًا: تحفظات حول سؤال المستقبل الديمقراطي

هل يمكن الحديث عن مستقبل لما يسمى بعملية أو عمليات التحول الديمقراطي في مصر في ضوء نجاح رئيس ذي خلفية عسكرية إلى سدة الرئاسة المصرية؟

ما الذي يدعو إلى هذا السؤال الافتتاحي؟

عديد الاعتبارات التي أذكر منها تمثيلًا لا حصرًا ما يلي:

1- طابع السيولة، وبعض من الاضطراب السياسي النسبي الذي يحيط بالتفاعلات والنزاعات السياسية غير المنضبطة والغيوم التي تحيط بعملية بناء قواعد لإدارة هذا الصراع على نحو سلمي، ويتوافر لها الحد الأدنى من التوافق العام.

2- هيمنة العقلية الأمنية/ العسكريتارية في إدارة عمليات الانتقال منذ المرحلة الأولى ثم الثانية، والثالثة، وذلك دونما رؤية سياسية حاضنة أو داعمة لهذه العقلية وموجهة لها بالرؤية والحساسية والمتابعة.

3- أولوية هدف تحقيق الاستقرار الأمني، في مواجهة الجماعات الإسلامية السياسية الراديكالية ـ أنصار بيت المقدس وسواها ـ وبعض العنف المصاحب لتظاهرات واحتجاجات جماعة الإخوان المسلمين وحلفائها ومناصريها والعاطفين عليها.

من ناحية أخرى تزايد الطلب الاجتماعي على الأمن والأمان إزاء أشكال الفوضى، والعنف الاجتماعي ذي الطبيعة الإجرامية، ولا مبالاة قطاعات جماهيرية بالنظم الإدارية التي تؤطر التنظيم الإداري والمحلي للدولة من مثيل قواعد المرور، ومواقع البيع والشراء، وتزايد مؤشرات ارتفاع تعاطي المواد المخدرة، والاتجار فيها بكل انعكاسات ذلك على دوافع العنف وحوادث المرور، وتنشيط سوق الجريمة ت السرقات والرشوة واختلاس المال العام والتهريب.. إلخ ـ من ناحية أخرى تركيز السلطة الانتقالية ـ على مواجهة مصادر تهديد الأمن الداخلي ذات الطبيعة السياسية والإرهابية، وتصدي المؤسسة العسكرية لمصادر تهديد الأمن القومي بالتعاون مع الشرطة بخصوص الإرهاب، وتأمين الحدود في مناطق حدودية مضطربة في ليبيا والسودان، والحدود مع قطاع غزة.

لا شك أن ترتيب الأولويات والاهتمامات الأمنية يؤدي إلى فجوة بين الأمن السياسي والأمن الجنائي، ومن ثم عدم التوازن فيما بينهما في عديد الأحيان.

4- تركيز الرئيس المنتخب ذي الخلفية والثقافة العسكرية/ الاستخبارتية على أولوية الأمن والاستقرار، بهدف تحفيز وتنشيط الاقتصاد المصري المثقل باختلالات هيكلية، ومن ثم اهتمامه المحوري بالمسألتين الأمنية والاقتصادية.

من ناحية ثانية: يحاول فريق الرئيس والإعلام الموالي له بتقديمه على أنه رئيس قوى وصارم، ويذكي ذلك الخلفية والخبرات والثقافة العسكريتارية التي تعتمد على البناء الهرمى ـ الهيراركي كهيكلة، ونمط تفكير ومقاربة ـ ومن ثم على ثقافة الأمر والنهي، وإطاعة الأوامر. لا شك أن ذلك أمر طبيعي وتاريخي من زاوية الأصول والمرجعيات التي خرج من بين أعطافها رئيس الجمهورية السيد عبد الفتاح السيىسي، ومن ثم سيحتاج إلى وقت لكي يستوعب طريقة تفكير ولغة ومقاربة السياسيين للأزمات والمواقف المتغيرة، وقد يساعد على ذلك عمله السابق كرئيس لجهاز المخابرات العسكرية.

من ناحية ثالثة: أولوية الأمن والاستقرار، يضعها رئيس الجمهورية وفريقه ـ على الأغلب تشكيل الفريق الرئاسي سيكون عسكريًا في معظمه ـ على بعض الحريات العامة كالحق في التظاهر السلمي، والقانون المنظم له، والذي لا يزال موضعًا للخلاف السياسى مع بعض الأحزاب السياسية، وبعض الكتل والمجموعات الشبابية.

ستظل الأولوية الأمنية كمدخل لتحقيق الاستقرار هي أبرز شعارات الرئيس الجديد للبلاد، وذلك على الرغم من احتمالات الإفراج الرئاسي عن عدد من "النشطاء الشباب"، أو احتمالية إعادة النظر في بعض العقوبات المغلظة في هذا الصدد.

5- تشرذم الحياة الحزبية القديمة والجديدة وعدم فاعلية الحزب السياسي – القديم/ الجديد- في أداء الوظائف المنوطة به، في تجميع المصالح الاجتماعية والسياسية والتعبير والدفاع عنها، وذلك في ضوء قدرته على بناء جذور اجتماعية له تتمدد في الريف والحضر، من خلال بناء شبكات اجتماعية ومشروعات يربط فيها بين أعضاءه وبين الفكرة الحزبية التي يقوم عليها.

لاشك أن نتائج الانتخابات الرئاسية، تشير إلى الدور الذي لعبته العائلات الكبيرة في الصعيد، وبعض رجال الأعمال في رفع نسب المشاركة، وهو الأمر الذي يشير إلى ضعف الأحزاب السياسية القديمة ـ ما قبل 25 يناير ـ والجديدة فيما بعد، وعدم قدرتها على تأطير قواعد جماهيرية جديدة في هياكل عضويتها المختلة.

6-غياب أطر تنظيمية فاعلة، أو مرنة نسبيًا أو مفتوحة ينتظم خلالها بعض الكتل الشبابية السائلة في المدن، وبحيث تستطيع أن تنقل تشظّي خرائط وحركة الواقع الرقمي وجماعاته ونشطائه إلى الواقع الفعلي من خلال أشكال أكثر استمرارية وتنظيمًا من تشتت "اللعبة الافتراضية السياسية".

مع احتمالية ضعف سياسة رئاسية وحكومية للتصدي لشبكات وبؤر الفساد في الوظيفة العامة، سيرفع معدلات النقد الإعلامي، والغضب والسخط الاجتماعي

من ناحية ثانية: عدم قدرة الأحزاب السياسية، وبعض الشباب الثائر من الخروج من حدود لعبة رقمنة السياسة، وتلفزتها في البرامج الحوارية التي استطاعت حرق عديدهم سياسيًا لدى الجمهور، وذلك لغياب تصورات ما وراء شعاراتية وخطابية حول الثورة والدولة والتطور الديمقراطي.

من ناحية ثالثة: استمرارية بعض من نكران حقائق القوة في الواقع الفعلي، واحتمال استمرارية التشكيك والجروح في نسب المشاركة في الانتخابات الرئاسية. لا شك أن استمرار هذه النزعة أو بعض منها، دون تجاوزها ودرس ما حدث، سيؤدي إلى تغليب التشتت والعفوية السياسية، بديلًا عن اللجوء إلى التفكير السياسي المنظم، وشيوع نزعة سلوكية سياسية تعتمد على ردود الأفعال بكل ما تحمله من اضطرابات، وصدامات مع أجهزة الدولة الأمنية والعسكرية... إلخ.

من ناحية رابعة: نزوع بعض القوى الشبابية غير المنظمة إلى إعادة إنتاج نماذج الاحتجاج السياسي والاجتماعي، وبعض من الفكر الفوضوي والثوري" المضاد للدولة، وهو ما سيؤدي إلى توترات، وعنف سياسي واجتماعي، يؤدي إلى إضفاء تبرير لعودة بعض الأساليب العقيمة الباطشة التي سادت في ظل حكمي السادات ومبارك وما بعد 25 يناير و 30 يونيو وما بعد..

7- تركيز رئيس الجمهورية الجديد، ومجلس الوزراء على مواجهة مصادر تهديد الأمن، وجماعة الإخوان المسلمين ومناصريها، والإعداد للانتخابات البرلمانية القادمة، وذلك على نحو يساعده على دعم الاستقرار، وفي ذات الوقت إنجاز بعض المشروعات التي وعد بها.

8- بعض الغموض والتشوش الذي يحيط بالموقف من جماعة الإخوان المسلمين ومدى إمكانية إعادة دمجها في بعض من هياكل النظام ـ البرلمان ـ أو إقصائها في المرحلة الأولى. لا شك أن ذلك سيطيل من عملية التوترات السياسية في البلاد، ولذلك لفترة زمنية.

9- مخاطر استمرارية الفهم السلطوي القديم والمستمر منذ 23 يوليو 1952، وحتى الآن في طريقة التعامل مع الملفات القبطية العالقة، بخصوص المشاركة السياسية في هياكل النظام ومؤسساته لا سيما المواقع القيادية. من ناحية ثانية.

الاعتماد على التعامل مع رأس الكنيسة القبطية ـ وغيرها من الكنائس الكبرى الثلاث ـ والأكليروس عبر الأجهزة الأمنية، مع بعض من التغيير السياسي، واستمرارية منطق بعض الفقه التقليدي حول العلاقة مع الآخر الديني والمذهبي، ومن ثم يساعد ذلك على تراجع قطاعات قبطية شابة من الفئات الوسطى ـ الوسطى عن تأييد النظام والرئيس الجديد.

من ناحية ثالثة: احتمالات النقد والهجوم الديني التقليدي على الأقباط بحجة أنهم ساندوا التغيير الذي حدث بعد 30 يونيو 2013، والعودة إلى مفاهيم أهل الذمة، وفتاوى عدم التعامل معهم إلا في حدود إلى آخر هذه الآراء التي تسهم في الاحتقانات الطائفية والمحفزة على العنف اللفظي والمادي إزاء المواطنين الأقباط.

من هنا يبدو التوتر والالتباس والصراع بين مفهوم المواطنة، وبين ضرورة مراعاة دعم بعض السلفيين لعملية التغيير السياسي في 30 يونيو وما بعد، ومدى تأثير أي من المفهومين على سياسة الرئيس الجديد وحكومته.

 

ثانيًا: إشكاليات وتحديات عمليات التحول الديمقراطي وآثارها

يواجه رئيس الجمهورية الجديد عديدًا من التحديات والإشكاليات يمكن رصد هذه التحديات فيما يلي:

1- ثورة التوقعات الاقتصادية والاجتماعية لدى عديد من القطاعات والشرائح الاجتماعية، لا سيما الفئات المعسورة من العمال والفلاحين وفقراء المدن، والهامشيين، وبعض من الشرائح الوسطى ـ الوسطى، والوسطى ـ الصغيرة، الذين تعرضوا للتآكل وتراجع مستويات حياتهم، بل وتفكيك أواصراهم، وتساقط بعضهم إلى الشرائح الاجتماعية الأدنى في نمط المعيشة.

لا شك أن ثورة التوقعات والتطلعات الاجتماعية ظاهرة ارتبطت بالثورات والانتفاضات الثورية، وعمليات التغير السياسس، وازدادت حضورًا وكثافة وتضاغطًا في المثال المصرس في أعقاب 25 يناير 2011، من خلال ارتفاع معدلات الاحتجاج الاجتماعس والفئوس، وشكلت أبرز تحديات المراحل الانتقالية، ومن المحتمل العودة إلى هذا النمط من الاحتجاجات الفئوية، في ظل التوجه الحكومي إلى إعادة النظر في سياسة الدعم السلعي والعيني للخبز والطاقة والبنزين والمازوت والكهرباء.

سياسة إعادة النظر في شرائح الدعم تدريجيًا، قد تؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم وانفلات أسعار السلع والخدمات مما قد يؤدي إلى تزايد التوترات الاجتماعية، وربط ذلك برئيس الجمهورية الجديد، ويترتب على ذلك ما يلي:

أ- تحول التوتر والغضب إلى تظاهرات واعتصامات متتالية.

ب- دخول بعض المنظمات الثورية لتطويرها من مثيل الاشتراكيين الثوريين، و6 أبريل، والأناركيين (الفوضويين) لاعتبارات تتصل ببنائهم الإيديولوجي وأساليب عملهم الحركية.

ج- كسر هيبة ومصداقية تصور الرئيس الجديد حول أولوية الأمن، إذا ما ظلت هذه الأولوية في تناقض مع مفهوم الحريات العامة وتنظيمها المتوازن وليس التسلطي، وهو ما قد يدفع نحو استخدام الآلة الأمنية بضراوة تؤدي إلى بيئة سياسية واجتماعية صراعية ومحتقنة، وقد تدفع نحو تعاطف عناصر عديدة وجديدة مع جماعة الإخوان المسلمين، ويؤدى ذلك إلى انكسار التحالف السياسي مع الأحزاب السلفية الداعمة لرئيس الجمهورية الجديد، وتحرك بعض مشايخها الذين جرحت صورهم الجماهيرية والإعلامية جراء تناقضات فتاواهم "الغريبة"، ومواقفهم السياسية إلى المزايدة على رئيس الجمهورية، والحكومة والاقتراب من جماعة الإخوان، ومعهم بعض القواعد السلفية التي لم تشارك في الاستفتاء على الدستور، والانتخابات الرئاسية وبعضهم أبطل صوته. ما سبق حال حدوث ستوظفه جماعة الإخوان في تحركاتها الداخلية، والدولية في الأوساط الأمريكية والأوربية لكي لا تغير موقفها من رئيس الجمهورية الجديدة، والجزء المتبقي من خارطة الطريق، وهو انتخابات مجلس النواب.

هـ- سيساعد ذلك حال حدوثه إلى تزايد معدلات نقد الرئيس والسلطة السياسية في الإعلام الغربي ودوائر البحث السياسى والإستراتيجي الأمريكى والأوربي إزاء ما يحدث في مصر، وذلك لأن بعض هذه الدوائر تدافع عن شرعية حضورها ومصالحها، لأن خبراء المنطقة ظلوا طيلة عقود يدافعون عن جماعة الإخوان المسلمين، وضرورة دمجها في التركيبة السياسية المصرية، وأنها جماعة تقف ضد العنف الإسلامي الراديكالي وجماعاته.

و- من ناحية أخرى قيام الولايات المتحدة، ودول المجموعة الأوربية بالضغط على حلفاء الرئيس والسلطة الجديدة في إقليم النفط ـ السعودية والإمارات والكويت والبحرين والأردن ـ بتقليص المساعدات المالية والنقدية للرئيس الجديد وحكومته أو وضع بعض الشروط عليها.

2- تزايد معدلات الفساد السياسي، مع رجوع بعض مراكز القوى العائلية التقليدية، ورجال الأعمال، الذين شكلوا عماد نظام مبارك إلى الواجهة، مع تمدد الفسادات الرأسية لاسيما في الهياكل الإدارية والمحلية للدولة (أكثر من 7 ملايين موظف وعامل في بعض التقديرات).

مع احتمالية ضعف سياسة رئاسية وحكومية للتصدي لشبكات وبؤر الفساد في الوظيفة العامة، مما يرفع معدلات النقد الإعلامي، والغضب والسخط الاجتماعي. في ظل استمرارية فهم إجرائي وشكلاني لمفهوم الشرعية السياسية لا يتجاوز المفهوم الإخواني الذي يربطها بصناديق الاقتراع ونتائج الانتخابات فقط.

يؤدي هذا التمدد للفساد وعصبه وشبكاته إلى عديد الآثار ومنها:

1- محاولة تبريره بأنه موروث سياسي مستمر منذ عديد العقود والحكام السابقين، وأنه يحتاج إلى وقت، وأن المواجهة الشاملة والصارمة ستؤدي إلى المساس بقطاعات شعبية عريضة.

2- المساهمة في المزيد من إضعاف مفهوم دولة القانون، ويؤدي إلى استمرارية الازدواجية بين نظام قانون الدولة، وقانون الفساد والقوة والمكانة والمحسوبية.

3- تحدي الفجوات الجيلية وإحباط شباب الفئات الوسطى ـ الوسطى المدينية حول القاهرة أساسًا وبعض قليل من المحافظات حول مسار العمليات الانتقالية.

تحدي إعادة التوازن والتمايز الوظيفي بين السلطات، لا سيما استقلال السلطة القضائية، والسعي إلى نفي ما يثار حول تسيس القضاء والقضاة، وهو إدراك متزايد قبل وبعد 25 يناير

ظاهرة إحباط الشباب تتزايد في ظل دخول شرائح جديدة لاسيما من أبناء القاهرة، وهو ما يطلق عليهم شباب محمد محمود2، وهي الشريحة من 14-18 سنة ومعهم آخرون من 19-23 سنة التي تتسم بالشراسة في احتجاجاتها السياسية ومظاهراتها.

وقد يزيد من ظاهرة الإحباط السياسي ما يلي:

أ- عدم قدرة فريق رئيس الجمهورية والحكومة على إنتاج جسور حوار حقيقية وليست مصطنعة، عبر الأجهزة الاستخباراتية والأمنية في تحديدها لممثلي الشباب، مع الكتل الجيلية الشابة للفئات الوسطى ـ الوسطى، والوسطى ـ الصغيرة.

ب- غياب خطاب سياسي جاد حول الشباب من رئيس الجمهورية في أثناء حملته الانتخابية، وما اعتورها من أخطاء فادحة.

ج- تزايد ظاهرة اللا مبالاة السياسية والأنا مالية، وهو ما يعني استمرارية أزمة مصادر شرعية النظام، ويؤدي الإحباط إلى إمكانية اندلاع توترات، وإعمال تظاهر يعتريها العنف.

د- عدم وضوح الانحيازات الاجتماعية في شعارات الرئيس الجديد أثناء المعركة الانتخابية، وهو ما تم استخدامها من بعض النشطاء الشباب في وصف الرئيس المنتخب بأنه يعتمد على السياسات النيو ليبرالية، وليس على اقتصاد السوق ذي الوجه الاجتماعي.

ويذهب نشطاء آخرون إلى نعت مشروعات الرئيس بأنها غير جديدة وقديمة، بل ويغالي بعضهم إلى حدِّ القول إنه برنامج لجنة السياسات في الحزب الوطني المنحل.

أيًا ما كان أمر هذه التوصيفات من حيث الصحة والدقة في التحليل السياسي الشّعاري، أو عدم الدقة، إلا أنها يجب أن تؤخذ في الاعتبارات، وبحث مآلاتها على مستوى ظاهرة إحباط الشباب التي يعترف بها بعض عناصر المجموعة المحيطة بالرئيس، وأشار إليها في بعض أحاديثه.

هـ- المجموعة المحكوم عليهم من الشباب "الثورى" في قضايا خرق قانون التظاهر، أو المقدمة للمحاكمة أو قيد الحبس الاحتياطي، تؤدى إلى استمرارها كمادة للنقد الجارح والتعبئة والسخرية على الواقع الافتراضي.

لا شك أن عدم إيجاد حلول ستؤثر على عملية السعي إلى تخفيف الاحتقان والتوتر مع النظام، والرئيس الجديد للبلاد.

4- تحدي المشاكل الاقتصادية الخطيرة، وعدم تبلور رؤية اقتصادية كلية تؤسس عليها سياسات لمواجهة هذه الأزمات، في إطار مفهوم للتنمية المستدامة تستوعب درس الفشل التاريخى في تجربة التنمية المصرية، والتجارب الأخرى المقارنة من حيث الفشل، وتجارب النجاح الأخرى في الاقتصادات الصاعدة في آسيا.

لا شك أن استيعاب التجارب المختلفة، واستلهام بعض مكوناتها الملائمة للظروف التاريخية المصرية والإقليمية والعالمية بالغ الأهمية في هذا الإطار.

5- تحدي إعادة التوازن والتمايز الوظيفي بين السلطات، لاسيما استقلال السلطة القضائية، والسعي إلى نفي ما يثار حول تسيس القضاء والقضاة، وهو إدراك متزايد قبل وبعد 25 يناير 2011، وسيتفاقم في ظل وصول رئيس جديد ذي خلفية عسكرية، يسعى بعضهم في فريقه والموالين له والإعلام في تقديمه على أنه منقذ، وأنه يمثل مركز بقاء واستمرارية الدولة واستقرارها، وأيًا كان مدى دقة هذا الفهم والإدراك الشائع إلى حد ما.

أ- ثمة من يرى أن القضاء والقضاة كسلطة وكجماعة مهنية، كانوا ولا يزالون جزءًا من عملية مقاومة أجهزة الدولة ككل لجماعة الإخوان المسلمين، ومن ثم يعتبرون أن إرث مواجهة الجماعة للقضاء والقضاة، من عمليات محاصرة مجلس الدولة من قبل جماعة "حازمون" ومن والاهم، وحصار المحكمة الدستورية العليا لكي لا تجتمع لإصدار أحكامها بعدم دستورية قانون مباشرة الحقوق السياسية، بطلان قانون تشكيل مجلس الشورى، وقانون تشكيل اللجنة الخاصة بإعداد دستور 2012 الذي كرس رؤية الإخوان والسلفيين والتيار الإسلامي السياسي في أغلبية نصوصه، وبكل الأعطاب التي انطوى عليها، بالإضافة إلى مشروع قانون خفض سن التقاعد، ثم الإعلان الدستوري الصادر في 22 نوفمبر 2012.

ب- لا شك أن جماعة الإخوان ومواليها، وبعض الشباب الغاضب، وطلاب الجامعات المصرية، يعتبرون أن القضاء المصري مسيس، وغيرها من التوصيفات السلبية.

ج- زاد من الانتقادات الموجهة للقضاء والقضاة الظهور الإعلامي المكثف لبعض القضاة في البرامج الحوارية، والتلفازية، وفي الصحف والمجلات، والإذاعة والتليفزيون سواء من كانوا ضمن ما سمِّي بتيار استقلال القضاء، أو بعض الموالين السافرين لجماعة الإخوان المسلمين.

لا شك أن الانتقادات السابقة تجد بعضًا من الذيوع، لكن لا يقدح ذلك في استمرارية بعض تقاليد استقلال القضاء والقضاة.

من ناحية أخرى، تزايد الهجوم الداخلي على القضاة والقضاء بعد أحكام الإعدام الغيابية التي تجاوزت المئات في أول سابقة مصرية وعالمية، وهو ما أدى إلى توجيه انتقادات حادة، من جماعة الإخوان، وما سمّي بتحالف دعم الشرعية، ومعهم بعض المنظمات الحقوقية الدفاعية ومعهم منظمات على المستوى العولمي، والإقليمي، وبعض الإدارات السياسية الغربية ومنظمات دولية وإقليمية.

هـ- لا شك أن هذا النمط من الانتقادات وآثارها يشكل ضغوطًا، تسهم في بروز فجوة ثقة حول استقلال القضاء في مصر، وبين المواطنين والقضاء والقضاة. هذا بعض من التغير في الاتجاهات الإدراكية المقلقة، لأنها تضعف من ميراث تاريخي من الثقة بين المواطنين والقضاء والقضاة في مصر.

من هنا تشكل مسألة إعادة بناء الثقة والتزام القضاة بعدم الخلط بين دورهم ووظيفتهم ومقتضياتها أمرًا من الأهمية بمكان.

و- من ناحية أخرى، ضرورة إعادة النظر في قوانين السلطة القضائية، ودعم استقلال القضاء، وضبط آليات ومعايير التجنيد للجماعة القضائية من الأهمية بمكان. من ناحية أخرى إيلاء عناية لتكوين شباب النيابة العامة في مركز تدريب القضاة.

5- تحدي مدى وضوح وتبلور سياسة الرئيس وفاعليتها إزاء جماعة الإخوان المسلمين وبعض الأحزاب والجماعات الإسلامية السياسية الداعمة لها.

تشكل مسألة إعادة بناء الثقة والتزام القضاة بعدم الخلط بين دورهم ووظيفتهم ومقتضياتها أمرًا من الأهمية بمكان.

ثمة تحدٍّ بارز يواجه الرئيس الجديد والحكومة وأجهزة الدولة وهو؛ التردد بين سياسة الأقصاء للإخوان المسلمين عن العمليات السياسية، وبين العودة إلى سياسة الدمج الجزئي للجماعة التي سادت مع الرئيسيين الأسبقين أنور السادات وحسني مبارك والتي وصلت ذروتها إلى حصولهم على خمس عدد مقاعد مجلس الشعب عام 2005.

لا شك أن أيًا من الاتجاهين قد يجد أنصاره داخل أجهزة الدولة الأمنية والاستخباراتية. من ناحية أخرى ما سيفرز أيًا من الخيارين، هو مدى قدرة الرئيس الجديد على تحقيق الاستقرار الأمني والسياسي، وسياسات إعلامية وتعليمية وثقافية جديدة حول العلاقة بين الدين والسياسة والتشريع، وكذلك مدى صموده ومناورته أمام الضغوط الأمريكية ـ في ظل إدارة باراك أوباما ـ ودول المجموعة الأوربية.

6- تحدي الانتقال من الشرعية الانتخابية الإجرائية، وبناء متوازن ومؤتلف من مصادر أخرى للشرعية تضفي على سلطاته دعمًا شعبيًا مستمرًا.

هذا التحدي بالغ الأهمية، لأن بعضًا من فريقه، وأجهزة الدولة لا يزالون يستخدمون منطق جماعة الإخوان ومواليهم، والدولة الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة والمجموعة الأوربية التي تركز على شرعية الاقتراع العام، ونتائجه في نظرتها للتغيرات التي حدثت في أعقاب 30 يونيو، و3 يوليو، و26 يوليو 2013، وما بعد.

7- الرئيس الجديد ومشكلة الظهير الشعبي الداعم له، وداخل البرلمان القادم.

السؤال الرئيس الذي نطرحه هنا: هل يعتمد الرئيس عبد الفتاح السيسي على موقع ومكانة الرئيس وأدائه، على نمط من البونابرتية الجديدة، وعلى نمط من الصورة الناصرية بلا كاريزما، أو تركيبة لهياكل الحكم ومشروع للتنمية يسوغ نمط البونابرتية/ الناصرية ومعه نظام كوربوراتي على نمط بعض نظم أمريكا اللاتينية التي سادت آنذاك في البرتغال.

هل يشكل حزبًا سياسيًا جديدًا، أو ائتلافًا يدخل به الانتخابات البرلمانية القادمة؟ أم يتعامل مع الأغلبية البرلمانية أيًا كانت؟ أم تتم بعض الاتفاقات غير المعلنة على دعمه من بعض الائتلافات الحزبية التي تتشكل قبل انتخابات مجلس النواب القادم؟

8- تحدي بناء سياسة تنظم وتدير إشكالية الأمن والحريات العامة، وإعادة النظر في فلسفة النظام القانوني المصري، ومن ثم ضرورة طرح مشروع كبير لإصلاحه أم لا؟

9- تحدي صياغة سياسة حول التوازن بين العلاقات العسكرية / المدنية، وتزداد أهمية هذا التحدي في تأثيره على عديد من الأمور المهمة التي نذكر بعضها فيما يلي:

أ- صورة الرئيس القادم السياسية، وهل سيستمر وجه الرئيس العسكري، أم الانتقال إلى صورة الرئيس السياسي على المثال الديجولي، أو ايزنهاور مع اختلاف هذه الأمثلة عن حالة الرئيس الجديد.

ب- مخاوف بعض رجال الأعمال، وبعض الشباب الغاضب من إسناد عديد من مشروعات الدولة إلى المؤسسة العسكرية لسرعة إنجازها، أو إعطائها من الباطن إلى بعض رجال الأعمال.

هذه المخاوف بالغة الخطورة لأنها قد تؤدي إلى بطء وتراجع أنشطتهم الاقتصادية بكل انعكاسات ذلك على البيئة الاقتصادية والاستثمارية، ويحد من الاستثمارات العربية، والدولية المختلفة.

ج- التأثير السلبي على صورة النظام خارجيًا، وإعطاء الانطباع بأنه ثمة عسكرة للسياسة المصرية العائدة من موتها أو من اعتقالها التاريخي.

سيترتب على تبلور رؤية لرئيس الجمهورية حول العلاقة بين العسكري والسياسي المدني، تختلف عما ساد طيلة نظام يوليو 1952، إلى احتواء بعض الحساسية المرتبطة ببعض الشعارات التي طرحها الإخوان وبعض الشباب حول مفردة العسكر، أو شعار يسقط حكم العسكر.

الحساسية قد تكون ذات مسوغ في إطار التطور التاريخي للمؤسسة العسكرية المصرية وعلاقاتها بعملية بناء الدولة الحديثة، وفي إطار الحركة الوطنية المصرية.

10- تحدي علاقة الرئيس بالجماعة الثقافية المصرية: ثمة علاقة توتر وربما سوء تفاهم في أفضل الأحوال والتقديرات لدى بعضهم في تعامل النظام المصري التسلطي المستمر، مع المثقفين، لا سيما محاولة بعضهم في نخبة الحكم نسيان أو عدم معرفة دورهم التاريخي في بناء الدولة المصرية الحديثة، ومساهماتهم الخلاقة في تأسيس جسور العلاقة مع العالم الحديث، وفي استعارة وتوطين الحداثات الثقافية، والاجتماعية، ونمط الحياة الحديث والمعاصر. في إطار الصراع مع نظام يوليو وعديد الاعتقالات والمحاكمات لهم، مما أدى إلى دفع بعض المثقفين البارزين ثمنًا سياسيًّا باهظًا وفي حياتهم الشخصية وحرياتهم بما فيها حريات الرأي والتعبير والقومية والاعتقاد.

في ظل الأنظمة التسلطية والتعبوية لم يكن ثمة توافق بينها وبين المثقفين النقديين، لأن بعضهم في الغالب يدركون دورهم النقدي والإبداعي في ظل بيئة سياسية داعمة للديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان.

من ناحية أخرى، النخبة الحاكمة. لم تكن على ما يرام مع هذه النزعة النقدية لها وللنظام التسلطي، ومن هنا بدأ التصادم بينهم منذ أزمة مارس 1952 وإلى الآن.. ويلاحظ أيضًا أن وراء 25 يناير 2011 دورًا نقديًّا بارزًا ومشاركة فاعلة من جيل السبعينيات وما بعد في التمهيد للحركات الاحتجاجية ـ كفاية وأشباهها ـ وفي إبراز شروخ الشرعية العميقة في قلب النظام من خلال بعض الكتابات النقدية والتفكيكية البارزة التي أدت إلى تزايد الاحتجاجات السياسية، ومن ثم لعبوا دورًا في المشاركة في الانتفاضة الثورية وما بعد.

لا تزال وضيعة التوتر والنزاع قائمة في ظل غياب دور بارز ومختلف للعلاقة بين المثقف والرئيس الجديد. من هنا يشكل دور المثقفين والعلاقة معهم أحد أكبر تحديات الرئيس الجديد، والذي لا تعد الثقافة جزءًا من أولوياته الأمنية والاقتصادية.

11- تحدي الاعتمادية ومدى القدرة على بناء هامش الاستقلالية عن سياسات الدول النفطية الداعمة لرئيس الجمهورية، وعلى رأس هذه الدول السياسة الخارجية للسعودية والإمارات، والكويت، والبحرين، ثم الأردن من خارج الدول النفطية.

12- تحدي مواجهة عودة النظام القديم وغالب أو بعض حركاته وقواعده.

ما الذي ستؤدي إليه هذه التحديات والإشكاليات على تطور العمليات الانتقالية؟

السؤال هنا هل نحن أمام حالة لتطور ديمقراطي أم سياسات لتفكيك التسلطية السياسية وغيرها من التسلطيات؟

في ظل قدرة الرئيس الجديد على صياغة رؤية سياسية حول الديمقراطية، وكيفية بناء نظام ديمقراطي كامل، وضغوط وتحديات عمليات التحول الانتقالي في المرحلة الثالثة، يمكن وضع سياسات في عديد المجالات تؤدي إلى تحديد وجهة عملية التحول إلى السعي نحو ما بعد التسلطية في النظام والثقافة السياسية؟ وبعدها يمكن الحديث وتقييم الأوضاع السياسية هل تبدأ عمليات التطور الديمقراطي في ضوء عديد المؤشرات السياسية والقانونية والاجتماعية، أم ماذا؟