ظاهرة سباق التسلح هي ظاهرة عسكرية وسياسية
وصناعية وتجارية ازدادت حدتها بعد نهاية الحرب الباردة وظهور التقنيات الحديثة في
هذا المجال. أدى اشتداد الصراعات وانتشار الصراعات بين الدول إلى زيادة النفقات
العسكرية في معظم دول العالم في السنوات الأخيرة، كما أدى عدد من الأحداث إلى
تسريع وتيرة سباق التسلح، بما في ذلك: الحرب الروسية الأوكرانية، والمساعدات
العسكرية لأوكرانيا، والتوترات المستمرة بشأن تايوان وبحر الصين الجنوبي، والتهديد
الأمني الذي تشكله التجارب النووية لكوريا الشمالية
وبالتالي
سعت الدول الكبرى لزيادة كبيرة في ميزانية الدفاع والعمل على تعزيز قوتها العسكرية
مما أدى إلى زيادة الإنفاق العسكري العالمي . وبالتالي أصبح العالم على مشارف حرب
عالمية ثالثة .
ومن
هنا سوف تركز الدراسة على ظاهرة سباق التسلح من حيث المفهوم، الأنماط، فضلاً عن الأسباب والتداعيات لتلك
الظاهرة مع عرض مؤشرات ودلائل لسباق التسلح الجديد .
أولاً- المفهوم:
لقد شاع استخدام هذا المصطلح خلال حقبة الحرب
الباردة بين المعسكريين الشرقي والغربي.ويمكن تعريف سباق التسلح ب " علاقة
تنافس وعداء موجودة بين دولتين أو مجموعة من الدول بهدف زيادة كمية السلاح ( سباق
كمي ) وأيضًا نوعيته ( سباق نوعي ) ".(1)
ثانيًا- أنماط سباق التسلح:
يمكن
توضيح بعض من هذه الأنواع على النحو التالي :
-
من حيث
عدد الأطراف: يمكن أن يكون سباق التسلح أحادياً، ثنائيًا، أو
متعدد الأطراف.
-
من حيث
الكم والنوع: من الصعب التمييز إن كان السباق كمي أو نوعي؛
فجميع سباقات التسلح في الوقت الراهن تتبنى بوضوح مظاهر نوعية وكمية في نفس الوقت.
-
من حيث
طبيعة الأطراف: يحدث
سباق التسلح عادة بين دول منفردة أو بين تحالفات تضم مجموعة من الدول ولكن يمكن أن
يتخذ شكل أخر؛ فيحدث بين مجموعات منظمة داخل نفس المجتمع مما يخرجه عن إطار
العلاقات بين الدول.
-
من حيث
النفقات : بحساب
الإنفاق العسكري السنوي كنسبة مئوية من الدخل القومي ؛ فتعد أي زيادة، نقصان أو
استقرار لتلك النسبة مؤشرًا على سلوك الأطراف في سباق التسلح.
-
من حيث
المراحل: لا يبدأ مباشرة بمظاهر العداء وتصعيد التوتر، فعندما
يدرك أحد الأطراف أن مصالحه مهددة وبالتالي عليه الاستعداد لمواجهة محتملة مع
الطرف الأخر. يمكن القول في المرحلة الأولى يتسم الموقف بالغموض وتتطور المراحل
بمجرد إدراك التهديد.
-
من حيث
التقييد: طبيعة السلاح الذي يدير سباق التسلح من شأنه أن
يحدد سرعة وشدة سباق التسلح ؛ لهذا يوجد نوعان من سباقات التسلح المقيدة وغير
المقيدة حيث أن أي محاولة لأي طرف للتفوق
في هذا النوع من السباقات قد يكلف الفشل بسبب التكلفة الباهظة وبالتالي تقل سباقات
التسلح بمرور الوقت أو تنخفض شدتها عند الوصول للتكلفة.(2)
ثالثًا- أسباب ودوافع سباق التسلح الجديد:
1)
الحرب
الروسية الأوكرانية:
أحدثت
الحرب الروسية الأوكرانية تغييرات جوهرية في الأمن الأوروبي؛ وكشفت الحرب عن عيوب
الترتيبات الأمنية الأوروبية وأظهرت أن الاتحاد الأوروبي كان مجرد منسق للسياسات
الأمنية، بدلا من أن يكون قادرا على توفير مظلة أمنية لهذه البلدان في مواجهة
التهديدات الأمنية. ولذلك أصبحت الحرب سبباً لعدد متزايد من الدول لزيادة إنفاقها
العسكري بسبب المخاوف من تهديد روسيا باستخدام الأسلحة النووية إذا فشلت في تحقيق
نصر عسكري حاسم في كييف.
2)
التصعيد
العسكري الصيني:
وعلى الرغم من أن الصين لم تحل محل الولايات
المتحدة، إلا أنها حققت تقدمًا في السيادة الإقليمية والقيادة العالمية؛ وقد لوحظ
توسع الصين في مناطق مثل إفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية والشرق الأوسط، لذا فإن
كل هذه الأنشطة من شأنها إثارة علاقة الصين مع الولايات المتحدة وحلفائها، خاصة في ظل تصعيد الصين في تايوان
بشأن قضية بحر الصين الجنوبي من ناحية، وزيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي (نانسي
بيلوسي) إلى تايوان في أغسطس 2022 من ناحية أخرى .(3)
3) التهديدات الأمنية لكوريا الشمالية:
أجرت كوريا الشمالية تجارب نووية متعددة خلال
هذه السنوات (2006- 2017)، بالإضافة إلى مواصلة تطوير تكنولوجيا الصواريخ
الباليستية المتوسطة والطويلة المدى. فمن ناحية، أثار هذا مخاوف داخلية في
اليابان، ومن ناحية أخرى، أثر أيضاً على طبيعة التفاعلات الإقليمية في شمال شرق
آسيا. وتسعى اليابان إلى امتلاك أحدث الأسلحة الدفاعية، بما في ذلك الصواريخ،
لمواجهة التصرفات الاستراتيجية لكوريا الشمالية، وتعمل مع الولايات المتحدة وكوريا
الجنوبية لمواصلة الضغط على كوريا الشمالية من خلال فرض عقوبات اقتصادية.(4)
الخلافات الأوروبية – الأمريكية:
للولايات المتحدة الأمريكية دورًا مركزيًا للأمن الأوربي
عبر مظلة الناتو ولكن أصبح هذا الدور موضع تساؤل في الأعوام الأخيرة خاصة في ظل
التوجه الأمريكي نحو آسيا والمناقشات الأوروبية حول مزيد من الاستقلال الاستراتيجي
فضلا عن المخاوف الأوروبية بشأن احتمالية عودة "الترامبية "_التوجه نحو القومية والأحادية والانتقاد
للاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي _
للبيت الأبيض في انتخابات 2024 خاصة في ظل الانكماش الاقتصادي الخطير
وبالتالي إعادة التأكيد على الدور الأمني الحاسم للولايات المتحدة في القارة
العجوز لم يعد مضمونًا.(5)
وبالتالي، نتيجة لتلك الأسباب جاءت مؤشرات سباق التسلح الجديد على النحو
التالي:
في أبريل 2023 أصدر معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام
تقريرًا بشأن الإنفاق العسكري العالمي "SIPRI"، أوضح
فيه أن الإنفاق العالمي ارتفع بنسبة 3.7 % في عام 2022 ليصل نحو 2240مليار دولار
وبذلك يصل لأكبر زيادة سنوية له منذ 30 عام على الأقل استحوذت فيه الولايات
المتحدة، الصين، روسيا على نحو 56% من الإجمالي العالمي وفقًا للتقرير.