المركز العربي للبحوث والدراسات : عواقب وخيمة....حسابات التكلفة والعائد لتورط إيران في الحرب الأوكرانية (طباعة)
عواقب وخيمة....حسابات التكلفة والعائد لتورط إيران في الحرب الأوكرانية
آخر تحديث: الإثنين 13/03/2023 01:25 م
مرﭬت زكريا مرﭬت زكريا
عواقب وخيمة....حسابات

رغم أن الحرب الأوكرانية قد زادت من احتمالات دخول إيران إلى سوق الغاز الأوروبية، ولاسيما عقب تراجع نظيرتها الروسية، لكن تورط طهران الصريح في الحرب عبر دعم روسيا من خلال طائرات بدون طيار(مسيرة) أدى إلى الحد من هذه الاحتمالات. وتمثلت أبرز ملامح ذلك في عدم دعوة كل من طهران وموسكو إلى مؤتمر ميونيخ للأمن والذى بدأ في 17 فبراير 2023.

وسيتم العرض فيما يلي لأبرز التداعيات التى يمكن أن تترتب على مزيد من التورط الإيراني في حرب أوكرانيا:

أولاً- تعزيز الحضور الإسرائيلي في أوكرانيا

كشفت بعض التقديرات عن أن الوجود الإيراني المتصاعد في أوكرانيا قد يدفع إسرائيل إلى تعزيز وجودها هناك؛ حيث أكد وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين خلال تصريح له في وقت سابق بأن تل أبيب ملتزمة بمساعدة أوكرانيا وستقدم 200 مليون دولار كمساعدات في هذا الإطار. وهنا يمكن القول أن  مزيد من التورط الإيراني قد يؤدى ذلك إلى بروز كبير بشأن الدور الإسرائيلي في أوكرانيا خلال مرحلة ما بعد الحرب، ومن المتوقع أن تصبح هذه الأخيرة عدو أساسي لإيران أيضاَ.

ثانياً- الحد من الشرعية الدولية والإقليمية لإيران

يجادل بعض المحللون بأن الحرب في أوكرانيا ليست مثل الحرب في سوريا؛ ففي حالة الأخيرة، تعرضت دولة قريبة من إيران لهجوم إرهابي من قبل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، الأمر الذى أضفى بعض الشرعية على الوجود الإيراني هناك.  أما في حالة أوكرانيا فهى كانت دولة تتمتع بشرعية دولية ومحلية، وإنطلاقاً من دوافع سياسية وأمنية تعرضت للهجوم من قبل دولة أخرى. وبالتالي، فإن  وجود إيران في حرب أوكرانيا من وجهة  نظر  الجزء الأكبر من شعوب العالم، يعني دعم الدولة التي بدأت الحرب، أو بالأحرى المعتدية.

ثالثاً- تعزيز الإجماع العالمي لفرض المزيد من العقوبات ضد إيران

تحاول بعض القوى الإقليمية مثل إسرائيل استغلال التورط الإيراني في أوكرانيا للمطالبة والضغط من أجل فرض المزيد من العقوبات على إيران، وبالتالي،  فرض المزيد من العزلة الدولية على إيران وإطالة أمد ركود الاقتصاد الإيراني. وهو الأمر الذي من شأنه أن يعزز من استمرارية الاحتجاجات الشعبية المتواصلة في إيران، والتى اندلعت عقب مقتل الفتاة الكردية الإيرانية مهسا أميني على يد شرطة الأخلاق الإيرانية في سبتمبر الفائت.

رابعاً- استمرار تعثر مفاوضات خطة العمل الشاملة المشتركة

يمكن القول إنه في الوضع الطبيعي، وبغض النظر عن وجود إيران إلى جانب روسيا، يمكن للأزمة الأوكرانية أن توجد  تحدى حقيقي لمفاوضات الاتفاق النووي، الأمر الذى من شأنه أن يجعلها أكثر صعوبة. وبالتالي، يمكن لدعم إيران الصريح لروسيا أن يجعلها ضحية للمنافسة بين الولايات المتحدة الأمريكية وموسكو، الأمر الذى ألقى بظلاله على مفاوضات خطة العمل الشاملة المشتركة.

ونتيجة لذلك، ستكون عملية التفاوض أكثر صعوبة مما كانت عليه في الماضي، وسيحاول الجانب الأمريكي جعل عملية التفاوض أكثر تعقيداً من خلال طرح القضية الأوكرانية وكسب المزيد من التنازلات من قبل الجانب الإيراني.

خامساً- تكوين نظرة سلبية لإيران في أذهان شعوب الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا

بالنظر إلى أن روسيا كانت الدولة التى بدأت الحرب، فأى دولة تقف إلى جانبها تعد عدواً للشعب الأوكراني وشعوب الإتحاد الأوروبي. وبالمثل قد تقوم هذه الدول بتقديم المزيد من الدعم إلى جماعات المعارضة الإيرانية في الخارج، والتى يتمثل أبرزها في "جماعة مجاهدى خلق" الموجودة في ألبانيا.

وبالفعل زاد الغرب من دعمه لجماعات المعارضة الإيرانية في الخارج؛ الأمر الذى تجلت أبرز ملامحه في دعوة عدد من قادتهم مثل رضا بهلوى والناشطة الساسية والحقوقية مسيح نجاد إلى مؤتمر ميونيخ للأمن بدلاً من ممثلي الحكومة الإيرانية. مما يكشف عن الولايات المتحدة الأمريكية والقوى الغربية تستخدمهم كورقة ضغط على النظام في إيران بغرض الحد من دعمه لروسيا في الحرب الأوكرانية.

سادساً- تكثيف الجهود الرامية إلى تصنيف الحرس الثورى كجماعة إرهابية

أكدت بعض التقديرات على أن مزيداً من التورط الإيراني في أوكرانيا قد يؤدى إلى بذل مزيد من الضغوط على القوى الأوروبية لتصنيف جزء أساسي من القوات المسلحة الإيرانية وهو الحرس الثوري كجماعة إرهابية نتيجة دوره في قمع المحتجين الإيرانيين، بالإضافة إلى إنخراطه العسكري في عدد من دول المنطقة. وهو الأمر الذى يشكل تحدياً كبيراً لقوات الحرس الثوري التى تمتلك شركات اقتصادية عملاقة لديها تعاملات مصرفية كبيرة في الدول الأوروبية.

تحديات مشروطة

يمكن القول أن كل ما سبق قد يتحدد بناءاً على مدى انخراط إيران في الحرب الأوكرانية؛ حيث قد يتم خفض العواقب أو تصعيدها. والجدير بالذكر، أن منع المزيد من التورط الإيراني لا يعنى قطع العلاقات مع روسيا أو معاداتها، لكن بدون شك، يمكن لإيران أن تقيم دائماً علاقات جيدة مع روسيا إلى جانب بعض الدول الأخرى، ولكن مع مراعاة مصالحها الوطنية، وتوخى الحذر بشأن موقفها من هذه الحرب.

وفي هذا السياق، تفيد أدبيات العلوم السياسية بأن كل دولة يجب أن تسعى إلى ما يحقق الحد الأقصى من مصالحها الوطنية؛ حيث كانت إيران الدولة الوحيدة التى اعلنت صراحة دعمها لروسيا في الحرب من خلال تصدير طائرات مسيرة لها، بينما التزمت الصين الحياد النسبي تجاه الحرب وحاولت تركيا استخدام الحرب لتحويل نفسها إلى مركز للطاقة، ولايزالوا يتمتعون بعلاقات جيدة مع روسيا أيضاً.

ويضاف إلى ذلك،  إن الظروف الاقتصادية والاجتماعية لإيران صعبة للغاية في الوقت الحالي، الأمر الذى يشير إلى أنها غير مستعدة لتحمل تبعات التحالف مع روسيا خلال حربها في أوكرانيا. لذا، أكد بعض المحللين الإيرانيين على إنه من الأفضل أن تتبع إيران موقف مشابه لسلوك الصين وتركيا في حرب أوكرانيا، بل ويجب أن يتمحور تركيزها حول إحلال السلام بين البلدين، الأمر الذى من المؤكد إنه سيكون له تداعيات إيجابية على اقتصادها المتدهور، بما يؤدى إلى تهدئة الاحتجاجات السياسية المتواصلة بداخلها.

وفي النهاية: يمكن القول إنه مع تغيير الحكومة في روسيا، قد تصل حكومة إلى السلطة تنسى الذاكرة التاريخية لدعم إيران لروسيا في حرب أوكرانيا، بينما يمكن أن تتحمل إيران التبعات السلبية لهذا الدعم لعقود طويلة قادمة. ولكن إذا تم تبني وجهة نظر واقعية بشأن الحرب في أوكرانيا، فيمكن لروسيا أيضاً استخدام خبرة إيران التاريخية في تخطى العقوبات وتعزيز العلاقات الاقتصادية بين طهران وموسكو الأمر الذى من شأنه أن يحقق الاستفادة المتبادلة لكلا الطرفين.