المركز العربي للبحوث والدراسات : كيف ساهم التطور التكنولوجي في تطوير العلوم الاجتماعية؟ (طباعة)
كيف ساهم التطور التكنولوجي في تطوير العلوم الاجتماعية؟
آخر تحديث: السبت 07/01/2023 01:29 م
أحمد سامي عبد الفتاح أحمد سامي عبد الفتاح
كيف ساهم التطور التكنولوجي

مما لا شك فيه أن دراسة العلوم الاجتماعية والانسانية، وهي العلوم التي تختص بدراسة الإنسان وتاريخه والتطورات التي تطرأ علي التجمعات السكانية وتاريخها وسلوكيات أفرادها، في القرن الحادي والعشرين تختلف اختلافا جذريا عن تدريسها في الفترات السابقة من التاريخ البشري، وذلك بفضل الطفرة العلمية في وسائل الإتصال والتنقل والتي أتاحت للدارسين الإطلاع علي أدوات جديدة مكنتهم من التعمق في دراسة الإنسان وتجمعاته التنظيمية .

                ولأن التهديدات التي تواجه المجتمع الدولي أصبحت ذات صبغة عالمية، بسبب تجاوزها حدود الدولة القومية، فقد اقتضت الضرورة توسيع الاهتمام وتوفير كل الامكانيات المتاحة من أجل دراسة الانسان واشكالياته. وفي هذا الشأن وجدت العديد من الدراسات التي تتناول الإنسان وسلوكياته وفكره وتوجهاته. ولكن الاشكالية الحقيقية تكمن في وصول هذا الكم الكبير من الدراسات إلي الطلاب والباحثين في أماكن عدة في العالم .

ويمكننا القول أن التطور التكنولوجي قد وضع حدا لكل هذه الاشكاليات، حيث أن الكمبيوتر المحمول والموبايلات الذكية أتاحت الفرصة لكل الطلاب للإطلاع علي كافة المستجدات المحيطة بهم سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو انسانية، وما أكثر النزاعات المحيطة، بل أتاحت مواقع التواصل الاجتماعي فرصة المشاركة ومعايشة الحدث بكل لحظاته وإمكانية إستخلاص مجمل الأراء المؤيدة والمعارضة، بالإضافة إلي تلك التي تقع علي الحياد، من كافة الزوايا، بل إن معرفة الدوافع وراء هذه الأراء من أهم فوائد التكنولوجيا. وتعد هذه اضافة جديدة، لدراسة العلم الاجتماعي والانساني لم تكن موجودة من قبل .

ومما لا شك فيه أن التطور الملحوظ في علم الإحصاء والرياضيات أسهم بدرجة كبيرة في تحسين وتطوير تدريس العلوم الإجتماعية والإنسانية، حيث تحول الإهتمام من جمع كميات كبيرة من البيانات إلي تحصيل بيانات نوعية، ذات جودة عالية، ساهمت في وضع خطوط عريضة وإرشادات لفهم وتأويل مجمل الأحداث الجارية والمحيطة مما جعل الأمر يسير علي دارسي العلوم الإجتماعية  للإندماج في مجريات الواقع. بمعني أدق، حدث تحول جذري في أدوات جمع البيانات من وسائل تقليدية، مثل النسب المئوية والجداول المتقاطعة والإرتباطات, والتي هدفت بالأساس إلي جمع معلومات وصفية، إلي وسائل سريعة وأقل تكلفة، مثل مثل تحليل العامل والتحليل العنقودي، جعلت إنشاء الدراسات التي تتناول المجتمع سهلة بالقارنة بذي قبل. بالإضافة الي ذلك، يلعب الكمبيوتر دورا كبيرا في جعل البيانات أكثر وضوحا وشفافية، ومن ثم مساعدة الطلاب والباحثين علي الوصول إلي نتائج منطقية تتفق مع الواقع الذي يتناولونه.                                                                             

من الجدير بالذكر، أن العالم الرقمي قد وفر كميات لا نهائية من البيانات والمعلومات، أو بمعني أدق الأبحاث و الدراسات العلمية، فيما يتعلق بكافة الإشكاليات ذات الصلة الوثيقة أو الهامشية بالعلوم الإجتماعية والإنسانية. فعندما يريد الباحث تناول قضية معينه عليه أن يبدأ بمراجعة الأدبيات العلمية السابقة كي يكون علي علم تام بما تم تناوله وما تم تجاهله، حتي لا تكون دراسته مجرد تكرار لمعلومات ونتائج سبق التوصل إليها، ومن ثم إضاعة وقت كثير وإستفاذ قدرات بشريه ومادية من أجل التوصل إلي شيئ ليس بالجديد, حيث أنه تم كشف خباياه من قبل.

وقد أتاح الانتشار الكبير للشبكة العنكبوتية إمكانية الوصول إلي المكتبات الرقيمة بأسعار رمزية، وذلك للإطلاع علي كافة الأدبيات الأكاديمية في القضية التي يتم تناولها. ومن أمثله هذه المكتبات الرقمية "جي ستور" والتي تمتاز بإمكانية الوصول إليها في أي وقت ومن أي مكان، كما أنها تمتاز بالتنوع  والأدبيات الوفيرة. حيث أنه من الصعب جدا أن تبحث داخل هذا الموقع عن أدبيات تتناول إشكالية معينة ولا تجد ما يشبع غريزة الفضول لديك. وذلك لأن أي باحث بإمكانه أن ينشر أبحاثه داخل هذه المكتبات شرط أن تكون مستوفاة للشروط.

                بالإضافة إلي ذلك، نجد أن الشبكة العنكبوتية وفرت إمكانية وصول سريع- يتم في ثواني معدودة. تتيح هذه الشبكة أيضا إمكانية التواصل مع طلاب وأساتذه العلوم الإجتماعية والإنسانية في أماكن أخري من العالم والإستماع إلي محاضراتهم وندواتهم، ويتم ذلك من خلال قنوات إتصال موثوقة ومعروفة للجميع- ياهو، فيس بوك، تويتر، ويوتيوب. هذا ويملك دارسي العلوم الإجتماعية فرصة ذهبية الإطلاع علي المقررات الدراسية والمراجع العلمية لأبرز الجامعات، بل وكيفية تناولهم إشكالية معينة.

كل ما سبق من الأسباب تثبت أن شبكة الانترنت ألية ممتازة أتاحت العلم لكل البشر في شتي بقاع الأرض شرط توفر الرغبة والإرادة، حيث أنه تم كسر إرتباطية العلم بالجامعات، فقد أصبح بإمكان كل شخص تثقيف نفسه وتزويد عقله بالمزيد من المعلومات التي لم يعرف عنها أحد، في الماضي كانت الضرورة تقتضي الذهاب الي أستاذ والجلوس أمامه والأخذ عنه، ثم تطور الأمر إلي  إنشاء مؤسسات أكاديمية تجمع الأستاذ بالطالب، حتي جاءت ثورة الإنترنت والتي أتاحت لمحدودي الدخل والوقت إمكانية التعلم عن بعد للإستفادة من الخبرات الأكاديمية والبحثية  للجامعات الكبرى.

مثل هذه الإستفادة في الماضي كانت تقتضي  التنقل إلي الجامعة محل الإهتمام للأخذ عنها. وهو ما لم يكن في مقدرة الكثير من الطلاب نظرا للحاجة المادية، ولكن الإنترنت منحهم فرصة من لا شيئ. كما يمنح الإنترنت الطلاب المزيد من النشاط والإستقلالية  في التعلم, لأنهم يمنحهم فرصة ذاتية في إكتساب المعلومة بعيد عن أي مؤسسات أكاديمية أو بحثية .كما يمنح الإنترنت الطلاب فرصة ذاتية للتعلم عن طريق تحميل المراجع الخاصة بالقضية محل الإهتمام ودراستها.

بالإضافة إلي ذلك نجد أن الطلاب يحصلون علي فرصة للتواصل مع أساتذة متخصصين من أجل  الحصول علي توضيحات وتفسيرات بخصوص القضايا  التي تقع في دائرة اهتمامهم وتتسم بالإبهام. بمعني أخر بإمكانهم الحصول علي مساعدة شخصية من الأستاذة. بالإضافة إلي ذلك نجد أن الإنترنت منح الطلاب فرصة تكوين تجمعات بشرية علمية خارج نطاق الجامعات والمؤسسات البحثية.

من أهم إيجابيات العالم الرقمي أنه ساهم في توسيع وتعميق دائرة المعرفة العلمية لدي الطلاب لأن خلق أليات جديدة للتعلم لا تقتضي الذهاب إلي المدرسة أو الجامعة بل تتطلب فقط الرغبة الجادة في اكتساب العلم. وقد أثبتت هذه الطرق فعاليتها في تطوير المستوي البحثي والعلمي لكثير من الطلاب.

كما أفاد التطور التكنولوجي العلوم الاجتماعية والانسانية من خلال تسهيل التنقل والتحرك من وقت لاخر في فترة زمنية وجيزة. حيث أصبح بإمكان الطلاب في دولة معينة التنقل إلي دولة أخري بسهولة وزيارة أهم المؤسسات البحثية، بل وقضاء فترة معايشة من أجل الإلمام بكافة جوانب عمل المؤسسة،  ثم العودة إلي الموطن الأصلي ومحاولة تطبيق ما عايشه. وهذا يعني  أن الطفرة التكنولوجية أفادت العلوم الإجتماعية والإنسانية علي العديد من الأصعدة، فأصبح بإمكانهم التوصل إلي معلومات لم يكن في متناولهم في السابق.

ويمكننا القول أن دراسة العلوم الإجتماعية ليست دوما نظرية سواء علي مستوي تحصيل العلم أو علي مستوي اجراء الابحاث واستبيانات الرأي. فقد تقتضي الضرورة الاحتكاك بالمواطنين من أجل الإلمام الكامل بالأراء المتناقضة حول قضية معينة. وبفضل التقدم التكنولوجي أصبح بامكان المؤسسات البحثية والاكاديمية التواصل مع الأشخاص بشكل دومي من خلال مواقع التواصل الاجتماعي مما يوفر الوقت والجهد.

في النهاية، أسهم التطور التكنولوجي في تطوير العلوم الاجتماعية حيث أتاح للباحثين الاطلاع على العديد من المصادر المختلفة في الموضوع محل النظر، كما أتاح للباحثين حضور ندوات ومؤتمرات عن بعد.