المركز العربي للبحوث والدراسات : مُستقبل الدور المغربي في النظام الدولي (طباعة)
مُستقبل الدور المغربي في النظام الدولي
آخر تحديث: الثلاثاء 03/01/2023 07:44 م فارس محمد العمارات
مُستقبل الدور المغربي

 

المُقدمة :

   تحكـم النظـام الـسياسي الـدولي بعـض القـوى الدوليـة الفاعلـة في الـساحة الدوليـة ، اذ ان المكانـة وتوزيـع القـوى في النظـام الـدولي الحـالي يختلـف عـن مـدة الحـرب البـاردة ، كمـا ان وضـع النظـام الـسياسي الـدولي يختلـف الآن عمـا كـان قبـل سنوات ، لان عناصر القوة والقدرة تتبدل وتتطور اما باتجاه التصاعد او بالاتجاه المُعاكس وهو التراجع .

      إن الحقيقـة الاساسـية الـتي يجـب ادراكهـا فيمـا يتعلـق بالنظـام الـسياسي الـدولي هـي ان هنالـك قـوى دوليـة فاعلـة اصـبحت لهـا تـأثير في مـوازين القـوى ، وان هـذا التـأثير جـاء علـى حـساب الاطـراف الدوليـة الـتي كانـت مـسيطرة علـى .لساحة الدولية ، فالفاعلين الأساسيين في النظام السياسي الدولي اليوم يتحددون بعناصر قوة معينه وواضحة . في الغالب يوصف النظام السياسي الدولي بانه كيان ذو طبيعة قابلة للتغيير والاستمرار.

     وتُعد المغرب من الاطراف الدولية الفاعلة في الساحة الدولية ، نتيجـة الامكانـات الـتي تتـوافر عليهـا والـتي تتنـوع وتمتزج فيما بينها لتشكل قـوة لا يـُستهان بها في النظـام الـسياسي الـدولي، ولكـن بالمقابـل ان الولايـات المتحـدة الامريكيـة تعمـل علـى بقـاء هيمنتهـا علـى النظـام الـدولي مُـستخرجة جميـع الوسـائل لتحقيـق هـذا الغـرض ، وتحـاول ايـضا في نفـس الوقت عدم الوقوع بنفس الاخطاء التي وقعت الامبراطوريات السابقة.

      ان الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها هي ان النظام السياسي الـدولي لاسـيما بعـد الوضـع الـدولي الـذي نـشأ عقـب أحداث ايلول  في العام 2001، وما قامت به الولايات المُتحدة الامريكيـة في اطـار مُحاربـة مـا يـسمى بالإرهـاب ، لـن ولا يحكـم مـن قبل طرف وحد ، فالإمكانات أصبحت متوافره لفاعلين أخرين يستطيعون أداء دور فاعل في الساحة الدولية .

مُشكلة الدراسة:

يرى الكثيرون ان طبيعة النظام السياسي الدولي الحالي هي ليست قائمة على القطبيـة الاحاديـة بـل هـي اقـرب للفوضى من ذلك ، نتيجة عدم وضوح الفاعلين الاساسيين ، ولان عناصـر القـوة أصـبحت موزعـة وبـشكل نـسبي علـى أكثـر مـن فاعـل دولي ، ومـن بـين هـؤلاء الفـاعلين الـدوليين هـي المغرب ، والـتي قـد تـصبح طرفـا مُنـافسا النظام الدولي ، لهـذا قـد يكون هناك سؤلاً مفاده :  ما هو مُستقبل النظام السياسي الدولي في ظل بروز المغرب كفاعل أساسي فيه؟.

فرضية الدراسة :

  كلما زادت وترسخت مقومات القوة المغربية الُمقترنة بالشعور بالدور ، كلما كان للمغرب تأثير أكبر في صياغة وتشكيل مُستقبل النظام السياسي الدولي .

أهمية الدراسة :

تنبع أهمية الدراسة من  البحث في مُستقبل الدور المغربي في النظام الدولي من أجل تحقيق التوازن في النظام الدولي  في ظل المُتغيرات الدولية والاقليمة .

أهدف الدراسة:

تهدف هذه الدراسة الى بيان العناصر التالية :

1.      بيان مفهوم النظام الدولي .

2.      بيان التحديات التي تواجه المغرب العربي.

3.      بيان  مُستقبل دور المغرب العربي  في النظام الدولي .

منهجية الدراسة :

استخدم الباحث المنهج الوصفي التحليلي من أجل الوصول الى بيانات تعطي تفسيرات لاهمية مُستقبل الدور المغربي في النظام الدولي  ،وذلك من خلال الرجوع الى المراجع والابحاث التي اهتمت وبحث في الجوانب التي تتعلق بمُستقبل الدور المغربي في النظام الدولي  .

حدود الدراسة  :

الحدود المكانية:

 تشمل الحدود المكانية  للدراسة لدولة المملكة المغربية ، وسيتم التركيز مُستقبل الدور المغربي في النظام الدولي.

الحدود الزمانية :

تشمل الحدود الزمانية  التطرق لمُستقبل الدور المغربي في النظام الدولي من 2010 ولغاية 2019

مفهوم النظام الدولي .

    يُعد النظام الدولي إطاراً نظرياً ابتكره علماء السياسة حتى يُساعد المُحللين والدول على فهم نظام القوة السياسية في العلاقات الدولية، وشكل القوة بين الدول حتى يمكن تصنيفها، ولذلك فإن النظام الدولي ليس نظاماً مكتوباً أو نظاماً رسمياً أو قانوناً ينظم العلاقات بين الدول، بل هو إطار يُساعد على تحليل شكل العلاقات بين الدول، ومعرفة الأطراف الأكثر قوة والأكثر نفوذاً مُقارنة بغيرها.

   ويمكن تعريف النظام الدولي: بأنه مجموعة من المُتغيرات في تفاعل بعضها مع الآخر. وقد يكون هذا التفاعل، متكرر الحدوث ومُعتمداً بعضه على بعض. إضافة إلى أن أي تغيرات في أجزاء النظام تؤثر في الأجزاء الأخرى . ويمكن القول إن كل الأنظمة لها قواعد وأعراف مُعينة، وحدود معرفة، وهيكل وتنظيم بالإضافة إلى مجموعة من المدخلات والمُخرجات، وأما بالنسبة إلى الوحدات المُشكلة للنظام فقد تكون دولاً مُستقلة أو مجموعات من الدول كالأحلاف العسكرية والتجارية ومؤسسات دولية مثل الأمم المُتحدة إضافة إلى فاعلين دوليين غير الدول وحتى بعض الأفراد. وأما بالنسبة إلى التفاعل في النظام بين هذه الوحدات فإنه يأخذ بعد وقت معين قواعد وأعرافاً تصبح دولية. (جاد ،2007، ص4)

     وقد جاء النظام الدولي من اجل ان يرسم ملامح العالم الجديد، والذي يستند الى نظام القطب الواحد الذي تقوده الولايات المٌتحدة لينهي بذلك ملامح ً على الأقطاب الكبرى في العالم، والنظام القديم الذي كان قائما يعتمد على دوائر نفوذ وآليات مُعينة، منها ، مثل الشركات المُتعددة الجنسيات ، وهذه الشركات تتحكم بسياسات الدول الكبرى وتؤثر فيها لأنها تمتلك ًميزانيات ضخمة جدا ، وهذه الشركات تخدم مصلحة الولايات المتحدة بالدرجة الأولى، وبالتالي فهي تتمكن من السيطرة على الدول الصغيرة والضعيفة من خلال المصالح الاقتصادية، وقد تعمل الولايات المٌتحدة على دمج بعض القوى في النظام وتلبي طموحها، مثل إيران، لكن هذا المخطط مٌتصلاً ً بتطلعات روسيا والصين ، خصوصا أن كليهما يحاول لعب دور بارز يؤهله لأن يكون أحد أقطاب العالم، وليس قوة دولية يتم إحتواؤها من قبل الولايات المُتحدة . ( مقداد ، والمشاقبه، 2016، ص270 )

     إن النظام الدولي هو نمط التفاعل بين الفاعلين الدوليين في مُختلف المجالات. والتفاعل المقصود هنا هو طبيعة العلاقات بين الدول، أما الفاعلون الدوليون فهم مجموعة من الأطراف، وهي: الدول والمُنظمات الدولية، والشركات مُتعددة الجنسيات، بالإضافة إلى الأشخاص الذين يلعبون أدواراً دولية، كما هو الحال بالنسبة لقادة المُنظمات الإرهابية أو تجار السلاح أو بعض الأشخاص الذين يملكون نفوذاً عالمياً بحكم طبيعة نشاطهم.( اسماعيل،2012،ص5)

  وفي ضوء هذا التعريف يمكن تصنيف القوة السياسية في النظام الدولي إلى ثلاثة أنواع: ( معهد البحرين ،2011،ص2)

أولاً: النظام مُتعدد القطبية: يقوم هذا النظام على توازن القوى (الأقطاب)، حيث لا توجد فيه قوة سياسية واحدة تقوم بوظيفة القيادة داخل النظام الدولي. وتتم العلاقات بين القوى على أنها علاقات صراع وتنافس في الغالب بسبب غياب القوة القائدة.

ثانياً: النظام ثنائي القطبية: يقوم هذا النظام على وجود قوتين سياسيتين تلعبان دور القيادة في النظام الدولي لأنهما تمثلان القوة الأعظم في النظام نفسه. واللافت في هذا النوع من النظام الدولي أن القوى السياسية المختلفة تتمحوران حول القوتين العظميين اللتين تحاولان إستقطاب كافة القوى السياسية في العالم.

ثالثاً: النظام أحادي القطبية:يقوم هذا النظام على سيطرة قوة سياسية واحدة فقط على كافة تفاعلات النظام الدولي، بمعنى احتكار طرف واحد للقوة السياسية في العالم. ويملك هذا الطرف نفوذاً سياسياً وإقتصادياً وعسكرياً هائلاً بحيث يجعل من الصعوبة بمكان مٌنافسته من قبل الأطراف الأخرى لفترة من الزمن.

    ودائماً ما يتم تصنيف الدول في النظام الدولي إلى دول من ثلاثة أصناف: دول عظمى، ودول كبرى ودول تابعة، والدولة العظمى هي الدولة التي تملك القوة السياسية وتستفرد بالنفوذ على النظام الدولي بأكمله، أما الدولة الكبرى فهي الدولة التي تملك نفوذاً كبيراً، ولكن ليست لديها القدرة على تبوء القوة الأولى على مستوى العالم، ورغم ذلك فإنها مُرشحة لأن تكون قوة عُظمى مٌستقبلاً، والدول التابعة هي مجموعة الدول التي لا تملك القوة السياسية لأن تكون دولاً كبرى، وعادة ما تتوزع هذه الدول في تبعيتها بين الدول العظمى والدول الكبرى. (مازار ، واخرين ،،2016،ص3)

    ويٌعتبر ولادة النظام الدولي المُعاصر في العام 1648 عندما تم توقيع مُعاهدة ويستفاليا التي أنهت الحروب الدينية التي كانت دائرة في القارة الأوروبية، وساهمت في تكوين الدول القومية في أوروبا بالشكل الذي صارت عليه الآن، وخلال الفترة المُمتدة من مٌعاهدة ويستفاليا وحتى الحرب العالمية الثانية اتسم النظام الدولي بالتعددية القطبية حيث كانت هناك مجموعة من القوى السياسية التي تتنافس وتصارع فيما بينها للسيطرة على القوة السياسية في العالم، مثل الدولة العثمانية، وإمبراطورية النمسا والمجر، وغيرها من القوى الأوروبية.

   ولكن بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية في العام 1945 تغيّر النظام الدولي وتحوّل إلى نظام الثنائية القطبية عندما دار الصراع في السيطرة على القوة بين الاتحاد السوفييتي السابق والولايات المتحدة الأمريكية وهو الصراع الذي يُطلق عليه الحرب الباردة. واتسم الصراع نفسه باستقطاب القوتين الأعظم (موسكو، وواشنطن) لكافة دول العالم التي صارت تابعة لأحد القطبين الرئيسين. فيما شهد  العام 1991 تحولاً مهماً عندما سقط الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي، وعلى الفور تغيّر النظام الدولي من نظام الثنائية القطبية إلى النظام أحادي القطبية الذي تسيطر عليه الولايات المُتحدة وهي الحالة التي لا تزال سائدة في النظام حتى اليوم. إذ لا يوجد طرف دولي ينافس الولايات المُتحدة ولذلك يطلق عليها لدى خبراء العلاقات الدولية وعلماء السياسة بأنها القوة الأعظم في العالم. (مازار ، واخرين ،2016،ص4)

    وقد رأى بعض الباحثين أن إنتهاء الحرب الباردة  بدأ عندما ترك الإتحاد السوفيتي الحكومة الشيوعية في بولندا تسقط دون تدخل، وبذلك انتهى النظام العالمي الذي استقر منذ عام 1945م الذي قام على القطبية الثنائية، والصراعات الأيديلوجية، وإذ كان الباحثون اتفقوا على انتهاء النظام الدولي السابق إلا انهم اختلفوا في تحديد ماهية النظام الدولي الراهن، حيث ذهب البعض إلى القول بأن النظام الدولي أصبح أحادي القطبية، في حين ذهب آخرون إلى القول بأنه أصبح متعدد الأقطاب تتوازن فيه خمس قوى على الأقل مُتمثلة بـ الولايات المُتحدة، الإتحاد الأوربي، اليابان، الصين ، روسيا الإتحادية، وقد ذهب فريق ثالث إلى القول بأن النظام الراهن لا يعدو أن يكون مرحلة إنتقالية تفصل ما بين سقوط النظام القديم ثنائي القطبية وبروز وتشكل هياكل نظام عالمي جديد لم تتبلور ملامحه بعد. (جاد،2007، ص5)

عناصر القوة المغربية ، ووضع الهيمنة في علاقات القوى.

اسهم الموقع الجغرافي للمغرب، كما أسهمـ إلى حد كبير في تحقيق الشرط الثقافي، فانه سُيسهم في مجالات أخرى أكثر مباشرة في رسم معالم التحوّل، وموقع المغرب يُمكنه من أن يكون حلقة الوصل بين قارتين كبيرتين (أوروبا ـ أفريقيا)، والأهم أنهما قارّتان مُتمايزتان، بمعنى أن إحداهما (أفريقيا) تحتاج إلى الأخرى (أوروبا) أشد ما يكون الاحتياج؛ من غير أن يُعني ذلك أن الإمكانيات الواعدة في أفريقيا، حيث المُجتمعات النامية، والأراضي البكر، والثروات الطبيعية، لا تمثل حاجة أوروبية في هذا المجال أو ذاك.

ويتضمَّن مؤشر الأمان العالمي لعام 2017-2018، الصادر عن تقرير التنافسية العالمية، تصنيف 137 دولة حول العالم، بينها 14 دولة عربية، وقد حلّ المغرب في المركز السادس عربيًّا، والمركز  32 عالميًّا بحصوله على درجة متوسطة بلغت 5.4، وقد كان التقدُّم العربي ملحوظًا في ذلك المؤشر تحديدًا، بوجود ثلاث دول عربية في أعلى خمس مراكز، وهي: الإمارات التي حلّت ثانيًا بعد فنلندا التي تصدرت المؤشر وقطر التي حلّت ثالثًا، وعُمان التي حلّت رابعًا.

ويعتمد مؤشر الأمان العالمي على عدّة معايير لقياس مستوى الأمان للدولة محل الدراسة، تتمثل بشكلٍ أساسيّ في «تكاليف أعمال الجريمة والعنف»، و«تكاليف أعمال الإرهاب»، و«معدلات الإصابة بالإرهاب وموثوقية جهاز الشرطة، ومدى قدرته على توفير الحماية من الجريمة . (محمد ،2018،ص2)

​​  ومن هنا فان المغرب  يستطيع وبقوة أن يكون أوروبا أفريقيا من غير أن يقع في شبكة المشاكل المُستعصية لمُعظم الدول الأفريقية، بالاضافة الى ان المغرب يستطيع تسهيل المُستعصي ، ويثساهم في حل المعاضل تجاريا وتواصليا، بل وثقافيا وسياسيا ـ لكثير من دول القارة التي ينتمي إليها بحكم الجغرافيا. وطبعا، يستطيع المغرب تسهيل الأمور في الاتجاه المُعاكس؛ لتقريب كل ما هو أفريقي، من بشر وثمر، من طبيعة طباعة وطبيعة مُصطنعة، ليكون من حيث هو حلقة الوصل،والتواصل المُستفيد من كلا طرفي المسار.

وبما ان المغرب  يملك إمكانية أن يكون حلقة الوصل بين أوروبا وأفريقيا، فإنه يملك إن يكن بدرجة أقل إمكانية أن يكون حلقة الوصل بين العالم العربي والأوروبي من جهة ، وبين العالم العربي ودول القارة الأفريقية التي لا تزال خصبة واعدة ، من جهة أخرى بل وإمكانية أن يكون واصلا بين كثير من دول الشرق من جهة، ودول القارتين الأميركيتين من جهة أخرى، وهو إمكان لم يستثمر بعد، خاصة وأن المغرب على خط التواصل؛ كما هو حال معظم دول أوروبا تماما. وإذا كان المغرب لم يستطع أو لن يستطيع امتلاك نصيب الأسد في هذا (لوجود دول تستطيع المنافسة هنا)، فعلى الأقل يستطيع الإسهام فيه بما يجعل منه رقما صعبا يحكم كثيرا من المُعادلات الاقتصادية والسياسية التي من شأنها أن تدعم مشروعه الحضاري الواعد.

ناهيك عن ان  المغرب معروفا كبلد سياحي من الدرجة الأولى، حيث يقصده الملايين من شتى أنحاء المعمورة، فإنه لم يستغل إمكانياته السياحية إلى الحد الأقصى؛ فالتنوع الجغرافي، المناخي والتضاريسي يجعل من المغرب وجهة سياحية دائمة، على امتداد فصول السنة جميعا، فكما يوفر الجنوب المغربي فضاءات سياحية لعشاق الصحراء في الشتاء؛ يوفر الشمال فضاءات سياحية لعشاق المناخ الأوروبي في الصيف والربيع والخريف، وكل هذا فضلا عن شواطئه المتنوعة المُمتدة على مسافة تتجاوز 3500 كيلومتر، من أقصى حدوده مع الجزائر شرقا، إلى أقصى حدود الصحراء المغربية في الجنوب الغربي.

فيما حلّ المغرب في المركز السادس عربيًّا، بحلوله في المركز 55 عالميًّا في المؤشر العالمي لقوة الجيوش لعام 2018، الصادر عن مؤسسة «جلوبال باور فاير»، والذي يتضمن ترتيب جيوش 136 دولة حول العالم، بينهم 19 دولة عربية، وتصدرت الولايات المتحدة الأمريكية المؤشر، فيما تصّدرت مصر الدول العربية بحلولها في مركز 12 عالميًّا.

ويعتمد المؤشر في تصنيفه على نحو 50 عاملًا، من بينها الميزانية العسكرية لكل بلد، وكميّة المعدّات الموجودة في الترسانة العسكرية لكل بلد وتنوعها وتوازنها، والموارد الطبيعية، والعوامل الجيوسياسية واللوجيستية والصناعة المحلية، والقوى البشرية؛ بمعنى أن الدول التي تمتلك عدد سكان أعلى تكون مرشحة للوصول لتصنيف أعلى في المؤشر، وتحصل الدولة المنضمّة لحلف شمال الأطلسي "الناتو" على علاوة طفيفة في التقييم نظراً للتشارك النظري في الموارد. (محمد ،2018،ص4)

ويبقى الاستقرار السياسي في المغرب من أهم عناصر القوة، حيث التنميةالتي تزدهر بفعل عوامل الاستقرار، والاستثمار الذي لا ينشط إلا في بيئة آمنة من القلاقل التي قد تعصف بالمشاريع الاستثمارية من أساسها، واليوم يوجد كثيرون من الشرق ومن الغرب يستثمرون في المغرب، أو يحلمون بالاستثمار فيه، ليس فقط لأنه واعد اقتصاديا، وإنما أيضا وهو المهم أنه مُستقر سياسيا، والأهم، أنه على طريق يُشير الى مزيد من الاستقرار. (المحمود ،2019، ص5)

دور المغرب في مُستقبل النظام السياسي الدولي .

لقد أصبح النظام السياسي الدولي ذات ملامح أكثر وضوحاً ، حيث يتطلب هذا النظام حاجة الاطراف الدولية القائدة كالولايات الُمتحدة بعد الأزمة المالية العالمية إلى دور الفاعلين الآخرين  وإسهامهم  في الجانب الإقتصادي باجتماع الدول الكبرى في إطار مجموعة العشرين في العام 2008 ، وقد أصبح  فيما بعد لها وزنا مُتزايداً في إدارة الإقتصاد العالمي ، خاصة انها تشمل أكثر الدول تأثراً في النظام الدولي ، حيث يشُير معظم المُختصين في العلاقات الدولية إلى أن هيكل النظام الدولي أخذ ينتقل منذ نهاية حقبة القطبية الثنائية من النمط شبه الإمبرطوري القائم على سيطرة قوة عظمى واحدة؛ أي الولايات المُتحدة إلى نموذج إنتشار القوة القريب بصورة أو أخرى من توازن القوى المحكوم بين عدد من الدول المُتكافئة في القوة مثل: (الولايات المُتحدة، الإتحاد الأوروبي، الصين، اليابان، وغيرها .( مقداد والمشاقبه،2018،ص277)

1- دور المغرب في النظام الدولي .

    تُعتبر الدولة المغربية من الدول التي ليست ذات طابع  دعوي،  الذي يسعى إلى تصدير نموذجه التاريخي، كما فعلت وتفعل الدول الغربية كالولايات المُتحدة الأميركية وفرنسا اللتان تسعيان إلى تصدير النموذج الغربي زاعمة أنه لا يمكن تحقيق أي نجاح دون المرور وإمتلاك ليس فقط نموذجها الفكري والمُجتمعي والثقافي ، بل وأيضاً نموذجها الاقتصادي والسياسي؛ فدولة الصين مثلاً، مادام أن أراضيها ومصالحها السيادية لا تمس بسوء كانت ولا تزال دولة قائمة في سياستها الخارجية على عدم التدخل والعمل بهدوء وعدم إثارة المشاكل موازاة مع نجاح هائل في تحقيق الثورة الاقتصادية وتحقيق الغلبة في الميدان الاقتصادي بناءً على قواعد لم تفهمها بعد العديد من الدول الغربية، كضرورة اليقين بأن أي نجاح اقتصادي تحققه دولة لا يعني بالضرورة فشل الآخر أو حمله على الفشل في إطار ثنائية (الصديق- العدو)، وإنما في إطار (رابح- رابح). (عزوني، 2017، ص1-2)

     فالمغرب من خلال قراءة جيدة للنظام العالمي الجديد ولقواعد العولمة، فهم أن مُستقبل العلاقات الدولية لم يعد يكمن حصراً في الشراكة النسبية "شمال- جنوب"، وإنما أيضاً في الآفاق الواعدة والغنية للتعاون "جنوب- جنوب"، وكل الاتفاقات الصناعية والتجارية وغيرها والتي تتعدى الألف بين المغرب ودول القارة الأفريقية هي قائمة على مفهوم جديد للتعاون على أساس شراكة مُربحة للجميع، وهذا المنظور هو الذي يطبع أيضاً علاقة المغرب بدول الاتحاد الأوروبي والدول العربية.

   وقد فرض المغرب اليوم ذاته كفاعل أساسي سواء على الصعيدين السياسي والدبلوماسي أم في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والتنمية مُتعددة الأبعاد التي حققها البلد، يقدم من خلالها للعالم أجمل صورة عن بلد من بلدان الجنوب مُختلف عن الآخرين، ومنذ قرون يعتبر المغرب صلة وصل بين أوروبا المتوسطية وأفريقيا، ولا ننسى قيم التسامح الكبيرة التي نشرتها المملكة المغربية في منطقة الساحل والصحراء، وكذا المُقاربة الشمولية التي تؤدي إلى تعزيز قواعد الإسلام المعتدل والوسطي، لاسيما من خلال تكوين الأئمة القادمين من الدول العربية والأفريقية بل والغربية وفقاً لتعاليم المذهب المالكي  ويتميز المغرب بقيم الانفتاح تنتهجها المغرب مع كافة الدول بعيداً عن اية عوامل قد تؤثر على نهجها  ناهيك عن تأثير الإنسان في بناء الدولة والمؤسسات، وعن علاقة مُعادلة (داخل -خارج) في تثبيت سياسة خارجية ناجحة، فطبيعة تكوين الشخصية المغربية التاريخية هي التي مكنت اليوم الفاعلين السياسيين والمُجتمعيين داخل المجال السياسي العام، من إنجاح الميثاق السياسي والتعاقدي خلافاً لكل دول المنطقة، إنطلاقاً من مبادئ التنازل والتوافق والثقة التي عليها نجاح الميثاق السياسي بين النخبة السياسية في الحكم، والنخبة السياسية في المُعارضة. (عزوني،2017، ص2-3)

      إن قاعدة التنازلات المُتبادلة يجب أن تكون مقرونة بجهد فكري وميداني بل ورياضي تجعل كل الأطراف تعي حدود التنازلات وحساسية المجال التفاوضي السياسي، كما أن ذلك يستلزم ثقة مُتبادلة بين الأطراف ومخرجاً عقلانياً حتى تصبح المُعادلة إيجابية، وإذا كانت سلبية فإن الآليات الديمقراطية تتلاشى وتتلوث، وفي آخر هذا المطاف يؤدي الميثاق التعاقدي إلى إستحكام هياكل الديمقراطية في حال المُعادلة الإيجابية، وهذا الخيار السياسي الشجاع الذي تبناه الفاعلون السياسيون منذ مُدة هو الذي أعطى للمغرب تلك الخاصية الإستثنائية في منطقة تعج بالمشاكل، وهو ما يُساهم في الرفع من مستوى النجاح الدبلوماسي، وتأثير المغرب إقليمياً ودولياً.

2- التحديات التي تواجه المغرب في ظل بروزها كقوة دولية .

يواجه المغرب تحديات عدة في ظل بروزه كقوة دولية وهذه التحديات تمثل فيما يلي:

أ- التحديات الاقتصادية:

إن التحديات الداخلية للاقتصاد المغربي تتمثل في البطالة خصوصا وسط الشباب وما يُصاحبها من هجرة غير شرعية وجرائم، بالإضافة إلى اتساع دائرة الفقر والهشاشة لتشمل فئات في الطبقة المتوسطة نتيجة التراجع الفعلي للدخل.

ناهيك عن ان الظروف الدولية والمخاطر الخارجية التي تتهدد المغرب مثل الإرهاب والهجرة السرية ومخاطر ُمرتبطة بالانفتاح على أسواق كبرى، في حين لا يتمتع الاقتصاد المغربي بالمناعة الكافية لتحمل المنافسة، مما يعمق العجز المُستمر للميزان التجاري، ولا تزال شكوك مُتعددة تحيط بالتوقعات العالمية منذ ربيع 2018، حسب تقارير دولية تنذر بعدد من المخاطر الناتجة عن ارتفاع المُمارسات الحمائية وارتفاع التوترات التجارية الذي يؤدي إلى إرتفاع التعريفات الجمركية، وهو ما من شأنه أن يؤثر سلبا على العرض ويرفع تكاليف المُستوردين ويسبب إضطرابا في سلاسل التوريد، بالإضافة إلى إرتفاع أسعار الطاقة وسعر الدولار. https://www.aljazeera.net/news/ebusiness/2019)  )

ب- تحديات التنمية :

     حيث أصبح تغيير النموذج التنموي من التحديات الهامة التي يواجهها المغرب ، وذلك لعدم قدرته على خلق تنمية والتقليص من الفوارق الاجتماعية. ورغم ما يظهر من التوجه الإيجابي للنمو في السنوات الأخيرة (معدل 4% خلال العشر سنوات الأخيرة) فإن هناك تضاؤلا في قدرته على خلق الوظائف.

وبحسب التقرير الاقتصادي والمالي المرافق لمشروع الموازنة، يواجه الإقتصاد المغربي تحديات بينها ضرورة ترسيخ قيم الشفافية، والتحكم في التمدن السريع، وإتمام الانتقال الطاقي (نحو الطاقات النظيفة) والدخول الناجح للمرحلة الرقمية، والتخفيف من المُعيقات التي تواجه تمويل الإقتصاد، ويعتمد المغرب على واردات الوقود الأحفوري بنحو 93%. (https://www.aljazeera.net/news/ebusiness/2019  )

ج- تدفق المُهاجرين :

    إن أكبر ما يواجهه المغرب من تحديات هو إستمرار المتاعب التي يواجهها المغرب بسبب تدفقات المهاجرين ،خاصة أن الدول الأوروبية ترى في المغرب حاجزاً أمام تدفقات الهجرة ، بالرغم ان المغرب  ما زال يُعاني من هذا الموضوع، لأنه لم يعد ممراً للعبور فحسب بل دولة إستقبال، على الرغم من ان  الأوروبيين  اقترحوا على المغرب إقامة مراكز إيواء للمهاجرين على أراضيه مُقابل مُساعدات مالية، الا ان الرباط رفضت هذا هذا الاقتراح، وبالتالي ستظل إشكالية الهجرة مطروحة بقوة بعد أن عاد المُهاجرون من جديد إلى الشواطئ المغربية للعبور إلى أوروبا. (العروسني،2018،ص6)

د- التطرف :

     طُرحت هذه المشكلة في المغرب منذ التسعينيات في ظل نشاط الحركات الإسلامية في هذه الفترة وغُض الطرف عنها لمواجهة التيار اليساري، غير أنها أصبحت حينها تُشكل عبئاً على الدولة، وقد كانت نقطة التحول في عام 2003 عندما حدثت عمليات إرهابية كبيرة في الدار البيضاء ومراكش، وترتب عليها إتخاذ إجراءات أمنية حاسمة، وشن حركة إعتقالات واسعة، حيث تم القبض على 3 آلاف شخص وصدرت أحكام مُغلظة بالسجن بحق عدد كبير من هؤلاء المُتهمين، فيما كان حزب العدالة والتنمية مُهدداً بالحل، لأن كثيراً من الجهات حمَّله مسؤولية هذه العمليات الإرهابية، وبعد عام 2003، إعتمد المغرب إستراتيجية أمنية ذات بُعدين، أحدهما البُعد الأمني البحت، والآخر بُعد غير أمني، والذي إستهدف جذور الراديكالية، لمنع تكرار مثل هذه الحوادث الإرهابية مرة أخرى، وتم التركيز على الإجراءات الإستباقية لإجهاض العمليات الإرهابية. ( المُستقبل للابحاث،2016 ،ص3)

ه- أزمة الصحراء الغربية :

   تُعتبر ازمة الصحراء الغربية احد التحديات التي تواجه المغرب ، حيث يُعد الصدام الثنائي الدائم بين المغرب والجزائر، وخلافهما الفكري والأيديولوجي فيما يتعلق بقضايا منطقة المغرب العربي بصفة عامة وقضية الصحراء الغربية بصفة خاصة، مع تضارب مصالحهما دوماً على مدار ما يقرب من خمسين عاماً، أحد الأسباب الأساسية في إستمرار النزاع الصحراوي؛ حيث تفتش الدولتان بشكل أحادي وصدامي عن سبل تحقيق السيادة والهيمنة في المنطقة دون النظر لأية مصالح مُشتركة يحكمها الجوار؛ فكلاهما يستخدم قضية الصحراء الغربية كورقة ضغط سياسية يمكنها تحقيق أية مكاسب داخلية أو خارجية عبر التلويح بها في وجه الطرف الآخر لدى المجتمع الإقليمي والدولي، بل إن هذا الصراع الثنائي حول الهيمنة والسيادة بين الدولتين، دفع كليهما إلى تجريف اللُحمة الإقليمية بينهما عبر خطوات مضادة في إتجاه حركة إستقطاب دؤوبة للمؤيدين الإقليميين والدوليين؛ فعبر المنح النفطية، كسبت الجزائر تأييد جنوب إفريقيا ونيجيريا موقفها من قضية الصحراء، بينما نجحت المغرب في نوال الدعم العالمي لموقفها لدى إسبانيا والولايات المُتحدة وفرنسا. ( العزابي،2014،ص5)

النتائج  والتوصيات

أ- النتائج :

بعد أن استعرض الباحث مُستقبل الدور المغربي في النظام الدولي فقد تم التوصل إلى الإستنتاجات التالية:

1- يتمتع المغرب بموقع إستسراتيجي بين قارتين اوروبا ، وافريقيا مما يؤهلها لتكون ذات دور كبير في صناعة مُستقبل النظام الدولي ، ناهيك عن انها فاعل قوي في تشكيل السياسة الدولية .

2- لعبت المُتغيرات الدولية والاقليمة دورُ بارزاً في تهيئة المناخ ليكون للمغرب دوراً هاما في مًستقبل النظام الدولي .

3- تواجه المغرب تحديات جمة سواء اقتصادية او إجتماعية ، قد لا تُساعدها في ان يكون لها دور في مُستقبل النظام الدولي .

4- إن الدور الريادي الذي تلعبه المغرب في الساحة الدولية  يجعل الدول الأخرى مُجبرة على إقامة شراكة هادئة معها .

5-  تلعب المغرب دورا ً آخذ بالتزايد ،لا سيما أن العالم سيكون أكثر تعقيداً بتفاعلاته السياسية والاقتصادية، مع بروز قوى عظمى جديدة.

ب- التوصيات :

بعد ان استعرض الباحث الإستنتاجات المُتعلقة بموضوع الدراسة فانه يوصي بمايلي :

1- من الضروري ان تقوم  المغرب بمد الجسور المُتعددة مع الدول الاخرى ذات الاقتصاديات المتنوعة من أجل كسب قوة إقتصادية تجعلها اكثر قوة مما هي عليه .

2- السعي الى مُجابهة التحديات التي تواجهها بالتعاون مع الدول الاخرى الاكثر قوة وتأثيراً في النظام الدولي.

3- السعي إلى حل مُشكل الصحراء الغربية حتى تتمكن من توجيه جهودها إلى ميادين ومجالت أخرى اكثر أهمية بالنسبة لها .

4- تمتين العلاقات السياسية مع الدول الاكثر تاثيراً وقوة لتُسهم في دعمها في تحقيق دور اكبر في مُستقبل النظام الدولي .

قائمة المراجع

إسماعيل ، وائل محمد ، (2012) ، التغيير في النظام الدولي ،مكتبة السموهور للطباعة والنشر ، بغداد - العراق .

العروسني، لطيفه ، (2018)، ضمان الاستقرار الاجتماعي ومواجهة تدفق المهاجرين أبرز تحديات المغرب، جريدة الشرق الاوسط العدد،  14640 .

العزابي ، زينه ، (2014) ، قضية الصحراء الغربية: الشوكة التي عفّنت كامل الجسد، صحيفة الخبير التونسية، تونس .

عزوني ، عبدالحق، (2017) ، المغرب والنظام العالمي الجديد ،3-1، جريدة الاتحاد الامارتية

مازار ، مايكل وأخرون، (2016) ، فهم النظام الدولي الحالي، مركز راند للطباعة والنشر، كاليفورنيا - الولايات المُتحدة الامريكية .

 محمد ، احمد ، (2018) ، أين يقع المغرب في أبرز المؤشرات العالمية لعام 2018؟

 https://www.sasapost.com/morocco-in-global-indexes-2018/

المحمود ، محمد ، (2019) ، المغرب أو الحضارة تشرق غربا، موقع الحرة الاخباري .

المُستقبل للابحاث والدراسات، (2016) ، كيف تتعامل المغرب مع التهديدات غير التقليدية؟

معهد البحرين للتنمية والسياسة ، (2011) ، ما هو النظام الدولي، المنامة - البحرين .

جاد ، عماد ،(2007) ، الموسوعة السياسية للشباب، العدد 10، التدخل الدولي، دار نهضة ، القاهرة -مصر .

مقداد ، محمد ، والمشاقبه عاهد ، (2018) ، النظام الدولي الجديد في ظل بروز القوى الصاعدة 2016-1991- ، الصين أنموذجا، مجلة دراسات العلوم الإنسانية والاجتماعية، المُجلد (45)، العدد (2).

موقع الجزيرة الاخباري، (2019) ،أية تحديات ومخاطر تواجه الاقتصاد المغربي في:

 2019؟https://www.aljazeera.net/news/ebusiness/2019