المركز العربي للبحوث والدراسات : مسارات الصعود: تداعيات استقالة ليز تراس من رئاسة وزراء بريطانيا (طباعة)
مسارات الصعود: تداعيات استقالة ليز تراس من رئاسة وزراء بريطانيا
آخر تحديث: الأربعاء 26/10/2022 11:17 م
مصطفى صلاح مصطفى صلاح
مسارات الصعود: تداعيات

قدمت رئيسة الوزراء البريطانية ليز تراس استقالتها في 20 أكتوبر 2022 قائلة: «لم يعد باستطاعتي الوفاء بالتزاماتي في ظل الوضع الراهن»، وأبلغت الملك تشارلز الثالث باستقالتي من حزب المحافظين، وسنجري انتخابات مبكرة للحزب الأسبوع المقبل لاختيار رئيس جديد، والمفارقة أن تراس سجلت رقمًا قياسيًا في الحياة السياسية البريطانية حيث إنها استقالت بعد ٦ أسابيع فقط من توليها السلطة، وهي أقصر مدة حكم في تاريخ بريطانيا.

وهو ما ترتب عليه أن أعلن وزير المال البريطاني السابق المحافظ ريشي سوناك، ترشحه لرئاسة الوزراء بعد استقالة ليز تراس من المنصب، في ثاني محاولة له خلال أشهر لقيادة حكومة المملكة المتحدة التي تواجه عدة أزمات، وفي نفس السياق، قال النائب البريطاني المحافظ جيمس دودريدغ، حليف رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون إن لديه من التأييد ما يكفي لخوض سباق شغل منصب رئيس الوزراء، مضيفًا في منشور على تويتر أن الزعيم البريطاني السابق وصل إلى نصاب التأييد المطلوب لخوض السباق وهو 100 نائب.

يشار إلى أن كل من سوناك وجونسون وبيني موردنت يحاولون الحصول على دعم 100 مشرع حتى يتمكنوا من دخول الاقتراع الذي سيتنافسون من خلاله على منصب رئيس الوزراء لخلافة تراس التي أُجبرت على التنحي بعد ستة أسابيع فقط من توليها المنصب.

اتجاهات متعددة

وسط انقسام غير مسبوق في حزب المحافظين البريطاني، الذي يتأهب للتصويت لزعيم جديد ورئيس للوزراء بديل عن ليز تراس التي أعلنت قبل أيام استقالتها من رئاسة الحكومة، أكد وزير المالية البريطاني السابق ريشي سوناك أنه سيرشح نفسه لمنصب رئيس الوزراء.

وبالتالي فإن فوز سوناك مرهون بالاتجاه الذي ستحدده بوصلة قاعدة أعضاء حزب المحافظين، التي ستصوت على انتخاب أحد المرشحين، وهي القاعدة التي سبق وخذلته في منافسته ليز تراس على المنصب قبل شهرين، وما يدعم حظوظ سوناك في هذه المنافسة هي إعلانه الاتجاه نحو السيطرة على التضخم، وذهب بعيدا في أطروحاته الاقتصادية للقيام بذلك؛ فهو لا يرى ضرورة لتخفيف السياسة الضريبية، بحجة أن ذلك قد لا يفيد في السيطرة على التضخم المستمر. خاصة بعدما وصل التضخم لمستويات خيالية لم تشهدها بريطانيا منذ أكثر من 40 سنة، برقم 9.4 بالمائة في شهر يونيو. ويبدو أن استثمار سوناك في هذه الأزمة العالمية، هو الذي قاده للدور الحاسم في السباق نحو داوننغ ستريت، حيث آن كل البريطانيين على مختلف ألوانهم السياسية والأيديولوجية لم يعد لديهم همّ إلا حلحلة الاقتصاد. وهو ذات الأمر الذي أجبر ليز تراس على الاستقالة بعد 44 يومًا فقط من تقلدها منصب رئيسة الوزراء؛ وبالتالي سيكون سوناك على دراية تامة بأن تكون الوعود الاقتصادية التي يقطعها على نفسه ممكنة التنفيذ.

وستكون عودة جونسون بمثابة عودة مختلفة لشخصية مثيرة للاستقطاب أجبرتها فضائح أخلاقية متقلبة على الاستقالة. ويقول معارضون إن إعطاءه فرصة أخرى لن يؤدي إلا إلى مزيد من الجدل وخيبة الأمل. وتأتي حالة عدم اليقين في القيادة في وقت يتسم بضعف النمو الاقتصادي وفي الوقت الذي يعاني فيه الملايين من ارتفاع تكاليف الاقتراض وارتفاع أسعار البقالة والوقود والأساسيات الأخرى. وكشفت موجة متزايدة من الإضرابات من قبل عمال القطارات والبريد والمحامين وغيرهم عن استياء متزايد مع اقتراب الركود.

تداعيات الصعود

جاء قرار تراس بعد تعالي الأصوات داخل حزب المحافظين الحاكم للتخلص منها بسبب تراجع شعبية الحزب إلى مستويات غير مسبوقة في تاريخ بريطانيا والاضطراب الذي تسببت به في سوق المال، على الجانب الآخر حظيت برامج الإنقاذ بشعبية كبيرة، وأصبح سوناك وجه الحكومة اللامع في المؤتمرات الصحافية اليومية قبل إعلان ترشحه لرئاسة الوزراء.

ويُعد سوناك واحدًا من أقوى المرشحين للمنصب حتى الآن، وإن فاز سيكون أول بريطاني من عائلات المهاجرين الهنود يسكن في داونينغ ستريت، ويدير حكومة بريطانيا التي احتلت بلاده في زمن "الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس" نحو 100 سنة، من منتصف القرن 19 حتى 1947.

من جهة أخرى، نظم آلاف المحتجين، السبت، مسيرة في وسط لندن لمطالبة بريطانيا بالعودة مجددًا إلى الاتحاد الأوروبي. وشهدت المسيرة مشاركة آلاف الأشخاص من شتى أنحاء بريطانيا، الذين ساروا من بارك لين إلى ميدان البرلمان، وفقا لوكالة الأنباء البريطانية "بي إيه ميديا. وشهدت حديقة ميدان البرلمان، وهي المحطة الأخيرة للمسيرة، تجمعًا حاشدًا لأنصار العودة للاتحاد الأوروبي وهم يلوحون بأعلام الاتحاد باللونين الأزرق والأصفر. وكُتب على بعض اللافتات: "خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لن ينجح أبدا"، ومن أجل فواتير منخفضة لننضم مجددًا إلى الاتحاد الأوروبي".

وبالتالي يواجه رئيس الوزراء الجديد في حال فوزه مجموعة من التحديات من أهمها، التراجع عن خطط التخفيضات الضريبية الهائلة والدعم الكبير لفواتير الطاقة في 23 سبتمبر 2022 الذي أثار مخاوف من إفراغ خزائن الدولة. وعلى أثر ذلك، انخفض الجنيه الاسترليني إلى أدنى مستوياته التاريخية وارتفعت معدّلات الاقتراض الحكومي طويل الأجل. وكان على بنك إنجلترا التدخّل لمنع الوضع من التدهور إلى أزمة مالية.