المركز العربي للبحوث والدراسات : تداعيات الانكشاف: ملف اللاجئين بين تركيا واليونان (طباعة)
تداعيات الانكشاف: ملف اللاجئين بين تركيا واليونان
آخر تحديث: الإثنين 24/10/2022 12:44 م
مصطفى صلاح مصطفى صلاح
تداعيات الانكشاف:

أعلنت وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة إنها "منزعجة للغاية" من اكتشاف ما يقرب من 100 رجل عراة على الحدود بين اليونان وتركيا. وألقى البلدان باللوم على بعضهما البعض في محنة 92 مهاجرًا؛ حيث ألقت اليونان باللوم على تركيا قائلة إن "سلوكها" "عار على الحضارة"، وأن أنقرة أجبرت هؤلاء اللاجئين على خلع ملابسهم قبل ترحيلهم إلى الجانب اليوناني من الحدود بعد إجبارهم على عبور نهر إيفروس الفاصل بين تركيا واليونان.، بينما وصفت تركيا مزاعم جارتها بأنها "أنباء كاذبة" واتهمتها بـ "القسوة".

وضمن هذا السياق، أعربت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين في تغريدة على تويتر عن "قلقها العميق من التقارير والصور الصادمة لـ92 شخصًا، قيل إنه عُثر عليهم على الحدود البرية اليونانية التركية، وقد جردوا من ملابسهم". وقالت باكولا إن "عناصر فرونتكس أكدوا العثور على المهاجرين عراة ويعاني بعضهم من جروح ظاهرة".

اتهامات متبادلة

اتهم وزير الحماية المدنية اليوناني تركيا بـ"استغلال الهجرة غير الشرعية"، في حين نفت أنقرة تورطها في المعاملة السيئة والمهينة التي لحقت بهؤلاء اللاجئين. من جهته، دعا نائب وزير الداخلية التركي إسماعيل كاتاكلي اليونان إلى وقف "التلاعب والخداع".

كما نفت الرئاسة التركية الأحد مسؤوليتها في هذا الموضوع داعيةً اليونان إلى "وضع حد لاتهاماتها التي لا أساس لها". وقال مدير الإعلام في الرئاسة التركية فخر الدين ألتون: "ندعو اليونان إلى وقف سلوكها اللاإنساني تجاه اللاجئين في أسرع وقت، ووضع حد للاتهامات الباطلة التي لا أساس لها ضد تركيا".

واتهم ألتون اليونان في سلسلة من أربع تغريدات على تويتر بـ"تشغيل ماكينة الأخبار الكاذبة للتشكيك في تركيا" وبقيام وزير الهجرة اليوناني بـ"حرف الأنظار عن تصرفات اليونان عبر نسبها إلى تركيا". وقال ألتون "عبر هذه الأعمال السخيفة، تظهر اليونان مرة أخرى للعالم أنها لا تحترم حتى كرامة الشعوب المضطهدة، ناشرة صور اللاجئين الذين رحّلتهم بعد أن جرّدتهم من أغراضهم الشخصية".

 

وتابع ألتون: "يجب أولًا أن تحاسب السلطات اليونانية على الأطفال الذين تركتهم يغرقون في بحر إيجيه، والأشخاص الذين سرقتهم وضربتهم بأحزمة في ميريتش "الاسم التركي لإيفروس" وتركتهم يموتون من الصقيع بالتنسيق مع فرونتكس".

أما وزير الحماية المدنية اليوناني تاكيس ثيودوريكاكوس فنقل في مقابلة تلفزيونية عن عدد كبير من اللاجئين، وهم من السوريين والأفغان، قولهم لعناصر من فرونتكس، إن "ثلاث سيارات تابعة للجيش التركي نقلتهم إلى إيفروس". من جهته، وصف وزير الهجرة اليوناني نوتيس ميتاراشي ما حدث بأنه "وصمة عار على الحضارة". وبينما ألقى الطرفان باللوم على بعضهما البعض، دعت وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة إلى إجراء تحقيق وقالت إنها "منزعجة للغاية من التقارير والصور المروعة".

ويمكن الإشارة هنا إلى أنه في الشهر الماضي، استخدم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خطابًا للأمم المتحدة لاتهام اليونان بتحويل بحر إيجة إلى "مقبرة" وقال إن لديها "سياسات قمعية" بشأن الهجرة.

وكانت اليونان على خط المواجهة في أزمة الهجرة الأوروبية في عامي 2015 و 2016 عندما وصل حوالي مليون لاجئ فروا من الحرب والفقر في سوريا والعراق وأفغانستان إلى البلاد، عبر تركيا بشكل رئيسي.

وانخفض عدد الوافدين منذ ذلك الحين، لكن السلطات اليونانية قالت إنها شهدت مؤخرًا زيادة في محاولات الوصول عبر الحدود البرية التركية والجزر اليونانية. وحثت اليونان تركيا على احترام اتفاق عام 2016 مع الاتحاد الأوروبي وافقت فيه أنقرة على احتواء تدفق المهاجرين إلى أوروبا مقابل مساعدات بمليارات اليورو. وقال ثيودوريكاكوس إن أثينا ستمد قريبًا سياجًا بطول 25 ميلًا (40 كيلومترًا) على طول حدودها الشمالية مع تركيا لمنع المهاجرين من دخول البلاد.

تفاقم مستمر

عاد ملف اللاجئين بين تركيا واليونان إلى الصدارة خاصة وأنه يأتي بالتزامن مع اقتراب الانتخابات المحلية، والحديث عن أن وجود اللاجئين في البلاد، يزيد من أزماتها الاقتصادية والسياسية، ومن ناحية أخرى تؤشر هذه الخلافات على إمكانية التصعيد المتبادل بين كل من تركيا واليونان في مجموعة من الملفات الأخرى مثل ملف الطاقة في منطقة شرق المتوسط خاصة وأن تركيا اتجهت مؤخرًا إلى إعادة انخراطها في ليبيا مجددًا وإرسال مرتزقة والاتجاه نحو التنقيب عن الغاز في المناطق الخاضعة للسيادة اليونانية، وهو ما ينذر بتفاقم المشكلات التي قد تمتد إلى المواجهة العسكرية المباشرة، خاصة وأنه عندما يتحدث أعضاء الحكومات عن هذه الجرائم علنًا، فإن ذلك يؤدي فقط إلى تأجيج الصراع بين اليونان وتركيا".

وتعد مشكلة اللاجئين بين تركيا واليونان أحد الملفات الرئيسية في مسار تطور العلاقات بينهما وتنعكس بالضرورة على مجموعة أخرى من الملفات الأخرى ليس فقط على المستوى الثنائي ولكن على مستوى علاقة تركيا بدول الاتحاد الأوروبي بصورة عامة.

ومن قبل أرسلت رئيسة المفوضية الأوروبية (الهيئة التنفيذية للاتحاد الأوروبي) رسالة قوية لدعم اليونان في محاولاتها منع المهاجرين القادمين من تركيا من دخول أراضيها. وقالت أورسولا فون دير لاين "إن أولويتنا الأولى هي ضمان الحفاظ على النظام على حدود اليونان الخارجية، التي هي أيضًا حدود أوروبية". ووعدت اليونان التي سمّتها "الدرع الأوروبية" بمعونة مالية قدرها 700 مليون يورو (780 مليون دولار). وذلك بعدما رفعت تركيا القيود المفروضة عن المهاجرين الراغبين في الاتجاه نحو الاتحاد الأوروبي.

في الختام: تظل قضية اللاجئين أحد أهم الملفات المؤثرة في مسار العلاقات التركية اليونانية والتركية الأوروبية وعلى الرغم من مساحة الاتفاق والاختلافات بينهما حول طبيعة التعامل مع هذه القضية إلا أن الجانب التركي بصورة عامة يستخدم هذا الملف في إدارة علاقاته الخارجية بما يحقق مصالحه الداخلية أو الخارجية وهو ما يفسر صعود هذا الملف إلى الواجهة خلال المرحلة الحالية خاصة وأن تركيا تتجه نحو إجراء انتخابات داخلية بالإضافة إلى توتراتها مع دول الاتحاد الأوروبي في منطقة شرق المتوسط.