المركز العربي للبحوث والدراسات : انعكاسات التوافق: مسارات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل (طباعة)
انعكاسات التوافق: مسارات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل
آخر تحديث: الخميس 13/10/2022 11:31 ص
مصطفى صلاح مصطفى صلاح
انعكاسات التوافق:

انطلقت المفاوضات بين لبنان وإسرائيل العام 2020، ثم توقفت في مايو 2021 جراء خلافات حول مساحة المنطقة المتنازع عليها بعد مطالبة لبنان بتعديل الخريطة التي استخدمتها الأمم المتحدة خلال المحادثات وقال إنها استندت إلى تقديرات خاطئة. وبعد استكمال المفاوضات بوساطة أمريكية، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد في 11 أكتوبر 2022 إن إسرائيل ولبنان توصلا إلى اتفاق تاريخي بشأن ترسيم حدودهما البحرية، عل الرغم من الخلافات بينهما وأن هناك مناوشات عسكرية حدودية في مناطق الجنوب. وأضاف لبيد أن "هذا الاتفاق التاريخي سيعزز أمن إسرائيل، ويضخ مليارات في الاقتصاد الإسرائيلي ويضمن استقرار حدودنا الشمالية، مشيرًا إلى أنه من المقرر عقد اجتماع لمجلس الوزراء الأمني المصغر حول الاتفاق المبرم بوساطة أمريكية.

وكتب لبيد على حسابه في تويتر "لقد توصلنا إلى اتفاق خط ملاحة تاريخي مع لبنان. غدا سألتقي بمجلس الوزراء السياسي - الأمني ​​يليه اجتماع للحكومة. مشروع الاتفاقية يتماشى بشكل كامل مع المبادئ التي قدمتها إسرائيل في مجالات الأمن والاقتصاد. هذا إنجاز تاريخي سيعزز أمن إسرائيل، ويجلب المليارات للاقتصاد الإسرائيلي ويوفر الاستقرار على الحدود الشمالية.

على الجانب الآخر، أعلنت لبنان  بأنها حصلت على كامل حقوقها في المقترح الذي تمّت صياغته بوساطة أمريكية لترسيم حدوده البحرية مع إسرائيل، وفق ما جاء على لسان نائب رئيس مجلس النواب إلياس أبو  صعب.

وقال أبو صعب المكلّف من رئيس الجمهورية ميشال عون بمتابعة الملف: "اليوم وصلنا لحل يرضي الطرفين. لبنان حصل على كامل حقوقه وأُخذت جميع ملاحظاته بعين الاعتبار"، ما يعزز الآمال بشأن إمكانية التوصل إلى اتفاق يسهّل عمليات التنقيب عن الموارد في المنطقة الحدودية الغنية بالغاز.

من جانبها، قالت الرئاسة اللبنانية في بيان إنها "تعتبر الصيغة النهائية لهذا العرض، مرضية للبنان لا سيما وأنها تلبي المطالب اللبنانية. وترى الرئاسة أن الصيغة النهائية حافظت على حقوق لبنان في ثروته الطبيعية". وأضافت أنها "تأمل أن يتم الإعلان عن الاتفاق حول الترسيم في أقرب وقت ممكن".

مشهد متداخل

تتوسط الولايات المتحدة منذ عامين بين لبنان وإسرائيل للتوصل إلى اتفاق يهدف إلى ترسيم حدودهما البحرية وإزالة العقبات أمام التنقيب عن النفط والغاز في شرق المتوسط. وذكرت تقارير صحافية ومسؤولون في إسرائيل أن الاتفاق نص على أن يكون حقل كاريش البحري تحت السيطرة الإسرائيلية على أن يحصل لبنان على حقل قانا، ولكن أبو صعب قال: "هناك تفاهم بين شركة توتال والإسرائيليين. وحسب الاتفاق يمكن أن تحصل (إسرائيل) على تعويضات من أرباح شركة توتال" وليس من لبنان. وعلى الرغم من النطاق المحدود للاتفاق، فإن من شأنه أن يخفف من المخاوف الأمنية والاقتصادية في كلا البلدين.

ومن ناحية أخرى، تشهد منطقة شرق المتوسط خلافات متعددة حول ترسيم الحدود في هذه المنطقة خاصة بعدما وقعت تركيا مذكرة تفاهم حول النفط والغاز مع حكومة الوحدة الوطنية الليبية برئاسة عبد الحميد الدبيبة. في حين اعتبر رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح اعتبر مذكرة التفاهم غير قانونية وغير ملزمة لأن ولاية حكومة الدبيبة "منتهية قانونًا". ويذكر أن توقيع هذه الاتفاقيات جاء بعد مرور 3 سنوات على إبرام اتفاق مثير للجدل بين حكومة الوفاق الوطني السابقة برئاسة فايز السراج والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تضمن ترسيما للحدود البحرية بين البلدين وتعاونًا أمنيًا، سمح لأنقرة بالتدخل عسكريًا في ليبيا عبر إرسال قوات تابعة ومرتزقة أجانب، ساعدت في صدّ هجوم شنّه الجيش الليبي للسيطرة على العاصمة طرابلس، وهو ما أثار حفيظة الاتحاد الأوروبي حينها.

وضمن سياق متصل، أعلن وزيرا خارجية مصر واليونان، عن رفضهما لمذكرة التفاهم الموقعة بين ليبيا وتركيا بشأن التنقيب عن النفط والغاز في البحر الأبيض المتوسط، واعتبرا أن حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس برئاسة عبد الحميد الدبيبة ليست لها سيادة على المنطقة وأن المذكرة "غير قانونية". وأن الاتفاقية تسمح لأنقرة بالتنقيب في مناطق واسعة شرق البحر المتوسط.

مسارات متعددة

من المؤكد أن هناك انعكاسات متعددة لهذه الاتفاقية حول إمكانية ترسيم الحدود بين مختلف دول المنطقة، خاصة وأن هذه المنطقة شهدت مؤخرًا توقيع العديد من الاتفاقيات المتعلقة بترسيم الحدود البحرية، ففي عام 2007 وقعت حكومتي قبرص ولبنان اتفاقية لترسيم الحدود البحرية بينهما، وشهدت الحكومتان الإسرائيلية والقبرصية في أكتوبر 2010 توقيع اتفاقية مماثلة، كما تم التوقيع على اتفاقية لترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص في عام 2013. وامتدادًا لهذا الأمر، أعلنت مصر عن إنشاء منظمة شرق المتوسط لتنظيم الاستفادة من الثروات داخل هذه المنطقة.

وعلى الرغم من ذلك، فهناك توترات متصاعدة بين كل من تركيا وقبرص واليونان ومصر حول السلوك التركي المهدد للاستقرار في هذه المنطقة، وبالتالي من شأن الاتجاه نحو الاعتماد على الاتفاقيات القانونية لترسيم الحدود البحرية بين دول المنطقة سيعمل على وضع أسس جديدة للتعاون بالإضافة إلى مواجهة السياسة التركية التصعيدية التي من شأنها فرض أمر واقع مغاير لهذه الاتفاقيات.

في الختام: إن عمليات ترسيم الحدود البحرية في منطقة شرق المتوسط سيترتب عليها الكثير من الإيجابيات بالنسبة لدول المنطقة والعالم خاصة في ظل التداعيات السلبية لاختلال سلاسل إمداد الطاقة نتيجة الأزمة الروسية الأوكرانية، ومن ثم فإن هذا التوجه سيساعد على سد الاحتياجات المتزايدة من جانب الدول خاصة مع دخول موسم الشتاء.