المركز العربي للبحوث والدراسات : تداعيات الوصول: ماذا تنظر أوروبا بصعود اليمين في إيطاليا؟ (طباعة)
تداعيات الوصول: ماذا تنظر أوروبا بصعود اليمين في إيطاليا؟
آخر تحديث: الأحد 02/10/2022 09:36 ص
مصطفى صلاح مصطفى صلاح
تداعيات الوصول: ماذا

فاز حزب إخوان إيطاليا اليميني بقيادة جورجيا ميلوني بالانتخابات البرلمانية الإيطالية بعد الحصول على نسبة 26% من الأصوات، وهو ما يعني أنه من حق جورجيا تشكيل حكومة برلمانية واعتلاء منصب رئيسة وزراء إيطاليا، ومن ثم ستصبح أول رئيسة وزراء سيدة في تاريخ إيطاليا، وأول يمينية تشكل حكومة متطرفة منذ عام 1945.

فبعد أن كان الحزب في صفوف المعارضة في كل الحكومات المتعاقبة منذ الانتخابات التشريعية في 2018، فرَضَ حزب فراتيلي ديتاليا بزعامة ميلوني نفسه بديلًا رئيسيًا، وانتقلت حصته من الأصوات من 4,3% قبل أربع سنوات إلى حوالي ربع الأصوات (بين 22 و26%)، وفق استطلاعات الخروج من مكاتب الاقتراع الأحد، ليُصبح بذلك الحزب المتصدر في البلاد.

ولا شك أن تقدم اليمين المتطرف سيشكل زلزالًا حقيقيًا في إيطاليا التي تعتبر إحدى الدول المؤسسة لأوروبا وثالث قوة اقتصادية في منطقة اليورو، إنما كذلك في الاتحاد الأوروبي الذي سيضطر إلى التعامل مع السياسيّة المقربة من رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان.

انعكاسات ممتدة

يعد فوز جورجيا ميلوني في الانتخابات البرلمانية ضربة لرئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين التي أشارت إلى أن لدى الاتحاد الأوروبي أدوات لمعاقبة الدول الأعضاء التي تنتهك سيادة القانون وقيمه المشتركة. خاصة وأن رئيسة الوزراء الجديدة ترفع شعار "الله الوطن العائلة"، الذي جعل حزبها مقبولًا كقوة سياسية وطرح المسائل التي تحاكي استياء مواطنيها وإحباطهم ببقائها في صفوف المعارضة في حين أيدت الأحزاب الأخرى حكومة الوحدة الوطنية بزعامة ماريو دراجي.

وجاءت الانتخابات الحالية، وهي الأولى التي تجري في الخريف في إيطاليا منذ نحو قرن، بسبب خلافات سياسية بين الأحزاب أدت للإطاحة بحكومة وحدة وطنية موسعة بقيادة ماريو دراجي في يوليو. كما أن لإيطاليا تاريخ طويل مع الاضطرابات السياسية، ومن المحتمل أن تواجه رئيسة الوزراء المقبلة في الحكومة رقم 68 منذ عام 1946 العديد من التحديات خاصة ارتفاع تكلفة الطاقة. من ناحية أخرى تترقب العواصم الأوروبية وأسواق المال نتائج الانتخابات الإيطالية بقلق في ظل الرغبة في الحفاظ على الوحدة في مواجهة روسيا والمخاوف من الديون الإيطالية الهائلة.

ويمكن الإشارة إلى أن هذا النجاح يواجه عقبات عدة؛ حيث سيتحتم عليها معالجة الأزمة الناجمة عن الارتفاع الحاد في الأسعار في وقت تواجه إيطاليا دينا يمثل 150% من إجمالي ناتجها المحلي، أعلى نسبة في منطقة اليورو بعد اليونان. كما أن إيطاليا بحاجة ماسة لاستمرار المساعدات التي يوزعها الاتحاد الأوروبي في إطار خطته للإنعاش الاقتصادي بعد كوفيد-19 والتي يمثل هذا البلد أول المستفيدين منها وبفارق كبير عن الدول الأخرى.

سياسات مغايرة

بعد فوزها الساحق بالانتخابات التشريعية الأخيرة، تخطط رئيسة حزب "فراتيللي دي إيطاليا" جورجيا ميلوني، لإنشاء ما أسمتها مهمة عسكرية أوروبية لمواجهة المهاجرين من ليبيا وتونس. فقد ألقت ميلوني خطابات عسكرية حول موضوع الهجرة، مبدية معارضتها لسياسة رئيس الوزراء ماريو دراجي وسياسات الدول التي تركت جزءًا من شعوبها تستسلم للهروب عبر البحر، وذلك وفقًا لما ذكرته مجلة "لوبوان" الفرنسية.

في حين تجاهر ميلوني بمواقفها المعادية للمهاجرين وتعرف بأنها عدوتهم، حيث طالبت في وقت سابق، بفرض حصار من القوات البحرية على سواحل أفريقيا لمنع المهاجرين من الوصول إلى بلادها. ومن المتوقع أن تفرض رئيسة الوزراء الإيطالية حصار بحري على البحر الأبيض المتوسط لوضع حد لأفواج الهجرة التي اقتحمت شواطئ بلادها، مشددة على أنها ستتخذ كل الخطوات المناسبة إزاء هذا الملف. كما نوّهت المعلومات إلى أنها تريد إنشاء مهمة عسكرية أوروبية تنفذ بالاتفاق مع السلطات الليبية لمنع قوارب المهاجرين من المغادرة في اتجاه إيطاليا، وهو ما يثير مخاوف المنظمات غير الحكومية التي تغيث مهاجرين سرًا يعبرون البحر في مراكب متداعية هربًا من البؤس في إفريقيا. كما سيتحتم عليها معالجة الأزمة الناجمة من الارتفاع الحاد في الأسعار في وقت تواجه البلاد دين خارجي يمثل 150% من إجمالي ناتجها المحلي، وهو ما يمثل أعلى نسبة في منطقة اليورو بعد اليونان.

في المقابل، بإمكانها الوقوف في صف وارسو وبودابست في معركتهما مع بروكسل حول مسائل الدفاع عن المصلحة الوطنية بوجه المصالح الأوروبية، أمام كل تلك الملفات يتفق الخبراء منذ الآن على أن ميلوني ستواجه تحديًا حقيقيًا في التعامل مع حلفاء مربكين سواء سيلفيو برلوسكوني أو ماتيو سالفيني، وأن أي ائتلاف حكومي مقبل معهما لن يستمر طويلًا في بلد معروف بافتقاره إلى الاستقرار الحكومي.

أما بالنسبة للاتحاد الأوروبي، فوصولها للسلطة يعد بمثابة كابوس. فأفكار جورجيا ميلوني القومية الحماسية تثير قلق بروكسل إلى حد كبير، وهو ما سيفتح المجال أمام مجموعة من التساؤلات حول كيفية تعامل إيطاليا مع خطة الإنعاش الأوروبية والتي تعد المفصل بين الديون الإيطالية ومساعدات بروكسل، فليس من مصلحة روما تبنى سياسات من شأنها زيادة الديون أو فرض مناخ حمائي يمنع المنافسة الأوروبية أو يشجع على زيادة الإنفاق العام، وبالتالي محاولة فرض أجندة شعبوية لصالح الطبقات الفقيرة والتي تنتظر دعمًا ماليًا من حكومة ميلونى أو على الأقل إيجاد حلول لتكاليف الحرب الروسية-الأوكرانية التي تؤثر في الداخل الإيطالي مثل كل دول القارة. من هنا، يلزم ميلونى البحث عن وزيري خارجية ومالية يستطيعا التعامل مع معضلة التوفيق بين الداخل الإيطالي ومتطلبات الاتحاد الأوروبي.