المركز العربي للبحوث والدراسات : استمرار التصعيد: لماذا تجدد الصراع بين أذربيجان وأرمينيا؟ (طباعة)
استمرار التصعيد: لماذا تجدد الصراع بين أذربيجان وأرمينيا؟
آخر تحديث: الخميس 22/09/2022 06:49 م
مصطفى صلاح مصطفى صلاح
استمرار التصعيد:

في 13 سبتمبر 2022، اندلعت الاشتباكات الأعنف منذ عام 2020 بين كل من أذربيجان وأرمينيا؛ حيث يتمحور الصراع بينهما حول منطقة "ناغورني كاراباخ او ما يسمى بـ"المنطقة السوداء". ففي العام 1992، حققت أذربيجان نوعًا من الانتصار واستعادت نصف المنطقة التي كان ثمة صراع عليها في "كاراباخ" ما بين الأرمن والروس. لذلك تعتبر أذربيجان ان بنود اتفاق السلام الذي وقِّع بين الرئيس الأذري إلهام علييف ورئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان وما بين الروس أواخر العام 2020 لم تنفذ بنوده نتيجة الصراعات الموجودة داخل الدولة الأرمنية.

وفي ضوء هذه التطورات، سارعت واشنطن إلى التعبير عن "قلقها العميق" إزاء هذه الاشتباكات، مناشدة الطرفين وقف القتال فورا. وقال وزير الخارجية أنتوني بلينكن في بيان إن الولايات المتحدة تبدي "قلقها العميق" بسبب التطورات الراهنة على الحدود بين أذربيجان وأرمينيا ولا سيما بسبب التقارير الواردة عن "قصف استهدف بلدات وبنى تحتية مدنية" في أرمينيا. وأضاف: "كما أوضحنا منذ فترة طويلة، لا يمكن أن يكون هناك حل عسكري للصراع".

العودة مجددًا للصراع

ردًا على استفزازات أرمينية، بحسب قولها، أعلنت أذربيجان اندلاع اشتباكات حدودية مكثفة مع أرمينيا، مؤكدة وقوع خسائر لدى الطرفين، بينما ردت وزارة الدفاع الأرمينية بأن الاستفزاز جاء من الطرف الآخر، من دون إشارة للخسائر. وبينما أكدت اذربيجان انها "حققت كل أهدافها" على الحدود مع أرمينيا وأنها تصدت للاستفزازات التي قامت بها القوات الأرمينية محملة اياها مسؤولية التصعيد، تدور بين البلدين بين الحين والآخر اشتباكات حدودية متكرّرة منذ انتهاء الحرب الثانية بينهما عام 2020، حول منطقة ناغورني قره باغ المتنازع عليه بينهما.

فمنذ انتهاء الحرب الثانية في 2020  بين أرمينيا وأذربيجان حول إقليم ناغورني قره باغ المتنازع عليه بينهما، تدور بين البلدين اشتباكات حدودية متكررة. فقبل أسبوع من بداية الاشتباكات، اتهمت أرمينيا أذربيجان بقتل أحد عسكريها في تبادل لإطلاق النار على الحدود بين البلدين. وتهدد أعمال العنف هذه بإعادة إشعال النزاع في منطقة ناغورني قره باغ، رغم وجود قوات روسية مكلفة الإشراف على وقف إطلاق النار الساري بين أرمينيا وأذربيجان منذ انتهت الحرب الثانية بينهما.

وبعد حرب أولى أسفرت عن 30 ألف قتيل مطلع التسعينات، تواجهت الدولتين في 2020 حول ناغورني قره باغ، المنطقة الجبلية التي انفصلت عن أذربيجان بدعم من يريفان. وأسفرت الحرب الأخيرة عن مصرع نحو 6500 شخص وانتهت بهدنة تم التوصل إليها بوساطة روسية.

كما اجتمع مجلس الأمن في أرمينيا وطالب رئيس الوزراء، نيكول باشينيان، روسيا بتنفيذ بنود "اتفاقية الصداقة والتعاون والمساعدة المتبادلة"، وهي اتفاقية بين الدولتين تتعلق بالدفاع المشترك في وجه أي عدوان، حيث قال باشينيان إن هذا القرار يأتي في إطار الدفاع عن أرمينيا بوجه "الاعتداء على مناطقها السيادية". ويجب الإشارة إلى أنه تم التوقيع على الاتفاقية عام 1997 وهي وتدعو إلى تعاون وثيق بين روسيا وأرمينيا بهدف الدفاع عن وحدة أراضيهما وسيادتهما في حال وقوع هجوم من دولة أجنبية.

على الجانب الآخر، قال نائب رئيس وزراء أذربيجان شاهين مصطفاييف في 16 سبتمبر إنه لا بديل عن تطبيع العلاقات بين بلاده وأرمينيا، مشيرًا إلى أن باكو مهتمة بتطبيع العلاقات مع يريفان ومستعدة للمفاوضات بشأن اتفاق سلام. وأن باكو ويريفان لا يمكنهما تطبيع العلاقات الثنائية إلا إذا كان هناك اعتراف متبادل بالسيادة وسلامة الأراضي وحرمة الحدود الدولية بين أذربيجان وأرمينيا في إطار إقامة العلاقات بين الدولتين. وأن منصة 3 + 3 (أذربيجان وأرمينيا وجورجيا وتركيا وروسيا وإيران) ستساعد في تعزيز الأمن الإقليمي.

الوصول للتهدئة

توصلت كل من أذربيجان وأرمينيا إلى اتفاق ينهي الاشتباكات التي اندلعت بينهما، وهددت بعودة شبح الحرب بين الدولتين. وأن وزيري الدفاع في أرمينيا وروسيا اتفقا على اتخاذ خطوات لتثبيت الوضع على الحدود الأرمينية الأذربيجانية.

من المفترض أن ينحسب الجيش الأرميني بالكامل من ناغورني قره باغ، وفقًا لاتفاق سلام 2020. وفي 31 أغسطس 2022، بدأت المفاوضات بين أرمينيا وأذربجيان على مستوى رؤساء الجمهورية في بروكسل تحت رعاية أوروبية، وبعدها تم تفويض وزراء خارجية البلدين لتوقيع اتفاق سلام نهائي بينهما، وهذا الاتفاق لا حديث حتى الآن عن شكله أو مصير الأرمن الذين قرروا البقاء في ناغورني قره باغ فيه".

وأشارت مجلة ايكونمست البريطانية إلى بيان وزارة دفاع أذربيجان والتي أكدت فيه أن الغارات التي نفذتها كانت بمثابة انتقام مما وصفته بـ"أعمال تخريبية" نفذتها أرمينيا فيما أشارت المجلة إلى الهجوم الذي شنته قوات أذربيجان في 2020 والذي حاولت من وراءه استعادة إقليم ناجورني قره باغ وهي منطقة تطالب أرمينيا فيها بضمانات لذوي الأصول الأرمينية. ووصفت "إيكونوميست" هجوم أذربيجان بأنه محاولة منها لإجبار أرمينيا على الخضوع لشروطها والقبول بتسوية لكن من أرضية، لكن الأهم من ذلك هو أن أذربيجيان تبدو وأنها تستغل انشغال روسيا بالمعارك في أوكرانيا بحيث لن تستطيع التدخل ودعم أرمينيا عسكريًا فضلًا عن أزمة الطاقة العالمية التي اشتعلت جراء العقوبات الأوروبية على روسيا وقطع موسكو لإمدادات الطاقة عن أوروبا التي تعتمد على أذربيجان بشكل متزايد.

في الختام: ظهرت وساطات متعددة للحيلولة دون تفاقم الأوضاع بين أذربيجان وأرمينيا، فهناك وساطة من الاتحاد الأوروبي، تجري الدولتان مفاوضات للتوصل إلى معاهدة سلام، بعدما أعلنت روسيا أنها تفاوضت على وقفٍ لإطلاق النار، لوضع حدّ للاشتباكات الدامية التي اندلعت بين أذربيجان وأرمينيا. وبالنظر إلى هذه الأسباب وما تمثله من فرص لاستمرار النزاع بين البلدين، يمكن القول بأن توقيت الاشتباكات الحالية يجعل من الصعب التباطؤ في البحث عن حل سياسي، لغلق الطريق أمام مغامرات غير محسوبة من جانب الطرفين، على الأرجح ستفاقم أزمة الطاقة التي تعاني منها أوروبا لما تمثله خطوط إمدادات الغاز الأذربيجانية لأوروبا من أهمية في الوقت الحالي.