المركز العربي للبحوث والدراسات : أحداث متسارعة ...ما هى أبرز دوافع تصعيد الوضع السياسي في العراق؟ (طباعة)
أحداث متسارعة ...ما هى أبرز دوافع تصعيد الوضع السياسي في العراق؟
آخر تحديث: الثلاثاء 30/08/2022 12:44 م
مرﭬت زكريا مرﭬت زكريا
أحداث متسارعة ...ما

شهدت العراق في أواخر  أغسطس 2022 أحداثًا دامية على خلفية   توافد المئات من أنصار زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، إلى المنطقة الخضراء وسط العاصمة، واقتحام القصر الرئاسي، إثر إعلان رجل الدين الشيعي القوي في وقت سابق، اعتزاله السياسة نهائياً، ووقوع اشتباكات مع أنصار الحشد الشعبي. مما دفع قيادة العمليات المشتركة إلى الإعلان عن حظر تجول شامل في عموم البلاد، بدءا من الساعة السابعة مساء بالتوقيت المحلي، بعد أن كان مقتصراً في وقت سابق على بغداد فقط.

وهو ما أعلن على إثره الأمن إغلاق جميع مداخل بغداد الشمالية والجنوبية، بعد أن أطلق قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق المحتجين والسيطرة مجددا على قصر الرئاسة. وقبيل دخول حظر التجول حيز التنفيذ، أفاد مراسل العربية بأن المواطنين في الناصرية استجابوا لدعوات الكاظمي وأخلوا المواقع الحكومية لكنهم أبقوها مغلقة.

وفي  هذا السياق سيتم الحديث فيما يلي عن أبرز دوافع  هذا  التصعيد: -

أولاً- تصاعد الخلافات بين التيار الصدرى والإطار التنسيقي

منذ نهاية يوليو2022، ارتفع منسوب التوتر بين زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر وخصومه في "الإطار التنسيقي" وهو تحالف سياسي يضم فصائل موالية لإيران. وفيما يواصل أنصار الصدر اعتصامهم عند مبنى البرلمان، نصب المعسكر الآخر خيامه على طريق رئيسي يؤدي إلى أحد مداخل المنطقة الخضراء المحصنة التي تضم مقرات حكومية وبعثات دبلوماسية بينها السفارة الأمريكية. معسكران تصدح باسميهما مطالب تتمثل بحل البرلمان وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة، وهذا هو حال الصدريين. أما "الإطار التنسيقي" فيريد إجراء هذه الانتخابات بشروط، مطالبا بتشكيل حكومة قبل إجراء الاستحقاق البرلماني.

وعلى الرغم من أن الاضطرابات السياسية واحتجاجات الشوارع شائعة في العراق، إلا أن تطورات يوم الإثنين، مع مزيج قابل للاشتعال من الانقسامات بين الفصائل الشيعية والتعدي على مؤسسات الدولة، إلى جانب الجمود السياسي، يمكن أن تشكل مرحلة أكثر خطورة. وكان العراق بدون حكومة جديدة منذ انتخابات أكتوبر/تشرين الأول الماضي ، عندما فاز المرشحون الموالون للصدر بأكبر كتلة من المقاعد وتغلبوا على الأحزاب السياسية الشيعية المنافسة المدعومة من إيران. فمشهدٌ ترك البلاد مع حكومة تصريف أعمال تحاول جاهدة معالجة المشاكل الاقتصادية الملحة، مثل إقرار ميزانية سنوية ، من بين أولويات أخرى.

وفي  هذا السياق، يرى مراقبون أنه إذا بقي تعهد الصدر بالانسحاب من السياسة قائمًا، فقد يمهد الطريق لمنافسيه المدعومين من إيران لتشكيل نواة حكومة جديدة  غير أنه في المقابل، تظل قدرة الرجل على حشد مئات الآلاف من أتباعه في جميع أنحاء العراق، تمنحه إمكانية تنظيم احتجاجات من شأنها أن تهدد أية حكومة جديدة إذا رغب في ذلك.  

ثانيًا-  الخلاف حول حل البرلمان وإجراء انتخابات نيابية مبكرة

اقترح زعيم التيار الصدرى العراقى، مقتدى الصدر، أن تتخلى جميع الأحزاب الموجودة على الساحة السياسية منذ سقوط الزعيم الراحل صدام حسين، بما فى ذلك حزبه، عن المناصب الحكومية التى تشغلها للسماح بحل الأزمة السياسية فى العراق.

واعتبر الصدر، فى تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعى تويتر، أن مطلبه السابق بحل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة أقل أهمية حاليا، وأضاف مطلبا جديدا، فى تحوّل واضح لموقفه. وكتب الصدر أن «هناك ما هو أهمّ من حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة، الأهم هو عدم إشراك جميع الأحزاب والشخصيات التى اشتركت بالعملية السياسية منذ الاحتلال الأمريكى عام 2003 وإلى يومنا هذا بما فيها التيار الصدرى»، الحزب الذى يقوده.

وتابع: "أنا على استعداد وخلال مدة أقصاها 72 ساعة لتوقيع اتفاقية تتضمن ذلك، مشيرًا إلى  إنه إذا لم يتحقق ذلك، فلا مجال للإصلاح"، لكن الصدر لم يكشف أسماء الشخصيات التى يعتزم تعيينها لقيادة الحكومة المقبلة. وفى الوقت نفسه، يواصل أنصار الصدر منذ نحو شهر اعتصاما مفتوحا داخل مبنى مجلس النواب وحوله، كما حاصروا لفترة وجيزة مجلس القضاء الأعلى، أعلى سلطة قضائية فى العراق.

 

ثالثًا- جذور صراعات سابقة

تواجه تحركات مقتدى الصدر وتياره السياسية منذ سنوات انتقادات غير قليلة، ليس فقط من خصومه التقليدين داخل الفضاء السياسي الشيعي، مثل نوري المالكي وائتلافه "دولة القانون" وقادة فصائل وميليشيات معروفة بتوتر علاقاتها الشديدة مع الصدريين، إنما من اتجاهات مدنية وشعبية أخرى بعيداً عن دائرة السلطة وأحزابها. والانتقادات غالباً ما ارتبطت بالأيام الأولى من إطاحة نظام حكم الرئيس الراحل صدام حسين، حين عمد الصدر إلى تشكيل ميليشيا مسلحة تحت اسم "جيش المهدي"، وما ترتب عن ذلك من صراعات ومواجهات أهلية، وما تفرع عن هذا الجيش من فصائل وميليشيات أخرى انشقت عنه.

كما ارتبطت أيضاً بالمقاعد البرلمانية والحكومية الدائمة التي حجزها الصدر في معظم الدورات البرلمانية وضلوع بعض عناصر تياره ممن تسلموا مناصب حكومية بسياق الفساد الذي تعاني منه البلاد منذ سنوات. وإلى جانب كل ذلك، تعيب الاتجاهات الناقدة للصدر عليه سرعة تحولاته السياسية المباغتة من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال.

ومن هنا، تبرز قضية الانتقادات التي يواجهها هذه الأيام بخاصة بعد تمسكه، أول من أمس، بحل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة، بعد أن كان يصرّ خلال الأيام الماضية، وبعد أن دفع أتباعه إلى احتلال مبنى البرلمان والتمركز فيه، على ضرورة إجراء تغيرات جذرية في أسس النظام السياسي. ولا يفهم كثير من المنتقدين للصدر من عبارة "التغيرات الجذرية" سوى تعطيل الدستور وإعادة كتابته ومحاسبة معظم رموز النظام المتورطين بعمليات الفساد وملاحقة زعماء الفصائل المسلحة المرتبطين بأجندات خارجية.

ومع عودة الصدر الى مربع الانتخابات المبكرة وحل البرلمان التي أثبتت تجربة الانتخابات المبكرة الأخيرة (أكتوبر الأول 2021) أنها غير قادرة على حل مشكلة البلاد السياسية العميقة، وجد المنتقدون للصدر، أن ذلك يمثل "تأكيداً للمؤكد" من سلوكه السياسي الذي تمييز بالتناقض وعدم الثبات على خطة واضحة للتغير.