المركز العربي للبحوث والدراسات : الجزائر والمغرب.. أسباب متعددة لعودة الخلافات إلى الواجهة من جديد (طباعة)
الجزائر والمغرب.. أسباب متعددة لعودة الخلافات إلى الواجهة من جديد
آخر تحديث: الأحد 07/11/2021 01:57 م
أحمد سامي عبد الفتاح أحمد سامي عبد الفتاح
الجزائر والمغرب..

في أغسطس 2020، قطعت الجزائر علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب، معللة ذلك بأن المغرب ينتهج طريق عدواني ضد مصالح الجزائر من خلال دعم الإرهابيين والتحالف مع دول تشكل تهديدا للأمن القومي الجزائري. كما اتهمت الجزائر جارتها المغرب بالتورط في الحرائق التي اندلعت في البلاد في منطقة كابيالا. ويحمل هذا التوتر تداعيات سلبية على مستقبل علاقات الطاقة في شمال أفريقيا وغرب أوروبا، خاصة أن الجزائر تورد كميات كبيرة من الغاز المصدر إلى أسبانيا عن طريق أنبوب غاز يمر عبر الأراضي المغربية.

أولا: خلفية تاريخية

تمتلك المغرب علاقات متوترة مع الجزائر منذ وقت طويل. وترجع هذه الخلافات إلى مرحلة تقسيم الحدود بين البلدين، فضلا عن الخلافات الأيديولوجية والتنافس من أجل زيادة الهيمنة الإقليمية في شمال أفريقيا. وقد خاض البلدين حربا حدودية صغيرة في الستينيات بعدما حصلت الجزائر على استقلالها من فرنسا. لكن الجزائر سرعان ما بدأت في دعم جبهة البوليساريو التي تطالب باستقلال الصحراء الغربية. وقد تم إغلاق الحدود البرية بين البلدين في عام 1994. وقد جاء هذا الإجراء بشكل أحادي من قبل الجزائر بعدما اتهمتها المغرب بالتورط في دعم الهجمات الإرهابية التي وقعت في مراكش عام 1994. وقد طالبت المغرب مرارا بإعادة فتح الحدود، لكن هذا الطلب قوبل بالرفض من قبل الجزائر بشكل متكرر. ورغم الخلافات السياسة والعلاقات المتوترة، إلا أن البلدين تمكنا من فتح أطر اقتصادية لتطوير العلاقات الثنائية من خلال تصدير الغاز الجزائري إلى أوروبا عبر أنبوب غاز يمر من خلال المغرب.

وقد دفعت الأحداث الأخيرة البلدين لزيادة الوجود العسكري على الحدود. وعلى الرغم من ذلك، تظل احتمالية اندلاع مواجهات عسكرية بين البلدين في الوقت الحالي بعيدة. وتحاول البلدين استغلال التوترات من أجل تحقيق مكاسب داخلية. على سبيل المثال، تحاول المؤسسة العسكرية في الجزائر تهدئة الشارع الذي يطالب بإصلاحات ديمقراطية منذ الإطاحة بالرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة. بالمقابل، ترى المغرب في هذه الأحداث فرصة لتشتيت الشارع الرافض لعملية التطبيع مع إسرائيل والتي لعبت دورا مهما في الإطاحة بحكومة حزب العدالة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة.

ثانيا: تجدد الخلافات

الموجة الجديدة من توتر العلاقات الثنائية بدأت بعدما قامت الولايات المتحدة بالاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية، الأمر الذي مثل ضربة قوية لجهود الجزائر الداعمة لاستقلال الصحراء الغربية كوسيلة لتقزيم النفوذ المغربي في المنطقة. وقد جاء الاعتراف الأمريكي كجزء من صفقة عقدتها المغرب مع إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب؛ والتي تعترف فيها الولايات المتحدة بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية مقابل قيام المغرب بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، الأمر الذي يمنح الأخيرة فرصة لتطوير علاقاتها مع الدولة الأفريقية من بوابة شمال وغرب القارة. ولأن الجزائر تعد واحدة من أقوى الدول دعما للقضية الفلسطينية، فقد انتقدت بشدة هذه الخطوة واعتبرتها تهديدا مباشرا لمصالحها الحيوية.

كما اتهمت الجزائر المغرب باستخدام برنامج بيجاسوس الإسرائيلي من أجل التجسس على مسئولين عسكريين بارزين، الأمر الذي زاد من حدة توتر العلاقات بين البلدين. وردا على دعم الجزائر لاستقلال الصحراء الغربية، دعا وزير الخارجية المغربي الجزائر لدعم قضية الاستقلال الذاتي لإقليم كابيالا بنفس القوة التي تدعم بها استقلال الصحراء الغربية. وخلال الحرائق التي اندلعت في منطقة كابيالا، عرضت المغرب تقديم الدعم، إلا أن الجزائر رفضت ذلك وبشكل قاطع.

ثالثا: الغاز والعلاقات الثنائية

منذ عام 1996، تقوم الجزائر بتصدير الغاز للأسواق الاسبانية والبرتغالية من خلال أنبوب يمر عبر الأراضي المغربية. بالمقابل من ذلك، تحصل المغرب على نسبة 7% من الغاز الذي يمر عبر أراضيها. وتستخدم المغرب هذه النسبة للاستهلاك المحلي، ما يعني أن وقف تصدير الغاز عبر المغرب سوف يسبب كبيرة للمغرب التي ستكون مطالبة بالبحث عن أسواق جديدة لتعويض النقص لديها.

علاوة على ذلك، تقوم المغرب بتصدير الغاز أيضا من خلال خط أنابيب يعرف باسم MedGaz ويمر عبر المغرب. سعة هذا الأنبوب السنوية تبلغ 8 مليار متر مكعب، وتعمل الجزائر على زيادة سعته لتصل إلى 10 مليار متر مكعب. وتخضع لاتفاقية تصدير الغاز عبر هذا الخط لبند يسمح بتمديد التصدير سنويا أو الغائه. من الجدير بالذكر هنا أن الجزائر قد قامت بالفعل بعدم تجديد الاتفاقية، الأمر الذي يحرم المغرب من مصدر دخل إضافي.

في النهاية، يجب أن نؤكد أن وقف تصدير الغاز الجزائري عبر المغرب يحمل أضرار سلبية على الطرفين، لأن الجزائر ستكون في حاجة لبنية تحتية جديدة من أجل تصدير منتجاتها النفطية إلى الأسواق الأوروبية، وهذا الأمر سوف يكلف خزينة الدولة مبالغ طائلة. وعلى الرغم من معرفة الجزائر بهذا الأمر، إلا أن الأخيرة حاولت منع المغرب من تحقيق أي استفادة اقتصادية من السوق الجزائري. من المتوقع أن تحاول المغرب تهدئة العلاقات من خلال دولة وسيطة، لكن القيادة العسكرية الجزائرية تحاول استغلال الأزمة من أجل تخفيف الضغط عليها داخليا.

المصادر

-              بي بي سي، الأزمة بين الجزائر والمغرب: ما أبرز المحطات في علاقات البلدين، https://www.bbc.com/arabic/middleeast-58343270

-              نوفل الشرقاوي، تاريخ القطيعة بين المغرب والجزائر، اندبندنت عربي، https://www.independentarabia.com/node/254316/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D8%AA%D9%82%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%B1/%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B7%D9%8A%D8%B9%D8%A9-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D8%B1%D8%A8-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A7%D8%A6%D8%B1