المركز العربي للبحوث والدراسات : مسار ارتدادي: اتجاهات تراجع سيطرة الإخوان في المغرب (طباعة)
مسار ارتدادي: اتجاهات تراجع سيطرة الإخوان في المغرب
آخر تحديث: الخميس 16/09/2021 01:26 م
مصطفى صلاح مصطفى صلاح
مسار ارتدادي: اتجاهات

تلقى التنظيم الدولي للإخوان هزيمة كبيرة بعد خسارة حزب العدالة والتنمية الانتخابات البرلمانية بالمغرب بعد 10 سنوات من السيطرة على الحكم، فيما اعتبره مراقبون انهيار لمشروع الإسلام السياسي في المغرب العربي، ونهاية لحلم حسن البنا المؤسس الأول للتنظيم، خاصة وأن هذه التطورات التي تشهدها المغرب تأتي بالتزامن مع تراجع شعبية الإخوان في الكثير من دول الجوار كما حدث في تونس منذ 25 يوليو 2021 وتراجعهم في الكثير من الدول العربية الأخرى.

فبعد تجارب مصر والسودان وتونس، فإن الهزيمة الكبيرة التي تعرض لها حزب العدالة والتنمية المغربي، هي بمثابة الانهيار الأخير للتنظيمات الإخوانية في المنطقة والتي ستمتد تأثيراتها لأقصى الدول بُعدًا عن المغرب العربي، في مختلف بلدان المشرق العربي، وستعيد التفكير والأحكام والرؤى حول كُل تجارب الإسلام السياسي في المنطقة.

ويجب الإشارة إلى أن تراجع حزب العدالة والتنمية الإسلامي ( حزب  جماعة الإخوان) في الانتخابات المحلية والتشريعية التي جرت في 8 سبتمبر 2021 بالمغرب، وتصدر حزب التجمع الوطنى للأحرار، كان متوقعًا  وأنها حملت تصويتًا عقابيًا كبيرًا ضد العدالة والتنمية وأن سبب الهزيمة يعود لأنه لم يرتكز على إنجازات كبيرة ليقنع بها الهيئة الناخبة. وقد حصل حزب التجمع الوطني للأحرار على 97 مقعدًا، من أصل 395 مقعدًا، تلاه حزب الأصالة والمعاصرة (82 مقعدًا)، ثم الاستقلال (78 مقعدًا)، والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (35 مقعدًا)، وحزب الحركة الشعبية (26 مقعدًا)، والتقدم والاشتراكية (20 مقعدًا) والاتحاد الدستوري (18 مقعدًا)، والعدالة والتنمية (12 مقعدًا)، بينما حصلت باقي الأحزاب الأخرى على 12 مقعدًا، وتقهقر حزب العدالة والتنمية الذي المحسوب على تيار الإسلام السياسي إلى المرتبة الثامنة، في الانتخابات النيابة في المغرب بعدما نال 12 مقعدًا فقط، بعد أن كان متصدرًا في انتخابات 2016 بـ 125 مقعدًا.

تراجع مستمر

نجح حزب التجمع الوطني للأحرار بقيادة أمينه العام عزيز أخنوش من خلال استراتيجية شاملة للعودة لمقاليد الحكم في المغرب؛ حيث انتزع حزب التجمع الوطني للأحرار موقع الصدارة بنتائج الانتخابات المغربية لينهي 10 سنوات من سيطرة حكومة حزب العدالة والتنمية الإخواني، وذلك بعدما استحوذ التجمع الذي حل بالمركز الرابع في آخر انتخابات برلمانية شهدها المغرب في 2016 بحصوله على 37 مقعدًا؛ حيث وعد الشعب المغربي بتغيير شامل وأوفى بوعده ليحتل الصدارة في الانتخابات البرلمانية لعام 2021.

وقد بدا واضحًا أن رهان عزيز أخنوش، ومعه باقي أعضاء وقيادات حزب التجمع الوطني للأحرار، على 100 إجراء لمعالجة الأزمات التي تسبب فيها حزب العدالة والتنمية طيلة قيادته الشأن الحكومي بالمملكة كانت السبب في دعم تياره في هذه الانتخابات، وذلك بعد أن لعبت الجماعة على الشعارات الدعوية الرنانة لكسب تأييد المجتمع المغربي لكن سقوطها الأخير كشف زيف هذه الشعارات.

إن السقوط المدوي لحزب "العدالة والتنمية" الإخواني في الانتخابات التشريعية بالمغرب يعكس مجموعة من الدلالات المرتبطة بواقع حركات الإسلام السياسي والذي تصدر المشهد السياسي في العالم العربي منذ 2011؛ حيث إنه أثبت أن تلك الحركات غير قادرة على تحقيق ما أطلقته من وعود وشعارات للشعوب التي حكمها. كما أن الإخوان في المغرب فشلوا في حل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية للبلاد أو إحداث أي إصلاحات ملموسة للمواطنين، على الرغم من بقائه في السلطة عشر سنوات، وأنه بسقوط الجماعة في المغرب انتهى عصر الشعارات الأيديولوجية للإسلام السياسي في العالم العربي.

سياقات متعددة

إن هزيمة "العدالة والتنمية" في المغرب تمثل جزءًا من حالة السقوط التي يشهدها التنظيم الدولي للإخوان وروافده في المنطقة العربية، كما أن سقوط الجماعة في تونس في الأسابيع الماضية، بعد أن حل الرئيس التونسي البرلمان الذي يسيطر عليه حركة النهضة الإخوانية واتخذ العديد من الإجراءات للحد من نفوذ الجماعة في البلاد، وقبلها كانت ثورة يوليو 2013 في مصر التي أنهت حكم الجماعة نهائيًا بمثابة دلالات إقليمية على فشل مشروع جماعة الإخوان الإرهابية.

وقد اتسعت الاتهامات الشعبية للحكومة بعدم الكفاءة فى مواجهة الأزمة الاقتصادية التى تفاقمت، وزاد بسببها معدل الفقر بعدما لجأ الحزب إلى بيع الشركات العامة، ورفع سن التقاعد الذي أغضب قطاعًا كبيرًا من العاملين والموظفين، إلى جانب تبنيه سياسات كان يعلن رفضها، منها أنه أقر تقنين زراعة القنب "الحشيش"، وتوسيع استخدام اللغتين الفرنسية والأمازيرية، والذهاب بعيدًا في التطبيع مع إسرائيل، وراجت اتهامات بتوسع الفساد الإدارى، وتصدع الحزب بالخلافات، وكلها عوامل سرعت من وتيرة تدهور شعبيته. بالإضافة إلى ذلك فإن تصدر العدالة والتنمية نتائج الانتخابات طيلة 10 سنوات جعله مستهدفًا من قبل الأحزاب المتنافسة الأخرى، خاصة وأن السياق الإقليمي الذي تضمن مواجهة تيارات الإسلام السياسي في عدد من الدول. وتأتي هذه التطورات بعد أن تولى حزب العدالة والتنمية (الإخوان) رئاسة الحكومة بعد النسخة المغربية من الربيع العربى، التى أفضت إلى مراجعة الدستور فى 2011 ووصول الإخوان إلى رئاسة الحكومة، كما تصدر النتائج الانتخابية فى 2016 أيضًا.

مسارات متعددة

إن الانتخابات المغربية كانت مليئة بالرسائل وبالدلالات السياسية سواء من حيث نسبة المشاركة التي فاقت 50%، أو عدد المشاركين في اللوائح الانتخابية على الرغم من الوضع الوبائي هناك. وأن هذا فى حد ذاته نقطة قوة وتعزيز للتوجه الديمقراطي المبني على احترام دورية وانتظامية الاقتراع المنصوص عليه في الدستور.

ومن جانب آخر فإن الصيغة الأولى لتشكيل الحكومة تتعلق بتحالف أحزاب مثل الأحرار والأصالة والمعاصرة والاستقلال وهذا يكفي لتكوين أغلبية مريحة بنحو 257 مقعدًا، لكن إذا كانت هناك أغلبية بين الأحرار والاستقلال والاتحاد الدستوري والاتحاد الاشتراكي يمكن أن تتجاوز 228 مقعدًا وهي أغلبية أيضًا.

وفيما يتعلق بمستقبل إخوان المغرب فإن أبعاد وخصوصية التجربة المغربية الأخيرة كحركة إخوانية تواجه هذا المستوى من النبذ والرفض الشعبي بعد سنوات من الحُكم المستمر لعشر سنوات؛ حيث كان الإخوان في مختلف دول المنطقة، وحينما كانوا يتعرضون لمواجهة فكرية وسياسية، عادة ما كانوا يشيرون إلى التجربة المغربية كنموذج براق يعتبرونه الأكثر فاعلية في مختلف تجاربهم. فالحزب الإخواني في المغرب لم يأتِ نتيجة انقلاب عسكري كما في السودان، ولم يحاول الانقضاض على أسس الدولة كما حدث في مصر، ولا تسبب بانهيار وشلل الحياة العامة كما في تونس، وبذلك كانوا يعرضونه كنموذج مثالي لنجاح تجربتهم. وضمن هذا السياق يمكن أن يتقدم رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، بالاستقالة من رئاسة الحزب، بعد فشله في الحصول على مقعد في الانتخابات البرلمانية، وهو ما يعكس تراجع حاد في شعبيته وفشل في إدارة المعركة الانتخابية، بالإضافة إلى دعوات قيادات بارزة داخل التنظيم الدولي وصفت ما حدث بأنه "فضيحة مدوية"، تطلب إصلاحات هيكلية عاجلة، وأن التنظيم بات عبء كبيرًا لابد من التخلص منه وإحلاله بمنظمات أخرى تمرر نفس الأهداف ولكن بآليات مختلفة، ستعمل على التغلغل داخل المجتمعات العربية عن طريق التماهي الفكري عبر مؤسسات جديدة.

وفي الختام:  تشكل هذه الهزيمة ضربة أخرى لتنظيم الإخوان الذي راهن على بلوغ السلطة في عدد من الدول، فكانت نهايته عن طريق إجراءات دستورية في تونس، خلال يوليو الماضي، ثم اختار الناخبون المغاربة، أن يتخلصوا من العدالة والتنمية عن طريق صناديق الاقتراع.