المركز العربي للبحوث والدراسات : رغبات تدخلية...ماذا يعنى الإنسحاب الأمريكي من أفغانستان بالنسبة لإيران؟ (طباعة)
رغبات تدخلية...ماذا يعنى الإنسحاب الأمريكي من أفغانستان بالنسبة لإيران؟
آخر تحديث: الخميس 15/07/2021 02:21 م كولين ب. كلارك وأريان م. طباطبائي-عرض: مرﭬت زكريا
رغبات تدخلية...ماذا

تتطلب المفاوضات لإنهاء الحرب المستمرة منذ فترة طويلة بين الحكومة المركزية الأفغانية وطالبان مزيدًا من الوقت؛ حيث تهاجم طالبان وولاية خراسان الإسلامية (ISKP) بهجمات على قوات الأمن الأفغانية والمدنيين، وكثيرًا ما يستهدف تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام(داعش) المجتمعات الشيعية أيضًا. ومن المرجح أن تتطلب أي تسوية من الولايات المتحدة الأمريكية سحب معظم القوات القتالية من البلاد. وعليه، قد يوفر الوجود الأمريكي المنخفض فرصة لإيران لتوسيع نفوذها في أفغانستان. فلطالما كانت طهران حذرة من عدم الاستقرار في جارتها الشرقية - فقد دفعت عقود من الصراع مئات الآلاف من اللاجئين الأفغان إلى إيران – وهو الأمر الذى امتنعت على إثره إيران عن القيام بأنواع الإجراءات التدخلية التي تمارسها هناك في العراق وسوريا واليمن حيث يعمل وكلائها. لكن إيران سيكون لديها الآن مساحة أكبر للمناورة وقد تميل إلى التدخل في الشؤون الأفغانية بقوة أكبر، لحماية مصالحها الداخلية وتقويض مصالح الولايات المتحدة الأمريكية.

أولاً- البحث عن الاستقرار

رغم الصراع المتواصل بين طهران وواشنطن في أجزاء كثيرة من الشرق الأوسط، لكنهما تشتركان في أهداف عدة في أفغانستان؛ حيث دعمت إيران جهود الولايات المتحدة الأمريكية في أواخر عام 2001 ، وساعدت في بناء التحالف الذي سيحل محل طالبان في كابول، ففي مفاوضات مبكرة أصر المسؤولون الإيرانيون على أهمية إجراء انتخابات ديمقراطية في حقبة ما بعد طالبان، فاليوم  لا إيران ولا الولايات المتحدة الأمريكية لديها أي رغبة في رؤية  النفوذ الطالباني يزداد قوة في البلاد.

وترغب طهران في شيوع الاستقرار بأفغانستان؛ حيث يشترك البلدان في حدود سهلة الاختراق، وغالبًا ما تمتد عواقب الاضطرابات في أفغانستان إلى الأراضي الإيرانية، فإيران هي موطن لمئات الآلاف من اللاجئين الأفغان. كما أنها وسيلة رئيسية لتهريب المواد الأفيونية إلى أوروبا؛ حيث وصل البلدان إلى شفا الحرب في ذروة حكم طالبان في أواخر التسعينيات فعندما قتل هذا الأخير، في سبتمبر 1998، العديد من الدبلوماسيين الإيرانيين في مدينة مزار الشريف شمال أفغانستان، وتعهد قادة إيران بالانتقام ونشروا آلاف الجنود في المنطقة الحدودية. وفي السياق ذاته، تخشى طهران من تصاعد نفوذ العناصر الأكثر تشددًا في طالبان وتريد أن تظل هذه الفصائل، - التي غالبًا ما تكون قريبة من باكستان والمملكة العربية السعودية-، بعيدة عن السلطة في حكومة مركزية جديدة؛ حيث لا تميل مثل هذه العناصر لتصاعد النفوذ الإيرانى الشيعى في الشرق الأوسط، وكذلك لا ترغب طهران في تصاعد النفوذ الطالبانى.  ومع ذلك، إذا كان العمل مع حكومة مركزية في كابول تضم عناصر من طالبان سيساعد طهران في حماية مصالحها الأساسية،  فإن هذه الأخيرة مستعدة للقيام بذلك. في الواقع، حاولت إيران في السنوات الأخيرة إصلاح وتعزيز علاقتها مع بعض فصائل طالبان من خلال مبادرات اقتصادية ودبلوماسية وأمنية.

وفي هذا السياق، تشمل المصالح السياسية والاقتصادية الرئيسية لإيران في أفغانستان الحفاظ على وصول البضائع الإيرانية إلى السوق الأفغانية والحماية من عدم الاستقرار على طول حدودها. فلا يزال الاقتصاد الإيراني يعاني من آثار العقوبات الأمريكية ومن الاضطرابات الناجمة عن أزمة تفشي فيروس كورونا؛ حيث يشعر المسؤولون الإيرانيون بالقلق من أن الفوضى في أفغانستان قد تدفع موجة أخرى من اللاجئين عبر الحدود وفي هذه الحالة لن تكون إيران قادرة على تحمل هذه الإضطرابات. كما أدت أزمة كورونا إلى  تفاقم المصاعب الطويلة الأمد والفقر بين اللاجئين في إيران الذين يعانون بالفعل من أجل الحصول على العمل والرعاية الصحية؛ حيث رحلت إيران آلاف الأفغان، لكن المزيد من العنف قد يؤدي إلى تدفقات جديدة. لذلك، تفضل إيران إلى حد كبير الوضع الراهن، والذي يوفر على الأقل قدرًا من الاستقرار يسمح لطهران بالتركيز على الأولويات الأخرى التي تعتبر أكثر إلحاحًا، خاصًة وأن البلاد تكافح مع موجة قوية أخرى من الإصابات بفيروس كورونا الجديد وعدد الوفيات اليومي القياسي.

ومع ذلك، هناك ظروف قد تشعر فيها إيران بأنها مضطرة للتدخل في الشؤون الأفغانية، ومن المتوقع أن تفعل طهران ذلك إذا وجدت أنه من غير المقبول وجود الحكومة المركزية في كابول بعد تسوية تفاوضية، تلعب فيها، على سبيل المثال، الفصائل المتشددة من طالبان دورًا قياديًا وتسعى إلى تحدي المصالح الإيرانية في أفغانستان.

ففي هذه الحالة، يمكن لإيران أن تنشر قوات في غرب أفغانستان لتكون بمثابة حاجز ضد أي اضطرابات أوسع، قد ترغب إيران أيضًا في التصرف إذا أثبتت الحكومة الأفغانية أنها غير قادرة على قمع تنظيم الدولة الإسلامية في كوسوفو بشكل فعال، واستمرت الجماعة الإسلامية المسلحة في تشكيل تهديد مباشر للمصالح الإيرانية والمجتمعات الشيعية. ففي هذه الحالة، قد يتوصل القادة الإيرانيون إلى استنتاج مفاده أن ميليشياتها يمكنها تأمين مواقع مهمة بشكل أفضل ودحر تنظيم الدولة الإسلامية في كوسوفو أكثر مما تستطيع قوات الأمن الأفغانية.

ثانيًا- جبهة جديدة

ويشير الكاتبان إلى أن إيران تمتلك بالفعل الأدوات التى يمكن أن تمكنها من أن تندمج أكثر في الشؤون الأفغانية؛ حيث يتمتع القائد الجديد لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني  العميد إسماعيل قاآني، بخبرة طويلة في أفغانستان؛ حيث لعب دورًا عملياتيًا في تجنيد الأفغان للقتال من أجل طهران في الحرب الإيرانية العراقية في الثمانينيات ومحاربة الجناح المسلح التابع لحركة طالبان في التسعينيات. وفي هذا السياق، قدمت إيران دعمًا استخباراتيًا بالوكالة للغزو الأمريكي لأفغانستان ودعمت العملية التي أعقبت استبدال طالبان بحكومة وحدة وطنية، فضلاً عن المعرفة العميقة التى يتمتع بها قاآني فيما يتعلق بالحدود الإيرانية الأفغانية من خلال محاربة مهربي المخدرات والجماعات الإجرامية الأخرى. فمن الواضح أن هذه التجربة قد تزود قاآني بفهم طبيعة عدم الاستقرار في المنطقة والتهديدات المنتشرة على طول الحدود.

لكن ربما تكون الوسيلة الأكثر ترجيحًا للتدخل الإيراني هي القوة شبه العسكرية التي نشرتها طهران في أماكن أخرى بشكل كبير؛ حيث قامت إيران بجمع كتائب المقاتلين الشيعة الأجانب للانضمام إلى الحرب في سوريا، الذين  يأتي أغلبهم من المجندين الموجوديين في أفغانستان وباكستان، وينتظم المقاتلون الأفغان في لواء فاطميون، وهي قوة قوامها ما بين 10000 و 15000 رجل شهدت قتالا في حلب ودمشق واللاذقية ومنطقة القلمون.

ومع احتمال انتهاء الصراع في سوريا، يمكن لإيران إعادة نشر المقاتلين الشيعة الأفغان في أفغانستان لتوسيع نفوذها في جميع أنحاء المنطقة أو لمنع التصعيد من قبل تنظيم الدولة الإسلامية في كوسوفو؛حيث تعتبر القوات بالوكالة أداة مركزية لسياسة إيران الخارجية واستراتيجيتها. وفي هذا السياق، نجح فيلق القدس في إقامة علاقات مع القوات في جميع أنحاء الشرق الأوسط، من حزب الله في لبنان إلى الحوثيين في اليمن. وعليه، قد تسعى إيران إلى تنظيم سلسلة من الهجمات لتسريع الانسحاب وإظهار أن إيران لعبت دورًا أكبر في إجبار الولايات المتحدة على التراجع، فقد تكون الهجمات متفرقة وتستهدف خطوط الإمداد واللوجستيات الأمريكية المستخدمة لتسهيل الانسحاب ، مما يثير بعض مشاهد القوات الأمريكية التي تغادر فيتنام أو الصومال. كما يمكن لطهران استخدام الميليشيات الشيعية الأفغانية كوكلاء من أجل إبعاد نفسها عن الأعمال العدائية العلنية، من خلال لواء فاطميون والميليشيات الأخرى، ويمكن لإيران أن تعقد المصالح الأمريكية في أفغانستان من خلال التحريض على الهجمات ضد الأصول الأمريكية المتبقية والشركاء المحليي، أو - على الأرجح - يمكن أن تساعد في تأمين أجزاء من أفغانستان ، وتعزيز نفوذها في البلاد، وفي القيام بالمزيد من تآكل نفوذ واشنطن المتضائل بالفعل.

وفي النهاية: يكشف الكاتبان عن أنه بالنظر إلى أن إيران أنفقت مليارات الدولارات على تسليح وتدريب ودفع آلاف المقاتلين الأجانب في سوريا، بمن فيهم الأفغان، ستكون أهم مهمة لقاآني كبديل لسليماني هي إدارة علاقة الحرس الثوري الإيراني - فيلق القدس بهذه القوات، وفي هذا السياق، تشير تجربته مع المقاتلين الشيعة الأفغان إلى أن هؤلاء المقاتلين على وجه الخصوص يمكن أن يكونوا مستعدين للعب دور أكثر بروزًا في سياسة إيران الخارجية، ومهما كان شكل الحكومة المستقبلية في كابول، فإن طهران ستراقب حدودها الشرقية بحذر؛ حيث قد تصل إلى استنتاج مفاده أن أفضل شكل من أشكال الدفاع هو التدخل.

Colin P. Clarke and Ariane M. Tabatabai, What Iran Wants in Afghanistan

And What U.S. Withdrawal Means for Tehran, foreign Affairs, July 8, 2020, available at https://www.foreignaffairs.com/articles/afghanistan/2020-07-08/what-iran-wants-afghanistan?fbclid=IwAR1itzs4pOUj7kcmrjb1CnF1ovw87qSVfUHFKW-JP_Vjnr-p9dDXmMKL_lQ